Pages

Wednesday, January 18, 2012

مينا مات


مينا مات

مينا يتعالج من إصابته يوم موقعة الجمل فى مسجد عمر مكرم

مينا دانيال مات ...
اعتراف .... 
اعترف أننى لم أكتب عنه حتى الآن ، لأننى كنت عاجزة عن وصف ما اشعر به من سواد ، كما أننى اعلم أنكم جميعًا تتألمون مثلى ، فلم أرد أن أزيد ألمكم ألمًا ، وأجعل من وجعكم أو جاعًا ...
مينا مات يمكن ... ربما رحل اللحم ، والدم ، والشعر ، والعظام ، والخلايا الفانية ...
مينا يحتضر الآن .... 
الروح الطاهرة لازالت حية (هذه حقيقة ) ، ولكن هذه الروح تمر الآن بلحظات صعبة ، لحظات إحتضار حقيقية تتطلب منا جميعًا أن نتكاتف ، ونحضر غرفة عمليات ، ونستحضر كل ما نملك من قوة وشجاعة ومهارة طبية لإنقاذها ...
مينا  ليس شخصًا بعينه ... مينا أحد الأرواح الطاهرة التى يحفظ الله هذا الوطن ببركتهم ، مينا مثال على كل حر راح ضحية الظلم والطغيان الذى يملأ جنبات هذا الوطن التعيس ...
أعتراف ...
اعترف أن الكلمات لا تسعفنى ... اعترف أننى اعجز عن وصف الألم والأمل المتلازمان اللذين يملأن روحى عندما انظر لصورة مينا ...
كيف لى أن اكتب عنه وهو ينظر إلى هذه النظرة الطاهرة ...
كيف لى أن احزن على فقدانه ، وهو يبتسم لى هذه الأبتسامة الساحرة البريئة التى تخطف القلوب ...
هل تريد منى أن احدثك عن مينا ؟؟؟؟ هل تريدنى أن اصفه لك ؟؟؟
 إذن ...دعنى اصفه لك سيدى ...
أنت تطلب منى وصفه لك ؟؟؟ وقد رأيته بعينيك ..... لا تتعجب ... نعم أنت رأيته بأم عينيك ، وربما تحدثت معه أيضًا ..
ربما وقف يومًا لحمايتك وأنت تؤدى صلاتك فى قلب الخطر ... ربما وقف بجوارك والسماء تمطر رصاص ...
ربما انقذ حياتك بقطرات من الخل أو الكولا ..
ربما صب لك الماء لتتوضأ ... ربما تشاركت معه الغطاء فى ليلة شديدة البرودة ... ربما تشاركت معه شربة ماء أو قطعة خبز ....
ربما كان يقف بجوارك فى الصفوف الأمامية تقذفون الحجارة معًا يوم موقعة الجمل ...
مينا ليس منك ببعيد ... إنه بجوارك ... إنه حولك ... بل ربما هو أنت ...
نفس الحلم ... نفس الهم ...
مينا لم يخبرنى يومًا عن أحلامه ... لكننى اعرفها .... نعم اعرفها كلها ...
مينا كان يحلم بالكرامة ... والحرية .. والحقوق المتساوية ...
كان يحلم بوطن يفخر بأنه أحد أبناءه .... بدلًا من الخجل من حمل جنسيته ...
كان يحلم بوطن لا تلاحقه اللعنات ..
كان يحلم بوطن يؤمن به ... بدلًا من وطن يكفر به ..
كان يحلم بوطن يحيا خارج قضبان السجون .. وطن لا يسكر من دماء أبنائه ..
كل هذه الأحلام ... راودته ... وربما أكثر ...
ربما كان يحلم بفتاة تتمتع بإبتسامة بريئة كإبتسامته ... يتشارك أحلامه معها ...
ربما كان يحلم بطفل نبيل الأخلاق مثله ... يحمل اسمه ...
ربما كان يحلم بضحكات تتعالى ... بإبتسامات تتوالى ... بلحظات عشق ...
لست واثقة بأن هذه كل أحلامه .... لكننى واثقة أنه لم يجد سبيلًا لتحقيق أحلامه ... سوى مواجهة كل الظلم والمخاطر التى تملأ أرض بلادنا ...
ربما قادته أحلامه بحياة كالحياة ... إلى فقد حياته ...
مينا أفضل منا جميعًا ... مينا كان يحلم ... وهذا ما نفتقده نحن ... نحن نفتقد أحلامًا كاملة .. نفتقد إرادة تحقيق الحلم ..
مينا مات ... نعم مينا مات ... والطاغية اللامبارك ... ينام على أحد الأسرة الفاخرة فى المركز الطبى العالمى ...
ومجلس العجائز يصدر الأوامر أمرًا تلو الآخر ... وبعض المخلوقات اللا بشرية تتنازع حول ما إذا كان مينا شهيدًا أم غير شهيد ...

تبًا لوطن يقتل أجمل ما فيه ... تبًا لوطن يهين أجمل ما فيه ... تبًا لمخلوقات يسمون أنفسهم متحدثين باسم الدين .. ويعتقدون أن الله قد أعطاهم مفاتيح جنته ... " أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ "

أيها  المخلوقات هل تعتقدون أننى سأرى دم مينا يسيل ظلمًا وعدوانًا ، ثم اتوقف متسائلة هل مينا شهيد أم لا ؟؟؟

تبًا لكم .. يا من تتحدثون باسم الله .... الله فقط يمتلك خزائن الرحمة ...

يا من تصنعون القيود باسم الله ... طريق الحرية هو طريق الله ...

يا من تتحدثون باسم الله ... هل منكم من ذهب فى رحلة إلى الآخرة ثم عاد إلينا ... ليخبرنا أن مينا فى النار ...

أن لا أدرى هل مينا فى الجنة أو فى النار ؟؟؟ ولا يهمنى أن اسأل أو افكر فى ذلك ؟؟؟ كل ما يهمنى أن مينا كان  يحيا فى دنيانا إنسانًا ... إنسانًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى .... إنسانًا بمعنى لم تفهموه يومًا ولن تفهموه ، لأنكم من قال فيهم رب العزة : " فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِيالصُّدُورِ"

يا من تنصبون أنفسكم آلهة تحكمون بإيمان هذا وتكفرون هذا .... هل منكم من يمتلك صكوك الغفران ليوزعها على خلق الله .... هل منكم من يعلم يقينًا أن مثواه الجنة ...

أن لا أعلم هل مينا فى الجنة أم فى النار ؟؟

لكننى اسأل الله – تعالى – أن يتغمده بواسع مغفرته ... وأن يجمعه وسائر شهدائنا فى جنة الخلد ...

اتمنى أن يقف محمد محسن على أبواب الجنة ليستقبل مينا ....

واسأل الله لكم أن يغفر لكم ... ويرقق قلوبكم .. ويفتحها على فهم صحيح دينه الذى بعث به خير رسله رحمة للعالمين .... ولا تكونوا كمن قال فيهم –تعالى - : " أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا"

 الله تعالى قال أنه أرسل محمدًا (صلى الله عليه وسلم ) رحمة للعالمين .. ولم يقل رحمة للمسلمين ...

مينا مات ... نعم مينا مات ... لكن هناك غيره مليون مينا ...

مينا مات ... وعلاء عبد الفتاح خلف قضبان السجون العسكرية هو و12000 ألف غيره ...

مصرنا اللعينة العزيزة ... تعذب خيرة أبنائها ... وطننا القاسى الرحيم يردى خير أبناءه ما بين قتيل وحبيس خلف القضبان العسكرية ...

مينا مات ... وعلاء عبد الفتاح خلف القضبان ... والمجرمون والطغاة يرتعون فى البلاد ... يترئسون الجامعات ... يجلسون فى الوزرات ... يترشحون للمجالس النيابية ... وربما يضعون قوانين المستقبل ...

مينا مات .... لكن هناك مليون مينا ...

علاء عبد الفتاح خلف القضبان العسكرية ... 12000 ألف شاب خلف القضبان العسكرية ... لكن هناك مليون علاء عبد الفتاح ...

مينا دانيال مات ... ومعتز أنور قتل برصاصة الشرطة الغادرة ... وعصام عطا مات تعذيبًا داخل أحد السجون المصرية ...

ومن هزل القدر بنا : أن يكون مينا متهمًا بالتحريض على قتل نفسه ...

ومعتز مقتول برصاصة من ضابط ممنوع من حمل السلاح ، لأنه يعانى إكتائبًا ...

وعصام عطا ... دفع حياته ثمنًا لشريحة تليفون ... أو ربما يكون قد ابتلع إحدى اللفافات ... التى صارت إحدى وسائل إنهاء الحياة فى مصر ... ربما يصنعون فى المستقبل بنادق تمتلأ خزانتها باللفافات .. بدلًا من الرصاصات ...

يا من تجلسون أمام شاشات التلفزة ... تستمعون إلى التحليلات الفكرية العميقة ... التى تخبركم بأن مينا قتل رجال الجيش ... وعلاء عبد الفتاح اعتدى على موظفين أثناء تأدية واجبهم العسكرى .... وعصام عطا كان بلطجيًا ... ومات بلفافة ..أو غيره ...

والضابط الذى قتل معتز كان مكتئبًا ( يا عينى عليه ) يمر بظروف نفسية قاسية ...

فلتظلوا جالسون .... استحلفكم بالله ألا تنهضوا من أمام الشاشات ... فلتظلوا فى أماكنكم حتى يأتى دوركم ... أو دور أحد ابنائكم ...

ربما غدًا تجدون أحد أبنائكم خلف القضبان العسكرية ... أو مبتلعًا احدى اللفافات ... أو مضروبًا برصاصة مجهولة المصدر ...

لم أكن لأحلم بأبناء أفضل و أنبل من مينا دانيال ، وعلاء عبد الفتاح ...

حقًا اتمنى أن انجب أبناء بنبلهم ، وطهارتهم ... لكننى لا أريد إنجاب أبناء فى وطن يسكر من دماء أبناءه ، لا أريد إنجاب أبناء فى وطن لا يرتوى من دماء أبناءه ...

لا أريد إنجاب أبناء فى وطن يموت أبناءه خلف قضبان السجون .. وطن يرتع فيه ضباط قتلة ... يطلقون الرصاص بلا حساب ... 

وطن أبطاله خلف قضبان السجون ... لا أريد إنجاب أبناء فى وطن يُدهس أبناءه بالأحذية ... أو بالآلات المجنزرة ..

مينا مات ... مينا مات ... نعم ... نعم ...

مينا مات ... لكننى متفائلة جدًا .... وسعيدة جدًا ... وواثقة تمام الثقة  فى أننا سنجتاز هذه المحنة ... واثقة أننا سنثأر من قاتليه ... واثقة فى أن أحلامه ستتحقق قريبًا ... ليس بفضلنا ... بل ستتحقق هذه الأحلام ببركة الدماء الطاهرة ...

أنا سعيدة لأن مينا مات ... لإن هذه الحياة البائسة ، لم تكن تناسب هذا الكائن النبيل ... مينا كان يحتاج حياة أفضل .. واتمنى أن يكون يحياها الآن ...

أنا واثقة أن الله لن يرضيه ان تذهب هذه الدماء الطاهرة هدرًا ... وسيعيننا بقوة من عنده ..

مينا مات ............ نعم ...... لكنه حى أكثر من قاتليه ...

علاء عبد الفتاح خلف القضبان العسكرية ......... نعم ... لكنه حر أكثر من سجانه ....

عصام عطا .... مات من التعذيب ......... نعم .... لكن قاتله يتألم أكثر منه ...

شهدائنا مصابيح معلقة فى سماء الوطن ... تنير ظلمته ... وتعزف ألحان الحرية فى سماءه ..

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.