رغم تضافر جهود الوساطة الدولية والعربية، فإن جماعة الإخوان المسلمين تظل مصرة على عودة المعزول محمد مرسي إلى السلطة، ما يبعد آفاق حل سلمي للأزمة ويزيد من مخاطرحدوث حمام دم قد لا تحمد عواقبه.
بعد أسابيع من الاحتجاج المتواصل تغير المشهد في ساحة رابعة العدوية، معسكر اعتصام أنصار الإخوان المسلمين، فالمدخل يشبه حصنا محاطا بأكياس ضخمة من الرمال، إلى جانب جدران معدنية لحماية المعتصمين من هجمات محتملة بالرصاص. وفوق الباب الرئيسي صورة كبيرة للمعزول محمد مرسي، محاطة بشعارات من قبيل "أين صوتي؟".
وتحولت ساحة رابعة العدوية إلى مدينة صغيرة، حيث يقضي عشرات الآلاف لياليهم في خيم بسيطة بنوًها بأنفسهم. ويوجد في المعسكر مخبز بأفران تديرها نساء، وجزار، كما تم تحويل ساحة المسجد إلى مركز إعلامي يلتقي فيه كبار قادة جماعة الإخوان، بينهم القيادي في حزب العدالة والحرية، أيمن عبد الغني. ورغم جهود الوساطة الدولية خلال الأسابيع الأخيرة، إلا أن عبد الغني ظل يكرر الموقف نفسه "نحيي كل مبادرة جادة من الاتحاد الأوروبي أو من أطراف أخرى. إلا أن أي مبادرة يجب أن تقوم على ثلاثة عناصر: عودة المعزول، عودة البرلمان وعودة سريان مفعول الدستور".
"الجيش لا يريد التفاوض"
يعتقد بعض المراقبين أن قيادة الإخوان تعلم تماما أن عودة الرئيس المعزول إلى السلطة باتت في حكم المستحيل، وأنها تبحث خلف الكواليس عن مخرج آخر. إلا أن الكثيرين من معتصمي رابعة العدوية يرون في عودة مرسي شرطا غير قابل للتفاوض، ويصرون على مواصلة الاحتجاج إلى أن يتحقق مطلبهم، كما تعبر عن ذلك نعيمة التي تعمل في مخبز ساحة الاعتصام، والتي تتوقع القبض عليها من قبل قوات الأمن في حال توقفها عن التظاهر.
مخبز داخل معسكر اعتصام الإخوان
والواقع أن حملات الاعتقالات، التي قام بها الجيش وقوات الشرطة خلال الأسابيع الأخيرة، لم تساهم في تبديد هذه المخاوف. وهناك متظاهرون آخرون أبدوا استعدادا لحل وسط، كالطالب محمد والذي يقول "هناك حل، إذا مد الجيش بيده إلينا للتفاوض، لكن الجيش لا يريد التفاوض مع الإخوان ولا مع السلفيين. إنهم يستغلون الوضع الراهن للقضاء على كل أعدائهم".
غياب النقد الذاتي
خلقت أجهزة الدولة والإعلام جوا غريبا، يستحيل فيه انتقاد انتهاكات قوات الشرطة والجيش دون مواجهة اتهامات الانتماء للإخوان. ويرى محمد أنه إذا قرر قادة الإخوان فك الاعتصام فإن المحتجين سيعودون إلى بيوتهم، حتى دون عودة مرسي للحكم. لكن على الجيش، حسب رأي محمد، يجب أن يظهر حسن نيته ويطلق سراح الإسلاميين المعتقلين.
الكثيرون من أنصار مرسي لا يقرون إلى اليوم بأخطاء رئيسهم "الرئيس مرسي رجل طيب، ونواياه كانت طيبة. وكان خطأه عدم تنظيف مؤسسات القضاء والشرطة والإعلام من فلول النظام السابق"، كما يقول أحد الأخوان.
تحولت ساحة رابعة العدوية إلى ما يشبه المدينة الصغيرة، حيث يصر المعتصمون على عودة محمد مرسي إلى السلطة
مخاطر حمام دم
إلا أن مرسي حاول فعلا تحييد القضاء من خلال إعلان دستوري مثير للجدل. كما أنه وظف قوات الأمن والقضاء كلما كان ذلك في صالحه. والكثير من القوانين التي سنها المعزول لم تكن أقل استبدادا مما كان عليه الأمر تحت حكم مبارك، كما يؤكد ذلك عدد من منظمات حقوق الإنسان.
ويخشى المراقبون حدوث حمام دم في حال أصرت الأطراف المعنية بالأزمة السياسية في مصر على مواقفها. الإخوان بإصرارهم على الاعتصام إلى حين عودة مرسي، والعسكر بإعلانهم فشل الجهود الدبلوماسية ونيتهم فك الاعتصامات بالقوة. إنه سيناريو كارثي قد يعمق حدة الاستقطاب في المجتمع المصري ويزيد من تعثر آفاق المسار الديمقراطي.
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.