Pages

Saturday, August 31, 2019

إبراهيم ناصف الورداني..قصة شهيد بطولة مصرى..أغفلها التاريخ


قولوا لعين الشمس ما تحماشي ... لحسن غزال البر صابح ماشي

هذة الكلمات هزت أرجاء مصر منذ أكثر من قرن ، وللأسف الكثيرون لا يعلمون عن هذة الكلمات شيئاً سوى أنها كلمات إحدى أغاني الفنانة (شادية) .


(حادثة دنشواي) عام 1906 تلك الحادثة التي هزت مصر من أدناها إلى أقصاها.


حيث خرج ستة جنود من الإحتلال الإنجليزي لصيد الحمام في قرية دنشواي بمحافظة المنوفية فأصابت رصاصاتهم السيدة (أم صابر) فماتت في الحال ، وسرعان ما هاج أهل القرية وعدوا خلف جنود الإحتلال ، فمات أحدهم من ضربة شمس ، أو حتى قتلوه لا يهم فهو في النهاية محتل قاتل .


فتشكلت محكمة على الفور وحكموا فيها على أربعة مصريين بالإعدام ، وعلى أثني عشر بالأشغال الشاقة ، وبجلد العشرات ، وتم تنفيذ الأحكام على مرأى ومسمع أهل قرية دنشواي ، فرأى الوليد أباه يعدم ، ورأت الزوجة زوجها يجلد ، وفجع الشعب المصري بهذه المجزرة .


والفاجعة الأكبر يا سادة هي أن رئيس هذة المحكمة الذي بدلا من أن يكرمهم ويمنحهم نياشين البطولة والفداء قد حكم بإعدام المصريين هو المصري (بطرس غالي) الجد الأكبر لبطرس غالي الحالي ، ولا تعتبر رئاسته لمحكمة دنشواي هي أسوأ أعماله .


ولكنه عقد (معاهدة السودان) مع الإنجليز التي أعطت السودان لبريطانيا ، كذلك وافق وناصر بطرس غالي رئيس النظار مشروع تمديد امتياز قناة السويس لمدة أربعين عاماً (بعد انتهائه عام 1968) مقابل مبلغٍ من المال (فتات) تدفعه الشركة الفرنسية صاحبة الامتياز إلى الحكومة المصرية إلى جانب نسبةٍ من الأرباح.


طالبت الحركة الوطنية بعرض مشروع القانون على الجمعية العمومية، وقام الحزب الوطني ورئيسه محمد فريد -الذي استطاع الحصول على نسخةٍ من المشروع- بحملةٍ لحشد المصريين ضد القانون، وقد وافق الخديوي عباس حلمي الثاني على عرض المشروع على الجمعية، وحُدّد يوم 10 فبراير1910م لعقد جلسةٍ لمناقشته.


في تلك الجلسة حضر شاب يدعى إبراهيم ناصف الورداني ورأى دفاع غالي عن المشروع (كان سعد زغلول حاضراً بصفته وزيراً ويقال إنه كان مع المؤيّدين)، وتأثر بالمناقشات وخرج إبراهيم ناصف الورداني عازماً على وضع حدٍّ لحياة بطرس غالي.فأثبت بأعماله أنه خائن للوطن ، وعميلاً للإنجليز .


وبالفعل قام إبراهيم الورداني بعد عشرة أيامٍ باغتيال بطرس غالي أمام وزارة الحقانية في الواحدة ظهيرة يوم 20 فبراير1910 حيث أطلق عليه ست رصاصاتٍ أصابت ثنتان منها رقبته.


كان اغتيال بطرس غالي أول جريمة اغتيال سياسيةٍ في مصر الحديثة، وتزامن مع مشروع مد امتياز قناة السويس وما رافقه من تعبئةٍ شعبيةٍ والنظر فيه من قبل الجمعية العمومية التي رفضت مشروع القانون.


تحولت القضية لجناية رقم 14 عابدين 1910 الى محكمة جنايات مصر وإتهم الوردانى بالقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والتى كانت عقوبتها الإعدام
شنقا وكانت المحكمة مكونة من السير الإنجليزى مستر دلبروغلو وبعضوية أمين بك علي وعبد الحميد بك رضا ونائب العموم عبد الخالق ثروت

وإعترف الورداني بكل شجاعةٍ بتخطيط وتنفيذ الاغتيال؛ ذلك أن بطرس غالي "خائن"، وبيّن دوافعه؛ اتفاق الحكم الثنائي على السودان (الذي وقعه كناظرٍ للخارجية عام 1899) بعد حملة استعادة السودان التي دفعت مصر كامل نفقاتها وجاء فيها تركيز كافة السلطات بيد الحاكم الذي يكون إنجليزياً ولايعزل إلا بموافقة بريطانيا، وعدم سريان التشريعات المصرية في السودان ، ومشروع قانون تمديد امتياز قناة السويس أربعين سنة أخرى، ورئاسته المحكمة الخاصة التي نظرت في حادثة دنشواي وأصدرت أحكامها الجائرة المعروفة بحق أهالي دنشواي، وبسبب جهوده لإعادة العمل بقانون المطبوعات لتشديد الرقابة على الصحافة عقب حادثة دنشواي.

كان الاغتيال سبباً بإنشاء المكتب السياسي الذي هدف إلى تعقب السياسيين وذوي الاتجاهات الوطنية، وعُيّن أول رئيسٍ له "فليبدس بك" وهو يوناني متمصّر عرف عنه الفساد إذ سجن بعد ذلك خمسةَ أعوام لجرائم تتعلق بالرشوة والفساد.


تألفت عقب اغتيال غالي حكومة جديدة برئاسة "محمد سعيد باشا" شغل سعد زغلول فيها ناظر الحقانية، فصودرت الحريات، ونفي محمد فريد رئيس الحزب الوطني خارج مصر، وتحالف الخديوي عباس حلمي الثاني مع الإنجليز وعادت سياسة الوفاق بينهما مرة أخرى.


زادت كراهية الشعب المصرى له ولذكر إسمه ولكن ما كان شعب مصر العظيم ليدع ثأره ، ويترك خائناً قاتلاً يسعى في أرض الله بأمان ، فخرج بطل مصري (صيدلي) من أبناء هذا الوطن باع نفسه لله وهو في ريعان شبابه عام 1910م ، إبراهيم ناصف الورداني شاب صيدلي مصري من أتباع الحزب الوطني الذي أسسه مصطفى كامل ومؤسس الجمعية السرية "جمعية التضامن الأخوي"فحمل (إبراهيم ناصف الورداني) مسدسه وهو أبن أربعة وعشرين عاماً .


وتقدم إلى العميل الخائن الذي حكم بالقتل بدم بارد على المصريين الأربعة بالإعدام في حادثة دنشواي بخطى ثابتة و أطلق عليه رصاصات مسدسه الستة فقتله وأنتقم لدماء المصريين الأبرار .


إبراهيم ناصف الورداني كان وقتئذٍ شاباً في الرابعة والعشرين ربي يتيماً فكفله أحد أقاربه من الأعيان وأرسله بعد إنهاء دراسته المتفوقة ليدرس الصيدلة في سويسرا (06-1908) ثم إلى إنجلترا حتى عام 1909 لمتابعة الدراسة فحصل على شهادةٍ في الكيمياء، وعاد إلى مصر في (يناير1909) ليفتتح صيدليةً. كان عضواً في الحزب الوطني الذي يرأسه محمد فريد، والذي غدا بعد ذلك على ارتباطٍ بجمعية مصر الفتاة، وبعد عودته لمصر أسس "جمعية التضامن الأخوي" السرية التي نصّ قانونها على أن من ينضم إليها يجب أن يكتب وصيته.


مثل الورداني أمام المحكمة في 21 أبريل1910م برئاسة الإنجليزي دلبر وجلي، وكان من المحامين الذين حضروا للدفاع عنه :

أحمد بك لطفي السيد
 إسماعيل شيمي بك
 محمود بك فهمي حسين 
محمد علي علوبة بك
 محمود بسيوني 
أحمد عبد اللطيف بك 
مصطفى عزت
والمفاجئة قد حضر: إبراهيم الهلباوى (الشهير بجلاد دنشواى) للدفاع

وعند التحقيق معه قال " نعم أنا الذي قتلت بطرس باشا كبير الوزراء المصريين 
في يوم الأحد الساعة واحدة إفرنجي مساء لعلمي أن هذا الرجل خائن لوطنه وأن سياسته ضارة لبلاده  ولست أسفاً على ما ارتكبته لأني أرى ذلك خدمة في بلادي"، وكرر اعترافه أثناء المحاكمة وأكد بكل شجاعةٍ عدم ندمه، واعترف أنه فكر في قتله عندما حضر جلسة الجمعية العمومية ورأى بعينيه تصرفات غالي المتعجرفة تجاه أعضاء المجلس، وقبض على كثيرٍ من أعضاء جمعية "التضامن الأخوي" في حينه، كما كشف التحقيق وجود أكثر من خمسٍ وثمانين جمعيةً سريةً لم يكن للحكومة علم بها.


تم توجيه تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار للورداني، وهي جريمة عقوبتها الإعدام، وانشغل الرأي العام المصري بالحادث انشغالاً كبيراً، حتى فشت تلك الفترة خطابات التهديد إلى النظار (الوزراء) وكبار المسؤولين في الدولة.

كان بطرس غالى هو القاضى
وكان فتحى زغلول شقيق الزعيم سعد زغلول هو وكيل النيابة العامة
وكان إبراهيم أفندى الهلباوى هو محامى الدفاع


قام عبد الخالق باشا ثروت الذي كان يشغل ذلك الوقت منصب النائب العام بالتحقيق في القضية، وقد ذكر في مرافعته أن الجريمة المنظورة أمام المحكمة جريمة سياسية وليست من الجنايات العادية (نظرت لدى محكمة الجنايات جرّاء إصرار الممثل العام البريطاني السير ونجت نتيجة عقابيل المحكمة الخاصة بحادثة دنشواي وأحكامها)، وأنها "بدعة ابتدعها الورداني بعد أن كان القطر المصري طاهراً منها" ثم طالب بالإعدام للورداني، ويوم 18 مايو1910م أصدرت محكمة الجنايات حكمها بالإعدام، وأرسل الحكم إلى المفتي الشيخ بكري الصدفي لإقراره، لكنه تعاطفاً رفض لمانعٍ شرعي وهو عدم جواز قتل مسلمٍ بدم كافر، إلا أن المحكمة لم تأخذ برأيه، وكانت تلك سابقة أن يعترض المفتي على حكم محكمة الجنايات.

قبض على "إبراهيم الورداني" وتمت محاكمته ، وكان النائب العام الذي طالب بإعدام الورداني هو (عبد الخالق ثروت) الذي يظن المصريون الأن أنه بطل قومي ، وله أسماء شوارع بأسمه وكوبري أيضا، وهو الذي طالب بإعدام الورداني .

وظن "عبد الخالق ثروت" أن البطل سينكص أو سيخشى حبل المشنقة وهو الذي وهب نفسه لله رخيصة فداء للحق ودفاعا عن أبناء بلده فقال "إبراهيم الورداني" في المحكمة : (نعم قتلت بطرس غالي ولست نادماً لأنه خان الوطن) .


وصدر الحكم بإعدام الورداني ،وطعن على الحكم فريق الدفاع عن ابراهيم وأحيل لسيادة المفتي الشيخ (بكري الصدفي) وكان وقتها الشيوخ شيوخاً ، والعلماء علماء ، فأبى الشيخ بكري أن يحادد الله ورسوله ويوالي الإحتلال ورفض مخالفة ضميره وشرع الله برغم الأوامر التى صدرت له بنطق الحكم بالإعدام ليتحمل إزهاق روح بريئة أمام الله ورفض الموافقة على اﻷعدام ، وطلب بأوراق الدعوى أن يتم إحالة المتهم للمستشفى للتاكد من سلامة قواه العقلية قبل ان يصدر فتوى بأعدامه من عدمه وفي هذا دليل دامغ على أن (إبراهيم الورداني) بطل شهيد وغير مذنب.

وأصرت المحكمة على حكم الإعدام وقاموا بكل أسف بعزل الشيخ (بكري الصدفي) عن منصبه ، وتم تحديد يوم لتنفيذ حكم الإعدام ، وقبل تنفيذ الحكم بيوم واحد إنتفض وخرج مئات الآلاف من الشعب المصري من جميع المحافظات يودعون الشهيد قبل تنفيذ الحكم وتحول إبراهيم ناصف الورداني إلى بطلٍ شعبي ورمزٍ وطني تنظم فيه الأشعار والأزجال، ومنها الشعر الشعبي ظلوا يهتفون في كل شوارع مصر ...

قولوا لعين الشمس ما تحماشي 
لحسن غزال البر صابح ماشي

والذي إستعير مطلعه لأغنيةٍ شهيرةٍ في الستينات، وبعد أن أنتشرت صورة هذا البطل في كل بيت من بيوت مصر وخرجت المظاهرات ووقعت العرائض للعفو عنه وانتشرت صوره في المقاهي والأماكن العامة حتى لقد صدر قرار يُجرّم أي مصري يحتفظ بصورة الورداني وبقي القرار سارياً حتى ثورة يوليو 1952م. وتم تنفيذ حكم الإعدام في إبراهيم ناصف الورداني بمحبسه بسجن الاستئناف.
حضر تنفيذ الحكم وكيل المحافظة والحكمدار وطبيب السجن والمأمور وعند غرفة الإعدام حضر إبراهيم ناصف الوردانى واثق الخطوة بشوش الوجه غير خائفا وكأنه ذاهب للقاء غرامى وليس لحكم إعدام وبتمام الساعة 5:50 دقيقة قام مأمور السجن بتلاوة حكم الأعدام عليه وحضر عشماوى وأوقفه ولف الحبل حول رقبته وقال له: "إتشاهد يا إبنى" فنطق غزال البر بالشهادة وكانت أخر كلماته بالدنيا 
  "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.. وأن الحرية والاستقلال من آيات الله"
 وتم تنفيذ الحكم وفاضت روحه الطاهرة بعد 8 ثوان من تنفيذ الحكم ومات البطل شهيدا ليخرج من سجن الدنيا ويدخل التاريخ من باب العزة والكرامة والحرية.

وتم نقل جثمانه الطاهر لمشرحة زينهم للتشريح وعمل تقرير الوفاة كما هو متبع
 وتم تغسيله وتكفينه وأخذ لمقابر أسرته بالإمام الشافعى ليرقد بسلام للأبد.

قام الزعيم الوطنى محمد فريد بكتابة مقدمة لديوان شعر حزين فيه رثاء لإبراهيم الوردانى للشاعر على الغاياتى فتم إتهامه بالتحريض على العنف والقتل وإزدراء الحكومة وبأنه يدعوا للعنف ويحض بأحاديثه على فعل الجريمة وحكموا عليه بالسجن وقام الخديوى عباس حلمى بالتضامن وبنفيه فورا خارج مصر ومات بكل أسف بالغربة وحيدا شريدا وعاد جثمانه لمصر على نفقة أهل الخير.

والعجيب والغريب بل والمدهش بالأمر أن الإعلام المصري منذ إثني عشر عاما أحتفل بمرور مئة سنة على مقتل "بطرس غالي" تمجيدا لماذا أو إحتفالا بماذا لا أحد يعلم تلك التكريمات الزائفة تزويرا لوقائع التاريخ الذى يعلمه كل المصريون عاما بعد عام جيلا بعد جيل وبالرغم من إثباتهم كل جرائمه ، بل والأعجب من ذلك يا سادة أنهم علمونا في المدارس أن قتلى دنشواي الأربعة شهداء ، ولم يعلمونا أن من حكم عليهم بالإعدام مجرم سفاح خائن لوطنه أسمه "بطرس غالي" قتله رجل أسمه "إبراهيم الورداني".

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.