لم تكن تطربنى كلمات الغزل التى يصبها الرجال فى آذان النساء، كنت أصد عيون الذكور النهمة دائما لما يسمونها الأنثى، كلمة أنثى ترن فى أذنى نابية مثل كلمة ذكر، «ذكر- أنثى» هذه أوصاف الحيوان وليس الإنسان، كانت أمى تقول لى منذ الطفولة: المهم العقل مش الشكل. كلمة جميلة ترن مهينة فى أذن أى امرأة ذكية متفوقة مبدعة فى عملها، كاتبة أو شاعرة أو طبيبة أو فلاحة أو وزيرة أو رئيسة وزراء أو رئيسة دولة.
فى مؤتمر أدبى قال أحد الرجال لامرأة: أنت جميلة يا سيدتى أجمل من أن تكونى كاتبة، ابتسمت المرأة للرجل فى سعادة دون أن تدرك الإهانة، مما أكد أنها فعلاً لا يمكن أن تكون كاتبة أو ذكية.
باراك أوباما، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، تم اتهامه هذا الشهر بالتمييز العنصرى الجنسى لأنه قال عن وزيرة العدل فى ولاية كاليفورنيا إنها جميلة، اضطر أوباما للاعتذار عن لغته الذكورية، قال المتحدث باسم البيت الأبيض إن أوباما اتصل بالوزيرة (كامالا هاريس) واعتذر لها بسبب الضجة التى أثارتها كلماته، وما سببته من تشتيت الانتباه عن كفاءتها والتقليل من ذكائها ونجاحها فى عملها، وأنه (أوباما) يدرك تماماً الصعوبات التى لاتزال تعترض النساء الأمريكيات فى أماكن عملهن، ويؤكد أنه يجب ألا نحكم عليهن بالمظهر أو الشكل.
بعض النساء الأمريكيات نقدن لغة أوباما الذكورية، وسألته إحداهن (اليكساندرا بيترى) متى يوجه الرجل نظره إلى جسد المرأة ويصفها بالجميلة؟ وقالت (ميكا برزيزنسكى) إن أوباما أخطأ فى وصفه الوزيرة بالجميلة، لأن الواجب إبراز كفاءة المرأة فى عملها وليس شكلها أو مظهرها، سبق لأوباما أن وقع فى هذا الخطأ ووصف نساء بالجمال رغم أنهن متفوقات فى عملهن وذوات كفاءة عالية، ما أثار انتقادات المدافعين عن حقوق المرأة الأمريكية.
قالت فتاة مصرية: كلمة جميلة نوع من التحرش الذكورى بالنساء، فالتحرش يكون بعين الذكر كما يكون بيده. قالت فتاة أخرى: والعين قد تؤلم أحياناً أكثر من اليد. اعترضت امرأة وقالت: التحرش باليد انحطاط أخلاقى أما انبهار عين الرجل بجاذبية المرأة فهو نوع من تذوق الجمال أو نوع من الفن. صاحت الفتاة الأولى: لا، لا، المرأة ليست جسداً معروضاً لعين الذكور، وسألت إحدى الشابات: ألا تتحرش عين المرأة بجسد الرجل أيضاً وتقول عنه جميلاً أو جذاباً؟ طبعاً، لكن وضع المرأة يختلف، يتربى الرجل من الطفولة على التحرش بالمرأة، كلمة رجولة تعنى القدرة على التقدم والاقتحام والعنف، إنها التربية الذكورية فى مصر وأمريكا وكل العالم، ومن يقوم بهذه التربية؟
الأمهات والآباء يربون الولد ليكون رجلاً مليئاً بالرجولة، بالذكورة، علينا تغيير عقلية الأمهات والآباء إن أردنا تهذيب عيون الذكور
وأيديهم فلا تمتد وتتحرش بالنساء، علمتنى أمى وأبى أن أحترم عقلى ولا أعتبر نفسى مجرد جسد يتجمل لإرضاء الرجل، كما تعلم أخى أن يحترمنى ويعتبرنى مساوية له فى كل الحقوق والواجبات، إذا احترم الرجل أخته وأمه فسوف يحترم زوجته وزميلته فى العمل وكل النساء.
كيف نغير عقلية الآباء والأمهات؟ بتغيير عقلية البنات والأولاد منذ الطفولة، وكيف نحقق ذلك؟ بثورة فى التعليم والتربية تقوم على العدالة والحرية والكرامة والمساواة الكاملة بصرف النظر عن اختلاف الجنس أو الدين أو الطبقة أو غيرها، هذه مبادئ الثورة المصرية؟ لكنها لم تغير إلا وجه رئيس الدولة واسمه، وبقى النظام هو النظام، بل ازداد سوءاً.
د . نوال السعداوي
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.