مرسى لـ«الجزيرة»: ناس لا نعرفهم كسروا باب السجن ومعايا 6 من الإخوان لا تزال قضية اقتحام السجون فى مصر قضية غامضة لا يعرف الرأى العام حتى الآن حقيقتها رغم مرور عامين على الواقعة فى أعقاب ثورة 25 يناير 2011، ويظل الرئيس محمد مرسى السجين الهارب من سجن وادى النطرون فى هذه الواقعة علامة استفهام كبيرة فى الكشف عن حقيقة تلك الأحداث، ولا تزال المحكمة تنظر القضية والمقرر لها عقد جلسة يوم 28 من الشهر الجارى مع طلب المحامين شهادة الدكتور محمد مرسى وآخرين. وجاء نص مكالمة الدكتور مرسى يوم 29 يناير من سجن وادى النطرون مع فضائية «الجزيرة» كالتالى: «الجزيرة»: ومعانا الدكتور محمد مرسى من سجن وادى النطرون. - مرسى: أحدّثك وأحدّث العالم، نحن لا نفرّ، إذا كان هناك مسؤول فى مصر يتصل بنا أنا موجود والتليفون موجود ونحن بخير ولا نفرّ. «الجزيرة»: ماذا أنتم فاعلون بعد أن فتح الأهالى السجن ولا تعرفون موقفكم القانونى.. ماذا أنتم فاعلون؟ - مرسى: ونحن سنتشاور ثم نتفق على ما سنفعل، وإذا اتصلت بنا بعد ساعة سنقول لكم ماذا فعلنا. «الجزيرة»: إذن أنتم بخير وتتشاورن عن ماذا تفعلون، أنتم 34 من أعضاء الجماعة بينهم 7 من مكتب الإرشاد. - مرسى: سأقول لكم الأسماء «محمد مرسى وعصام العريان وسعد الكتاتنى ومحيى حامد ومحمود أبو زيد ومصطفى الغنيمى وسعد الحسينى هؤلاء 7 أعضاء مكتب الإرشاد، ومعنا سيد نزيلى مسؤول الجيزة فى الإخوان، وأحمد عبد الرحمن مسؤول الفيوم فى الإخوان، وماجد الزمر وهو من شمال القاهرة، وحسن أبو شعيش مسؤول الإخوان فى كفر الشيخ، وعلِى عز وهو من أسيوط وهو من مسؤولى الإخوان». «الجزيرة»: أين يقع السجن تحديدًا وما اسمه وكيف فتح الأهالى أبوابه عليكم؟ - مرسى: السجن فى طريق «القاهرة-الإسكندرية» الصحراوى، قريب من مدينة السادات وأسوار السجن على الطريق الصحراوى، كنا فى عنبر «3»، سجن «2»، سجن وادى النطرون، الكيلو 97، على طريق «القاهرة-الإسكندرية» شمال غرب القاهرة مئة كيلو». «الجزيرة»: لم تعرفوا بالضبط من هم الأشخاص الذين فتحوا عليكم الأبواب؟ - مرسى: هؤلاء لا نعرفهم بتاتا هؤلاء هم مساجين يلبسون لبس السجن وآخرون يلبسون لبسا مدنيا وكانوا أكثر من مئة شخص يبذلون كل جهد ليفتحوا باب السجن واستغرقوا أربع ساعات. «الجزيرة»: ذكرت إطلاق نار حصل، وهرج ومرج، هل يعنى ذلك حصلت اشتباكات مع الشرطة؟ - مرسى: نحن نتصور ما سمعنا من أصوات، سمعنا أصوات طلقات البنادق التى تطلق القنابل المسيلة للدموع وأنه لم يُصب أحد، وأن إدارة السجن كانت تحاول أن تجد حالة من الضبط للسجن نتيجة للهيجان الذى حدث، ونحن لا نعرف تفاصيل السجن وكم عدد نزلائه، ويبدو أن من حاول أن يخرج من محبسه وحدث هرج فى ساحة السجن، فأطلقت القنابل المسيلة للدموع فرقعات كرصاص، ولكننا لم نرَ دما أو مصابين ولم نرَ صراخ المصابين، ولما خرجنا فى تمام الثانية عشرة اليوم لم نجد أحدا من هؤلاء وعندما خرجنا إلى الساحة كانت فارغة ولم نجد غير المجموعة التى حاولت كسر الباب وقد أفلحت، نحن الآن خارج السجن وهذه المجموعة تحاول الآن أن تغادر المكان، ونحن حتى الآن لم نغادر ولم نرَ قتلى أو جرحى والساحة فارغة ونحن الآن خارج البوابة الرئيسية للسجن. «الجزيرة»: ولم تشاهدوا قتلى ولا جرحى ولم تجدوا أى مسؤول من مسؤولى الجسن؟ - مرسى: لم نشاهد أى جرحى أو قتلى ولا يوجد أحد غيرنا الآن. «الجزيرة»: على العموم ربما نعود إليك لنعرف ماذا تقررون.. الدكتور محمد مرسى حدثتنا من القاهرة. - مرسى: شكرًا لك. فى سياق متصل، قال المحامى أمير سالم عضو اللجنة القانونية فى قضية اقتحام سجن وادى النطروان، إن مكالمة الدكتو مرسى أُجريت يوم 29 يناير 2011 مع قناة «الجزيرة» القطرية فى وقت كانت فيه الاتصالات فى مصر مقطوعة وهذا أمر يثير عديدا من التساؤلات. وأضاف سالم أن جميع تفاصيل قضية هروب مرسى من سجن وادى النطرون كانت لدى اللواء الراحل عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات الأسبق، مضيفًا أن اللواء عمر سليمان أكد خلال تحقيقات النيابة أنه «نحن كمخابرات عامة رصدنا اتصالات يومَى 26 و27 يناير 2011 بين جماعة الإخوان وأعضاء من حماس يطلبون منهم المساعدة والاستغاثة بهم»، مضيفًا أنه بعد شهور من هذه التحقيقات أدلى اللواء عمر سليمان بشهادته أمام المحكمة فى قضية قتل المتظاهرين، وقال «رصدنا دخول قوات وعناصر من حماس مسلحين بالذخيرة اتفقوا مع جهاديين من بدو سيناء واقتحموا بعض السجون فى مصر». وأضاف سالم أن القضية ليست معارضة الرئيس مرسى أو جماعة الإخوان المسلمين أو البحث وراءهم فى أى قضية، إنما الأمر أخطر وأهم من ذلك بكثير فالقضية تتمثل فى كيفية طلب قوى سياسية فى مصر المساعدة من قوى عسكرية خارجية بيننا وبينها حدود وسيادة، مضيفًا أن هذه قضية لا بد أن تسمَّى بـ«قضية القرن». نبيل القط يحلل: مرسى «الحوَّام» مرسى اعتمد فى حواره مع «الجزيرة» على طريقة «رغى» ربات البيوت مرسى فى حواره مع «الجزيرة» أخذ المحاور فى جولة مطولة ليحوم به فى نقاشات هامشية استخدم الرئيس مرسى فى حواره الأخير مع قناة «الجزيرة» ما يمكن أن يسمى بالتفكير الحوام «tangentiality»، أى الكلام الذى يأخذ المحاور فى جولة مطولة، ليظل يحوم به ويحوم ولا يدخل إلى صلب الموضوع أو الهدف من الكلام، وهذه الطريقة موجودة فى أغلب أجزاء الحوار، ولكنها كانت أكثر تجليا وهو يتكلم عن قانون الحد الأدنى والحد الأقصى للأجور، حتى إنه فى نهاية كلامه، عندما سألته المذيعة «والقانون يافندم» نسى عماذا كان يتكلم وسألها «أى قانون؟». التفكير الحوام هو أحد أنواع اضطرابات التفكير المعروفة عند بعض المرضى النفسيين وبالذات الهوسيين والذهانيين، لكنه أيضا يظهر فى نسبة كبيرة من الأشخاص الذين لا يعانون من أى مشكلات نفسية، خصوصا عندما يكون الغرض منه هو ملء الفراغ مثل اثنين يجلسان على المقهى أو لتجنب مواجهة مؤلمة. ويتجلى التفكير الحوام بشكل ملحوظ فى المراحل المعرفية الأقل تطورا، كما فى مرحلة الطفولة أو النمط المعرفى التقليدى «conventional»، كما فى حالة ربات البيوت غير المتعلمات ولا يعملن ويردن التواصل الخالى من المعنى أو لمجرد الشكوى من الأزواج وأعباء الحياة. ويظهر هذا النمط المعرفى أيضا فى الحياة التقليدية الريفية أو البدوية، حيث الوقت ممتد والتعليم أقل، والحاجة إلى التجريد أقل، وذلك على عكس حياة المدن بتعليمها الأكثر والمنشغلة دائما. أما فى حالة الرئيس فربما يكون هذا النوع من التفكير الحوام قد نتج عن رغبته فى إخفاء معرفته القليلة بالمعلومات أو خوفه من تقديم معلومات قد لا يرغب فى تقديمها الآن، فيوتوهها بمعنى آخر «بيفسح المذيعة»، وفى تفسير آخر ربما يكون هذا النمط المعرفى قد نتج عن الطريقة التى تربى بها الرئيس داخل جماعة الإخوان المسلمين، حيث نقص التفكير النقدى وإعلاء قيمة السمع والطاعة وسيادة التفكير الشعاراتى والوعظ العام. ومن سمات هذا النمط المعرفى استخدامه تقسيمات نمطية كررها الرئيس من قبل مثل «المرأة أمى وزوجتى وأختى»، ولم يذكر زميلتى مثلا، ربما لأنه لا يؤمن بأن تكون المرأة عاملة. ومن الناحية اللغوية فقد انتقل الرئيس فى هذا الحوار تحديدا من الاعتماد على لغة تستخدم الجسد للتعبير عن الآراء والأفكار مثل «أصبع، حضن، ركب، مزنوقة»، التى بدت فقيرة المعنى ومدعاة للسخرية حينها، إلى لغة مفرطة التجريد وشعارية وفقيرة أيضا فى المعنى مثل «النهضة، سلة الوطن، عظمة مصر، تاريخية العلاقات المصرية الروسية، شباب الثورة فى القلب وهم قلب الثورة، الثوب الأبيض الناصع»، وذلك مع الحفاظ على بعض المفردات المادية التى تشير إلى الجسد مثل «جسد الوطن، نسيجها الداخلى، الدواء، الجسد، الأنيميا، التعافى، الجسد المصرى، القلب». اتسم الحوار أيضا بما يمكن أن نسميه التفكير السحرى، وهو نمط من التفكير يفترض أن للكلمات وحدها عند النطق بها المصداقية وقوة التنفيذ دون أى فعل مادى فعندما يقول «إن شباب الثورة فى القلب»، فهو يعنى ذلك تماما بصرف النظر عن واقع شباب الثورة المسحول والمقتول والمسجون والمصاب. وعندما يقول إن المسيحيين «إخوات فى الوطن»، فربما يصدق ذلك تماما بصرف النظر عن حرق كنائس أو قتل مسيحيين. لم تكن كثيرا من الإجابات بالحوار لها علاقة بالأسئلة المطروحة مثل إجابته عن سؤال عن موقفه من حصار مدينة الإنتاج الإعلامى، وذلك بذكره حصار مجمع التحرير، فبدا مساندا لحصار مدينة الإنتاج الإعلامى، وهو الأمر الذى لم يؤكده ولم ينفه لاحقا. إنه حتى لم يبذل مجهودا لتجنب التعميم المخل فى سؤال بسيط حول هل يوجد تواصل بينه وبين الإعلاميين فجاءت الإجابة أيضا عمومية لا علاقة لها بالسؤال «التواصل موجود مع الإعلاميين ورجال الرأى ورجال الأعمال والجميع». افتقر حديث الرئيس كثيرا إلى لغة «الأنا» واقتصر على الكلام المرسل العام دون فاعل، وأحيانا كان يتكلم عن نفسه بصيغة الغائب مثل الرئيس فعل كذا، مما يعنى ضعف شعوره بـ«الأنا»، الذى يرجعنا مرة أخرى إلى التربية الإخوانية القاهرة «لأنا» أعضائها. وهكذا فإن هذا النمط المعرفى التقليدى غير قادر على خلق تمايزات بين الفعل واللا فعل، الفشل والنجاح، الاضطهاد والمساواة أو تعطيل المؤسسات والمطالبة بالحقوق، إنه يضع الجميع دون تمايز فى سلة واحدة أسماها الرئيس «سلة الوطن» حيث الجميع محبوبون ولطفاء وجيدون ومتساوون، كما أنه ينتج خطين متقاطعين من اللغة الخالية من المعنى، وهى إما لغة حوامة تجريدية شعارية غير واقعية وإما لغة مادية شديدة الواقعية إلى درجة الغموض. إننا أمام نمط معرفى غير مناسب لرئيس دولة حديثة متعددة المستويات والتمايزات ومتشابكة العلاقات. ملاحظة أخيرة ذات دلالة، فقد جلس الرئيس فى أثناء الحوار على كرسيه قابضا على يديه لم يحركهما إلا نادرا مع تعبيرات شعورية محدودة جدا على وجهه، لم يحرك رأسه أو جسمه إلا قليلا، ولم يعتدل فى جلسته المطولة إبدا، ولم تتغير مشاعره طوال الخطاب إلا مرتين فى موضوعين شديدى الخصوصية، وذلك أثناء حديثه عن السخرية منه وفى أثناء حديثه عن علاقته بجماعة الإخوان. ربما أراد هذا اللقاء التليفزيونى أن يقدم صورة محسنة للرئيس، ولكنه فشل فى ذلك، بسبب سيطرة نمطه المعرفى التقليدى ولغته المفتقرة إلى المعنى.
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.