Free Web Submission http://addurl.nu FreeWebSubmission.com Software Directory www britain directory com education Visit Timeshares Earn free bitcoin http://www.visitorsdetails.com CAPTAIN TAREK DREAM: دواوين الشاعر ابراهيم ناجي

Sunday, March 25, 2012

دواوين الشاعر ابراهيم ناجي

  
  
 

إبراهيم ناجي شاعر مصري ولد في 31 ديسمبر عام 1898 م في حي شبرا في القاهرة ، وتوفي عام 1953 م ، عندما كان في الخامسة والخمسين من العمر. كان طبيبا و كان والده مثقفاً ، مما ساعده على النجاح في عالم الشعر والأدب .

تخرج ناجي في مدرسة الطب عام 1922, وعين حين تخرجه طبيباً في وزارة المواصلات ، ثم في وزارة الصحة ، و بعدها عيّن مراقباً للقسم الطبي في وزارة الأوقاف .

وقد عاش في بلدته -أول حياته- المنصورة وفيها رأى جمال الطبيعة وجمال نهر النيل فغلب على شعره -شأن شعراء مدرسة أبولو-الاتجاه العاطفى . وأصيب بمرض السكر في بداية شبابه فتألم كثيرا لذلك وتوفي عام 1953

وقد نهل من الثقافة العربية القديمة فدرس العروض والقوافي وقرأ دواوين المتنبي و ابن الرومي و أبي نواس وغيرهم من فحول الشعر العربي ، كما نهل من الثقافة الغربية فقرأ قصائد شيلي و بيرون وآخرين من رومانسيي الشعر الغربي 

بدأ حياته الشعرية حوالي عام 1926 عندما بدأ يترجم بعض أشعار الفريد دي موسييه و توماس مور شعراً وينشرها في السياسة الأسبوعية ، وانضم إلى مدرسة أبولو عام 1932م التي أفرزت نخبة من الشعراء المصريين والعرب استطاعوا تحرير القصيدة العربية الحديثة من الأغلال الكلاسيكية والخيالات والإيقاعات المتوارثة .

كان ناجي شاعراً يميل للرومانسية، أي الحب والوحدانية ، كما اشتهر بشعره الوجداني . وكان وكيلا لمدرسة أبولو الشعرية وترأس من بعدها رابطة الأدباء في الأربعينيات من القرن العشرين .

ترجم إبراهيم ناجي بعض الأشعار عن الفرنسية لبودلير تحت عنوان أزهار الشر ، وترجم عن الإنجليزية رواية الجريمة والعقاب لديستوفسكي ، وعن الإيطالية رواية الموت في إجازة ، كما نشر دراسة عن شكسبير وكتب الكثير من الكتب الأدبية مثل "مدينة الأحلام" و "عالم الأسرة" . وقام بإصدار مجلة حكيم البيت . ومن أشهر قصائده قصيدة الأطلال التي تغنت بها المغنية أم كلثوم. و لقب بشاعر الأطلال .

واجه ناجي نقداً عنيفاً عند صدور ديوانه الأول ، من العقاد و طه حسين معاً ، ويرجع هذا إلى ارتباطه بجماعة أبولو وقد وصف طه حسين شعره بأنه شعر صالونات لا يحتمل أن يخرج إلى الخلاء فيأخذه البرد من جوانبه ، وقد أزعجه هذا النقد فسافر إلى لندن وهناك دهمته سيارة عابرة فنقل إلى مستشفى سان جورج وقد عاشت هذه المحنة في أعماقه فترة طويلة حتى توفي في 24 من شهر مارس في عام 1953.

صدرت عن الشاعر إبراهيم ناجي بعد رحيله عدة دراسات مهمة، منها: إبراهيم ناجي للشاعر صالح جودت ، و ناجي للدكتورة نعمات أحمد فؤاد ، كما كتبت عنه العديد من الرسائل العلمية بالجامعات المصرية .


من دواوينه الشعرية:
وراء الغمام 1934 م . 
ليالي القاهرة 1944 م . 
في معبد الليل 1948 م . 
الطائر الجريح 1953 م . وغيرها ... 
كما صدرت أعماله الشعرية الكاملة في عام 1966 بعد وفاته عن المجلس الأعلى للثقافة . 



آمال كاذبة 

لا البراء زار ولا خيالك عادا 
ما أكذب الآمال والميعادا 
عجباً لحبك يا بخيلة كيف يخلق 
من جوانح عابد حُسادا 
إني لأهتف حين أفترش المدى 
وأرى الجحيم لجانبي مِهادا 
آها على الرأس الجميل سلا وأغفى 
مطمئنا لا يحس سهادا 
فرشت له الأحلام واحتفل الهدوء 
يد ومد له الجمال وسادا 
يا حبها ما أنت ما هذا الذي 
جمع الغريب وألَّف الاضدادا 
كم أشرئب إلى سماك بناظري 
مستلهماً بك قوةً وعمادا 
ولكم أبيتُ على السآمة طاويا 
في خاطري شبحاً لها عوادا 
فأراك تعبث بي كطفل في السماء 
يصرف الأقدار كيف أرادا 
ولقد أقول هوى كما بدأ انتهى 
فإذا الهوى وافى النهاية عادا 
مات الرجاءُ مع المساءِ وإنما 
كان المماتُ لحبنا ميلاداَ 
ماذا صنعت بناظر لا ينثني 
متطلعاً متلفتاً مرتادا 
وأنا غريب في الرخام كأنني 
آمال اجفان حرمن رقادا 
ولقد ترى عيني الجموعَ فما ترى 
دنيا تموج ولا تحس عبادا 
فإذا رأيتك كنت أنت الناس والأ 
عمار الآباد والآمادا 
وأراك كل الزهر كل الروض أنت 
لديَّ كلُّ خميلةٍ تتهادى 

آه 

آهِ من مَيَّة آهٍ ثم آه 
وحبيب سحرتني مقلتاه 
لو تمنّيتُ قُبَيْل الموت ماذا 
أتمنى؟ قلت تقبيل ثراه! 
أتمنى الموت من قلِتهِ 
ما الذي يمنع أن أشتاق فاه 
آهِ من مَيَّة آهٍ ثم آه 
وحبيبٍ عزّني اليوم لقاه! 

أحلام سوداء 

رُبَّ ليلٍ قد صفا الأفق بهِ 
وبما قد أبدعَ اللهُ ازدهرْ 
وسرى فيه نسيمُ عَبِقٌ 
فكان الليلَ بُسْتَانٌ عَطِرْ 
قلتُ يا رب لمن جمَّلته 
ولمن هذي الثريات الغررْ..؟ 
فعرا الأفقَ قَتامٌ وبَدَتْ 
سحبٌ تحبو إلى وجهِ القمرْ 
كلما تقرب تمتد لهُ 
كأكفٍّ شرهاتٍ تنتظر 
صحت بالبدر: تنبَّهْ للنذرْ 
ادركِ الهالةَ حفت بالخطرْ 
لا تبحْ مائدة النور لهم 
لا تبحْها لسوادٍ معتكرْ 
قهقه الرعدُ ودوَّى ساخراً 
فكأنَّ الرعدَ عربيدٌ سكرْ 
قمتُ مذعوراً وهمت قبضتي ... 
ثم مدت، ثم ردت من خَوَرْ 
لهف القلب على الحسن إذا 
قهقه الغربانُ والذِّئبُ سخرْ 
تحتمي الوردةُ بالشوكِ فإن 
كثر القطافُ لم تغنِ الابرْ 
آهِ من غصنٍ غنيٍّ بالجنى 
ومِن الطامع في ذاك التمرْ 
آه من شك ومن حب ومن 
هاجساتٍ وظنونٍ وحذرْ 
كست الأفقَ سواداً لم يكن 
غيرَ غيمٍ جاثمٍ فوق الفكرْ 
طالما قلت لقلبي كلما 
أنَّ في جنبي أنينَ المحتضرْ 
إن تكن خانتْ وعقَّت حبَّنا 
فأضِفْها للجراحاتِ الأخرْ 

أيها الغائب 

أيها الغائبُ العزيزُ النائي 
فَسَدَتْ ليلتي وضاع هنائي 
قَمَري أنت ليس لي منك بدٌّ 
في اعتكار السحائبِ السّوداءِ 
هذه الشُّرْفةُ التي جمعتنا 
يا حبيبي بوجهِك الوضّاءِ 
سألتْ عنك فالتفتُّ إليها 
وبنفسي كوامنُ البُرَحَاءِ 
قائلاً صَهْ! باللهِ لا تسأليني 
فكلانا من دوِنها في عناءِ 
أين ذاك الوجهُ الذي يُرسلُ النورَ 
ويُوحِي إشراقُه بالصّفاءِ؟


أين غد 

يا قاسيَ البعدِ كيف تبتعدُ 
إني غريبُ الفؤادِ منفردُ 
إن خانني اليوم فيك قلت غداً 
وأين مني ومن لقاكَ غدُ؟ 
إن غداً هوَّةٌ لناظرها 
تكاد فيها الظنونُ ترتعدُ 
أُطلُّ في عمقها أُسائلها 
أفيك أخفى خاليه الأبدُ؟ 
يا لامسِ الجرحِ ما الذي صنعتْ 
به شفاهٌ رحيمةٌ ويدُ؟ 
ملء ضلوعي لظىً وأعجبه 
أني بهذا اللهبِ أبتردُ 
يا تاركي حيث كان مجلُسنا 
وحيث غنّاك قلبيَ الغردُ 
أرنو إلى الناسِ في جموعهمُ 
أشقتهمُ الحادثاتُ أم سعِدوا 
تفرقوا أم همُ بها احتشدوا 
وغوَّروا في الوهادِ أم صعدوا؟ 
إني غريبٌ تعال يا سكني 
فليس لي في زحامهم أحدُ! 

أَصوات الوحدة 

يا وحدتي جئت كي أنسَى وهائنذا 
ما زلتُ أسمعُ أصداءً وأصواتا 
مهما تصاممتُ عنها فهي هاتفةٌ 
يا أيها الهاربُ المسكينُ هيهاتا! 
جَرَّتْ عليَّ الأماني مِنْ مجاهلِها 
وجمَّعَتْ ذِكَراً قد كُنَّ أشتانا 
ما أَسْخَفَ الوحدةَ الكبرى وأضيعهَا 
إذا الهواتف قد أرجعن ما فاتا 
بَعثن ما كان مطويّاً بمرقدهِ 
ولم يزَلْنَ إلى أن هبَّ ما ماتا 
تلفَّتَ القلبُ مطعوناً لوحدته 
وأين وحدته؟ باتتْ كما باتا! 
حتى إذا لم يجدْ ريّاً ولا شبعاً 
أفضى إلى الأمل المعطوب فاقتاتا 


أُغنية في هيكل الحب 

كم تجرّعنا هوانا 
ولقينا في هوانا 
وبلونا نار حب 
لَم نذقْ فيها أمانا 
وإِذا حلَّ الهوى هيهات 
تدري كيف كانا 
فإِذا ما ملك الأنفس 
أصلاها عونا 
فهو نصلٌ مستقرٌّ 
ولهيب لا يداني ! 
يا حبيبي هدأ الليل 
ولم يسهر سوانا 
لا الدجى ضمَّد جرحينا 
ولا الصبح شفانا 
لا الهوى رقّ على الشاكي 
ولا قاسيه لانا 
قد غدونا غرضِ الرامي 
كما شاء رمانا 
وافِنيْ بالله نطرقْ 
هيكل الحب كلانا 
ساعة نبكي على الكأس 
ونشكو من سقانا! 

أنت 

إن كنتِ عارفةً وواثقةً 
وبعمق هذا الحبِّ آمنتِ 
فثقي بأنكِ قِبْلتي أبداً 
وصلاةُ روحي حيثما كنتِ 
إن كان لي في الدهرِ أمنيةٌ 
منشودةٌ أمنيَّتي أنتِ 

أنــوار 

طابت بكِ الأيامُ وافرحتاهْ 
أنتِ الأمانيْ والغنى والحياهْ 
فليذهبِ الليلُ غفرنا لهُ 
ما دام هذا الصبح عقبى دجاهْ 
يا من غَفَتْ والفجرُ من دارِها 
شعشعَ في الآفاق أبهى سناهْ 
قد طرق الباب فتىً متعبُ 
طال به السير وكلَّت خطاهْ 
نقَّل في الأيام أقدامَهُ 
يبغي خيالاً ماثلاً في مناهْ 
عندك قد حطّ رحال المنى 
وفي حمى حسنِك ألقى عصاهْ 
كم هدأ الليلُ وران الكرى 
إلا أخا سهدٍ يغنِّي شجاهْ 
ناداك من أقصى الربى فاسمعيْ 
لمن على طول اللياليْ نداهْ 
نادى أليفاً نام عن شجوهِ 
عذبٌ تجنيه عزيزٌ جناهْ 
أحبَّكِ الحبُّ وغنّى بهِ 
غفَّ الأمانيْ والهوى والشفاهْ 
وإنما الحبُّ حديثُ العلى 
أنشودة الخلدِ ونحنُ الرواهْ.. 

أنوار المدينة 

ضحكتْ لعينيَّ المصابيحُ التي 
تعلو رؤوسَ الليلِ كالتيجان 
ورأيتُ أنوارَ المدينةِ بعدما 
طال المسيرُ وكلَّتِ القدمان 
وحسبتُ ان طاب القرار لمتعب 
في ظل تحنانٍ وركنِ أمانِ 
فإذا المدينة كالضباب تبخرتْ 
وتكشفْ لي عن كذوبِ أماني 
قدرٌ جرى لم يجرِ في الحسبانِ 
لا أنتِ ظالمة ولا أنا جاني 

أطلال 

يا من بِواديهِ حَطَطْتُ الرحالْ 
ورحَّبتْ بي وارفاتُ الظلالْ 
بسطتََ كالآباد عمر المنى 
لطامع في لحظاتٍ قِلالْ 
*** *** 
أمهلْ فؤادي ساعةً ريثما 
أخلعُ عن قلبي سرابَ الضلالْ 
خليعةُ الطبعِ على كُثبها 
عربدةُ الريحِ وكفرُ الرمالْ 
خلعتُ إيماني على شكِّها 
وبدَّدتْه السارياتُ الثِّقالْ 
نادتنيَ الصحراءُ وهْي التي 
آدَتْ جحيمي في السنين الطوالْ 
تُريد سرِّي إن سرِّي هنا 
في مُغلقٍ أسرارُه لا تنالْ 
خليعةُ الطبعِ على كُثبها 
عربدةُ الريحِ وكفرُ الرمالْ 
قالت بهذا الصمت ما لم يُقلْ 
وقلت بالزفْرات ما لا يُقالْ 
هيهات للقلب صلاة بها 
ولا عليها معبد وابتهالْ 
خلعتُ إيماني على شكِّها 
وبدَّدتْه السارياتُ الثِّقالْ 
نادتنيَ الصحراءُ وهْي التي 
آدَتْ جحيمي في السنين الطوالْ 
تُريد سرِّي إن سرِّي هنا 
في مُغلقٍ أسرارُه لا تنالْ 
قالت بهذا الصمت ما لم يُقلْ 
وقلت بالزفْرات ما لا يُقالْ 

إلى أميرتنا 

إقبلي يا "اميرة" اللطف حبي 
واقبلي من أبيك هذا الكتابا 
إجعليه ذكرى له، وإجمعي 
الآراء فيه واستكتبي الأصحابا 
جعل اللهُ كل عمرِكِ عيداً 
وربيعاً منضّراً وشبابا

إلى أمينة 

أربّاه أنقذني فأنت رميتني 

بقلبٍ على الأشواكِ والدم مشاءِ 
"أمينة" هذا ما أتاني كتبته 
وعندك أخباري وعندك أنبائي 


إلى ابنتي 

يا ابنتي أني لأشعر أَني 
ملأتِ مهجتي شموس منيرة 
أشرقت فرحتان عندي فهذي 
لعماد وهذه لأميرهْ 
انتما فرقدان، وهو جديد 
بالذي ناله وأنت جديرهْ 
اغنما كل ما يطيب وفوزا 
بالمسرات والأماني الوفيرهْ 
وافرحا بالذي يطيبُ ويرجى 
عيشةٌ نضرة وعين قريرهْ 

إلى ابنتي ضوحيه 

يا من طلبتِ الشعرَ هاك تحيّتي 
وهواي يا روحي ويا ضوحيّتي 
أيُرادُ تفصيلٌ لما عندي وكم 
قلبٍ وموجز أمره في لفظة 
لكن فنَّ الشعر وردُ أحبة 
يُهدى فهاك قصيدتي بل وردتي 
والشعر روضٌ يانعٌ وعبيرهُ 
سارٍ إلينا من عبير الجنّةِ 
وأراكِ روضة رقةٍ ومحاسنٍ 
هل روضةٌ تهدي البيان لروضةِ؟ 
فإليك يا أغلي عزيزٍ يا ابنتي 
وأحبَّ من تصبو إليه مهجتي 
تذكار والدك المحبِّ وديعةً 
فإذا ذكرت فهذه أمنيّتي 
والحظُ مثل الرسم إن يوماً نأى 
رسمي فللأثرِ العزيز تلفّتي 

إلى روح الشاعر 

موقفٌ حانَ فاغتنِمْ 
وتخير مِن الكلمْ 
كلَّ لفظٍ أورقَّ مِن 
ضحكةِ الزهر للدِّيمْ 
مستَمَدٍّ من الرُّبى 
مُستعارٍ من الَنّسمْ 
اجمعِ الآنَ طاقةً 
غضَّةَ النور تبتسمْ 
أُهدِها روحَ شاعرٍ 
خالدٍ بالذي نَظمْ 
قلمي! ما الذي لديكَ 
من الخيرِ يا قلمْ؟! 
قمْ فذكّر وناج قومَكَ 
واخطُب وقل لهُمْ: 
قل لأهل الغناءِ في كنف 
المعهد الأَشمّ 
ذلك الشاعرُ الذي 
بات في خاطر الظُلمْ 
هو منكم وفنُّهُ 
علمَ الله فنكمْ 
كان لجناً فصار ذكراً 
كما يُذكَرُ الحُلمْ 
انما الشعر مزهرٌ 
قد حكى قصةَ الأممْ 
وبأوتاره المنى 
تتلاقى وتزدحمْ 
هو نايٌ مُرجَّعٌ 
لشجيٍّ وما كتمْ 
هو قيثارةُ الزمان 
ونجواه مِنْ قِدَمْ 
هو أنشودة الحياةِ 
وفيضٌ من النغمْ 
أبها المعهد الذي 
بلغ المجدَ واستتمّ 
كلُّ لحنٍ مذكرٍ 
أشعل القلب فاضطرمْ 
نظمته يدُ الأسى 
وقًعته يدُ السقمْ 
وأناشيدكم وما 
صاغه الفنُّ من عِظمْ 
هي أنّاتُ أنفسٍ 
بالمقادير ترتَطِمْ 
وصباباتُ أعينٍ 
يشهدُ الليل لَم تنمْ 
وأغانيكمْ التي 
هي في قمةِ القمَمْ 
هي آهاتُ شاعر 
عرف الحبَّ والألمْ! 
ذلك الشاعرُ الذي 
روحهُ الآن بينكمْ 
لكأني أراه حَيّاً 
وألقاهُ عن أمَمْ 
وهو في ذروة الشباب 
وفي خفةِ القَدَمْ 
غاشياً كلَّ منتدىً 
عاليَ الرأسِ محترمْ 
كلما قال شعرَه 
غمر السهلَ والعلمْ 
دافقاً ليس ينتهي 
أبداً سيلُه العرمْ 
باذلاً للصديق والأ 
هلِ كلّ الذي غِنَمْ 
زوجه والبنون هُم 
مجدهُ والرجاءُ هُمْ 
درجوا في ذُرَا العلا 
نوَّروا في رُبى النعمْ 
نشأوا في حِمى العفافِ 
وجلُّوا عن التُّهمْ 
حين ظنوا بأنَّ ما 
أمَّلوا في الزمانِ تمْ 
إذ شكا الضعفَ سيد 
البيتِ خارت به الهممْ 
نام في حصنهِ الضَّنى 
وعلى صدره جَثمْ 
واذَا بالطيور قد 
دخل الموتُ وكرهُمْ 
شِبْهَ لصٍّ مخادعٍ 
غشىَ البيت فالتهَمْ 
وإذا الفاقةُ الجريئةُ 
تَطْغَى وتَنْتَقِمْ 
صنعتْ في رجائهمْ 
فعلَة الذئبِ بالغنمْ 
كأتونٍ مستعَّر 
غاضبٍ ينثرُ الحُمَمَْ! 
مَن رأى البؤسَ إن عدا! 
مَنْ رأى الضنك إن هَجَمْ؟ 
مَن رأى العفةَ العريقةَ 
بالدهر تصطدمْ؟! 
أُمَّتي! ليس يُهزَمُ الفنُّ 
في أمَّة الشَّمَمْ 
أُمَّتي! ليس يخذلُ الجُودُ 
في أمَّة الكرَمْ 
أُمَّتي! أُمَّةُ العلا 
وأبي الهول والهرَمْ

إلى هند 

غرامكِ لي معبدٌ طاهرٌ 
دعائمُهُ شُيِّدتْ من ولوعي 
تعهدتُ محرابَه بالوفاء 
وأوقدتُ فيه الهوى من شموعي 
جوانبُه من دموعيَ قامتْ 
وأضلعُه بُنِيتْ من ضلوعي 
ومن ذا رأى هيكلاً في الوجودِ 
يُقام على عمدٍ من دموعِ؟ 

المآب 

هتفتُ وقد بدت مصر لعيني 
رفاقي! تلك مصر يا رفاقي 
أتدفعني وقد هاضت جناحي 
وتجذبني وقد شدت وثاقي 
خرجتُ من الديارِ أجرُّ همي 
وعدتُ إلى الديار أجرُّ ساقي 

الليل في فينيسيا 

يا رب ما أعجب هذي البلاد 
لا ليلَ فيها! كل ليلٍ صباح 
وكل وجه في حماها ضِماد 
ومصر لا تنبت إلا الجراح 

الليالي 


(1) 
قد أمَّكَ الهاربُ الطريدْ 
فآوهِ أنتَ والظلامْ 
يا حقبةَ الوهم والخيالْ 
هلاَّ تمهلتِ للأبدْ؟! 
أراحةٌ فيك للضمير 
أم موعدٌ فيك من حبيبْ؟ 
ينفضُ عن عينه كراهُ 
ويقبل الراقدُ المسجَّى! 
عجبتُ للمرءِ كم يئنّ 
ويستطيبُ الحياةَ مَرعَى 
وعلم السمحَ أن يضنَّا 
وثبَّت الجبنَ في الطباعْ! 
طال بنا الصمتُ والجمودْ 
لا البدر يوحي ولا الغديرْ 
هربتُ من عالمٍ أضرَّا 
وجئتُ عَلي لديكِ أحيا! 
ملكَ في هاته العوالمْ 
مهزلةَ الموت والحياةْ 
هياكلٌ تعبرُ السنين 
واحدةُ العيش والنظامْ 
وواحد ذلك الطلاء 
يسترُ خزياً من الطباعْ 
بعينها كذبةُ الدموعْ 
بعينها ضحكةُ الخداعْ 
(3)
يا ويحه كيف قد أطاقْ 
شكوى البرايا على السنينْ؟! 
كالقلب إن ضاق واكتأبْ 
تخفف الذكريات عنهُ 
مبيدة حيثما استقرت 
فان نبُحْ سمِّيت قريض! 
لو يفهم النجمُ ما نقول! 
أو يفهم الليلُ ما نُسرْ! 
تطل من قاتمِ الحلك 
بغيرك فهمٍ ولا ذكاءْ! 
وكلّما جَدَّ لي أنينْ 
تسخر بي أنَّةُ الرياحْ! 
وحظ شعرٍ إذا أطاعْ 
يا ليته عاش لا. يطيع 
ولن ترى في الوجودِ مَنْ 
يدري عذاب الذي تلاهْ! 
يا أيها النهر بي حسدْ 
لكل جارٍ عليك رفّ 
ومن حبيب إلى حبيب 
ترنو حناناً وتبتسمْ 
يا نهرُ روّيتَ كل ظامي 
فراح ريّان إن يذُقْ 
يا نهر لي جذوة بجنبي 
هادئة الجمرِ بالنهارْ 
وقفت حرّان في إِزائكْ 
فهل ترى منك مسعدُ؟ 
عالج لظاها فإن سكنْ 
فرحمةٌ منك لا تحدْ 
تريني الهاجر الشتيت 
وقربه ليس لي ببالْ 
تمر ذكرى وراء ذكرى 
وكل ذكرى لها دموعْ 
ماضٍ وكم فيه من عثارْ 
ومن عذابٍ قد انقضى 
يا من أرى الآن نصب عيني 
خياَله عطَّر النسمْ 
في ذمة الله ما أضعتمْ 
إنَّا غفرنا لمن أساءْ 
يخدعنا أنّه التأمْ 
ولم يزل يحبىءُ الصديدا! 
طال عذابي! وطال شكي 
ومات قلبي، وما تأسَّى! 
ما بالها أعين الفلك 
منتثرات على الفضاءْ 
تطل من قاتمِ الحلك 
بغيرك فهمٍ ولا ذكاءْ! 
ألا وفيُّ ألاَ معينْ 
في مدلهمٍ بلا صباحْ؟! 
وكلّما جَدَّ لي أنينْ 
تسخر بي أنَّةُ الرياحْ! 
هبنا شكونا بلا انقطاعْ 
ما حظ شاكٍ بلا سميعْ 
وحظ شعرٍ إذا أطاعْ 
يا ليته عاش لا. يطيع 
يضيعُ في لجةِ الزمنْ 
مبدداً في الورى صداهْ 
ولن ترى في الوجودِ مَنْ 
يدري عذاب الذي تلاهْ! 
(4) 
يا أيها النهر بي حسدْ 
لكل جارٍ عليك رفّ 
أكُلُّ راجٍ كما يودّ 
يروي ظماه ويرتشفْ 
ومن حبيب إلى حبيب 
ترنو حناناً وتبتسمْ 
وكل غادٍ له نصيبْ 
من ماِئك الباردِ الشبمْ 
يا نهرُ روّيتَ كل ظامي 
فراح ريّان إن يذُقْ 
فكن رحيماً على أوامي 
فلي فمٌ بات يحترقْ 
يا نهر لي جذوة بجنبي 
هادئة الجمرِ بالنهارْ 
فإن دنا الليلُ برَّحَتْ بي 
وساكن الليل كم آثارْ 
وقفت حرّان في إِزائكْ 
فهل ترى منك مسعدُ؟ 
وددتُ ألقي بها لماِئكْ 
لعلها فيك تبردُ 
عالج لظاها فإن سكنْ 
فرحمةٌ منك لا تحدْ 
وإن عصت نارُها فكنْ 
قبراً لها آخر الأبدْ! 
تريني الهاجر الشتيت 
وقربه ليس لي ببالْ 
وكلّما خلتني نسيتْ 
مَرَّ أمامي له خيالْ 
تمر ذكرى وراء ذكرى 
وكل ذكرى لها دموعْ 
وتعبر المشجياتُ تترى 
من كل ماضٍ بلا رجوعْ 
ماضٍ وكم فيه من عثارْ 
ومن عذابٍ قد انقضى 
كم قلت لا يرفع الستارْ 
ولا ادكارٌ لما مضى! 
يا من أرى الآن نصب عيني 
خياَله عطَّر النسمْ 
بالله ما تبتغيه مني 
ولم تدع لي سوى الألَمْ 
في ذمة الله ما أضعتمْ 
إنَّا غفرنا لمن أساءْ 
لا تحسبوا البرءَ قد أَلَمّ 
فلم يزل جرحنا جديدا 
يخدعنا أنّه التأمْ 
ولم يزل يحبىءُ الصديدا! 
يا أيها الليل جئتُ أبكي 
وجئتُ أسلو وجئت أنسى 
طال عذابي! وطال شكي 
ومات قلبي، وما تأسَّى! 

الميت الحي 

داوِ ناري والتياعيْ 
وتمهَّلْ في وداعيْ 
قفْ تأمل مغربَ العمر 
وإخفاقَ الشعاعِ 
واضياع الحزن والدمع 
على العمر المضاعِ! 
ما يهمّ الناس من نجم 
على وشك الزماعِ 
طال بي سُهدي وإِعيائي 
وقد حان اضطجاعي 
فصدور الغيد سيَّان 
وأنياب السباعِ! 
كم تمنيتُ وكم من 
أملٍ مُرّ الخداع! 
ساعة أغفر فيها 
لك أجيال امتناع 
ومتاعاً لعيوني 
وشميمي وسماعي 
دمعة الحزن التي 
تسكبها فوق ذراعي! 
فصدور الغيد سيَّان 
وأنياب السباعِ! 
آهِ لو تقضي الليالي 
لشتيت باجتماع 
كم تمنيتُ وكم من 
أملٍ مُرّ الخداع!
وقفة أقرأ فيها 
لك أشعار الوداع 
ساعة أغفر فيها 
لك أجيال امتناع 
يا مناجتي وسرِّي 
وخيالي وابتداعي 
ومتاعاً لعيوني 
وشميمي وسماعي 
تبعث السلوى وتنسى 
الموت مهتوك القناع: 
دمعة الحزن التي 
تسكبها فوق ذراعي!

الميعاد 

إن عُدتَ أو أخلفتَ لم تعدِ 
أنا إِلف روحك آخر الأبدِ 
ظمأٌ على ظمإِ على ظمإِ 
ومواردٌ كثرٌ ولم أردِ 
مرَّ الظلاُم وأنت لي شجنٌ 
وأتى النهارُ وأنت في خلدي 
لا يسمع البحرُ الغضوبُ إلى 
شاكٍ ولا يصغي إلى أحدِ! 
كم لاح لي حربُ الحياة على 
أمواجهِ المجنونةِ الزبدِ 
ورأيتُ طيفَ الضنك مرتسما 
في عاصفِ الأنواءِ مطَّردِ 
في الليل مدَّ رواقَه وثوى 
كجوانحٍ طُويت على حسدِ 
قبر مَباهجُه بلا عددٍ 
لفتى متاعبُه بلا عددِ 
مَن يومه يوم بلا أملٌ 
وغدٌ بلا سلوى وبعد غدِ 
لولاك والعهد الذي عقدتْ 
بيني وبينك مهجتي ويدي 
أضجعتُ جنبي جوفَ غيهبه 
وأرحتُ فيه باليَ الجسدِ 
يا مختلفَ الميعادِ عُدْ لترى 
جزعَ الغريبِ وضيعةَ الرشدِ 
وليالياً موصولةً سهراً 
أبديةً حجريةَ الكبدِ 
وطليحَ أسفارٍ وعلّته 
قتالة لَم تشفَ في بلدِ! 
يا شعر أيامي وأغنيتي 
وغليل ظمآن الشفاه صدي! 
يا ظالمي! عيناك كم وعدت 
قلبي إذا شفتاك لَمِ تعدِ 

الميعاد الضائع 

يا من طواها الليلُ في بَيْدائه 
روحاً مفزعة على ظلمائهِ 
إن تظمئي ليَ كم ظمئت إليكِ 
جمع الوفاءُ شقيةً وشقيا 
أسفاً عليكِ وأنت روحٌ حائرٌ 
والكونُ أسرارٌ يضيق بها الحجى 
*** ** 
وكذا تمر بمثلكِ الأيامُ 
مجهولةً وعذابُها مجهولُ 
وكعادةِ الحظِّ الشقيِّ وعادتي 
أقبلتُ بعد ذهاب نجمي الأوحدِ 
وكأنما هذا الفضاء خطيئة 
وكأن همسَ نسيمِه استغفارُ 
وكأنه أحزانُ قومٍ ساروا 
هذي مآتمهم وثم ظلالها 
ران السواد على وجودِ الدورِ 
وسرى إليّ نحيبُها والأدمعِ 
وكعادةِ الحظِّ الشقيِّ وعادتي 
أقبلتُ بعد ذهاب نجمي الأوحدِ 
حملتْ لنا أملاً فلما ودَّعت 
لم يبقَ بعد رحيلها للناظر 
إلا خيال سعادة قد أقلعت 
ووداع أحبابٍ ودمع مسافر 
تتعاقبُ الأقدارُ وهي مسيئةٌ 
كم عقنا ليلٌ وخان نهارُ 
وكأنما هذا الفضاء خطيئة 
وكأن همسَ نسيمِه استغفارُ 
وكأنه أحزانُ قومٍ ساروا 
هذي مآتمهم وثم ظلالها 
عفتِ القصور وظلت الأسوار 
كمناحة جمدت وذا تمثالها 
ران السواد على وجودِ الدورِ 
وسرى إليّ نحيبُها والأدمعِ 
وكأنني في شاطئ مهجورِ 
قد فارقتهُ سفينةٌ لا ترجعِ 
حملتْ لنا أملاً فلما ودَّعت 
لم يبقَ بعد رحيلها للناظر 
إلا خيال سعادة قد أقلعت 
ووداع أحبابٍ ودمع مسافر 

الأجنحة المحترقة 

يا أمتي كم دموعٍ في مآقينا 
نبكي شهيديك أم نبكي أمانينا؟! 
يا أميت إن بكينا اليوم معذرةً 
في الضعفِ بعضُ المآسي فوق أيدينا 
واهاً على السرب مختالاً بموكبه 
وللنسور على الأوكار غادينا 
قالوا الضباب فلم يعبأ جبابرةٌ 
لا يدركون العلا إلاّ مضحِّينا 
والمانش يعجب منهم حينما طلعوا 
على غوارِبِهِ الغيرى مطلِّينا 
فاستقبلتهم فرنسا في بشاشتها 
تجزي البسالة ورداً أو رياحينا 
قالوا النسور فهبَّ القومُ وادَّكروا 
نسراً لهم ملأَ الدنيا ميادينا 
وهلل السِّين إذ هلَّت طلائعنا 
طلائع المجد من أبناء وادينا 
حان الأمانُ ووافَى السربُ فافتقدوا 
نسرين ظنوهما قد أبطآ حينا 
لكنه كان إبطاءَ الرَّدى فهما 
لما دعا المجد قد خَفَّا ملبينا 
فلبيكِ من شاء وليُشبعْ محاجرَهُ 
ولينتحبْ ما يشاءُ الحزنَ باكينا 
يبكي الحبيب وتبكي فقد واحدها 
من لا ترى بعده دنيا ولا دينا 
هُنيهة ثم يسلو الدمعَ ساكبُه 
لا يدفعُ شيئاً من عوادينا 
فكلما حلَّ رزءٌ صاحَ صائحُنا: 
فداك يا مصر لا زلنا قرابينا 
فداك يا مصر هذا النجم منطفئاً 
والنسر محترقاً والليث مطعونا! 

المساء 

يا غلة المتلهفِ الصادي 
يا آيتي وقصيدتي الكبرى 
ماذا تركت لديَّ من زادِ 
إلا استعادة هذه الذكرى 
يا للمساء العبقري وما 
أبقى على الأيام في خلدي 
شفتاك شفا لوعةً وظما 
وجمالك الجبار طوعُ يدي 
نمشي وقد طال الطريقُ بنا 
ونودُّ لو نمشي إلى الأبدِ 
ونود لو خلتِ الحياة لنا 
كطريقنا وغدتْ بلا أحدِ 
نبني على أنقاض ماضينا 
قصراً من الأوهام عملاقا 
ونظل ننسج من أمانينا 
وشيا من الأحلام براقا 
وأظل أسقيها وتملأُ لي 
من مورد خلف الظنون خفي 
حتى إذا سكرت من الأملِ 
وترنحت مالت على كتفي 
حلفت بأني مغتد معها 
حيث اغتدت وهواي في دمها 
فمسحت بالقبلات أدمعَها 
وطبعت ميثاقي على فمها 

المنسـي 

متى يرق الحظ يا قاسي 
ويلتقي المنسيُّ والناسي! 
متى! وهل من حيلةٍ في متى 
وفي خيالاتٍ وأحداسِ؟ 
هدَّ قراري جريُها في دمي 
وهمسُها في كر أنفاسي 
وأنت مثل النجم في المنتأي 
وفي السنا الخاطف كالماسِ 
يزنو له الناسُ ويبغونه 
وما يبالي النجمُ بالناسِ! 
وأنت كأسُ الحسنِ لكننا 
مثل حبابٍ حامَ بالكاس 
طفا وقد قبّل أنْوارَها 
ورفَّ مثل الطائر الحاسي! 
وجفَّ أو ذاب على نورها 
كما يذُوب الطلُّ بالآس! 

المنصورة 

باي معجزة في الحب نتفقُ 
يا قلب لا يتلاقى الفجرُ والغسقُ 
يا قلب انا لقينا اليومَ معجزةً 
تكادُ في ظلماتِ الليل تأتلقُ 
ظللتُ أسأل نفسي كيف تعشقها 
بقيةٌ من بقايا العمرِ تحترقُ 
وافيتُها وفلول النور دامية 
تطفو وترسب أو تعلو فتعتلقُ 
لم أدر حين تبدتْ لي إذا شفقي 
ابصرته أو على المنصورة الشفقُ؟ 
يا من منحت الأماني البيض معذرة 
اني بهذي الأماني البيض أختنقُ 
أين الهدوء المرجى في جوانبها 
اني رجعت وليلي كله أرقُ 
أقبلتُ أنشد أمنا في هواك بها 
فلم أنل وتولى قلبي الفرقُ 
لا بالقلوب ولا الأرواح يا أملي 
إنَّا بشيءٍ وراءَ الروحِ نعتنقُ 
ويحي على كفكِ البيضاء إذ بسطتْ 
عند السلام وويحي حين تنطبقُ 
هل يسمع النيلُ إذ سرنا بجانبهِ 
والموجُ مجتمعٌ فيه ومفترقُ 
صوتاً تماوجَ في روحي فجاوبه 
من جانب القلبِ موجٌ راح يصطفقُ 
تظل تنهبُ اذني من أطايبه 
كأنها من خفايا الغيبِ تسترقُ 
يا جنة من جنان الله أعبدها 
لن تبعدي ولدي السحر والعبقُ 

المقعد الخالي 

مٌّ أناخ فما انجلى 
وخلا مكانُك - لا خلا! 
ليل الحياة وكان ليلي 
في الهواجِسِ أطولا 
كم لحظةٍ في الصدر ناشبةٍ 
كجزّارِ الكلا 
كالرَّمْسِ فارغةٍ وإن 
حفلت بإيجاشِ البلى 
في إثر أخرى لم تكن 
إلا كجرداءِ الفلا 
يَرَّحْنَ بي من وحشةٍ 
وقتلتهُن تململا 
وجَنِنّ من قلقي عليك 
وكيف لي أن أعقلا؟ 
قد رِشْنَ لي سهماً يحاول 
من يقيني مقتلا 
فتعرّض الماضي الجميلُ 
بوجهِهِ متهللا 
فلوى عناني فالتفتُّ 
فلم أجد لي مَوئِلا 
إلا دروع اليأسِ إنّ 
اليأسَ أيسرَ محمِلا 
يقتادني فأردُّهُ 
عن خاطري وأقول لا! 
يا هندَ إن يكُ قلبُك الوافي 
تغيّرَ أو سلا 
وحصدتُ آمالي فإنّ 
الموتَ أرحمُ منجلا

الانتظار 

لعينيكَ احتملنا ما حتملنا 
وبالرحمانِ والذلِّ ارتضينا 
وهان إِذا عطفتَ ولو خيالاً 
وأين خيالك المعبود أينا؟! 
تعالَ! فلم يعد في الحي سارٍ 
وهوَّنت المنازلُ بعد وهنِ 
وران على نوافذها ظلامٌ 
وقد كانت تطلُّ كألف عينِ 
تعالَ! فقد رأيتُ الكون يحنو 
عليّ ويدرك الكرب الملمَّا 
ويجلو لي النجومَ فأزدريها 
وأغمض لا أريد سواك نجما! 
ومنتظرٌ بأبصاري وسمعي 
كما انتظرتكَ أيامي جميعا 
وهل كان الهوى إلاَّ انتظاراً 
شتائي فيك ينتظر الربيعا! 
أرى الآباد تغمرني كبحرٍ 
سحيقِ الغور مجهولِ القرار 
ويأتمر الظلام عليَّ حتى 
كأني هابط أعماق غارِ 
وتصطخبُ العواطف ساخرات 
وتطعنُني بأطرافِ الحرابِ 
وتشفقُ بعدما تقسو فتمضي 
لتقرع كل نافذةٍ وبابِ 
فصحت بها إلى أن جف حلقي 
فحين سكتُّ كلمني إِبائي 
وأشعرني العذابُ بعمق جرحي 
وأعمق منه جرح الكبرياءِ 
ولمّا لَمْ تفزْ بلقاك عيني 
لمحتك آتياً بضمير قلبي 
فأسمعُ وقعَ أقدامٍ دوانٍ 
وأنصتُ مصغياً لحفيفِ ثوبِ 
وأخلقُ مثلما أهوى خيالاً 
لناءٍ صار من قلبي قريبا 
أمدُّ يديَّ في لهف إليه 
أشاكيه بمحتسب الدموع 
فيسبقني إلى لقياه قلبي 
وُثوباً يبرُدُ في ضلوعي 
فتصطخب العواطفُ ساخراتٍ 
وتطعنُني بأطراف الحرابِ 
وتشفق بعدما تقسو فتمضي 
لتقرعَ كلَّ نافذةٍ وبابِ! 

التذكار 

معرّبة عن "الفرد دي موسيه" 
بي نزوعً إِلى الدموعِ الهوامي 
غير أني أخافُ من آلامي 
أيهذا المكان! يا غالي الترب! 
ومثوى عبادتي واحترامي! 
أنت مثوى الذكرى ومدفنُها الغا 
لي القصيُّ المجهولُ في الأيام 
هذه خلوتي فلا تمنعوني 
ما الذي تحذرون يا خلاني 
انها عادتي التي كنت أعتادُ 
وأهوى في سالفِ الأزمانِ 
أخذتني لذِي الرحاب وقادت 
قدمي في سبيلِ هذا المكان! 
أنظروا هذه السفوحَ وهذا النبتَ 
إذ قام مزهراً تيّاها! 
لكأني ما زلتُ تسمع أذني 
في صموتِ الرمالِ وقع خطاها 
وكأن النجوى بكل ممرٍّ 
طوقتني في سترهِ يمناها! 
قد تراءى الصنوير النضر إذ أينع 
في قاتمٍ من الألوانِ 
وتراءَى ليَ المضيقُ البعيدُ 
الغور يمتدُّ في رخيّ المجاني 
موحشات لكنما كن آلا 
في ومهد الهنيء من أزماني 
أنا ما جئتَ ها هنا أذكر الأشجانَ 
في موطنٍ عرفت فيه هنائي 
ذلك الغاب رائع الحسن والصمت 
مثال الجلال والكبرياءِ 
وفؤادي عاتٍ كرائعِ هذا الغابِ 
مستكبرٌ على البرحاءِ! 
من يشأ أن يفيضَ يوماً بشكواه 
فما هذا موضع الأحزان 
قل لشاكٍ هلاَّ مضيت لتجثو 
عند مثوى ميت من الخلان! 
كل شيء حيٌّ هنا وباتُ القبرِ 
ينمو في غيرِ هذا المكان! 
طلع البدرُ يرتقي ذروةَ الأُفقِ 
ويجتازُ حالكَ الأسدادِ 
يا أمير الظلام إِنك تبدو 
حائرَ الرأي، واضحَ التردادِ 
ثم تمضي مجاوزاً حجبَ الليلِ 
وترمي بنوِرك الوقَّادِ 
كلّما شارف الثرى فيض نورٍ 
مرسلٍ من جبيِنك الوضّاحِ 
وإِذا الأرض قد تضوَّعَ منها 
عن ثراها النديِّ عطرُ الصباحِ 
استشرت عطرَ القديمِ من الحبِّ 
دفين العبيرِ في الأرواح 
أيهذا الوادي المجبب ما زرتك 
حتى سألت عن أوصابي 
إيْن راحت لواعجي أيْن آلامي 
اللواتي أهزمنَنِي في الشباب 
عاودتني طفولتي فيك حتى 
خلتُ أني ما اجتزتُ يومَ عذاب! 
يا خفاف السنين! يا صولة الدهرِ 
قويّاً مثل الجبابرِ عاتي 
كل ماضي صبابة قد أخذتن 
فمن مدمعٍ ومن حسراتِ 
ورحمتنَّ لي أزاهر ذكرى 
علقتْ في ذبولها بالحياةِ 
فسلام مني على الأيامِ 
كيف آستْ في النازلاتِ الجسامِ 
لم أكن أدرِي أن جرحاً بما كابدتُ 
منه من فاتك الآلامِ 
معقبٌ لذةً لنفسي واحساسَ 
هناءٍ لديَّ بعد التئامِ 
فليبْن عنيَ السخيفُ من الرأيِ 
وتنأَى سفاسفُ الأقوالِ 
وهمومٌ كواذبٌ كفنت أثْوابٌها 
حُبَّ عاشقين ضآلِ 
جعلوها مظاهراً لهواهم 
والهوى الحقُّ ليس منهم ببالِ 
ايه دانتي! أأنت ذاك الذي قال 
قديماً عن ذكرياتِ الهناء: 
انها إن مرَّت على ذاكريها 
زمن الحزن فهي أشقى الشقاء! 
أي بؤسي أملت عليك مرير القولِ 
حقّاً أسأت للبأساءِ! 
أو إنْ أقبل الدجى بعد ادبارِ 
نهارٍ صافي الضياء قضيتَهْ 
تنكرُ النورَ في الوجودِ فيغدو 
محضَّ وهمٍ كأنه ما رأيتَهْ 
ذلك القول وهو جدّ عجيب 
أيها الخالد الأسى كيف قلتَهْ 
قسماً بالطهورِ من لهب الحبِ 
مضيئاً في القلب شبه المنارِ 
ما عهِدْنا في قلبك الوافر الإيمـ 
ـانِ هذا الظلال في الأفكارِ 
لا أرى للهناءِ والله صدقاً 
مثل صدقِ الهناءِ بالتذكارِ 
أو إنْ أبصرَ الشقيُّ وميضاً 
في رمادِ الهوى فقام إليهِ 
باسطاً نحوَه يديهِ بلهفٍ 
حارصاً أن يمرَّ من كفَّيهِ 
وبه من إشعاعهِ أثرُ البرقِ 
إذا مرّ خاطفاً ناظريه 
أو إن غاصت روحهُ في عبابِ الذ 
كريات التي طوتها السنينْ! 
أو هذا السرور من ذِكرِ الماضي 
تسميه بالعذابِ المبين! 
ان تروى أدمعي فلا تزجروني 
ودعوني اني أحب الدموعَا 
لا تجفف ايديكمُ أدمعاً تنفعُ 
قلباً لمّا يزلْ موجوعا 
أدمعي سترٌ مسبلٌ فوق ماضٍ 
قد تولى ما يستطيع رجوعا! 

البحيرة 

من شاطئِ لشواطئٍ جددِ 
يرمي بنا ليلٌ من الأبدِ 
ما مَرّ منه مضى فلم يعدِ 
هيهات مرسى يومِه لغدِ! 
سنةٌ مضت! وختامُها حانا 
والدهرُ فرّق شملَنا أبدا 
ناجِ البحيرةَ وحدك الآنا 
واجلسْ بهذا الصخرِ منفردا! 
قل للبحيرةِ تذكرين وقد 
سكن المساءُ ونحن باللجِّ 
لا صوت يسمع في الدنى لأحدْ 
الا صدى المجدافِ والموجِ 
فاذا بصوتٍ غير معتادِ 
هزّ السكونَ هتافهُ العذبُ 
أصغى العبابُ ورجَّع الوادي 
أصداءَه وتناجتِ السحبُ 
يا. دهر في وفق ولا تدرِ: 
ساعاته في هينة وقفى 
حتى تتاح هناءةُ العمرِ 
وتطول لذتُها لمقتطفِ 
هلا التفتَّ لذلك الكونِ 
وعلمت كم في الناس من باكي 
يدعوك خذني والأسى المضنيْ 
خلِّ الممتِّعِ وامضِ بالشاكي 
هذا النعيم وهاته المحنُ 
يتنافسان الدهر اقلاعا 
فبأي عدلٍ أيها الزمنُ 
تتشابهُ الحالان إسراعا 
يا أيها الأبد السحيق أجبْ 
وتكلمي يا هوة الماضي 
ما تصنعان بأشهرٍ وحقبْ 
ونعيم عمرٍ غير معتاض 
ناج البحيرةَ والصخورِ وعُدْ 
فاستحلِف الأغوارَ والغابا 
قل! صُنْ ذكر غرامنا فلقدْ 
صين الشبابُ عليك أحقابا 
ولتبق يا هذي البحيرة في 
حاليك ثائرة وهادئةً 
في باسق للماء منعطفٍ 
في رائعات الصخر نائتةً 
في عابر النسماتِ مرتجفَا 
في النجم فضض صفحةَ الماءِ 
في الريح أنّ أنينه وهفا 
في الغصن نفَّسَ حر أحشاءِ 
في الجو معتبقاً بريّالِ 
خطرت ملاعبة رقيق صبا 
في كل هذا هاتفٌ باكي 
سيقول يا أسفا لقد ذهبا! 

البعث 

يا جمالا وجلالا يتدفقْ 
رجع البلبلُ أم عاد الربيعْ 
بهر النورُ عيوني فترفقْ 
حين تدنو انني لا أستطيعْ 
أيها الورد الذي طاف بنا 
أيها الطل الذي بلَّ الظما 
لا أراك الله حالي وأنا 
أطأ الشوك ويغزوني الغما 
يا أماني وحبي وخيالي 
لا تضيع لحظة فالعمر ضاعْ 
لا أراك الله حالي والليالي 
كاسفات ليس فيهن شعاعْ 
قد بلوت الويلَ فيها لا بلوتا 
وانا أبدأ يومي بالمساء 
وعرفت الضيق ضيق القلب حتى 
لم أجد في الكون ثقباً من رجاء 
*** *** 
لا وربي ليس في الدنيا ختام 
حين يغدو البعث نجوى من حبيب 
حين يستيقظ قلب من منام 
والمنادي أنت والحب المجيب

البندر 

أنظر وجوهَ القومِ غرّ 
تها بزينتها المدينهْ 
مسكينه بلهاء لا 
تدري الزمان ولا فنونهْ 
يا من يغرِّبها إذا 
أرست لصاحبها السفينهْ 
الأفق مضطرب الحواشي 
والسماء بها حزينهْ 
لا تحسن الدنيا إذا 
ما المرء جن بها جنونهْ 
وطغتْ منافعهُ عليـــ 
ــه وضرن دنياه ردينهْ 
العيش حيث الحب، حيــ 
ــث العطف صاف والسكينهْ

الى س 

جئتُ أشكو لكِ روحي وجواها 
وردت ظمأى وعادت بصدَاها 
آه من عينكِ! ماذا صنعتْ 
بغريبٍ مستجيرٍ بحماها؟! 
نبعته تقتفي أحلامَهُ 
كلّما أغفى أطلَّت فرآها 
يا سقى اللهُ "لِليلى" أيكةً 
وجزاها الخيرَ عنّا ورعاهَا 
وغذاها من أمانينا ومِن 
حبنا الشهدَ المصفى وصقاهَا 
قرِّبي عينكِ مني قرّبي! 
ظلليني واغمريني بصفاهَا! 
وأريني هدأة البحرِ إذا انـ 
ـبسط البحرُ جلالاً وتناهَى 
وأريني لجةَ السحرِ التي 
ضلَّ في أعماقها الفكرُ وتاهَا 
ألمحُ اللؤلؤ في أغوارها 
وأرى الطيبةَ تطفو في سناهَا 
وأراها تُخبِّئُ الخلدَ لمن 
باع دنياه وبالروح اشتراهَا! 
نحن أرواحٌ حيارى افترقتْ 
ثم عادت فتلاقت في شجَاهَا 
سوف ينسى القلبُ إلاَّ ساعةً 
مِنْ رضاً في وكرِك الحاني قضاهَا 
هتف القلب وقد حدثتني 
أيَ ماضٍ كشفت لي شفتاهَا 
هَمَسَتْ في خاطري فاستيقظتْ 
روحيَ الحيْرى وأصغت لنداهَا 
فأنا إنْ لَمْ أَكُنْ توأمَها 
فكأني كنت في الغيبِ أخاها 
نحن أرواحٌ حيارَى ثملتْ 
وانتشتْ سكرى على لحنِ أساهَا 
قرِّبي روحَكِ مني قرِّبي! 
ظلليني واغمريني برضاهَا! 
وتعاليْ حدّثيني! حدّثي! 
انت مرآة شجوني وَصَدَاهَا 
فهبيني ساعة الصفو التي 
تقسمُ الأيامُ ما فيها سواها 
ثم أمضي لحياةٍ مرَّةٍ 
صبْحُها عندي سواءٌ ومَساهَا! 

الجمال الضنين 

قلْ للبخيل إِذا ما عزَّ مشرعهُ: 
يا مانع الماء عني كيف تمنعهُ 
غرَّ حسنك أن الخلدَ جدولُه 
وأنّه من غريبِ السحرِ منبعهُ؟ 
با أيها الكوكب المحبوس في فلكٍ 
مبددٌ مجده فيه مضيّعُه! 
هيهاتَ يخلد حسنٌ لا يؤلهه 
شعرٌ من النسق الأعلى ويرفعُه! 
أنا شهيدك، والقلب الضحوك إِذا 
أدميتَه، والمغنّي إِذ تقطّعُه 
هل منك يوم رضىً ضنَّ الزمانُ به 
أعيا خيالي وأضناني توقعُه؟! 
كم بتُّ منتبهاً أصغي لخطوته 
أراه في الوهم أحياناً وأسمعهُ! 
وأنت في أُفق الأوهام طيف صبا 
سما ودقَّ على الأفهام موضعهُ 
كأنك النسمُ النشوانُ منطلقا 
أظل كالنفس الحيرانِ أتبعهْ 
تعالَ وادنُ بيوم لا تحسُّ به 
أجسادَنا. في صفاء، لا نضيعهُ! 
لكن أحسك تجري في صميم دمي 
أنت الحياةُ، وأنت الكونُ أجمعُهُ! 



الحب والربيع 

جدّدي الحبَّ واذكري لي الربيعا 
إنني عشت للجمال تبيعا 
أشتهي أن يلفَّني ورق الأيكِ 
وأثْوي خلف الزهورِ صريعا 
آه دُرْ بي على الرِّفاق جميعاً 
واجعل الشمل في الربيع جميعا 
لا تقل لي أشتر المسرَّة والجاه 
فإنِّني حُسنَ الربى لن أبيعا 
فلغيري الدنيا وما في حماها 
إنني أعشقُ الجمالَ الرفيعا 
أنا من أجله عصيتُ وعُدِّبْتُ 
وأقسمتُ غيرهَ لن أطيعا 
وبطيبِ الربيع أقتاتُ زهراً 
وعبيراً ولا أُكابد جوعا 
فَهو حسبي زاداً إذا عَفَت الدُّنيا 
وأقْوَتْ منازلاً وربوعا 

الختــــام 

عجباً لقلب هيض منكَ جناحُهُ 
وجرى به نصلُ الندامةِ يذبحُ 
ومضى الحِمامُ يدبُّ فيه فإن جرتْ 
ذ**** طار إليك وهو مجنَّحُ 
لهفي على الناقوس بين جوانحي 
وعلى بقيةِ هيكلٍ لا تصلحُ 
لا فرق بين أنينه ورنينهِ 
وصداه في وادي المنيةِ أوضحُ 
يا قلب! صهباء الهوى وبساطه 
وكؤوسه المتجاوبات الصُّدَّحُ 
وقفٌ على متنقلين على الهوى 
يبغون من لذاته ما يسنحُ 
متبدِّلين موائداً وأحبةً 
ما خاب من حب فآخر يفلحُ 
فالحبُّ آسيه وراء عليله 
فيهم، وبلسمه على ما يجرحُ 
يا قلبُ! ويح ثباتنا ماذا جنى 
أترى شعاعاً في البقيةِ يُلمحُ! 
يا أيها الحبُّ المقدَّسُ هيكلاً 
ذاق الردى من عابديك مسبحُ 
كثرت ضحاياه وطال قياُمه 
وصيامه فمتى رضاءَك تمنحُ؟ 
يا دوحة الأرواح يُحمد عندها 
فيءٌ ويعبد زهرُها المتفتحُ 
أينال ظلَّك والرعايةَ عابثٌ 
بجلالك البادي وآخر يمزحُ 
ويبيت يحرمه قتيل صبابةٍ 
قضّى الحياةَ إلى ظلالك يطمحُ 
ليلى! حببتُكِ كالحياة وذقتُ في 
ناديك كأساً بالأماني تطفحُ 
فتكسرت قدح المنى ورجعتُ من 
سقم الهوى وهزاله أترنحُ 
نزل الستار على الرواية وانقضتْ 
تلك الفصولُ وفُضَّ ذاك المسرحُ 

امير الكمان 

آه من لحنٍ سماوي 
عجيب النغماتِ 
أيها الساحر لم تضرب 
بقوس، بل عصاة 
يا أبا الفن المصفى 
هات ألحانك هات 
في شطوط النيل، مهد الفن، 
مهد المعجزات 
"الصّبا" في ريح "لبنان" 
رقيق النفحات 
"وحجاز راقص أو 
مات من "شط الفرات" 
نحن أبناء المعالي 
نحن أبناء الغزاة 
غننا لحن أبينا الشرق، 
واهتف بالحُماة 
هاتِ لحنَ الشرق . . ما 
أجدره بالعبرات 
هو أرض المجد، أرض الخـ 
ـلد من بدء الحياة 
هات لحن الشرق هات .. 
هاتِ لحن الشرق هاتِ 
رُب لحن قدسيٍّ 
من جنان الخلد آتِ 
جعل الأرواح في هيـ 
ـكله مزدحمات 
حشدَ العالم كالعُبَّاد 
قاموا للصلاة 
جَمَعَ الناسَ على 
الحبِّ وأدنى من شتات 

الخريف 

يا حبيبي غيمة في خاطري 
وجفوني وعلى الأفق سحابهْ 
غفر اللهُ لها ما صنعت 
كلما شاكيتها تندى كآبهْ 
صرخ القفرُ لها منتحِباً 
وبكى مستعطفاً مما أصابهْ 
فأصمّ الغيثُ عنهُ أذنَهُ 
ما على الأيام لو كان أجابهْ 
كثر الهجرُ على القلب فهل 
من سلو أو بعاد يرتضيهِ 
أنت فجرٌ من جمال وصبا 
كل فجر طالع ذكَّرنيهِ 
كيف جانبتك أبغي سلوةً 
ثم ناجيتك في كل شبيهِ 
أيها الساكن عيني ودمي 
أين في الدنيا مكان لست فيهِ 
*** *** 
عندما أزمعَ ركب العمرِ 
رحلةً نحو المغاني الأخرِ 
ظهرت تجلوك كفُّ القدرِ 
صورةً أروع ما في الصورِ 
تتراءى في الشباب العطرِ 
نفحةً تحمل طيبَ السحرِ 
وقف العمرُ لها معتذراً 
وثنى الركبُ عنانَ السفرِ 
*** *** 
عندما أقفرتِ الدنيا جميعاً 
لحتَ لي تحمل عمراً وربيعا 
إن يكن حلماً تولى مسرعاً 
أجمل الأحلام ما ولى سريعا 
إن يكنْ ما كان دَيْناً يقتضيْ 
خلني أدفعه عنك دموعا 
قد شريناه عزيزاً غالياً 
إن تكن بعتَ فإني لن أبيعا 
*** *** 
يا ندامى الحب سُمار الهوى 
سكبوا لي السهدَ في ذاك الشراب 
ارقوني أجرع السقم وبي 
صفرة الكأس وأوهام الحباب 
كلما تقبل أيام المنى 
تنجلي النعماءُ عن ذاك السراب 
وترى أياميَ الحيرى على 
عرسها الضاحك أحزان الضباب 
*** *** 
لم أقيدك بشيء في الهوى 
أنت من حبي ومن وجدي طليقْ 
الهوى الخالص قيد وحده 
رب حر وهو في قيد وثيقْ 
مزّقت كفيك أشواكُ الهوى 
وأنا ضقت بأحجار الطريقْ 
كم ظميٍ يرتوي 
وغريق مستعين بغريقْ 
*** *** 
يا ليالي العمر ما سر الليالي 
البطيئات المملات الطوالِ 
مسرعات مبطئات ولها 
خفة الموت وأثقال الجبالِ 
كاسفات البال عرجاء المنى 
عاثرات الحظ شوهاء الظلالِ 
عجباً للعمر يمضي مسرعاً 
للمنايا بسلحفاة الملال (؟!) 
*** *** 
يا قمارى الروض في أيك الهوى 
جفّتِ الورضةُ من بعد النديمْ 
حل بالأيك خريفٌ منكرٌ 
وظلال قاتماتٌ وغيومْ 
ماتت الروضةُ إلا طائفاً 
من هوى حي على الذكرى يقومْ 
فإذا أنكر ما حل بها 
فر يبغي سربَه بين النجومٍْ 
شاهت الدنيا وجوهاً ورؤىً 
وتولاها سهومٌ ووجومْ 
يا عذارى الحسن في ظل الصبا 
كل حسن بعد ليلاي دميمْ 
يا نعيم العيش في ظل الرضا 
آه لو أعرف ما طعم النعيمْ 
أنكر الجنةَ قلبٌ ضجرٌ 
أبدي النار موصول الجحيمْ 
*** *** 
طالما موهتُ بالضحك فما 
غيَّر التمويهُ رأياً لك فيا 
كلما تنظر في عيني ترى 
سريَ الغافي ومعناي الخفيا 
وترى في عمق روحي زهرةً 
قد سقاها الحزنُ دمعاً أبديا 
ويراه الناسُ طلا وترى 
أنت دمعاً غائماً في مقلتيا 
*** *** 
يا فؤادي ما ترى هذا الغروبْ 
ما ترى فيه انهيار العمرِ؟ 
ما ترى فيه غريقاً ذا شحوبْ 
ينلاشى في خضم القدرِ؟ 
ما تراها اتأدتْ قبل المغيبْ 
ورمتْ من عرشها المنحدرِ 
لفتةَ الحسرةِ للشط القريبْ 
قبل أن تسقط خلف النهرِ... 
يا فؤادي قاتل اللهُ الضجرْ 
وعذابي بين حل وسفرْ 
ما ترى قنطرةً من بعدها 
راحة ترجى وبال يستقرْ 
ذلك الجرح وما أفدحه 
ما عليه لو إلى السلوى عبرْ 
قد طواه اليوم في بردته 
وأتى الليلُ عليه فانفجرْ 
*** *** 
مرَّ يومي فارغاً منك ومن 
أملِ اللقيا فما أتعسَ يومي 
أنت يومي، وغدي أنت، وما 
من زمان مرّ بي لم تكُ همي! 
آهِ كم أغدو صغيراً، حاجتي 
لكَ كالطفل إلى رحمةِ أمِّ 
ولكم أكبر بالحب إلى أن 
أغتدي مستشرقاً آفاق نجمِ 
أي سرٍّ فيك إني لست أدري 
كل ما فيك من الأسرار يغري 
*** *** 
خطرٌ ينسابُ من مفتر ثغر 
فتنة تعصف من لفتة نحرِ 
قدر ينسج من خصلة شعر 
زورق يسبحُ في موجةِ عطرِ 
في عباب غامض التيار يجري 
واصلاً ما بين عينيك وعمري 
*** *** 
ذات ليلٍ والدجى يغمرنا 
أترى تذكر إذ جزنا المدينةْ؟ 
كلما روعت من نار شجٍ 
حر ما يصلى تلمست جبينَهْ 
بيدٍ شفافة مثل الندى الرطبِ 
تعيد النار بردا وسكينه 
أيها الآسي لناري هذه 
ما الذي تصنع بالنار الدفينه؟ 
أخيالاً كان هذا كلُّهُ 
ذلك الجسر الذي كنا عليه؟ 
والمصابيح التي في جانبيه 
ذلك النيل وما في شاطئيه؟ 
وشعاع طوفت في مائه 
وظلالٌ رسبت في ضفتيه 
وحبيب وادع في ساعدي 
ووعود نلتها من شفتيه؟ 
رب لحن قص في خاطرنا 
قصةَ الحادي الذي غنّى سهادَهْ 
وكأن الصمت منه واحدةٌ 
هيأتْ من عشبِها الرطبِ وسادَهْ 
ها أنا عدت إلى حيث التقينا 
في مكان رفرفت فيه السعادَهْ 
وبه قد رفرف الصمتُ علينا 
إنَّ في صمت المحبين عبادَهْ 
رفرف الصمتُ ولكن أقبلتْ 
من أقاصي السهلِ أصداءً بعيدَهْ 
تتهادى في عبابٍ ساحرٍ 
مرسلٍ للشطِّ أمواجاً مديدَهْ 
كم نداء خافت مبتعد 
تشتهي أذنُ الهوى أن تستعيدَهْ 
عاد منساباً إلى أعماقها 
هامساً فيها بأصداءٍ جديدَهْ 
*** *** 
رفرف الصمتُ ولكن ها هنا 
كل ما فيك من الحسنى يغني 
آه كم من وتر نام على 
صدر عودٍ نومَ غاف مطمئنِ 
وبه شتى لحون من أسى 
وحنينٍ وأنينٍ وتمني 
رقد العاصفُ فيه وانطوتْ 
مهجةُ العودِ على صمتٍ مرنِ... 
*** *** 
هذه الدنيا هجيرٌ كلُّها 
أين في الرضاء ظل من ظلالكْ 
ربما تزخر بالحسن وما 
في الدمى مهما غلت سر جمالكْ 
ربما تزخر بالنور وكم 
من ضياء وهو من غيرك حالكْ 
لو جرت في خاطري أقصى المنى 
لتمنيتُ خيالاً من خيالك 
*** *** 
أنا إن ضاقت بي الدنيا أفئْ 
لثوانٍ رحبةٍ قد وسعتنا 
إنما الدنيا عبابٌ ضمنا 
وشطوطٌ من حظوظٍ فرقتنا 
ولقد أطفو عليه قلقاً 
غارقاً في لحظة قد جمعتْنا 
كلما تترى المعاني أجتلي 
خلف معناها لأسرارِك معنى 
*** *** 
ما الذي صبك صباً في الفؤادْ 
ما الذي إن أقصِه عنيَ عادْ 
طاغياً يعصفُ عصفاً بالرشادْ 
ظامئاً سيان قرِب وبعادْ 
ساهر العينين موصول السهادْ 
ما الذي يجري لهيباً في الرمادْ 
ما الذي يخلقنا من عدم 
ما الذي يجري حياةً في الجمادْ 
*** *** 
كم حبيب بعدت صهباؤه 
وتبقت نفحةٌ من حببِهْ 
في نسيجٍ خالدٍ رغم البلى 
عبث الدهرُ وما يعبث بِهْ 
ما الذي في خصلة من شعرهِ 
ما الذي في خطه أو كُتبِهْ 
ما الذي في اثرٍ خلَّفه 
من أفانين الهوى أو عجبِهْ 
ما الذي في مجلس يألفه 
عقد الحبُّ عليه موعدَهْ 
ربما يبكي أسى كرسيُّهُ 
إن نأى عنه وتبكي المائدَهْ 
ربما نحسبها هشتْ إذا 
عائدٌ هش لها أو عائدَهْ 
ربما نحسبها تسألنا 
حين نمضي أفراق لعدَهْ؟ 
*** *** 
كم أعدت لك ستراً في الخفاء 
وتوارت عن عيون الرقباء 
كم أعدت نفسها وانتظرت 
واستوت موحشة تحت السماء؟ 
وهي لو تملك كفا صافحت 
كفَّك الحلوةَ في كل مساء 
وهي لو تملك جوداً بذلت 
كل ما تملك كفٌّ من سخاء 
*** *** 
رب كرم مده الليل لنا 
فتواثبنا له نبغي اقتطافَهْ 
وعلى خيمته أسوده 
عربي الجود شرقي الضيافَهْ 
وجد العرس على بهجته 
وسناه دون ورد فأضافَهْ 
ثم وارت يدَه جنيةٌ 
وطوته بأساطير الخرافَهْ... 
*** *** 
أرج يعبق في أنحائه 
حملته نحو عرشينا الرياحْ 
كل عطر في ثناياه سرى 
كان سرّاً مضمراً فيه فباحْ 
يا لها من حقبة كانت على 
قِصَرٍ فيها كآماد فساحْ 
نتمنى كلما طابت لنا 
أن يظل الليل مجهول الصباحْ 
*** *** 
يا فؤادي العمر سفرٌ وانطوى 
وتبقتْ صفحة قبل النوى 
ما الذي يغريك بالدنيا سوى 
ذلك الوجه، وذياك الهوى

الحــياة 

جلستُ يوماً حين حلَّ المساءْ 
وقد مضى يومي بلا مؤنسِ 
وارحمتاه للقويِّ الصبورْ 
يقضي الليالي في كفاحٍ سخيفْ 
إن الجمالَ الساحرَ الفاتنا 
يا ويحه حين تغير الغضون 
يا ربِّ غفرانك إنا صِغارْ 
ندبّ في الدنيا دبيبَ الغرورْ 
ويعبثُ الدهرُ بحلو الجنَى 
وتستر الصبغةُ إثمَ السنينْ! 
وارحمتاه للقويِّ الصبورْ 
يقضي الليالي في كفاحٍ سخيفْ 
يا حسرتا مما يلاقي العبادْ 
أَكُلُّ هذا في سبيل الحياهْ؟! 
وانظر إلى هذا القويِّ الجسدْ 
الباترِ العزم الشديد الكفاحْ! 
أجبتُ: يا دنياي من تخدعين؟! 
إِني امرؤٌ ضاق بهذا الخداعْ 
وهذه السيارةُ العاتيهْ 
وربُها الجبارُ كالبرقِ سارْ 
وارحمتاه للقويِّ الصبورْ 
يقضي الليالي في كفاحٍ سخيفْ 
كم صِحتُ إذا أبصرتُ هذا الجهادْ 
ومبسم الذلة فوق الجباهْ 
يا حسرتا مما يلاقي العبادْ 
أَكُلُّ هذا في سبيل الحياهْ؟! 
وفي سبيل الزاد والمأكل 
نملأ صدرَ الأرضِ إعوالا 
*** *** 
قد أقبل الليلُ فحيّ الجلد 
في رجلَ يدأبُ منذ الصباحْ 
أجبتُ: يا دنياي من تخدعين؟! 
إِني امرؤٌ ضاق بهذا الخداعْ 
إن الجمالَ الساحرَ الفاتنا 
يا ويحه حين تغير الغضون 
*** *** 
ما هي الا شُعَلٌ فانيهْ 
نصيبُها مثلُ شعاع النهارْ! 
وارحمتاه للقويِّ الصبورْ 
يقضي الليالي في كفاحٍ سخيفْ 
وكيف لا أبكى لكدح الفقيرْ 
أقصى مناه أن ينال الرغيفْ! 
كم صِحتُ إذا أبصرتُ هذا الجهادْ 
ومبسم الذلة فوق الجباهْ 
يا حسرتا مما يلاقي العبادْ 
أَكُلُّ هذا في سبيل الحياهْ؟! 
وفي سبيل الزاد والمأكل 
نملأ صدرَ الأرضِ إعوالا 
كم يسخر النجمُ بنا مِن عل 
وكم يرانا اللهُ أطفالا! 
يا ربِّ غفرانك إنا صِغارْ 
ندبّ في الدنيا دبيبَ الغرورْ 
نسحب في الأرض ذيولَ الصغارْ 
والشيبُ تأديبٌ لنا والقبورْ! 
أجبتُ: يا دنياي من تخدعين؟! 
إِني امرؤٌ ضاق بهذا الخداعْ 
مزَّقتِ عن عيشي هنيّ السنين 
لأنني مزقتُ عنكِ القناعْ! 
إن الجمالَ الساحرَ الفاتنا 
يا ويحه حين تغير الغضون 
ويعبثُ الدهرُ بحلو الجنَى 
وتستر الصبغةُ إثمَ السنينْ! 
وهذه السيارةُ العاتيهْ 
وربُها الجبارُ كالبرقِ سارْ 
ما هي الا شُعَلٌ فانيهْ 
نصيبُها مثلُ شعاع النهارْ! 
وارحمتاه للقويِّ الصبورْ 
يقضي الليالي في كفاحٍ سخيفْ 
وكيف لا أبكى لكدح الفقيرْ 
أقصى مناه أن ينال الرغيفْ! 
كم صِحتُ إذا أبصرتُ هذا الجهادْ 
ومبسم الذلة فوق الجباهْ 
يا حسرتا مما يلاقي العبادْ 
أَكُلُّ هذا في سبيل الحياهْ؟! 
وفي سبيل الزاد والمأكل 
نملأ صدرَ الأرضِ إعوالا 
كم يسخر النجمُ بنا مِن عل 
وكم يرانا اللهُ أطفالا! 
يا ربِّ غفرانك إنا صِغارْ 
ندبّ في الدنيا دبيبَ الغرورْ 
نسحب في الأرض ذيولَ الصغارْ 
والشيبُ تأديبٌ لنا والقبورْ! 

اليها 

أيها الماضي الذي أودعته 
حفرةً قد خيم الموتُ بها 
أيها الشعر الذي كفنتهُ 
مقسما لا قلتُ شعرا بعدها 
أيها القلب الذي مزقتُه 
صارخا: عهدك يا قلب انتهى 
قسما ما مات منكم أحد 
انها رقدةُ يأسٍ إنها 
آه لو قام رسولٌ ضارعٌ 
أو شفيعٌ منكمُ ويمضي لها 
آه من يخبرها عن طائر 
نسي الأوكارَ إلا وكرها! 

الحنــين 

أمسي يعذبني ويضنيني 
شوقٌ طغى طغيانَ مجنون 
أين الشفاء ولمَ يعد بيدي 
إلاَّ أضاليلٌ تداويني 
أبغي الهدوء ولا هدوء وفي 
صدري عبابٌ غير مأمون 
يهتاج إن لَجَّ الحنين به 
ويئن فيه أنينَ مطعون 
ويطل يضرب في أضالعه 
وكأنها قضبان مسجون 
ويحَ الحنين وما يجرعني 
من مُرِّره ويبيت يسقيني 
ربيتُه طفلاً بذلتُ له 
ما شاء من خفضٍ ومن لينِ 
فاليوم لمّا اشتدّ ساعدُه 
وربا كنوارِ البساتينِ 
لَم يرضَ غير شبيبتي ودمي 
زاداً يعيشُ به ويفنيني 
كم ليلةٍ ليلاءَ لازمني 
لا يرتضي خلاً له دوني 
ألفي له همساً يخاطبني 
وأرى له ظلاً يماشيني 
متنفساً لهباً يهبُّ على 
وجهي كأنفاسِ البراكينِ 
ويضمُنا الليلُ العظيمُ وما 
كالليلِ مأوى للمساكينِ 

الراهبة الباكية 

لمن العيون الغائرات خشوعا 
لمن النواظر قد صفت ينبوعا 
وتكللت بالطهر مؤتلقَ السنا 
وجلت لنا معنى الجمال رفيعا 
مهلاً فتاة الدير والحسن الذي 
تصبو له مهجُ العبادِ جميعا 
الحسنُ من حق الورى وحملتِه 
مستخفيا متأبيا ممنوعا! 
في الدير مثواه وفي جنح الدجى 
يتحدر الحسنُ الشهيدُ دموعا 
يا مؤنس الدنيا فديتك موحشاً 
تهتاج وجداً أو تضيق ضلوعا 
تتحرق الدنيا عليك وربما 
أوقدت نفسك في الظلام شموعا 

الربيع 

مرحى ومرحى يا ربيع العامِ 
أشرق فدْتك مشارقُ الأيامِ 
بعد الشتاء وبعد طولِ عبوسه 
أرِنا بشاشةَ ثغرِكَ البسّامِ 
وابعث لنا أرجَ النسيمِ معطراً 
متخطراً كخواطر الأحلامِ 

الشــكوى 

بي ما تحسّ وفي فؤادكِ ما بي 
فتَعال نبكِ أيا نجيَّ شبابي 
أنكرت بي ناري عشية لاَمَسَتْ 
شفاتي مِنْكَ أناملَ العنابِ 
وسألتَ ما صمتي وما اطراقتي 
وعَلاَم ظلَّت حيرة المرتابِ 
أقبِلْ لأقسمَ في حياتي مرةً 
ان الذي أُسقاه ليس بصابِ 
مَنْ أنتَ؟! من أيِّ العوالم ساخرٌ 
مستأثرٌ بأعنة الألبابِ؟ 
ما يصنع الملكُ الطهورُ بعالَمٍ 
فانٍ وأيَّامٍ كلمع سرابِ؟ 
دوَّارةً أبدَ السنين كعهدِها 
من ليل آثامٍ لصبح متابِ 
يا هيكل الحسنِ المبارَك ركنه 
الساحر النور الطهور رحابِ 
قدمتُ قرباني إِليك بقية 
من مهجةٍ ضاعت على الأحبابِ 
حدَّثتُ نفسي إِذ رأيْتُكَ بادياً 
وأطَلْتَ تسآلي بغير جوابِ 
ما يصنع الملكُ الطهورُ بعالَمٍ 
فإنٍ وأيَّامٍ كلمع سرابِ؟ 
ما يصنع الأبرارُ بالأرض التي 
ساوت من الأبرار والأوشابِ؟ 
دوَّارةً أبدَ السنين كعهدِها 
من ليل آثامٍ لصبح متابِ 
تغلو الحياة بها إلى أن تنتهي 
عند التراب رخيصةً كترابِ! 
يا هيكل الحسنِ المبارَك ركنه 
الساحر النور الطهور رحابِ 
لا صدقَ إلاَّ في لهيبك وحده 
وجلالُه الباقي على الأحقابِ 
قدمتُ قرباني إِليك بقية 
من مهجةٍ ضاعت على الأحبابِ 
وَأَذبْتُ جوهَرَهَا فدَاءَ نَوَاظِر 
قُدْسِيَّةٍ، عُلويّةِ المحرابِ! 

الصنم الجميل 

يا قلبي الشاكي المعذب 
هذه الشكوى لِمَا 
حان الفرارُ وآن للمسجون 
أن يتنسما 
حان الحسابُ وأن للموتور 
أن يتكلما 
يا طفليَ النواح آن 
اليوم أن تتعلما 
أسفي لغالي الدمع تبذله 
لمرتخص الدمى 
أفنيته ورجعت حتى 
من دموعك معدما 
فإذا افتقدت الدمع عز 
فتبكينّ تبسما 
تبكي على العرش المصوغ 
من المدامع والدما 
تبكي على الصنم الجميل 
يكاد أن يتهكما 
تبكي تراب الأرض 
مصبوغا بألوان السما

الصورة 

يا رسمَ من أعطى الهوى 
مفتاحَ قلبي المقفلِ 
في حبه فنيَ الصبا 
وشباب أيامي بلي 
يا ويح ما ضيعت فيه 
من قليل مخجلِ 
ماضيَّ ضاع ولو قدرت 
لجدت بالمستقبلِ 
يا رسم! كم من ليلةٍ 
أبكي وأستبكيك لي 
حتى رجعتُ مخادَعاً 
ومضيتُ جدَّ مضلَّلِ 
أرنُو لدمعي بادياً 
في وجهك المتهللِ 
فأخال عينك هَزّها 
شَكوى الغريب المهمَلِ 
فبَكَتْ وتلك دموعها! 
هَذِي تَسيل وذِي تَلي! 

الزورق يغرق والملاح يستصرخ 

أَيْنَ شَطُّ الرَّجَـاءْ 
يَا عُبَابَ الهُمُومْ 
لَيْـلَتِـي أَنْـوَاءْ 
وَنَهَارِي غُيُـومْ 
* * * *** 
أَعْوِلِـي يَا جِـرَاحْ 
أَسْمِعِي الدَّيَّـانْ 
لا يَهُـمُّ الرِّيَـاحْ 
زَوْرَقٌ غَضْبَـانْ 
* * * *** 
البِلَـى وَالثُّقُـوبْ 
فِي صَمِيمِ الشِّرَاعْ 
وَالضَّنَى وَالشُّحُوبْ 
وَخَيَالُ الـوَدَاعْ 
* * * *** 
إِسْخَرِي يَا حَيَـاهْ 
قَهْقِهِي يَا رُعُودْ 
الصِّبَـا لَـنْ أَرَاهْ 
وَالْهَوَى لَنْ يَعُودْ 
* * * *** 
الأَمَانِـي غُـرُورْ 
فِي فَمِ البُرْكَـانْ 
وَالدُّجَـى مَخْمُورْ 
وَالرَّدَى سَكْـرَانْ 
* * * *** 
رَاحَـتِ الأَيَّـامْ 
بِابْتِسَامِ الثُّغُـورْ 
وَتَوَلَّـى الظَّـلامْ 
فِي عِنَاقِ الصُّخُورْ 
* * * *** 
كَانَ رُؤْيَـا مَنَـامْ 
طُيْفُكِ الْمَسْحُورْ 
يَا ضِفَافِ السَّـلامْ 
تَحْتَ عَرْشِ النُّورْ 
* * * *** 
إِطْحَنِـي يَا سِنِيـنْ 
مَزِّقِـي يَا حِرَابْ 
كُلُّ بَـرْقٍ يَبِيـنْج 
وَمْضُـهُ كَذَّابْ 
* * * *** 
إِسْخَرِي يَا حَيَـاهْ 
قَهْقِهِي يَا غُيُوبْ 
الصِّبَـا لَـنْ أَرَاهْ 
وَالْهَوَى لَنْ يَؤُوبْ 


الغريب 

يا قاسيَ البعد كيف تبتعدُ 
اني غريبُ الديارِ منفردُ 
إن خانني اليومُ فيك قلت غداً، 
وأين مني ومن لقاك غدُ 
إنّ غداً هوةٌ لناظرها 
تكاد فيها الظنون ترتعدُ 
أطل في عمقِها أسائلها 
أفيك أخفى خيالَهْ الأبدُ 
ألامس الجرحَ ما الذي صنعتْ 
به شفاهٌ رحيمةٌ ويدُ 
ملء ضلوعي لظى واعجبُهُ 
اني بهذا اللهبِ ابتردُ 
يا تاركي حيث كان مجلسنا 
وحيث غنَّاك قلبيَ الغرِدُ 
أرنو إلى الناس في جموعِهم 
أشقتهمُ الحادثاتُ أم سعدوا 
تفرقوا أم بها احتشدوا 
وغوَّروا هابطين أم صعدوا 
اني غريبٌ تعال يا سكني 
فليس لي في زحامِهم أحَدُ 


العـائد 

أجرْ غربتي أيها العائدُ 
فقد ملّني الداءُ والعائدُ 
أجرْ غربتي فبلادي الهموم 
وليلٌ بطيء الخطى راكدُ 
تقاسمني في نواك الديار 
وأنتَ لي الوطن الواحدُ 
محياك داري ومنك نهاري 
إذا ضمك الصدرُ والساعدُ 
أجرْ شفتي من عذاب الظما 
أما أذن اللهُ أن ترحما! 
أتمعن في الهجر حتى ترانا 
بكينا دما واحترقنا فما؟ 
ولي رمقٌ صنتُهُ كي أراك 
فاشفِقْ على رمقي ريثما 
إذا طلب الحبُّ برهانَهُ 
من الموت لبَّيتُ كي تعلما.. 
لياليّ مرت هباء عقيما 
فهل تتوالى البواقي سدى؟ 
أسائل جرحيَ عمن جناهُ 
وارنو فاستخبر العودا 
فما اطلعوا اليوم بالبشريات 
ولا عللوا بالتلاقي غدا... 
فلما تنكرَ حتى المحب 
تلفت أسألُ عنك العدا 
*** *** 
سلام على غائب عن عيوني 
حملت حطامي إلى دارهِ 
وقلت لقلبي تمهل بنا 
وخبئ شقاءَك أو دارهِ 
تناسَ الأسى ها هنا أو يقال 
حملتَ الظلامَ لأنوارهِ... 
أتغدو إلى عتبات النعيم 
بلفحِ الجحيم وإعصاره!.. 


العـــــودة 

هذه الكعبةُ كنّا طائفيها 
والمصلّين صباحاً ومساءَ 
دار أحلامي وحبي لقيتنا 
في جمود مثلما تلقى الجديد 
رفرف القلبُ بجنبي كالذبيحْ 
وأنا أهتف : ياقلب اتَّئِـدْ 
لمَ عُدْنَا؟أولَمْ نَطو الغَرَامْ 
وفَرَغْنَا مِن حنينٍ وألَم 
أيها الوكر إذًا طارَ الأليفْ 
لا يَرَى الآخرُ معنىً للسماءْ 
والبلى ! أبصِرتُه رأيَ العيانْ 
ويداه تنسجان العنكبوتْ 
وطني أنتَ ولكني طريدْ 
أبديُّ النفي في عالَمِ بؤسي ! 
والبلى ! أبصِرتُه رأيَ العيانْ 
ويداه تنسجان العنكبوتْ 
ركني الحانَي ومغنايَ الشفيقْ 
وظلالُ الخلدِ للعاني الطليحْ 
كلما أرسلتُ عيني تنظرُ 
وثبَ الدمعُ إلى عيني وغامَا 
فإذا عدتُ فللنجوى أعودْ 
ثم أمضي بعدما أفرِغُ كأسي ! 
وأناخَ الليلُ فيه وجثَم 
وجرَت أشباحُه في بهوهِ 
صحتُ! يا ويحك تبدو في مكانْ 
كل شىء فيه حيٌّ لا يموت ! 
وأنا أسمع أقدامَ الزمنْ 
وخُطى الوحدةِ فوق الدرج 
وأنا أسمع أقدامَ الزمنْ 
وخُطى الوحدةِ فوق الدرج 
ركني الحانَي ومغنايَ الشفيقْ 
وظلالُ الخلدِ للعاني الطليحْ 
موطنُ الحسنِ ثوى فيه السأمْ 
وسرت أنفاسُه في جوَّهِ 
علم اللهُ لقد طال الطريقْ 
وأنا جئتك كيما أستريح 
وعلى بابِك ألقي جَعبتي 
كغريبٍ آبَ من وادي المحنْ 
وأناخَ الليلُ فيه وجثَم 
وجرَت أشباحُه في بهوهِ 
افيك كف اللهُ عني غربتي 
ورسا رحلي على أرضِ الوطن ! 
وطني أنتَ ولكني طريدْ 
أبديُّ النفي في عالَمِ بؤسي ! 
فإذا عدتُ فللنجوى أعودْ 
ثم أمضي بعدما أفرِغُ كأسي ! 
والبلى ! أبصِرتُه رأيَ العيانْ 
ويداه تنسجان العنكبوتْ 
صحتُ! يا ويحك تبدو في مكانْ 
كل شىء فيه حيٌّ لا يموت ! 
كل شىء فيه من سرورٍ وحَزَنْ 
والليالْي من بهيجٍ وشجى 
وأنا أسمع أقدامَ الزمنْ 
وخُطى الوحدةِ فوق الدرج 
ركني الحانَي ومغنايَ الشفيقْ 
وظلالُ الخلدِ للعاني الطليحْ 
علم اللهُ لقد طال الطريقْ 
وأنا جئتك كيما أستريح 
وعلى بابِك ألقي جَعبتي 
كغريبٍ آبَ من وادي المحنْ 
افيك كف اللهُ عني غربتي 
ورسا رحلي على أرضِ الوطن ! 
وطني أنتَ ولكني طريدْ 
أبديُّ النفي في عالَمِ بؤسي ! 
فإذا عدتُ فللنجوى أعودْ 
ثم أمضي بعدما أفرِغُ كأسي ! 


الفراشة 

أجلْ! يعلم الحبُّ أني لظاهُ 
وتدري الفراشة أنِّي اللهبْ 
وبين ذراعيَّ سرُّ الحياةِ 
وفي ناظريَّ بريقُ الشُّهُبْ 
وشتّان بين السنا والظلا 
مِ لعابدةٍ للسنا عن كثبْ! 
يلوح لها شبحٌ لِلعذاب 
ويبدو لها الأبدُ المقتربْ 
فراشة روحي تعاليْ وُثوباً 
ستلقين قلباً إليكِ يثبْ 
وفي صدرها لهفة للعناقِ 
وفي قلبها جنةُ المغتربْ 
يلوح لها شبحٌ لِلعذاب 
ويبدو لها الأبدُ المقتربْ 
كأن اللظى قدَحٌ من سلافٍ 
لها فوقه وثباتُ الحببْ 
فراشة روحي تعاليْ وُثوباً 
ستلقين قلباً إليكِ يثبْ 
إذا ما امتزجنا احترقْنا معاً 
ونلنا الخلود بهذا العطَبْ!! 


الفراق 

يا ساعة الحسرات والعبرات 
أعصفت أم عصف الهوى بحياتي 
ما مهربي ملأ الجحيم مسالكي 
وطغى على سُبُلي وسد جهاتي 
من أي حصن قد نزعت كوامنا 
من أدمعي استعصمن خلف ثباتي 
حطمت من جبروتهن فقلن لي 
أزف الفراق فقلت ويحك هاتي 
أأموت ظمآناًوثغرك جدولي 
وأبيت أشرب لهفتي وولوعي 
جفت على شفتي الحياة وحلمها 
وخيالها من ذلك الينبوع 
قد هدني جزعي عليك وادعي 
أني غداة البين غير جزوع 
وأريد أشبع ناظري فأنثني 
كي أستبينك من خلال دموعي 
هان الردى لو أن قلبك دار 
أأموت مغترباً وصدرك داري 
يامن رفعت بناء نفسي شاهقاً 
متهلل الجنبات بالأنوار 
اليوم لي روح كظل شاحب 
في هيكل متخاذل الأسوار 
لو في الضلوع أجلت عينك أبصرت 
منهارة تبكي على منهار 
لا تسألي عن ليل أمس وخطبه 
وخذي جوابك من شقي واجم 
طالت مسافته علي كأنها 
أبد غليظ القلب ليس براحم 
وكأنني طفل بها وخواطري 
أرجوحة في لجها المتلاطم 
عانيتها والليل لعنة كافر 
وطويتها والصبح دمعة نادم 

الـغــد 

** 
أنا في بُعْدِكَ مفقودُ الهُدَى 
ضائعٌ أعْشُو إلى نورٍ كريمِ 
لا تقُلْ لي في غدٍ موعدُنا 
فالغدُ الموعُودُ ناءٍ كالنجومِ! 
عَبَرَتْ بي نَشوةٌ مِن فَرَحٍ 
فَرَقَصْنَا أنا والقلبُ سُكَارَى 
سنَذمُّ النورَ حتى يَتَلاشى 
ونذمُّ الليلَ حتى يتوارَى! 
فركبنا الوهمَ نبغي دارَها 
وطوينا الدهرَ والعالَم طَيَّا 
ولقينا الحسنَ غَضّاً والصِّبَا 
وتملَّيْنَا الجلالَ الأبدِيَّا 
أتراها خدعةً حاقت بنا؟! 
أتراها ظِنةً مما ظَنَنَا؟ 
إذِنَ اللهُ به بعد النوى 
فثوينا واسترحنا وأمِنّا! 
أيها الآمرُ في مُلكِ الهوى! 
اعف عن لهفةِ روحي وأواري 
غير أني كلّما امتدت يدي 
لعناقٍ جِفتُ أن تؤذيكَ ناري! 
ملكت قلبي ولُبي رهبةٌ 
عصفت بالقلب واللُّبِّ جميعَا 
وحبيسٍ من عتاب في فمي 
قد عصاني فتفجَّرتُ دموعَا! 
واختفتْ تلك الرُّؤَى عن ناظري 
وطواها الغيبُ في سِحْريِّ بُرْدِ 
وإِذا بي غارقٌ في محنَتي 
وبلائي، أقطعُ الأيامَ وَحْدٍي 
ودَع الصدق لمن ينشده 
الحجى خمصيَ فاغمرْ بالضلالِ 
يا جِنانَ الخًلْدِ قَدَّمْتُ اعتذاري 
إِذ يَطوف الخلدَ سقمى ودَماري 
خلِّني بالشوقِ أستدني غداً 
فغداً عندي كآبادٍ طوالِ! 
أيها الآمرُ في مُلكِ الهوى! 
اعف عن لهفةِ روحي وأواري 
أشتهي ضَمَّكَ حتى أشتفي 
فكأني ظامىءٌ آخذ ثاري! 
غير أني كلّما امتدت يدي 
لعناقٍ جِفتُ أن تؤذيكَ ناري! 
أيها النورُ سًَلاماً وخشوعاً 
أيها المعْبَدُ. صَمْتاً ورُكُوعَا 
ملكت قلبي ولُبي رهبةٌ 
عصفت بالقلب واللُّبِّ جميعَا 
رُبَّ قول كنتُ قد أعددتُه 
لكَ إِذ ألقاك يأبى أن يطيعَا 
وحبيسٍ من عتاب في فمي 
قد عصاني فتفجَّرتُ دموعَا! 
لذعتني دمعة تلفح خدي 
نبهتني من ضلالٍ ليس يُجْدِي 
واختفتْ تلك الرُّؤَى عن ناظري 
وطواها الغيبُ في سِحْريِّ بُرْدِ 
وتَلَفَّتُّ فلا أنت ولا 
جنةُ الخلد ولا أطيافُ سَعْدِ 
وإِذا بي غارقٌ في محنَتي 
وبلائي، أقطعُ الأيامَ وَحْدٍي 
هاتِ قيثاري ودَعْني للخيالِ 
واسقني الوهْمَ! وعَلِّلْ بالمحالِ! 
ودَع الصدق لمن ينشده 
الحجى خمصيَ فاغمرْ بالضلالِ 
وخُذ الأنوار عنّي، ربما 
أجدَ الرحمةَ في جوفِ الليالي 
خلِّني بالشوقِ أستدني غداً 
فغداً عندي كآبادٍ طوالِ!

الــزائـر 

يا للحبيبِ المفدَّى 
غداةَ زار وسلَّمْ 
مستَحيياً والهوى في 
ركابه يتضرَّمْ 
وصامتاً وهو أيكٌ 
بألفِ شدوٍ ترنَّمْ 
ناداه قلبي! وناجاه 
خاطري! وهو يعلَمْ 
يا مطلعَ السحر والنور 
والجمال! تكَلَّمْ! 
أبِنْ! وإلا أعنْ قلبي 
الممزَّقَ وارحَمْ! 
يا غازياً القلب 
وهو حصنٌ مُحَطَّمْ 
لمَّا طلعت عليه 
وهَى وأَنَّ وسلَّمْ 
يا فتنة تتهادى 
ورحمة تتبسَّمْ 
إن لم يكن لي رجاءٌ 
ولا لحظيَ مغنمْ 
أو لَمْ يعُدْ لي نصيبٌ 
دعني بحسنك أحلمْ! 


الـوداع 

حان حرماني وناداني النذيرْ 
ما الذي أعدّدْتُ لي قبل المسيرْ 
زمني ضاع وما أنصفتني 
زاديَ الأولُ كالزاد الأخيرْ 
ريّ عمري من أكاذيبِ المنى 
وطعامي من عفافٍ وضميرْ 
وعلى كفِك قلبٌ ودمٌ 
وعلى بابِك قيدٌ وأسيرْ! 
حانَ حرماني فدعني يا حبيبي 
هذه الجنةُ ليستْ من نصيبي 
آه من دارِ نعيمٍ كلما 
جئتها أجتازُ جسراً من لهيبِ 
وأنا إلفك في ظل الصِّبا 
والشباب الغضِّ والعمرِ القشيبِ 
أنزلُ الربوةَ ضيفاً عابراً 
ثم أمضي عنك كالطيرِ الغريبِ 
لِمَ يا هاجرُ أصبحتَ رحيما 
والحنانُ الجمُّ والرقةُ فيما؟! 
لِم تسقينيَ من شهدِ الرضا 
وتلاقيني عطوفاً وكريما 
كلُّ شيء صار مرّاً في فمي 
بعدما أصبحتُ بالدنيا عليما 
آه من يأخذُ عمري كلَّه 
ويعيدْ الطفلَ والجهلَ القديما! 
هل رأى الحبُّ سكارى مثلنا؟! 
كم بنينا من خيالٍ حولنا! 
ومشينا في طريق مقمرٍ 
تثبُ الفرحةُ فيه قبلنا! 
وتطلعنا إلى أنجمه 
فتهاوين وأصبحنَ لنا! 
وضحكنا ضحك طفلينِ معاً 
وعدونا فسبقنا ظلنا! 
وانتبهنا بعد ما زال الرحيق 
وأفقنا. ليتَ أنا لا نفيقْ! 
يقظةٌ طاحت بأحلامِ الكَرَى 
وتولّى الليلُ، واللَّيْلُ صَدِيقْ 
وإذا النُّورُ نَذِيرٌ طَالعٌ 
وإِذا الفجرُ مُطِلٌّ كالحَرِيقْ 
وإذا الدُّنيا كما نعرفُها 
وإذَا الأحْبَابُ كلٌّ في طَريق 
هاتِ أسعدْني وَدَعْني أسْعدُكْ 
قَدْ دَنا بعدَ التَّنائي موردُكْ 
فأذقنيه فإِني ذاهِبٌ 
لا غدي يُرجَى ولا يُرجَى غدُكْ 
وا بلائي من لياليَّ التي 
قرَّبَتْ حَيْني وراحَتْ تبعِدُكْ! 
لا تَدَعْني للَّيالي فغداً 
تجْرَحُ الفُرْقةُ ما تأسو يَدُكْ! 
أزف البينُ وقد حان الذّهابْ 
هذه اللَّحظةُ قُدَّت مِن عَذَابْ 
أزف البينُ، وهل كان النَّوى 
يا حبيبي غير أن أغْلق بابْ ؟! 
مَضتِ الشّمْشُ فأمسيتُ وقد 
أغلقت دونيَ أبوابُ السَّحابْ 
وتلفَّتُّ على آثارِهَا 
أسْألُ اللَّيْلَ! ومَنْ لي بالجوابْ؟! 


النسيان 

حان الشفاءُ فودع الألما 
واستقبل الأيامَ مبتسما 
ضيفٌ من السلوان حل بنا 
حدبُ اليدين مباركٌ قدما 
أو ما ترى الضيفَ الذي قدما 
يطوي الغيوبَ ويذرعُ الظلما 
في كفِهِ كأسٌ يقدمها 
تمحو العذابَ وتغسلُ الندما 
فاشربْ ولا ترحمْ ثمالتَها 
لهفي عليك شربتَ أي ظما 
فيض من النسيان يغمرني 
اني لأحمد سيله العرما 
مستسلماً للموج يغمرني 
فرحان حين أعانقُ العدما 


النـاي المحــترق 

كم مرَّة يا حبيبي 
والليل يغشي البرايا 
أهيم وحدي وما في 
الظلامِ شاكٍ سوايا 
أصيِّرُ الدمعَ لحناً 
وأجعَلُ الشعرَ نايا 
وهل يلبّي حطام 
أشعلته بجوايا 
النارَ توغل فيه 
والريحُ تذرو البقايا 
ما أتعسَ الناي بين المنى 
وبين المنايا 
يشدو ويشدو حزيناً 
مرجعاً شكوايا 
مستعطفاً مَنْ طوينا 
على هواه الطوايا 
حتى يلوح خيالٌ 
عرفته في صبايا 
يدنو إلى وتدنو 
من ثغره شفتايا 
إذا بحملي تلاشى 
واستيقظت عينايا 
ورحت أصغي. وأصغي 
لَم أُلْفِ إلاَّ صدايا! 

الطائر الجريح 

أيُّ جوادٍ قد كبا 
وأيُّ سيفٍ قد نبا 
تعجبتْ زازا وقد 
حقَّ لها أن تعجبا 
لما رأتْ فيَّ شحوب 
الشمسِ مالت مغربا 
وهي التي زانت مشيبي 
بأكاليل الصِّبا 
وهي التي قد علّمتْني 
حين ألقى النُّوبا 
كيف أُداري النابَ إن 
عضَّ وأخفي المخلبا 
لاقيتُها أرقصُ بشراً 
وأُغني طربا 
وهي التي تهتك سِتْرَ 
القلبِ مهما انتقبا 
لا مغلقاً تجهله 
يوماً ولا مُغَيّبا 
في فطنةٍ تومضُ حتّى 
تستشفَّ ما خبا 
رأتْ وراء الصدرِ طيراً 
قلِقاً مضطربا 
في قفصٍ يحلمُ بالأفقِ 
فيلقى القُضُبا 
إنَّ زماناً قد عفا 
وإنَّ عمراً ذهبا 
وصيّرتْهُ طارقاتُ 
السقمِ وَقراً متعبا 
ورنَّقتْ موردَهُ 
أنّى له أن يَعُذبا؟ 
إني امرؤٌ عشت زماني 
حائراً معذَّبا 
عشت زماني لا أرى 
لخافقي منقلبا 
مسافراً لا قوم لي 
مبتعداً مغتربا 
مشاهداً عَلِّيَ في 
مسرحِهِ أن ارقبا 
رواية مُلَّت كما 
مُلَّ الزمانُ معلبا 
وظامئاً مهما تُتَحْ 
موادٌ أن أشربا 
وجائعاً لا زادَ في 
دناي يشفي السغبا 
فراشة حائمة 
على الجمال والصبا 
تعرَّضت فاحترقت 
أُغنية على الربى 
تناثرت وبعثرت 
رمادها ريح الصّبا 
أمشي بمصباحي وحيداً 
في الرياح متعبا 
أمشي به وزيتُه 
كاد به أن ينضبا 
وشد ما طال الصراع 
بيننا واحربا 
ريحُ المنايا تقتضيني 
نسماتي الخُلّبا 
وليس بالأحداث فيما 
قيل أو ما كتبا 
كالعمر والسقم إذا 
تحالفا واصطحبا 
لولاك ما قلت لشيء 
في الوجود مرحبا 
ولم أَجد ركناً غنّياً 
بالحنانِ طيِّبا 
أنتِ التي أقمت مر 
فوعَ البناءِ من هَبا 
وإنني الصخرُ الذي 
أردتِ أن لا يُغلبا 
ويضرب البحرُ عليه 
موجَه منتحبا 
علمتِ يأسي وجنوني 
وجهلتِ السببا 
يا أملي إنك يأسُ 
القلبِ مهما اقتربا 
يا كوكباً مهما أكن 
من بُرجه مقرَّبا 
فإنه يظل في السَّمْتِ 
البعيدِ كوكبا 
وأين مني فلك 
قد عزّني مطَّلبا 
ليس إلى خياله 
إلا السهاد مركبا 
أستبطئُ الريحَ له 
وأستحثُّ الكتبا 
ولو طريق حبّه 
على القتاد والظُّبا 
وقيل للقلب هنا الموتُ 
فعُدْ تسلم أبى 
إني امرؤٌ عشتُ زماني 
حائراً معذّبا 
لا أحسِب الأيام فيه 
أو أعُدُّ الحِقبا 
ضقتُ بها كيف بمن 
ضاق بها أن يَحسبا 
تغيّرتْ واختلفتْ 
وسائلاً ومطلبا 
وارتفعتْ وانخفضتْ 
طرائقاً ومأربا 
سلوت على الحالين حُمْلاناً 
بها وأذؤُبا 
وشاكلتْ لناظري 
سهولَها والهُضُبا 
دخلتها غِرّاً وعدت 
فانياً مجرِّبا 
لا أسأل الأيام عن 
أعمالها معَقِّبا 
إن كان هذا الدهر فيما 
جرَّه قد أذنبا 
فإنه تاب وأدَّى 
وعدَهُ المرتقبا 
لقاكِ ماحٍ للذنوب 
كيف لي أن أعتبا 
ضممتُ عطْفيْكِ غداة 
الروع أبغي مهربا 
كم خفتُ من أن تذهبي 
وخفتِ من أن أذهبا 
كأن طفلاً خائفاً 
في أضلعي حلَّ الحُبى 
يضرب ما اسْتطاع على 
جدرانها أن يضربا 
يكافحُ الأمواجَ أو 
يصرعُ جيشاً لجبا 
إن بَعُد الشطُّ فقد 
آن له أن يقرُبا 
أنتِ الحياةُ والنجاةُ 
والأمانُ المجتبى

القمة 

يا أيُّها العالي الغفورُ الصفوحْ 
هل ترحم القمَّةُ ضعْف السُّفوحْ 
تاجُك في النور غريقٌ وفي 
عرشك غبَّى كل نجمٍ صَدُوحْ 
وأين هامات الربى نُكِّسَتْ 
من هامةٍ فوق مُنيفِ الصُّروحْ؟ 
وأين أوراقٌ خريفيّةٌ 
أرْجَحَها الشكُّ فما تستريحْ 
من باسقٍ راسٍ به خضرَةٌ 
ثابتةُ الرأي على كل ريحْ 
بَرئتَ من هذي الوهادِ التي 
نَغْدُو على أنّاتِها أو نروحْ 
وأين في مبتسمات الذرى 
برق الأماني من وميض الجروحْ؟ 
أصغِ لهذي الأرضِ واسمعْ لما 
تشكو، لمن غيرك يوماً تبوحْ؟ 
تطفو على طوفان آلامها 
وأين في آلامها فُلْكُ نوح 
أروع شيء صامت في العُلى 
أفصح مفْضٍ بالبيانِ الصريحْ 
يعيِّر الأرضَ إذا أظلمتْ 
بما على مفرقِه من وضوح 
هل تسخرُ الحكمةُ مما بنا 
من نزواتٍ وعنانٍ جَموحْ 
حمقى، قُصارى كل غاياتنا 
عزمٌ مَهيضٌ وجناحٌ كسيحْ 
أُعيذ عدل الحقِّ من ظلمنا 
فكم على القِيعان نسْر جريحْ 
أنت له كل الحِمى المرتجى 
وكلُّ مبغاه إليك النزوحْ 
ما النسر إلا راهبٌ في العُلى 
محرابُه وجهُ السماءِ الصبيحْ 
وقلبها السَّمْح فما حطَّه 
على الثرى الجهم الدميمِ الشحيحْ 
على الثرى حيث تسابيحُه 
نوح الحزانى ونداء القروحْ 
مبتهلٌ باك بدمع الأسى 
على الليالي وسقيم طريحْ 
ما أتعس الأرضَ بعُبَّادها 
تبْهِجُ من أخلاطِهم ما تُبيحْ 
قد أنكرَ الهيكلُ زوَّارَه 
وأصبح الديرُ غريبَ المُسوحْ 
لم يعرف الجسمُ خلاصاً به 
من كدرةِ الطين ولم تنجُ روحْ 
يا سيِّد القمّةِ أنصِتْ لنا 
لا يعرفُ الأشفاقَ قلبٌ مُشيحْ 
وانظرْ إلى اسِّكين في ساحةٍ 
قد زمجرتْ فيها دماء الذَّبيحْ 
واسكبْ نَدَى الحبِّ بأفواهِنا 
كم من بَكِيٍّ وظَمِيٍّ طليحْ 
فربما يُشرقُ بعد الضّنى 
وجهٌ مليح وزمانُ مليحْ! 


القافلة الصغيرة 

تعالَ سلِ القبيلةَ والجمالا 
لأيةِ غايةٍ شدوا الرحالا 
وكيف تبدلوا أرضاً بأرضٍ 
وكيف تغيروا حالا وحالا.. 
تطلعتِ العيونُ لعل ماءً 
يتاحُ على الهواجرِ أو ظلالا 
ومدّ الشيخُ في الصحراء لحظاً 
كلحظ الصقرِ في الآفاق جالا 
كأن بنيه سقما أو هزالا 
خيال جر هيكلهُ خيالا 
أقافلة الحياة أريتنينها 
فلم ترَ مثلها عيني مثالا 
أجل هي نحن في الدنيا حيارى 
وما ندري لقافلةٍ مآلا 
رأيتُ حياتَنا. كم من غريب 
على جنبيه بالإعياء مالا 
وكم من سائلٍ لم يلقَ ردا 
وقد سأل الهواجرَ والرمالا 
فإن تجب القفار عليه يوماً 
تردّ له سوافيها السؤالا 
أقافلة الحياة أريتنيها 
خيالا أو ضلالا، أو محالا 


القرية 

حبذا الريف والخلائق فيه 
ضاحكات الوجوه تفترّ سحرا 
من يراه وقد تبيّن فيه 
زمراً في الزّحام تحشر حشرا 
يحسب الضيق آخذاً في حماه 
بخناق، ويحسب القوم أسرى 
وهم النور والمحبة والقلب 
طليقاً مع النسائم حُرا 
منظر تلمح البساطة فيه 
وترى طيبةً وبشراً وطهرا 
منظرٌ تلمح السعادة فيه 
لا تقل لي أرى شقاء وفقرا 
انظر الجرة التي خلفوها 
وانظر النيل ضاحكاً مفترا 
عبدوا النيل مذ قديم وألقوا 
كل عام له عروساً بكرا 
مصر سحر ورقة وصفاء 
لِمَ لا يعبد المحبون مصرا؟ 

اذكري 

اذكري ذاك المساءَ 
كيف كنا سعداءَ 
لم يدعْ عنديَ همّاً 
ومحا عنك الشقاءَ 
ملأ الدنيا صفاءَ 
عندما شئتِ وشاءَ 
أحسن الدهرُ إليْنا 
بعدما كان أساءَ 
كلما أقبلت السحب 
فظلَّلن السماءَ 
قاتمات غائمات 
يتهادينَ بطاءَ 
لاح نجمٌ من بعيد 
فتجلى وأضاءَ 
وتصدّى قمرٌ راح 
على الأرضِ وجاءَ 

ابد الخلود 

ما كان أقصر هذه من زورة 
ما أشبعتْنا من بشاشة نازكِ 
كلا ولا رَوى النهى من زهرةٍ 
بالطهر تفصح عن سمات ملائكِ 
انا حمدنا لليالي انها 
قد قرَّبتنا من سنيّ سمائكِ.. 
أن كان اسعدنا الزمانُ بساعةٍ 
فكأنها أبد الخلودِ حيالكِ 


اثنان في سيارة 

العمرُ أكثرهُ سدى وأقلُّهُ 
صفوٌ يتاحُ كأنه عمران 
كم لحظةٍ قصرت ومدت ظلَّها 
بعد الذهاب كدوحة البستانِ 
ويمر في الذكرى خيالُ شباَبها 
فكأن يقظَتها شبابٌ ثاني 
مَنْ ذلك الطيف الرقيق بجانبي 
كفّاه في كفَّيَّ هاجعتانِ 
لكأننا والأرضُ تُطوى تحتَنا 
نجمان في الظلماءِ منفردانِ 
لكأننا والريحُ دونَ مسارنا 
خطان في الأقدارِ منطلقان 
إني التفت إلى مكانك بعدما 
خليتهِ فبكيتُ سوء مكاني 
هل كان ذاك القربُ إلاَّ لوعةً 
ونداء مسغبةٍ إلى حرمان 
حمى مقدرة على الإنسان 
تبقى بقاء الأرض في الدورانِ 
وكأنما هذي الحياة بناسها 
وضجيجها ضرب من الهذيانِ 

ايمان 

قدرٌ أراد شقاءنا 
لا أنت شئت ولا أنا 
عزَّ التلاقي والحظوظُ 
السودُ حالت بيننا 
قد كدت أكفر بالهوى 
لو لم أكن بكِ مؤمنا!!!. 


استقبال القمر 

أَقبِلْ بموكبك الأغَرْ 
ما أظمأَ الأبصارَ لكْ! 
تضمي وراءَ سحابةٍ 
تحنو عليك وتلثمُكْ 
كن حيث شئتَ فما أنا 
إلاَّ معنَّى بالمحال 
وأقول صبراً كَّلما 
عزً الفكاك على الأسيرْ 
مهما تسامى موضعُكْ 
وعلا مكانُك في الوجودْ 
قمرَ الأماني يا قمر 
إني بهمٍّ مسقمِ 
أفرِغ خلودَكَ في الشبابْ 
واخلعْ على قلبي الصفاءْ 
خذني اليك ونجّني 
مما أعاني في الثرى 
مهما تسامى موضعُكْ 
وعلا مكانُك في الوجودْ 
فأنا خيالُك أتبعُكْ 
ظمآن أرشفُ ما تجودْ! 
قمرَ الأماني يا قمر 
إني بهمٍّ مسقمِ 
أنت الشفاءُ المدَّخرْ 
فاسكب ضياءك في دمي 
أفرِغ خلودَكَ في الشبابْ 
واخلعْ على قلبي الصفاءْ 
أسفاً لعمرٍ كالحبابْ 
والكأسُ فائضة شقاءْ 
خذني اليك ونجّني 
مما أعاني في الثرى 
قدحي ترنَّق فاسقني 
قدح الشعاع مطهّرا! 


اعتذار 

أبعث الآن اعتذاري وأنا 
حاضرٌ بالقلب والروحِ معكْ 
لك ظلٌّ مقتفٍ في خاطري 
حيثما سرتَ مضى فاتبعكْ 
أنا لا أومن بالبعد ولا 
أحسب المقدور مني نزعك 
أنت لا تبرح عيني، فلذا 
لا تراني اليوم فيمن ودّعك 

بعد الحب 

أرى سمائي انحدرتْ وانطوتْ 
لا تحسبي النجمَ هوى وحدهُ 
فيا نجوم الليل لا نجم لي 
ولا أرى لي أفقاً بعدهُ 


بعد الفراق 

(1) 
أجل! أهواكِ أنتِ مُنى حياتي 
وأنت أحب من بصري وسمعي 
وهل أنساكِ كلا لست أنسى 
هوى قد كان إلهامي ونبعى 
لبست من التصبرِ عنكِ درعا 
فها أنا تنزعُ الأيامُ درعى 
وها أنا لست أدري عنك سرا 
عرفتِ محبتي ورأيتِ دمعي 
تلاشت قوتي وغدا فؤادي 
كأن خفوقَه خلجاتُ نزعِ 
ابشره فيرقص في ضلوعي 
وأنظرُ سودَ أيامي فأنعي 
وقد نضبَ الخيالُ وغاض طبعي 
ومات على حياض اليأسِ زرعي 
أجرجرُ وحدتي في كل حشدٍ 
وأحمل غربتي في كل جمع 
(2) 
مزَّقَته فصار والله لا يقدر 
حتى أن يسأل اللهَ رفقا 
لجةٌ بعد لجةٍ كلما صارع 
ردت له أمانيهِ غرقى 
فيلقٌ بعد فيلقٍ حجب الشمس 
ولم يبقِ للنواظر أفقَا 
وسنانُ الغروب تغزوه حمرا 
وسنانُ العذاب تطعن زرقا 
وجيوشُ الظلامِ تزحفُ زحفاَ 
وثقالُ الأقدامِ تسحقُ سحقا... 

بعد اعتزال الأدب 

صديقي "سعفانُ" ألف سلامْ 
ولا زلتَ صاحبيَ المرتقبْ 
ستعجب من صورتي هذه 
ألم تر أني اعتزلت الأدب؟ 


بطل الأبطال 

بطل الأبطال من أرض الهرمْ 
لبس الغار وجلّى وغنمْ 
كيف تذرون عليه دمعكم 
وهو وضاحُ المحيا يبتسمْ 
كيف يبكي منكم الباكي على 
عَلَمٍ لف شهيداً في عَلَمْ 
يا شباب النيل فتيان الحمى 
وحماة الدار أشبال الأجمْ 
زعموكم أمة هازلة 
كذب الزاعمُ فيما قد زعمْ 
تتحداهم على طول المدى 
ثورة نكراء شبت تلتهمْ 
ومقال الدهر عنا في غد 
وحديث المجد عن عبدالحكمْ 
كم أغر في بواكير الصبا 
ناضر يسحب أذيال النعمْ 
طبعه الجود فلما هتفت 
مصر تدعوه تناهى في الكرمْ 
قدم الورحَ اليها ومشى 
ثابت الخطوةِ جبارَ القدمْ 
كلفتهُ اليقظةُ الكبرى بها 
همة ترعى وعيناً لم تنمْ 
جشمته خطة دامية 
وعرة المسالك حفت بالألمْ 
يجد الموتُ بها لدته 
ويرى العار إذا المرء سلمْ 
يا لهذي الجنة الفيحاء كم 
فتحت قبراً لباغٍ قد ظلم 
يصبح الصبحُ على هذي الربى 
فإذا الورد ضحوك في الأكمْ 
فإذا أمسى المساء انقلبت 
فوهة شعواء ترمي بالحممْ 
لست تدري إذ تراها ظمئت 
فروى الأحرار واديها بدمْ... 
ذاك لون الورد أم لون الردى 
الجاثم أم لون الحميم المضطرم! 
يا شباب النيل فتيان الحمى 
وحماة الدار أشبال الأجم 
حطموا القيد الذي حطمكم 
واجعلوا أمتكم فوق الأمم 
وإذا استشهد منكم بطل 
جاده الغيث وحيته الديم 
ولقد أدى لمصر دينه 
ذلك الفادي، ووفى بالقسم.. 

بقايا حلم 

آهِ من وجْدك بالهاجر آه 
تتمنى أن تراه؟ لن تراه! 
خدعَتْنا مقلتاهُ خدعتْنا 
وجنتاه خدعتنا شفتاهْ 
والذي من صوته في مسمعي 
وخيالي غادرٌ حتى صداهْ 
حلم مرَّ كما مر سواه 
وكذا الأحلام تمضي والحياهْ 
*** *** 
أين يا ليلاي عهد الهرم 
أين يا ليلاي حلو الكلِم؟ 
هامسات بين أذني وفمي 
سارياتٍ غرداتٍ في دمي 
كلمات عذبة معسولة 
ضيَّعت وارحمتا للقسمِ 
ذهبت مثل ذهاب الحلم 
إنني أعلم ما لم تعلمي 
كيف صدَّقنا أضاليلَ الهوى 
بنُهى طفل وإحساس صبي؟ 
حسبُنا منه سماء لمعتْ 
فوق رأسينا وكوخ خشبي 
حلم ولّى ووهم لم يدُم 
ما تبقّى غير خيط ذهبي! 
*** *** 
ذات يوم في أصيل فاتن 
ذابت الشمسُ فسالت ذهبا 
كست النيلَ نُضاراً وانثنَتْ 
تغمر الصحراء نخلاً وربى 
ما على الجيزة أن قدم أبصرتْ 
شفقي معتنقاً فجر الصبا 
قد رأتنا مثل طيفَيْ حلمٍ 
ما عليها أقبلا أم ذهبا! 
*** *** 
قلتُ هيا! قلتِ نمشي سرْ فما 
من طريق طال لا نذرعهُ 
قلتُ والعمر بعيني كالكرى 
وأنا في حلم أقطعهُ 
جمع الدهرُ حبيباً وامقاً 
بحبيب وغداً ينزعهُ 
أطريقان: طريق دونه 
في حياتي وطريق معهُ؟ 
*** *** 
كلما خلَّى حبيبي يده 
لحظة قلت وحبّي أبقِها! 
أبقها أنفض بها خوف غدٍ 
وأحسَّ الأمن منها وبها 
أبقها أشددْ بها أزري إذا 
ضعُف الأزرُ أو العزمُ وهي 
أبقها أُومنْ إذا لامستها 
أن حبي ليس حلماً وانتهى 

بقية القصة 

كلاّ ولا لغة له إلا الذي 
قد جال في عينيك أو عينيّا 
*** *** 
أنتِ التي علمتِني معنى الحياة 
حبيبةً ونجيَّةً وصديقا 
لا تسأليني عن غدٍ لا تسألي 
فغداً أعود كما بدأتُ غريبا 
*** *** 
بَكياكِ بالحبَب الحزين وربما 
بكت الكؤوسُ على النديم السالي! 
وكأن راهبة هناك سجينةٌ 
مغمورة بدموعها وعذابها 
حتى إذا عفتِ الصبابةُ وانقضى 
ما بيننا أقبلت أسألهنَّ 
يا زهرة عذراء تنشرُ عطرَها 
وتذيعُ في جفن الضُّحى أحلامها 
وحبيس شجوٍ في دمي أطلقته 
متدفقاً ودعَوتُه أشعارا 
يا حِصنيَ الغالي فقدتُكِ وانطوى 
ركني وأقفر موئلي وملاذي 
هل كان عهدَكِ قبل تشتيت النوى 
إلا مخالسة الخيال الطارق؟ 
شفتاكِ في لجِّ الخواطرِ لاحَتا 
كالشاطئين وراءَ لُجٍّ ثائر 
*** *** 
*** *** 
نسق الخيالُ زهورَها وورودَها 
فقطفتُها وشممتُ عطرَكِ فيها! 
إن كان داءً فالسقامُ دواؤَه 
أو كان ذنباً فالمآب قصاص! 
مرّت مواكبُه عليَّ بطيئةً 
وإلى الفناء مشينَ جِدَّ سِراعِ 
يا ربِّ أرسلتَ الأشعَّةَ ها هنا 
وهناك تشرقُ في الحمى والدُّورِ 
يا ربِّ أودعتَ الضحى في مهجتي 
وأنا الذي أشقى بهذا النورِ! 
قد كان قلباً فاستحال على المدى 
لحناً تناقله الرواةُ فسارا! 
يا حِصنيَ الغالي فقدتُكِ وانطوى 
ركني وأقفر موئلي وملاذي 
*** *** 
والدهر يغريني فأُعرض لاهياً 
فيظل يفتنُني بتلك وهذي 
يا حِصنيَ الغالي فقدتُكِ وانطوى 
ركني وأقفر موئلي وملاذي 
نعطي نأخذ في الحديث ومقلتي 
مسحورةٌ بجمالك الأخَّاذِ 
والدهر يغريني فأُعرض لاهياً 
فيظل يفتنُني بتلك وهذي 
والدهر يَهزل والغرام يجدُّ بي 
ما كنتِ ساخرة. ولا أنا هاذي 
هل كان عهدَكِ قبل تشتيت النوى 
إلا مخالسة الخيال الطارق؟ 
*** *** 
أو لمعةٌ لم تتئدْ ذهبتْ بها 
دكناء مدَّتْ كفها من حالقِ 
هل كان عهدَكِ قبل تشتيت النوى 
إلا مخالسة الخيال الطارق؟ 
إشراقة وطغى عليها مَغرب 
غيران يخطفها كخطف السارقِ 
أو لمعةٌ لم تتئدْ ذهبتْ بها 
دكناء مدَّتْ كفها من حالقِ 
شفتاكِ في لجِّ الخواطرِ لاحَتا 
كالشاطئين وراءَ لُجٍّ ثائر 
وكأن ثغرَك والنوى تعدو بنا 
شفقٌ يلوحُ على نضيد زنابقِ 
إسعادُ ملهوفٍ ونجدةُ غارقٍ 
وعناقُ أحبابٍ وعَودُ مسافرِ 
شفتاكِ في لجِّ الخواطرِ لاحَتا 
كالشاطئين وراءَ لُجٍّ ثائر 
لهما إذا التقتا على أغرُودةٍ 
خرساء في ظلِّ الجمالِ الساحرِ 
إسعادُ ملهوفٍ ونجدةُ غارقٍ 
وعناقُ أحبابٍ وعَودُ مسافرِ 
*** *** 
وبراءةُ الملكِ المتوجِ حُسنه 
بجمالِ رحمنٍ وطيبةِ غافرِ 
*** *** 
صحب الحياة فآده استصحابُها 
ركبٌ على طرقِ الحياةِ كليلُ 
فتلفَّتَ الساري لعل لعينه 
يبدو صباحٌ أو يلوحُ دليل 
خدعت ضلالاتُ الحياةِ تبيعَها 
والدربُ وعرٌ والطريقُ طويل 
فتلفَّتَ الساري لعل لعينه 
يبدو صباحٌ أو يلوحُ دليل 
*** *** 
فبدا له نورٌ وأشرق منزلٌ 
أَلِقٌ ورفت جنةٌ وخميل 
*** *** 
يحمي مغارسَها ويرعى نبتها 
راعٍ يجنِّبُها البلى ويقيها 
لكِ في خيالي روضةٌ فينانةٌ 
غنّى على أغصانِها شاديها 
يحمي مغارسَها ويرعى نبتها 
راعٍ يجنِّبُها البلى ويقيها 
نسق الخيالُ زهورَها وورودَها 
فقطفتُها وشممتُ عطرَكِ فيها! 
فإذا النوى طالت عليَّ وشفَّني 
جرحي وعاد لمهجتي يدميها 
نسق الخيالُ زهورَها وورودَها 
فقطفتُها وشممتُ عطرَكِ فيها! 
فيكون فيه القيد وهو تحرّرَ 
ويكون فيه الموت وهو خلاصُ 
*** *** 
بعض الهوى فيه الدمارُ وإنما 
بعض النفوس على الدمار حراصُ 
إن كان داءً فالسقامُ دواؤَه 
أو كان ذنباً فالمآب قصاص! 
فيكون فيه القيد وهو تحرّرَ 
ويكون فيه الموت وهو خلاصُ 
آمنت بالحب القوي وحتمه 
ما من هوايَ ولا هواكِ مناص 
فسخرْتُ من صرخاتِهم وبكائهم 
لا دمع إلا الدمع في أحداقي 
إن كان داءً فالسقامُ دواؤَه 
أو كان ذنباً فالمآب قصاص! 
أصبحتُ والدنيا وداع أحبَّةٍ 
ودموع خلاّن وحزن رفاقِ 
متدفقاً مثل العُباب ومزبداً 
متفجراً كالسيل في أعماقي! 
فسخرْتُ من صرخاتِهم وبكائهم 
لا دمع إلا الدمع في أحداقي 
لا صوت إلا صوت حبك في دمي 
أُصغي له وأراه في أطواقي 
مرّت مواكبُه عليَّ بطيئةً 
وإلى الفناء مشينَ جِدَّ سِراعِ 
متدفقاً مثل العُباب ومزبداً 
متفجراً كالسيل في أعماقي! 
ساهراتُ أحلامَ الظلامِ وكلها 
أشاح هجر أو طيوف وادعِ 
أبصرتُ في المرآة آخرَ قصتي 
ونَعى بها نفسي إليَّ الناعي! 
مرّت مواكبُه عليَّ بطيئةً 
وإلى الفناء مشينَ جِدَّ سِراعِ 
حتى إذا سَفكَ الصباحُ دماءَهُ 
وهوى قتيلُ الليلِ بعد صِراعِ 
يا ربِّ أرسلتَ الأشعَّةَ ها هنا 
وهناك تشرقُ في الحمى والدُّورِ 
أبصرتُ في المرآة آخرَ قصتي 
ونَعى بها نفسي إليَّ الناعي! 
*** *** 
وأُحِسُّ في نفسي نقاءَ سمائِها 
أَصفى برونقِها من البَلُّورِ 
يا ربِّ أرسلتَ الأشعَّةَ ها هنا 
وهناك تشرقُ في الحمى والدُّورِ 
ومن الشموس دفينةٌ في خاطري 
مخبوءةُ الأضواء طيَّ شعوري 
يا ربِّ أودعتَ الضحى في مهجتي 
وأنا الذي أشقى بهذا النورِ! 
وأُحِسُّ في نفسي نقاءَ سمائِها 
أَصفى برونقِها من البَلُّورِ 
يا ربِّ أودعتَ الضحى في مهجتي وأنا الذي أشقى بهذا النورِ!

تحليل قبلة 

ولما ألتقينا بعد نأي وغربة 
شجيين فاضا من أسى وحنين 
تسائلني عيناك عن سالف الهوى 
بقلبي وتستقضي قديم ديون 
فقمت وقد ضج الهوى في جوانحي 
وأن من الكتمان أيّ أنين 
يبث فمي سرّ الهوى لمقبّل 
أجود له بالروح غيرَ ضنين 
إذا كنت في شك سلي القبلة التي 
أذاعت من الأسرار كل دفين 
مناجاة أشواق وتجديد موثق 
وتبديد أوهام وفض ظنون 
وشكوى جوى قاسٍ وسقم مبرح 
وتسهيد أجفان وصبر سنين 

تحت الباب 

أقبلتُ أطرق منزل الأحبابِ 
ودسست هذا الشّعرَ تحت البابِ 
أترى أكون بثثت شوقي كلَّه 
وشرحت حالي يا أولي الألباب 
يا جارة "الوادي" إذ الوادي أخي 
وكريم "إحسان"(1) ولطف صحابِ 
قسماً بموصول المودة بيننا 
هذي الزيارة لم تكن بحسابي 
قد يجمع الله الشتيت ويلتقي 
ناءٍ بناءٍ طول غيابِِ 

تحية (للأستاذ إبراهيم دسوقي أباظه) 

متى نلتَها كانت لأنفسنا منَى 
تلفتْ تجد مصراً بأجمعها هنا 
وما بعجيب موطن البدر في العلى 
وما بجديد أن يرى الأفق مسكنا 
ولكنَّ قلب الحر تعروه نشوةٌ 
فيثني على الآلاء وضاحة السنا 
إذا أخذ البدرُ المنير مكانه 
ومُلِّكَ آفاقَ السما وتمكنا 
فذلك تكريم الربيع لروضِهِ 
جلاها الأباظيون وارفة الجنى 
أجلْ روضة صارت لكل عظيمة 
وللفضل والآداب والعلم موطنا 
وميدان سباقين للمجدِ والعلى 
إذا اشتجرت أخرى الميادين بالقنا 
من الأدب العالي ذا راح سيد 
غدا آخر نحو اللواءِ فما ونى 
عصيُّ القوافي سار نحوك مسرعاً 
ولبَّاك من أقصى الفؤاد وأذعنا 
وأنت الذي فك القيودَ جميعَها 
عن الشعر تأبي أن يهان فيسجنا 
إذا المعدن الصافي دعا الشعرَ مرةً 
بذلنا له من أجود الشعرِ معدنا 
دسوقي إذا أقللتُ فاقبل تحيتي 
فما أنا شاديهم ولا خيرهم أنا 
ولكنني صوت المحبين كلهم 
ومن روضك الغالي وبستانهم جَنَى 
فراش على مصباح مجدِكَ حائم 
وأي فراش من جلالك ما دنا 
وإني صدى الهمس الذي في قلوبهم 
فدعني أقم عما يكنون معلنا 

تحية لضوحية 

إليكِ يا ضوحيتي 
ابعث بالتحيةِ 
تحيةً من قلمي 
ومثلَها من مهجتي 
إنك كالزهرة في 
جمالها والرِّقة 
تقبّلي من روضة الأ 
شعار خيرَ زهرةِ 
عبيرُها خواطري 
وملؤُها محبتي 

تعلة 

هكذا كلُّ جميلهْ 
ليس لي في الغدر حيلهْ 
أُنْجُ منها وامضِ عنها 
أخذتْ قلبَكَ غيلهْ 
بعد هاتيك الليالي 
المطمئِنّات الظليلهْ 
بخلت ليلاك حتى 
بالتعلاّت القليلهْ 
لم تدّعْ للقلب من طول 
التباريح وسيلهْ 
لم تدع للقلب ما يشفي 
من الوجد غليلهْ 
لم تدع إلا رفيفاً 
من نسيمٍ في خميلهْ 
وجيالاتٍ يُداوي 
طيفُها نفسي العليلهْ 
والرسالاتِ اللواتي 
والأكاذيبَ النّبيلهْ 

تكريم 

يا صفوة الأحباب والخلاّن 
عفواً إذا استعصى عليّ بياني 
الشعرُ ليس بمسعفٍ في ساعةٍ 
هي فوق آي الحمد والشكرانِ 
وأنا الذي قضّى الحياةَ معبراً 
ومرجعاً لخوالج الوجدانِ 
أقفُ العشيةَ بالرِّفاقِ مقصراً 
حيران قد عقد الجميلُ لساني 
يا أيها الشعر الذي نطقتْ به 
روحي وفاض كما يشاء جناني 
يا سلوتي في الدهر يا قيثارتي 
ما لي أراكِ حبيسة الألحان؟ 
أين البيان وأين ما علمتني 
أيام تنطلقين دون عنانِ؟ 
نجواك في الزمن العصيب مخدَّرٌ 
نامت عليه يواقظ الأشجانِ 
والناسُ تسأل والهواجسُ جمةٌ 
طبٌّ وشعرٌ كيف يتفقان؟ 
الشعرُ مرحمة النفوسِ وسِرُّه 
هِبةُ السماءِ ومِنحةُ الدَّيانِ 
والطبُّ مرمحه الجسومِ ونبعُهُ 
من ذلك الفيضِ العليِّ الشانِ 
ومن الغمام ومن معينٍ خلفَهُ 
يجدان إلهاماً ويستْقيان 
يا أيها الحبُّ المطهرُ للقلوب 
وغاسل الأرجاس والأدران 
ما أعظم النجوى الرفيعة كلما 
يشدو بها روحان يحترقان 
أنفا من الدنيا وفي جسديهما 
ذُلُّ السجين وقسوة السجانِ 
فتطلعا نحو السماءِ وحلّقا 
صُعُداً إلى الآفاق يرتقيان 
وتعانقا خلفَ الغمامِ وأترعا 
كأسيهما من نشوةٍ وحنانِ 
اكتبْ لوجه الفَنِّ لا تعدلْ بهِ 
عَرَض الحياةِ ولا الحطامِ الفاني 
واستلهم الأمَّ الطبيعةَ وحدَها 
كم في الطبيعةِ من سَرِي مَعانِ 
الشعرُ مملكةٌ وأنتَ أميرُها 
ما حاجة الشعراءِ للتيجانِ 
"هومير" أمّرهُ الزمانُ لنفسه 
وقضت له الأجيالُ بالسلطان 
اهبطْ على الأزهار وأمسح جفنَها 
واسكب نداك لظامىءٍ صَدْيانِ 
في كلِّ أيكٍ نفحةٌ وبكل روضٍ 
طاقةٌ من عاطر الريحانِ 

تكريم كاتب 

يا صفوة الأحباب والخلانِ 
عفواً إذا استعصى عليَّ بياني 
الشعرُ ليس بمسعفٍ في ساعةٍ 
هي فوق آي الحمدِ والكشرانِ 
وأنا الذي قصّى الحياةَ معبراً 
ومرجعاً لخوالج الوجدانِ 
أقف العشية بالرفاق مقصراً 
حيران قد عقد الجميل لساني 
يا أيها الشعر الذي نطقت به 
روحي وفاض كما يشاء جناني 
يا سلوتي في الدهرِ يا قيثارتي 
ما لي أراكِ حبيسةَ الألحانِ.. 
أين البيان وأين ما علمتني 
أيام تنطلقين دون عنانِ 
نجواك في الزمنِ العصيبِ مخدرٌ 
نامت عليه يواقظُ الأشجانِ 
والناسُ تسأل والهواجسُ جمةٌ 
طبٌّ وشعرٌ كيف يتفقان؟ 
الشعرُ مرحمةُ النفوسِ وسرُّهُ 
هبةُ السماءِ ومنحةُ الديانِ 
والطبُّ مرحمةُ الجسومِ ونبعُه 
من ذلك الفيض العلي الشانِ 
ومن الغمامِ ومن معينٍ خلفَهُ 
يجدان إلهاما ويستقيانِ 
*** *** 
يا أيها الحب المطهر للقلوبِ 
وغاسل الأرجاس والأدرانِ 
ما أعظم النجوى الرفيعة كلما 
يشدو بها روحان يحترقانِ 
أنفا من الدنيا وفي جسديهما 
ذلُّ السجين وقسوةُ السجانِ 
فتطلعا نحو السماءِ وحلقا 
صعدا إلى الآفاق يرتقيان 
وتعانقا خلف الغمامِ واترعا 
كأسيْهما من نشوةٍ وحنانِ 
أكتبْ لوجه الفن لا تعدلْ بهِ 
عرضَ الحياة ولا الحطام الفاني 
واستلهمِ الأمَّ الطبيعةَ وحدَها 
كم في الطبيعة من سري معاني 
*** *** 
الشعرُ مملكةٌ وأنت أميرُها 
ما حاجة الشعراء للتيجانِ 
هومير أمَّره الزمان بنفسه 
وقضت له الأجيال بالسلطانِ 
اهبطْ على الأزهار وامسح جفنَها 
واسكبْ نداكَ لظامئ صديانِ 
في كل أيكٍ نفحةٌ وبكلِّ روضٍ 
طاقةٌ من عاطر الريحانِ 

ثلاث سنين 

ثلاث سنين أم ثلاث ليالِ 
هي البرق أم مرَّتْ كلمحِ خيالِ؟ 
وما كان هذا العمرُ إلا صحائفاً 
تلاشتْ ظلالاً رُحْن إثر ظلالِ 
وما كان إلا أمس لقياك إنه 
لأثبتُ ما خطّ الزمانُ ببالي 
وما العمر إلا أنت والحب والمنى 
وما كان باقي العمر غيرَ ضلالِ! 

حلم الغرام 

لا حبَّ إلا حيث حلَّ ولا أرى 
لي غير ذلك موطناً ومقاما 
وطني على طول الليالي دارهُ 
مهما نأى وهواي حيث أقاما 
والأرضُ حين تضمُّنا مأهولةٌ 
لحظاتُها معمورةٌ أيّاما 
لا فرق بين شَمالِها وجنوبِها 
فهما لقلبي يحملان سلاما 
وهما لعهدي حافظان وقلّما 
حفظ الزمانُ لمهجتين ذماما 
وإذا بكيتُ فقد بكيتُ مخافةً 
من أن يكون غرامُنا أحلاما 
ولربما خطرَ النّوى فبكيتُهُ 
من قبل أن يأتي البعادُ سجاما 

حب على الصحراء 

أحبكَ ما حييتُ وأنتَ حسبي 
فجربْ أنت قلباً بعد قلبي 
ويا أسفاً على صحراءِ عمرٍ 
جفاها بعدك المطرُ الملبي 
نهاري في لوافحِها سرابٌ 
وليلي من أباطيلٍ وكذبِ 
وفي أذنيَّ من شفتيكَ عتبٌ 
إذا أنا ساعةً اضجعتُ جنبي 
وتلك قوافلُ الأيامِ تترى 
تمر علي سراباً بعد سربِ 
عوابِسُ لا يطل سناك منها 
ولم ألمحْ مطالعُه بركب 
فإن غفلتْ عيونُ الحظِّ عنا 
وصرت -ولم أكن أدري- بقربي 
تبينِّي فتلك خيامُ حبي 
واني موقدُ لك نار قلبي 

خمر الرضا 

يا حبيبي اسقني الأمانيَ واشربْ 
بوركتْ خمرةُ الرضا وهي تسكبْ 
بورك الكأسُ والحبابُ الذي يرقصُ 
في الكأس والشعاعِ المذهبْ 
نضبت رحمةُ الوجودِ جميعاً 
وبكَ الرحمة التي ليس تنضبْ 
وإذا ضاقت السماءُ بشجوي 
فالسماءُ التي بعينيكَ أرحبْ 
كم تمنيتُ والصدور تجافيني 
وتزورُ الوجوه تقطبْ 
كم تمنيت صدرك البر يرتاحُ 
على خفقهِ الطريدِ المعذبْ 
هات وسّدني الحنان عليه 
جسدي متعب وروحي متعب 


خاطرة 

نارٌ من الشوقِ إثرَ نارْ 
فلا هدوءٌ ولا قرارْ 
إنك لي مبدأ وَعَوْدٌ 
منك إلى صدرك الفِرارْ 
يا مرفأ الروحِ لا تدعْني 
بلا دليلٍ ولا منارْ 
موجٌ وريحٌ وزحفُ ليلٍ 
فمن دمارٍ إلى دمارْ 
إن أنت أخلفت وعد حبي 
لم تؤوني في الديارِ دارْ 
وليسَ لي في الهوى اصطبار 
وليس لي دونك اختيار 

ختام الليالي 

الليالي! يا ما أمرّ الليالي 
غيبتْ وجهك الجميل الحبيبا 
أنت قاسٍ معذبٌ ليت اني 
أستطيع الهجران والتعذيبا 
ان حبي إليك بالصفح سبّاقُ 
وقلبي إليك مهما أصيبا 
يا حبيبي كان اللقاءُ غريبا 
وافترقنا فبات كل غريبا 
غير أني أستنجد الدمعَ لا ألقى 
مكان الدموعِ إلا لهيبا 
آه لو ترجع الدموعُ لعيني 
جف دمعي فلست أبكي حبيبا 


خشوع 

جمالك الهادئ الرزين 
وسحرك الواضح المبينْ 
ابدع ما مرّ في خيالٍ 
وخير ما أبصرت عيونْ 
وسرّه أنت تجهلينْ 
وكيف لو كنت تعلمينْ 
وكيف أضنى القلوب منا 
وكيف جئناه طائعين 
وكيف نلقاك في سرور 
وكيف نلقاه خاشعين 

خواطر الغروب 

قلتُ للبحر إِذ وقفتُ مساءَ 
كمٍ أطلتَ الوقوفَ والإصغاءَ 
لكأنّ الأضواءَ مختلفاتٍ 
جَعَلَتْ منكَ رَوْضَةً غَنّاءَ 
إِنما يفهم الشبيهُ شبيهاً 
أيها البحر، نحن لسنا سواءَ 
وعجيبُ إليك يممتُ وَجهي 
إذ مللتُ الحياةَ والأحياءَ 
ما تقول الأمواجُ! ما اَلَم الشمسَ 
فولّت حزينةً صفراءَ 
وعجيبُ إليك يممتُ وَجهي 
إذ مللتُ الحياةَ والأحياءَ 
ويح دَمعي وويح ذلة نفسي 
لَم تدع لي أحداثهُ كبرياءَ! 
كل يومٍ تساؤلٌ .. ليت شعري 
من ينبِّي فيحسن الإِنباءَ؟! 
ما تقول الأمواجُ! ما اَلَم الشمسَ 
فولّت حزينةً صفراءَ 
تركتنا وخلفتْ ليلَ شكٍّ 
أبديٍّ والظلمةَ الخرساءَ 
وكأنَّ القضاءَ يسخر مني 
حين أبكي وما عرفتُ البكاءَ 
أبتغي عندك التأسّي وما تملك 
رَدّاً ولا تجيب نداءَ! 
ويح دَمعي وويح ذلة نفسي 
لَم تدع لي أحداثهُ كبرياءَ! 
كل يومٍ تساؤلٌ .. ليت شعري 
من ينبِّي فيحسن الإِنباءَ؟! 
ما تقول الأمواجُ! ما اَلَم الشمسَ 
فولّت حزينةً صفراءَ 
تركتنا وخلفتْ ليلَ شكٍّ 
أبديٍّ والظلمةَ الخرساءَ 
وكأنَّ القضاءَ يسخر مني 
حين أبكي وما عرفتُ البكاءَ 
ويح دَمعي وويح ذلة نفسي 
لَم تدع لي أحداثهُ كبرياءَ! 


خطاب 

قَبَّلْتُ خطَّك ألْفا 
ولم أَدَعْ منه حرفا 
قد كنتِ توأم قلبي 
وكنتِ في الغيبِ إلفا 
يا هند ما الحسن إني 
أُجلُّ حسنَكِ وصفا 
رأيتُه بخَيال 
على جمالك رَفَّا 
وكيف أخفي اشتياقي 
ما بيننا ليس يَخْفَى! 


دَين الأحياء 

دَينٌ . . . وهذا اليومُ يومُ وفاءِ 
كم منَّةٍ للميْتِ في الاحياءِ! 
إن لَم يكن يُجزَى الجزاءَ جميعَه 
فلعلَّ في التذكار بعضَ جزاءِ 
يا ساكنَ الصحراء منفرداً بها 
مستوحشاً في غربةٍ وتنائي 
هل كنتَ قبلاً تستشفّ سكونَها 
وترى مقامَك في العراء النائي 
فأتيتَ - والدنيا سرابٌ كلها- 
تروي حديثَ الحبِّ في الصحراءِ 
ووصفتَ قيساً في شديدِ بلائه 
ظمآن يطلب قطرةً من ماءِ 
ظمآن حين الماء ليلى وحدُها 
عزَّت عليه ولَم تُتح لظماءِ! 
هيمان يضرب في الهواجر حالماً 
بظلال تلك الجنة الفيحاءِ 
فاذا غفا فلطيفها، وإذا هفا 
فلوجهها المستعذبِ الوضّاءِ 
يا للقلوب لقصةٍ بقيت على 
قِدم الدهور جديدةَ الأنباءِ 
هي قصةُ الطيف الحزين، وصورةُ 
القلب الطعين، مجللاً بدماءِ 
هي قصةُ الدنيا، وكم من آدم 
منا له دمعٌ على حوّاءِ 
كل به قيسٌ إذا جنَّ الدجى 
نزع الإباءَ وباح بالبرحاءِ 
فاذا تداركه النهارُ طوى المدا 
معَ في الفؤاد وظُنَّ في السعداء 
لا تعلم الدنيا بما في قلبه 
من لوعةٍ ومرارةٍ وشقاء 
كلٌّ له "ليلى" ومن لَم يَلقها 
فحياته عبثٌ ومحضُ هباءِ 
كلٌّ له "ليلى" يرى في حبها 
سرّ الدُّنى وحقيقة الأشياءِ 
ويرى الأماني في سعير غرامها 
ويرى السعادةَ في أتمِّ شقاءِ 
الكونُ في احسانها والعمرُ عند 
حنانها، والخلدُ يومُ لقاءِ 
يا للقلوب لقصةٍ محزونةٍ 
لم تُروَ إلاَّ روِّحَتْ ببكاءِ 
خلُدت على الدنيا وزادت روعةً 
ممّا كساها سيدُ الشعراءِ 
خلدتْ على الدنيا وزادت روعةً 
من جودة التمثيل والإلقاءِ 
من فنّ (زينبها) ومن (علاّمها) 
زين الشباب وقدوةِ النبغاء 


دعاء الراعي 

يا أيها الحملُ الوديعُ أنا الذي 
يحنو عليك. أنا الحبيبُ الراعي 
كم ليلة والرعبُ يمشي في الدجى 
والهولُ منتشرٌ على الأصقاع 
أغفيت في كنفي وفي ظلِّ الكرى 
كالطفلِ في أمنٍ مِنَ الأوجاعِ 
ياربِّ! قد وهت العصا واستأثرتْ 
غيرُ الليالي بالقويِّ الباعِ 
يا ربِّ إِن تك قد حكمتَ بفرْقةٍ 
وإذنتَ للراعي بوشك زماعِ 
فانظر إِلى الحملِ الوديع ووقِّه 
شرَّ النفوسِ وفتنةَ الأطماعِ 
نضِّره له الدنيا ومد ربيعَها 
وانشرهُ مؤتلقاً بكل شعاع 
واجعلْ له الأيامَ ظلاًّ وارِفاً 
وخريرَ أنهارِ وخصبَ مراعي! 

دعابات 

دعوتَ فلبينا ودارُك كعبةٌ 
بها انعقد الإخلاصُ والحبُّ طُوَّفا 
خميلتُنا تهفو إليها قلوبُنا 
وأي فؤادٍ للخميلةِ ما هفا 
بنوك الألى تحنو عليهم تعطفا 
وترعاهم براً بهم متلطفا 
إذا خلعوا بعض الوقاء فسعهم 
فمثلك عن مثل الذي صنعوا عفا 
هنا اطرح الأعباء مثقل كاهل 
وخفف من وقريه من تخففا 
فما على الفضل الأباظي طامعا 
وأغرق في الجود الأباظي مسرفا 
فيا ندوة السمار هل من مسجل 
يدوّن إعجاز القرائح منصفا 
ليشهد أن الشعر شيء مشى بنا 
مع الطبع جل الطبع أن يتكلفا 
وفي دمنا يجري به متواصلا 
مع النفس الجاري وينساب مرهفا 
فهل ناقل عني الغداة وناشر 
مقالة صدق قد أبت أن تحرّفا 
حديث غنيم والردنجوت والذي 
جرى بيننا ما كنت بالحق مرجفا 
*** *** 
بصرت به والصحن بالصحن يلتقي 
فلم أر أبهى من غنيم وأظرفا 
تراءى له لحم فلم يدر عنده 
تديك من بعد الطوى أم تخرفا 
وأومأ لي؛ باللحظ يسألني به 
أتعرفه أومأت باللحظ مسعفا 
وقدمته للديك وهو كأنما 
يطير إليه واثبا متلهفا 
غنيم! أخونا الديك! قدمت ذا لذا 
فهذا لهذا بعد لأي تعرفا 
وما هي إلا لحظة وتغازلا 
وقد رفعا بعد السلام التكلفا 
فمال على الورك الشهي ممزقا 
ومال على الصدر النظيف منظفا 
*** *** 
جزى الله أسنانا هناك عتيقة 
ظللن على الصحن الأباظي عكفا 
تعير ناجي بالرد نجوت جاءه 
معاراً فغامرْ واستعرْ أنت معطفا 
وأقسم لو أن الرد نجوت نلته 
وجاد به من جاد كرها وسلّفا 
لقلّبته ظهرا لبطن محيرا 
به تحسبن الوجه من عبط قفا 
رأيتك والعدس الأباظي قادم 
كما انتفض المحموم بشر بالشفا 
وناهيك بالعدس الأباظي منظر 
عظيم كما هيأت للعين متحفا 
على أنه ما جاء حتى رأيته 
توارى كطيف لاح في الحلم واختفى 
*** *** 
فلله من لفظ ببطنك راسب 
قرير ومعناه برأسك قد طفا 
قِفا نبك أونضحك على أي حالة 
قفَا صاحبي اليوم من عجب قفا 
كأن صحاف الدار في عين صاحبي 
غوان كستهن المحاسن مطرفا 
أشار لاحداهن إذ برزتَ له 
وناجته عن بعد وأبدت تعطفا 
"يسائلني من أنت وهي عليمة" 
وهل بفتي مثلي علىِ حاله خفا؟ 
سأخبرها من أنت! انك شاعر 
قنوع إذا ما الخير جاء تفلسفا 
ومن أنت حتى ترفض النعمة التي 
اتيحت وتأبى مثلها متقشفا 
فتى حاله غلبٌ وآخره الطوى 
وخطته عريٌ ومشروعه الحفا 


ذات ليلة 

بين سهدٍ وعذابٍ وضنى 
مرَّ ليلي، ذاك حالي وأنا 
أسالُ الأنجمَ عن حالِ المنى 
يا حبيبي كيف صارت بيننا 
كيف أمسى يا حبيبي عهدُنا 
بعدما طاب هوانا، ودنا 
كلُّ ما كان عبيداً، ورنا 
كلُّ نجمٍ من سماوات السنا! 
آه لو ينظر حالي الآن آه 
حينما ضاقت بآلامي الحياه 
ندم النجمُ على غالي سناه 
ورأى كيف انطوينا فطواه 


ذات مساء 

وانتحينا معا مكاناً قصياً 
نتهادى الحديث أخذاً وردّا 
سألتني مللتنا أم تبدلتَ 
سوانا هوىً عنفياً ووجدا 
قلت هيهات! كم لعينيكِ عندي 
من جميلٍ كم بات يهدى ويسدى 
انا ما عشت أدفع الدين شوقا 
وحنينا إلى حماكِ وسهدا 
وقصيداً مجلجلاً كل بيتٍ 
خلفَه ألفُ عاصفٍ ليس يهدا 
ذاك عهدي لكل قلبك لم يقض 
ديونَ الهوى ولم يرعَ عهدا 
والوعودُ التي وعدتِ فؤادي 
لا أراني أعيش حتى تؤدَّى 


ذهب العمر 

قضيتَ العمر تذكر لي 
وأذكر في الهوى جرحكْ 
فقم نسخرْ من الأمَلِ 
ومن أعماقنا نضحكْ! 
وقم نسخرْ من الدنيا 
وقم نَلهُ مع اللاهي 
طويتُ صحيفة الأمسِ 
فَدَعْها في يد اللهِ 
*** *** 
هي الدنيا كما كانت 
وماذا ينفع الوعظُ 
وما عتبت ولا خانت 
ولكن خانك الحظُّ 
أردنا الجاهَ والذهبا 
فلم يتلطّفِ المولى 
وهذا العمرُ قد ذهبا 
وأحسن ما به ولّى 

ذنبي 

أيكون ذنبي أن رفعتُك 
وارتفعت إلى السماءْ؟ 
وعلى جناحك أو جناحي 
قد رقيتُ إلى الصفاءْ 
إن كان حقّاً أو خيالاً 
فهو وَثْبٌ للضياءْ 
وتحرُّرٌ مما جناه 
طينُ آدم في الدماءْ 
أيكون ذنبي أن جعلتُكِ 
فوق عرش من سناءْ 
وجثوت في محراب قُدْ 
سكِ عابداً هذا الرُّواءْ 
أيكون ذنبي أنني 
بك أحتمي من كل داءْ 
وأراك عافيتي فأضْرعُ 
طالباً منكِ الشفاءْ 
أيكون ذنبي أن أراك 
لخاطري قَبَساً أضاءْ 
وأُحسنُّ وحيَكِ من علٍ 
لي دون أهل الأرض جاءْ 
أيكون ذنبي أن يُناط 
بك التعلُّل والرجاءْ 
وإليك شكوى القلبِ نجوى 
الروحِ أجمع النداء 
أيكون ذنبي أن أحبّكِ 
لي من الدنيا وقِاءْ 
فإذا رضيتِ فإن نعمَتَها 
ونقمتَها سواءْ؟ 
أيكون ذنبي .. أي ذنب 
صار لي إلا الوفاءْ 
إني عشقتكِ ما طلبتُ 
على محبّتيَ الجزاءْ 
مَن همُّه هَمّي سيحمل 
من حبيبٍ ما يشاءْ 
ولقد يُساءُ فما يرى 
من حُبِّه أحداً أساءْ 
قد كان عندي عزَّه 
بصبابتي ولي احتماءْ 
إن لانَ عودي للخطوبِ 
شدَدتِ أزري باللقاءْ 
أنسيتِ كيف نسيتِ يادنيا 
على الدنيا العفاءْ! 
يا للهوى لا صَبح لي 
ألإِ هواكِ ولا مساءْ 
أشوامخُ الأحلامِ والمثلُ 
الرفيعةُ كالهباءْ؟

رثاء شوقي 

قلْ للذين بكَوْا على (شوقي) 
النادبين مصارعَ الشُّهبِ 
وا لهفَتاه لمصر والشَّرْقِ 
ولدولة الأشعار والأدبِ! 
دنيا تَفرُّ اليومَ في لحدٍ 
وصحيفةٌ طُويتْ من المجدِ 
ومُسافرٌ ماضٍ إلى الخلد 
سبَقتهُ آلاءٌ بلا عَدِّ 
هذا ثَرى مصْرَ الكريمُ، وكمْ 
أكرمتَهُ وأشدْتَ بالذكرِ 
يلقاك في عطفِ الحبيبِ فنمْ 
في النور لا في ظُلمةِ القبْر! 
كم من دفينٍ رحتَ تحييهِ 
وبَعثْتَهُ وكَففْتَ غُرْبَتَهُ 
فاحللْ عليهِ مُكرّماً فيهِ 
يا طالما قَدَّست تُربتَهُ 
يا نازلَ الصحراء موحشةً 
ريَّانةً بالصمت والعدمِ 
سالتْ بها العبراتُ مجهشةً 
وجَرت بها الأحزانُ من قدمِ! 
هذا طريق قد ألفناهُ 
نمشي وراءَ مُشَيَّعٍ غالِ 
كم من حبيبٍ قد بكَيْنَاهُ 
لم يُمْحَ من خَلدٍ ولا بالِ 
وكأنَّ يومَك في فجيعتِهِ 
هو أولُ الأيامِ في الشَّجنِ 
وكأنَّما الباكي بدمعتِهِ 
ما ذاق قبلك لوعةَ الحَزنِ! 
فاذهبْ كما ذهب النهارُ مضى 
قد شيَّعَتْه مدامعُ الشفقِ 
ما كنتَ إلاَّ أمةً ذهَبتْ 
والعبقريَّةُ أمَّةُ الأُمَم 
أو شُعلةً أبصارَنا خلبتْ 
ومنارةً نُصبَتْ على عَلَمِ 
يا راقداً قد بات في مَثوىً 
بَعُدَتْ به الدُّنْيا وما بَعُدَا 
أيْن النجوم أصوغ ما أهْوى 
شعراً كشعْرك خالداً أبدَا؟! 
لكنَّ حزني لو علمْت به 
لم يُبْقِ لي صبْراً ولا جُهْدَا 
فاعذر إلى يوم نفيك به 
حقَّ النبوغِ ونذكرُ المجْدَا 

رثاء كلب صغير 

قالت "لميكي" سِرْ بنا 
نمشي لحاجتنا الهُوَيْنى 
فأطاع مسروراً كعادته 
ولم يسأل لأيْنا 
فيم السؤال وكل شيءٍ 
طيِّبٌ من أجلها 
وبنفسه حبٌّ قُصاراه 
الحياةُ بظلها 
ماذا تغيّر عزّة 
أو ذلّة في حبها 
سارت وكلُّ متاعِهِ 
في أن يسير بقربها 
*** *** 
يستاف نعلَيْها ويأبي 
في الوجودِ مُنافسا 
فإذا تخيّل دانياً 
من ترْبِها أو لامسا 
يختال مِلْءَ نُباحِهِ 
زَهْواً ويخطرُ حارسا! 
*** *** 
عجباً له ولزهوه 
ما يصنع الواهي الصغيرْ؟ 
ما يصنع النابُ الضعيفُ 
وما يُخيفُ ولا يُجيرْ؟ 
لكنّ "ميكي" لا يبالي 
أن يموت فداءها 
في وثبه هيهات يسأل 
ما يكون وراءها 
الأمرُ كلُّ الأمر أن 
يغدو يدافع دونها 
والنفس تُنكر في الضحيَّة 
عقلها وجنونها 
*** *** 
من ذلك الظلُّ الملازم 
في الحياة وفي الطريقْ؟ 
المخلصُ الوافي إذا 
عَزَّ المنادمُ والرفيقْ 
من قلبُه صافٍ وديدنُه 
الولاءُ المطلقُ 
فكأنما فيه الولاء 
سجيَّةٌ تتدفقُ 
*** *** 
وإذا أُسِيءَ فإن أسمى 
الحبّ أن يُبدي رضاءَهْ 
والصفح عند ذوي القلوبِ 
البيضِ من قبل الإساءَهْ 
مهما نظرت له نظرت 
إلى مَعِينٍ من حنان 
يُفضي إليك بسره 
الذَنَبُ الصغير ومقلتان! 
*** *** 
لا بأس إنْ هند جفت 
وقست أليست ربَّتَه؟ 
أَقْصَتْهُ ثم تلفَّت 
ترجو إلَيها أوْبته 
زَجَرتْه أو نهرته أو 
كفَّتْ على جُرْمٍ يده 
فهي التي لم تَنْسَهُ 
والأكل ملءُ المائده 
وهو الذي في بعدها 
لم يألُها طولَ ارتقاب 
يقظان ينتظر المآب 
وَثَوى يُرَاقبَ خَلْف بَاب 
*** *** 
هند التي اتَّخذته من 
دون الخلائق إلْفَها 
بحثت عن الإلْف الصغير 
فلم تجدْه خلفها 
ميكي! وما ميكي ومصرعُه 
على الدنيا جديد 
نفسٌ يذوب وصرخةٌ 
تدوي هنالك من بعيد 
وتلفَّتَت هندٌ لموضعه 
تغالب وَجْدَها 
لا شيءَ. قد سارت 
برفقته وترجعُ وحدها 
*** *** 
خرجت به جذلانَ يضحك 
مثلما ضحك الصباح 
فكأنما خرجت به 
ليُلاقيَ القَدَر المُتاح 
سارتْ به صبحاً وعادت 
بالمواجع والدموع 
يغدو الحزينُ على الأسى 
وأشقُّ شَطْريْه الرجوع 


رباعيات 

صيرَك الحسن أميرَ الوجودِ 
والشعر من درّاته كلّلكْ 
مستلهماً منك معاني الخلود 
فكل تاجٍ في العلى منك لكْ 
فَنَاهِبٌ برقَ الثنايا العذابْ 
وسارقٌ ياقوتهً من فمكْ 
وكل تغريد الهوى والشبابْ 
أغْنيةٌ حامت على مبسمكْ 
*** *** 
وذلك الماس الرفيع السنا 
والجوهر الغالي الذي صِدْتُهُ 
أرفع من فكر الورى مَعْدِنا 
وكل فضلي أنني ضُغْتُهُ! 
لا فكر لي، عشتُ على فكرتكْ 
أقبس ما آقبس من غُرَّتكْ 
ودمعتي تقتات من عبرتكْ 
فانظر بمرآتي إلى صورتكْ 
أشقاني الحبُّ وقلبي سعيدْ 
يَعُدُّ هذا الدمع من أنعمكْ 
أجزل ما كافأ هذا الشهيدْ 
بلوغُه المجد على سُلَّمكْ 
*** *** 
لا شيء من يوم النَّوى منقذي 
إني امرؤٌ عنك وشيك المسيرْ 
وأنت باقٍ والجمال الذي 
غنّى به شعري ليومي الأخيرْ 
انظر إلى آيات هذا الجمالْ 
ترتدُّ عنها عاديات البلى 
عاجزةَ الباع ويأبى الزوالْ 
لوردةٍ مت عَدْن أن تذبلا 
للأنفس الظمأى إليك التفاتْ 
ولهفةٌ ملءَ اللّحاظ الجياعْ 
ولي التفاتٌ لسريّ الصّفات 
واللؤلؤِ اللمّاح خلف القناعْ 
قلبي مع الناس وفكري شَرودْ 
في عالَمٍ رَحْبٍ بعيد الشِّعابْ 
عيني على سرٍّ وراء الوجود 
وبغيتي عرشٌ وراء السحابْ! 
*** *** 
كم طرت بي واجتزت سور الضبابْ 
والضوء ملءُ القلب ملءُ الرحابْ 
وعدت بي للأرض أرض السَّرابْ 
والليلُ جهمٌ كجناح الغرابْ 
أريْتُني الغيبَ الذي لا يُرى 
كشفتَ لي ما لا يراء البصرْ 
ثم انحدرنا نستشفُّ الثرى 
علّ وراءَ التُّرب سرَّ السفرْ 
صدري وسادٌ زاخرٌ بالحنانْ 
تصوُّري أعجب ما في الزمانْ 
موج على لُجَّته خافقان 
قَرَّا على أرجوجةٍ من أمانْ 
كمركب في البحر يومَ اغتربْ 
ما أبعد المحنة بعد اقترابْ 
هيهات يُنْجِي من شطوط العذابْ 
إلاّ عبابٌ دافقٌ في عبابْ 
*** *** 
ملأتُ كأسي وانتظرتُ النديم 
فما لساقي الرُّوح لا يُقبلُ 
شوقي جحيمٌ وانتظاري جحيم 
أقلُّ ما في لفْحِهِ يتقلُ 
أنت كريمُ الودِّ حُلوُ الوفاءْ 
فما الذي عَاقَكَ هذا المساءْ؟ 
وما الذي أخَّر هذا اللقاءْ 
وحرَّم النبع وصدَّ الظِماءْ؟ 
*** *** 
أذمّ هذا الوقت في بُطْئِهِ 
آخرهُ يعثرُ في بَدْئِهِ 
تدقُّ فيه ساعةٌ لا تدورْ 
وإن تَدُرْ فهو صراعُ اللغوبْ 
رنينها يقلق صمَّ الصدورْ 
وطَرْقُها يقرع بابَ القلوبْ 
يا ذاهباً لم يشْف مني الغليل 
ما أسرع العقربَ عند الرحيلْ 
هتفتُ قف لم يبق إلاّ القليلْ 
وكلُّ حيٍّ سائرٌ في سبيلْ! 
*** *** 
يومٌ تولّى أو ظلامٌ سجا 
كلاهما بالقرب منك انتصارْ 
أأحمد اليوم تلاه الدُّجى 
أم أحمد الليل تلاه النهارْ؟ 
إنْ نَوَّر النجمُ به مرَّةً 
فإن إشراقَكَ لي مرّتانْ 
وكيف يُبقي الشكُّ لي حيرةً 
ولي على برج المنى نجمتانْ؟ 
فهذه تلمع في خاطري 
مِلءُ دمي إشراقُها والبهاءْ 
وهذه تُومِئُ للساهرِ 
والليل صافٍ وأديم السماءْ 
*** *** 
وهذه تجلو كثيف الغيومْ 
وهذه تَدْرَأُ عني الهمومْ 
وتَمحق الحزنَ وتَأسُو الكلومْ 
فما الذي أَجْرى دموعَ النجومْ؟ 
هيهات أنسى دُرَّة الأنجمِ 
إليَّ من آفاقها ترتمي 
وفي جريحٍ أعزلٍ تحتمي 
من أي هولٍ؟ هي لم تعلمِ! 
إنَّ ضلوعاً تحتمي في ضلوعْ 
مقادرٌ ليس بها من رجوعْ 
أخلدُ أصفاد الجوى والنزوعْ 
هوى الحزاني وعناق الدموعْ 
رضيت بالدهر على ما جَنَى 
وأُبْتُ بالحكمة بعد الجنونْ 
ومرَّ يومي هادئاً ساكنا 
وأَيُّ شيءٍ خادع كالسكونْ 
*** *** 
أرنو إلى الصحراءِ حيث الرمالْ 
نامت كأنَّ اللفحَ فيها ظلالْ 
يا ليت لي والدهر حالٌ وحالْ 
من وقدةِ الإحساسِ بعض الكلالْ 
فأقبلِ الدنيا على حالها 
مسلِّماً بالغدرِ في آلها 
وراضياً عنها بأغلالها 
محتملاً وطأة أثقالها 
الرُّعْبُ سيّان بها والأمانْ 
والحسنُ زادٌ سائغٌ للزمانْ 
والوهمُ في حالاتها كالعِيان 
والحبُّ والكرهُ بها توأمانْ 
وَدِدْتُ لو قلبي كهذي القفارْ 
أصمُّ لا يسمع ما في الديارْ 
أعمى عن الليل بها والنهارْ 
وددتُ لو قلبي كهذي القفارْ 
وددتُ لو عنديَ جهلُ الثرى 
تَعْمُر أو تقفر هذي البيوتْ 
غفلان لا يعنيه أمرٌ جرى 
أيُولدَ الحيُّ بها أم يموتْ 
*** *** 
وليلةٍ تمضي وأخرى وما 
جئتَ فهل ألهاك عني أحدْ؟ 
ما ضاء من ليلاتنا أظلما 
والسبت خَدَّاعٌ بها كالأحدْ 
يمتلئُ السطحُ على ضيقهِ 
أنا الذي لم أدْرِ طعمَ الحسدْ 
وذلك (الجاز) وهذا النغمْ 
منتقلاً بين الرضا والألمْ 
يحمل لي طيفَ خيالٍ قَدِم 
تراه عيني في ثنايا حُلُمْ 
*** *** 
في واحةٍ يرسو عليها الغريبْ 
فكلُّ ما فيها لديه غريبْ 
وهكذا الدنيا خداعٌ عجيبْ 
إذا خلت أيامُها من حبيبْ 
وهكذا يومٌ ويومٌ سواه 
ينكرها القلبُ الصَّبورُ الحمولْ 
وهكذا يذهب طِيبُ الحياهُ 
بين التمني واعتذار الرسولْ 
*** *** 
هنا مِهادُ الحبِّ هل تذكرينْ 
وها هنا بالأمس طاب السمرْ 
وتلك الأحلامُ الهوى والسنينْ 
يحملها التيَّارُ فوق النهرْ 
والقمرُ الفضيُّ بين الغيومْ 
يخفق كالمنديل عند الوداعْ 
يا حسرتا! هل صوّرتهُ الهمومْ 
كالزورقِ الغارقِ إلاّ شراعْ 
قد جللته غيمةٌ عابرهْ 
تسحبُ أذيالَ الأسى والندمْ 
وأغرقتهُ موجةٌ غامرهْ 
فأطبق الصمتُ وَرَانَ العدمْ 
*** *** 
ضممت أضلاعي على نعشِهِ 
فلم يزلْ فيها لهاوٍ شعاعْ 
لأيّ غورٍ زالَ عن عرشِهِ 
وغاص في اللجِّ إلى أيِّ قاعْ 
أرثي لحظِّ الأفق وهو الذي 
يرمقُني بالنظرة الساخرهْ 
وتهرب الأنجمُ هذي وَذي 
ويجثم الليلُ على القاهرهْ 
ويزحف الكونُ على خاطري 
كأنه في مقلة الساهر 
سَدٌّ من الرُّعبِ بلا آخرِ 
يعبُّ عَبُّ الأبدِ الزاخرِ 
*** *** 
وفي ظلالِ الموت موتِ الوجودْ 
وخلفَ أطلال البلىِ والهمو 
وبين أنفاس الرّدى والخمودْ 
وتحت سُحْبٍ عابساتٍ وسودْ 
تدفعني عاصفةٌ عاتيهْ 
تقصف من خلفي وقُدّامِيَةْ 
قد مزّقت روحي وآماليَهْ 
وقرّبتْ لي طرَفَ الهاويةْ! 
تلمع في الظلمة أحداقُها 
قد رحّبَتْ باليأس أعماقُها 
شافية النفس وترياقُها 
مشتاقةٌ أقبل مشتاقُها 
*** *** 
قد كان لي عندك عزُّ الذليلْ 
وكان للآمال ومضٌ ضئيلْ 
يلمع في ظَنِّي قبل الرحيلْ 
فانطفأ النورُ ومات القليلْ 
فداك يا جاهلةً ما بيَهْ 
قلبي وأنفاسي الظمّاء الحِرارْ 
وكيف أنسى ليلتي الداميَهْ 
ولهفتي أَلْهَثُ خلف القطارْ؟ 
وعودتي أجرع كأسَ الحياه 
مُعاقِراً سُمَّ الفناءِ البطيءْ 
أُنْكِرُ أو أفزعُ ممن أراه 
سيان من يذهب أو من يجيءْ 
*** *** 
وليلةٍ فاضت بوسواسها 
تعجبُ من إلْفَين بين البَشَرْ 
ذلك يعدو خلف أنفاسها 
وهذه تتبع سير القمرْ 
تتبعه بين الرُّبى والشِّعابْ 
تتبعه يسري خلال الحسابْ 
كم هَلَّلَتْ وهو يضيء الرِّحابْ 
والتفتَتْ محسورةً حين عابْ 
*** *** 
وذلك الطفل اللهيف الغيورْ 
في فَلَكِ من ضوء ليلى يدورْ 
يقفو خطاها وهي بين الطيورْ 
لها جناحان مراحٌ ونورْ 
كزورق يعبرُ بحرَ الوجودْ 
له شراعان ولحظٌ شَرُودْ 
كم شرّقا أو غرّبا في صعودْ 
وارتفعا حتى كأن لن يعودْ 
*** *** 
ليلى ارجعي إني شقيٌّ كئيبْ 
أهتف مفقودَ الهُدى والقرارْ 
يا هاته الأوطان إني غريبْ 
وعالمي ليس هنا يا ديارْ! 
تركتني وحدي وخلفتني 
أرزح تحت المبْكيات الثقالْ 
أنكرتِ ميثاقي وأنكرتني 
أكُلُّ ماضينا وليد الخيالْ؟ 
*** *** 
فرغت من أحلامه وانطوى 
بِمُرّهِ وارتحتُ من عذبهِ 
الأمرُ ما شئتِ فذنب الهوى 
على الذي يكفر يوماً بهِ 
كان إلى الله سبيلي وما 
كان إلى الإيمان دَرْبٌ سواهْ 
وكان في جُرح الهوى بلسما 
وكان عندي منحة من إلهْ 
مهما تكن ناري فإنّ الجحيم 
أرأفُ بي من ظلم هذا البعادْ 
وربّ همّ مُقْعِدٍ أو مقيمْ 
قد لطّفَتْهُ نسماتُ الودادْ 
*** *** 
فخفَّتِ النارُ وقرَّ الهشيمْ 
وعاودتني الذِّكَرُ الغابرهْ 
والنيلُ يجري هادئاً والنَّسيمْ 
معربدٌ في الخُصَل الثائرهْ 
كم تهتف الأيامُ: خانت فَخُنْ 
ويح حياتي إنْ تَخُنْ أمسها 
إن هنتُ هذا عهدُها لم يَهُنْ 
ولا لياليها وإن تنسها 
تُهيب بي الفرصةُ قبل الفواتْ 
ويعرض الصَّيدُ فلا أقنصُ 
إني امرؤ زادي على الذكرياتْ 
وما غلا عنديَ لا يرخصُ 
ومطلبٍ في العمر ولَّى وفات 
وكان همِّي أنه لا يفوتْ 
كأن فجراً ضاحكاً فيّ ماتْ 
وملءُ نفسي مغربٌ لا يموتْ 
*** *** 
في السّام الحيِّ الذي لا يَبيدْ 
والأملِ الطاغي بأن ترجعي 
أجدِّدْ العيش وما من جديدْ 
وأدّعي السلْوان ما أدّعي! 
كم خانني الحظُّ ولا انثني 
أقضي زماني كلَّهُ في لعلْ 
وتقسم المرآة لي أنني 
رَقَعْتُ بالآمالِ ثوبَ الأجلْ 
قد فاتني الصيفُ وخان الربيعْ 
وكان همّي كلُّه في الخريفْ 
وما شَكاتي حين شملي جميعْ 
وانت لي أيكٌ وظلٌّ وريفْ 
*** *** 
والآن قد مزّق عندي القناعْ 
موتُ الأباطيل وزحف الشتاءْ 
وبدَّد الوهمَ وفضَّ الخداعْ 
بَرْدُ المنايا وشحوبُ الفناءْ 
وأَسِفَ القلبُ لكنزي الذي 
غَصّتْ به أفئدة الحُسَّدِ 
صحوت من وهمي ولا كنز لي 
قد صَفِرَتْ منها ومنه يدي 
أين زمانٌ مُكتسٍ يومُهُ 
بالحبِّ مَوْشِي بحُلْم الغدِ؟ 
وربما رقَّ زمانٌ قسا 
فانعطف الجافي ولان الحديدْ 
محقق الآمال أو واعدٌ 
بفرحةٍ يوم لقاء وعيدْ 
فإن يَعِدْني ثار شكّي به 
كأنما وعد الليالي وعيدْ! 
*** *** 
وا آسفا هذا سجلٌّ كُتِبْ 
خَطَّتْهٌ كفُّ القدَرِ المحتجبْ 
ففيم عَوْدِي لقديم الحِقَبْ 
وفيم تَسْآليَ عمّا ذهبْ؟ 
ضاقت بنا مصرُ وضقنا بها 
وكلُّ سهلٍ فوقها اليوم ضاقْ 
وضاقتِ الدنيا على رحبِها 
أين نداماي وأين الرفاقْ؟ 
كفٌّ تَلُمُّ العمرَ والعُمرُ راحْ 
وقبضةٌ تجمع شملَ الرياحْ 
لا حَبَبٌ باقٍ ولا ظل راح 
ليلٌ تولَّى وتولَّى صباحْ 
هذا نهارٌ مات يا للنَّهارْ 
كل مساءٍ مصرعٌ وانهيارْ 
مال جدارُ النورِ بعد انحدارْ 
وغابتِ الشمسُ وراءَ الجدارْ 
*** *** 
وذا مساءٌ صبغتْهُ الهمومْ 
بلونها القاني وهذي غيومْ 
تحوم والظلمةُ فيها تحومْ 
تبسط مهداً ليّناً للنجومْ 
كأن ثوباً في السماء احتراقْ 
فلم يزل حتى استحال الأفقْ 
ظلُّ دخانٍ أو بقايا رمقْ 
ولمَ يعُد إلاَّ ذيولُ الشفقْ 
وتزحف الظلماءُ زحفَ المُغيرْ 
حاجبةً ما دونها كالسِّتارْ 
وكل حيٍّ وادعٌ أو قريرْ 
ما اختلف الشأن ولا الحظّ دارْ 
العيشُ أمرٌ تافهٌ والمنونْ 
والحكمةُ الكبرى بها كالجنونْ 
وهكذا نمضي وتمضي السنونْ 
وهكذا دارتْ رحاها الطحونْ 
في شَجِّهَا حيناً وفي طَعْنِها 
سينقضي العمرُ وأين الفرار؟ 
وثورةُ الشاكين من طحنِها 
نوحُ الشظايا وعتابُ الغُبارْ!


رحلة 

نقلتُ حياتي والحياة بنا تجري 
من الحلمِ المعسولِ للواقعِ المرِّ 
فيا منتهى فنّي إلى منتهى الهوى 
على ذروةٍ بيضاءَ في النور والطهرِ 
عرفتك عرفان السماء ولم تكنْ 
سوى همسات النجم ما جال في صدري 
وغامت خطوطُ السفحِ حتى نسيتها 
وحتى توارى السفح من عالم الذكر 
وفي القممِ الشّمّاءِ حلّقتُ حائماً 
وأنبتَ في أعلى شواهقها وكري 
ولم يبقَ إلا أنت والجنَّةُ التي 
زرعنا وكلّلّنا بيانعة الزهرِ 
ولم يبقَ إلا أنت والنسمةُ التي 
تهبُّ من الفردوسِ مسكيَّةَ النشرِ 
ولم يبقَ إلا أنت والزورقُ الذي 
ترنَّحَ منساباً على صفحة النهرِ 
فيا منتهى مجدي إلى منتهى الغنى 
غنىَ الروحِ بعد الضّنكِ والذلِّ والفقرِ 
أعيذك أن أغدو على صخرة لَقىً 
وكنتِ مِجَنّي في مقارعةِ الصخرِ 
أعيذك بعد التاجِ والعرشِ والذي 
تألَّقَ من ماسٍ وشعشع من تبرِ 
أعيذك من ردّي إلى سَفهِ الثرى 
وحِطَّتِه بين الأكاذيبِ والغدرِ 
أعيذكِ أن تنسي ومن بات ناسياً 
هواه فأحرى بالنهى عقم الفكرِ 
فيا لك من حلمٍٍ عجيب ورحلةٍ 
تعدَّتْ نطاقُ الحلمِ للأنجمِ الزُّهرِ 
ويا لك من يومٍ غريب وليلةٍ 
عَفَتْ وغفتْ عن ظلمِ روحين في أسر 
ويا لك من ركن خَفِيٍّ وعالمٍ 
خَفِيٍّ غنيٍّ بالمفاتنِ والسحرِ 
ويا لك من أفقٍ مديد ومولد 
جديد لقلبينا ويا لك من فجرِ 
عرفتك عرفان النهار لمقلةٍ 
مخضّبةِ الأحلام حالكةِ الذعرِ 
رأت بك روحَ الفجرِ حين تبيّنتْ 
بياض الأماني في أشعّتِهِ الحُمرِ 
بيَ الجرحُ جرحُ الكونِ من قبل آدمٍ 
تغلغلَ في الأرواحِ يَدْمي ويستشري 
تولّتهُ بالإحسانِ كفٌّ كريمةٌ 
مقدّسةُ الحسنى مباركةُ السرِّ 
فإن عدتُ وحدي بعد رحلتِنا معاً 
شريداً على الدنيا ذليلاً على الدهرِ 
رجعت بجرحي فاغرَ الفمِ دامياً 
أداريه في صمتٍ وما أحد يدري 
هو العيشُ فيه الصبرُ كاليأس تارةً 
إذا انهارت الآمالُ واليأسُ كالصبرِ 
عرفتكِ كالمحرابِ قدساً وروعةً 
وكنتِ صلاةَ القلبِ في السرِّ والجهرِ 
وقد كان قيدي قيدَ حبِّكِ وحدَةُ 
أنا المرءُ لم أخضعْ لنهيٍ ولا أمرِ 
وأعجبُ شيء في الهوى قيدُكِ الذي 
رضيتُ به صِنْواً لإيماني الحرِّ 
بَرمْتُ بأوضاعِ الورى كل أمرهمْ 
وسيلةُ محتاجٍ ومسعاةُ مضطرِّ 
برمتُ بأوضاعِ الورى ليس بينهمْ 
وشائج لم توصَلْ لغايٍ ولا أمرِ 
إذا كان ما استنُّوا وما شرعوا القِلى 
فذلك شرعُ الطينِ والحمَإِ المَزرى 
تمردتُ لا أُلوي على ما تعوّدوا 
ونفسي بهذا الشرعِ عارمةُ الكفرِ 
وهبْ ملَكي الغالي الكريمَ وحارسي 
تخلى فما عذرُ الوفاءِ وما عذري؟ 
عشقتُكِ لا أدري لحبيَ مبدءاً 
ولا منتهى حسْبي بحبِّكِ أن أدري 
إذا شئتِ هجراناً فما أتعس المدى 
من النورِ للّيل المخيِّمِ للحشرِ! 


رجوع الغريب 

عادتْ لطائرها الذي غَنّاهَا 
وشَدَا فهاج حَنينَها وشَجاهَا 
أيُّ الحظوظ أعادها لوَ فيِّها 
ونجيِّ وحدتها وإلفِ صباهَا 
مشبوبة التحنان تكتم نارَها 
عبثاً وتأبَى أن يبين لظاهَا 
يا إِلفيَ المعبود! سِرّك ذائع 
نار الحنين دفينها أفشاهَا 
ماذا لقينا من لقاءٍ خاطفٍ 
وعشية كالبرق حان ضحاهَا؟! 
يا ويح هاتيك الثواني لَم تقف 
حتى نسيغ هناءةً ذقناهَا! 
حتى يمتع باليقين مكذب 
عينيه في رؤيا يضلُّ سناهَا 
تمضي لها الأبصارُ مُشعلة الهوى 
وتحول عنها ما تَطيق لقاهَا! 
تخبو العواطفُ في الصدور وتنتَهي 
ويَجف في زهرِ القلوبِ نذاهَا! 
وأنا أحسُّ اليومَ بدءَ علاقةٍ 
وعنيف ثورتها وحزّ مدَاهَا! 
لم تُرو منكِ نواظري وخواطري 
ورجعت أزكى مهجةً وشفاهَا! 
مدَّ الخريفُ على الرياض رواقَةُ 
ومضى الربيعُ الطلقُ ما يغشاها 
ما بالرياض؟! كآبةٌ في أرضِها 
وسحابةٌ تغشى أديمَ سماهَا! 
جمدت حمائمُ إيكِها وأنا الذي 
شاكيتُها فاغرورقت عيناهَا! 
كيف السبيلُ إلى شفاء صبابه 
الدهر أجمع ما يبلُّ صداهَا!! 
وإلى نسائم جنة سحرية 
قرّحتُ أجفاني على مغناهَا! 
قضيتُ أيامي أضمُّ خيالَها 
وأضعت أيامي أقول عساهَا! 

رسائل محترقة 

ذوت الصبابةُ وانطوتْ 
وفرغتُ من آلامها 
لكنني ألقى المنايا 
من بقايا جامها 
عادت إليَّ الذكرياتُ 
بحشدها وزحامها 
في ليلة ليلاء أرّ 
قني عصيب ظلامها 
هدأت رسائل حبها 
كالطفل, في أحلامها 
فحلفت لا رقدت ولا 
ذاقت شهيَّ منامِها 
أشعلت فيها النار ترعى 
في غزيز حطامها 
تغتال قصة حبنا 
من بدائها لختامها 
أحرقتُها ورميت قلبي 
في صميم ضرامها 
وبكى الرماد الآدمي 
على رماد غرامها 

رواية 

نزل الستارُ ففيمَ تنتظرُ 
خلت الحياةُ وأقفر العمرُ 
لم يبقَ إلا مقفر تعس 
تعوى الذائبُ به وتأتمرُ 
هو مسرحٌ وانفضَّ ملعبُهُ 
لم يبقَ لا عينٌ ولا أثرُ 
ورواية رويت وموجزها 
صحبٌ مضوا وأحبّةٌ هجروا 
عبروا بها صوراً فمذ عبروا 
ضحك الزمانُ وقهقه القدر 


روض الحسن 

في أيِّ روضٍ من رياضكِ أمرحُ 
وبأيِّ آلاءٍ لَدَيكِ أُسَبِّحُ؟ 
ثمرٌ على ثمرٍ وإن المُجْتنى 
ليحار من عذب الجنى ما يطرحُ 
بالشعر أم بالمقلتينِ معلَّقٌ 
من ناظريْ وخواطري لا يبرحُ 
تلك المحاسن في نُهايَ جميَعُها 
رفّافةٌ ومغرَداتٌ صُدَّحُ 
فإذا غفوتُ فإنني أمسي بها 
وعلى مغانيها الفواتنِ أُصبحُ 


زازا 

أنا وحدي في البيدِ حيرانُ هائمْ 
فمتى تذكرُ القفارُ الغمائمْ 
رحمةً يا سماء إن فمي جفّ 
وحلقي عن المواردِ صائمْ 
غاض نبع المُنى ولم يبقَ حتى 
ومضة الحلم في محاجر نائمْ 
أيها الطاعم الكرى ملء جفنيك 
وجفني من الكرى غيرُ طاعمْ 
أَبكني واستبِد بي واقضِ ما شاء 
لك الحسنُ فيَّ وظلِمْ وخاصمْ 
غير هذا النوى فإن لياليه 
ظلالٌ من المنايا حوائمْ 
تضمحلُّ الحياةُ فيه وتنهدُّ 
كأن النهارَ معْولُ هادمْ 
لا تكلْني لذلك الأبد الأسود 
في قاع مُزبدِ اللُّج قاتمْ 
لا تكلني لِهُوَّة تعصف الأشباحُ 
في جوفها وتعوي السمائمْ 
لا تكلْني إلى جناحِ عُقابٍ 
في ضلوعي محَلِّق الرعبِ جاثمْ 
لا تكلْني لضائع في حنايا 
ها غريب في مهمهٍ من طلاسمْ 
يسأل الزهرُ والخمائلُ والأنْوارُ 
عن تِربها الضحوك الباسمْ 
ذاق ما ذاق في الصبابة إلا 
ذبحة الروح وانفصال التوائمْ 
إن تَعُدْ محسناً إليّ فعُد بي 
للعهود المقدسات الكرائمْ 
وإذا ما رأيتَ عزميَ ينهارُ 
فثِّبتْ بالذكريات الدعائمْ 
جئتني في الخريف والروضُ عارٍ 
فكسوتَ الربى عذارى البراعمْ 
وأجال الربيع أخضرَ كفّيهِ 
ليمحو اصفرارَه المتراكمْ 
رحلة للنجوم لم تك أوهاماً 
وبعضُ النعيمِ أوهامُ حالمْ 
آه كم ليلة أراجع أيامي 
أعُدُّ العُلى وأُحصي العظائمْ 
وحسبت الخسران فيها فكان 
الغبنُ عندي زمانيَ المتقادمْ 
قبل أن نلتقي فلما تلاقينا 
عرفت الغنى وذقت المغانمْ 
حيثما أغتدي فإن الدراري 
ملءُ روحي وفي خيالي بواسمْ 
إن أبتْ جائعاً فثمّة زادي 
أو أبتْ معسراً فثمَّ الدراهمْ 
وعجيبٌ قد كنت لي حسد الحساد 
فيها وكنت أنت التمائمْ 
بالذي صنتُ عهدَه لم أخنْهُ 
ومتى خانتِ الأكفُّ المعاصمْ؟ 
والذي حكمه كأقدار عينك 
فما منهما ولا منه عاصمْ 
أيُّ صوتٍ من الغيوب يناديني 
فأطوي له الدُّنى والمعالمْ 
قدر مشعلٌ على شفةٍ تدعو 
فأخطو على اللظى غيرَ نادمْ 
وفؤادي يحومُ بالنار لا يحفل 
أني على المنيَّة حائمْ 
الهوى مصرعي وكم من حِمامٍ 
كان باباً إلى الخلود الدائمْ 
وطريقاً من الأسنّةِ والشوكِ 
روتْ أرضَه الدموعُ السواجمْ 
شهد اللهُ ما قضيتُ الليالي 
ناعمَ الجنب فوق مهدٍ ناغمْ 
أيُّ جَيشيك مغرقي ليلي الطاغي 
أم الشوق وحدهُ وهو عارم؟ 
آهِ مِن رُبما ومن أملٍ يُمْسكُ 
نفسي رجاء يومٍ قادم 
قد تجيءُ الأنباءُ من شاطئ النيل 
غداً والمبشراتُ النسائمْ 
وتكونُ النجاةُ في القمر الساري 
على زورقٍ من النورِ حالمْ 


سمراء المحفل 

مَلَكي ومحرابي وقد 
سَ فؤاديَ المتبتِّلِ 
لمن الجمال الفخمُ ير 
فُل في الغلائلِ والحُلِي؟! 
متألباً في خاطري 
متألقاً في المحفلِ 
إقبلْ بما ولَّت به الدنيا 
وهاتِ وعللِ 
وابسط جناحكَ فوق 
قلبيْنا الغداة وظلّلِ 
طِرْ حيث شئتَ فإن دنتَ 
لناظري فتمهلِ 
واهاً لهذي الطلعةِ السمراءِ 
عند المجتلي 
بغلائل الأضواءِ وشَّتْها 
رِقاقُ الأنملِ 
وشَّت بشاشتُها نضارةُ 
وجهك المتهلّلِ 
فكأن طفلَ الفجرِ نامَ 
على وسادةِ جدولِ! 


ساعة التذكار 

شَجنٌ على شَجنٍ وحرقةُ نارِ 
مَنْ مُسعدِي في ساعةِ التذكارِ 
قُمْ يا أميرُ! أفِضْ عليَّ خواطراً 
وابعث خيالَك في النسيم الساري 
واطلع كعهدك في الحياةِ فراشةً 
غراءَ حائمةً على الأنوارِ 
يا عاشقَ الحرية الثكلى أَفِقْ 
واهتفْ بشعرك في شباب الدارِ 
يا مَنْ دعا للحق في أوطانهِ 
ومضى ليهتفَ في ديار الجارِ 
الشامُ جازعةٌ ومصرُ كعهدها 
نهبُ الخطوبِ قليلةُ الأنصارِ 
والحظُّ أطمارٌ كما شاءَ البلَى 
والعيشُ رثٌّ والسنونُ عوارِ 
عامٌ مضى يا للزمان وطيِّه 
فينا ويا لسواخر الأقدارِ! 
عامٌ مضى وكأنّ أمس نعيُّه 
يا ما أقلَّ العامَ في الأعمار! 
أيْنَ الامارة والأميرُ ودولة 
مبسوطةُ السلطان في الأمصار 
خمسون عاماً وهي وارفة الجنَى 
تحت الربيعِ دؤوبة الأثمارِ! 
مَدَّ الخريفُ على الرياض رواقةُ 
ومضى الربيعُ الضاحكُ النّوارِ! 
هيهات أنسى قبلَ بينك ساعةً 
جمعتْ صحابَك في غروب نهار
والشمس في سقم الغروب شعاعاً غارباً 
لونِ الشحوب معصفرٌ ببهارِ 
منحتْ وقد ذهبت شعاعاً غارباً 
كسناكَ طوّافاً على السّمارِ 
تشكو ليَ الضعفَ الملمَّ لعلَّ في 
طبي مقيلاً مِن وشيكِ عثارِ 
وكشفتَ عن متهدِّمٍ جال الردى 
متهجماً في صَرحه المنهارِ 
فرأيتْ ما صنع الضنى في صورةٍ 
حالتْ، وخلى هيكلاً كإطارِ 
ووجمتُ! المحُ في الغيوب نهايةً 
وأرى بعينيَ غايةَ المضمارِ 
وأرى النبوغَ وقد تهاوى نجمُه 
والعبقريةَ وهي في الإِدبارِ! 
أوَلم يكن لك من زمانِك ذائداً 
وثباتُ ذهن ماردٍ جبارِ؟ 
أوَلَمْ يكن لكَ من حِمامِك عاصًماً 
ذاك الجبينُ مكللاً بالغارِ؟ 
ولَّيتَ في إثر الذين رثيتهُم 
واقمتَ فيهم مأتمَ الأشعار 
وسُقيتَ من كأسٍ تطوف بها يدٌ 
محتومةُ الاقداح والأدوارِ 
والدهرُ يقذف بالمنايا دفَّقاً 
فمضيتَ في متدفق التيارِ 
في ذمة الأجيالِ ما غنَّت به 
قيثارةٌ سحريةُ الاوتارِ 
صدحتْ بألحان الحياة ووقَّعتْ 
أنغامَها المحجوبة الأسرارِ 
والفنُّ ما حاكى الطبيعةَ آخذاً 
منها ومن إعجازها بغرارِ 
مسترسلاً رحباً كعينٍ ثرّةٍ 
شتى السيولِ سحيقةِ الأغوارِ 
متعالياً حتى الأشعةِ مشرقاً! 
متألفاً كالكوكبِ السيَّارِ! 
شوقي! نظمتَ فكنت برّاً خيِّراً 
في أمة ظمأى إلى الأخيارِ! 
أرسلتَ شعرَك في المدائن هادياَ 
شبهَ المنارِ يطوف بالأقطارِ 
تدعو إلى المجد القديمِ وغابرٍ 
طيّ القرون مجلَّلٍ بوقارِ! 
تدعو لمجدِ الشرق: تجعل حبَّهُ 
نصبَ القلوبِ وقبلةَ الأنظار! 
تبكي العراقَ اذا استُبيحَ ولا تضنّ 
على الشآم بمدمعٍ مدرارِ 
وترى الرجالَ وقد أُهين ذمارهم 
خرجوا لصون كرامةٍ وذمارِ 
فلو استطعتَ مددتَ بين صفوفهم 
كفّاً مضرجةً مع الاحرارِ! 
ما زلتَ تُبعثُ في قريضِكَ ثاوياً 
أو ماضياً حَفِلاً بكلِّ فخارِ 
حتى اتُّهمتَ فقالَ قومٌ: شاعرٌ 
ناجى الطلولَ وطاف بالآثارِ! 
فجلوتَ ما لَم يشهدوا، ورسمت ما 
لَم يعهدوا من معجز الأفكار! 
شيخٌ يدبُّ إلى الأصيل وقلبُهُ 
وجناُنهُ في نضرة الأسحارِ 
ويحسُّ تبريحَ الصبابَةِ واصفاً 
مجنونَ ليلى في سحيقِ قفارِ 
ويروح يبعث كليوباترا ناشراً 
تلك العصور وطيفَها المتواري! 
ويرى الحياةَ الحبَّ والحبَّ الحياة! 
هما شعارُ العيش أيُّ شعارٍ

سباق 

فجرٌ أطلّ عليّ بالإشرافِ 
والقلب يحفزني ليوم تلاقي 
فطردتُ ثقل السهد لا ثقل الكرى 
قلبي بوثبته يسابق ساقي 
عيناي أم قلبي أم القدم التي 
حثَّت خطاها في مجال سباق 
هذا قليل قد شرحت دفينه 
وعلى ذكائك أنت فهم الباقي 


سر بي 

أحبك فوق ما عشقتْ قلوبٌ 
ولا أدري الذي من بعدِ حبي 
وأعلم أن كُلِّي فيك فانٍ 
وعيني فيك ذائبةٌ وقلبي 
وأعلم أن عندك من يُنادي 
خفيّاً هاتفاً وأنا الملبي 
وأعلم أن حبي ليس يشفى 
وبعدي ليس يُجديني وقربي 
ولما لم أجدْ للحبِّ حلاّ 
هتفتُ به كما. يرضيك سِر بي! 
وخذني حيث هند لا تسلني 
لأية غايةٍ ولأيِّ دربِ! 


سرب من الحور 

سرب من الحور الفواتن 
كالزهور نواضر 
ألهمنني وأحطن بي 
فجري بشعري الخاطر 
ألهمنني وشككن بي 
ونسين أني شاعر 
فإذا اعترفن فإنني 
للفضل دوماً ذاكر 
وأنا لــ "فلّة" عارفٌ 
وإلى "أمينة" شاكر 


سرب من الحور 

سرب من الحور الفواتن 
كالزهور نواضر 
ألهمنني وأحطن بي 
فجري بشعري الخاطر 
ألهمنني وشككن بي 
ونسين أني شاعر 
فإذا اعترفن فإنني 
للفضل دوماً ذاكر 
وأنا لــ "فلّة" عارفٌ 
وإلى "أمينة" شاكر 


سـاعة لقاء 

يا حبيبَ الروحِ يا روِحَ الأماني 
لستَ تدري عطش الروح إليكا 
حلّ يا ساحر سفوٌ وسلام 
بعد فتكِ البينِ بالقلبِ الغريبْ 
** ** 
أنت يا معجزَةَ الحسنِ ملكْ كلُ لفظٍ 
منك شعرٌ قُدسيّ 
كيف يفنى ما كتبناهُ بنارْ 
وخططْناهُ بسهدٍ ودموعْ 
*** *** 
يتمشى القسمُ في قلبِ الأًجلْ 
وأراني لك ما وفّيتُ دَيْني 
كيف يفنى ما كتبناهُ بنارْ 
وخططْناهُ بسهدٍ ودموعْ 
*** *** 
لم تزَلْ ذكراهُ من بالي وبالِكْ كيف 
ينسى القلبُ أحلامَ صباهْ؟ 
التقت أرواحُنا في ساحةٍ كغريبينِ 
استراحا من سَفرْ! 
وتساءلتُ عن الماضي وهلْ حَسُنت 
دنيايَ في غير ظلاِلكْ؟ 
يا حبيبي! أين أمضي من خجل 
وفؤادي أين يمضي من سؤالِكْ! 
يتمشى القسمُ في قلبِ الأًجلْ 
وأراني لك ما وفّيتُ دَيْني 
درجَ الدهرُ وما أذكرُ بعدَكْ 
غيرَ أيامِك يا توأم نفسي! 
درجَ الدهرُ وما أذكرُ بعدَكْ 
غيرَ أيامِك يا توأم نفسي! 
وأنا الطائرُ! قلبي ما صبا 
لسوى غصِنك والوكرِ القديمْ 
ما تبدّلنا! ولا حالُ الصِّبا 
والهوى الطاهرُ والودُّ الكريمْ 
ما تبدّلنا! ولا حالُ الصِّبا 
والهوى الطاهرُ والودُّ الكريمْ 
لم تزَلْ ذكراهُ من بالي وبالِكْ كيف 
ينسى القلبُ أحلامَ صباهْ؟ 
قد صحتْ عيني على فجر جمالكْ 
كيف يُنسى الفجر يا فجرَ الحياهْ؟ 
قد صحتْ عيني على فجر جمالكْ 
كيف يُنسى الفجر يا فجرَ الحياهْ؟ 
وحطَطْنا رحلَنا في واحةٍ 
زادُنا فيها الأمانيْ والذِكرْ 
وتساءلتُ عن الماضي وهلْ حَسُنت 
دنيايَ في غير ظلاِلكْ؟ 
يا حبيبي! أين أمضي من خجل 
وفؤادي أين يمضي من سؤالِكْ! 
شدَّ ما يُخجِلُني جهدُ المُقِلْ 
مِنِ شباب ضاعَ أو من نورِ عينِ 
يتمشى القسمُ في قلبِ الأًجلْ 
وأراني لك ما وفّيتُ دَيْني 
أنا شاديكَ ولحني لك وحدكْ 
فاقضِ ما ترضاهُ في يومي وأمسي 
درجَ الدهرُ وما أذكرُ بعدَكْ 
غيرَ أيامِك يا توأم نفسي! 
وأنا الطائرُ! قلبي ما صبا 
لسوى غصِنك والوكرِ القديمْ 
ما تبدّلنا! ولا حالُ الصِّبا 
والهوى الطاهرُ والودُّ الكريمْ 
لم تزَلْ ذكراهُ من بالي وبالِكْ كيف 
ينسى القلبُ أحلامَ صباهْ؟ 
قد صحتْ عيني على فجر جمالكْ 
كيف يُنسى الفجر يا فجرَ الحياهْ؟ 

شعرة 

وشعرةٍ خطفتُها 
كأنني قطفتُها 
ملكتُ ملكَ الدهرِ وحدي 
حينما ملكتُها 
إذا الرياحُ نازعتني 
أمرَها ضممتُها 
بقبضتيَّ خائفاً 
إذا اعتدتْ رددتُها 
وفي مكانٍ ليس في 
بالٍ جَرى خَبَأتُها 
خبأتُها حيث إذا 
جُنَّ الهوى رأيتُها 
حبستُها قرب عيوني 
إن أشَأْ نظرتُها 
كأنما في بصري 
ومقلتي أخفيتُها 
هذي لديَّ صورةٌ 
من حالنا جلوتُها 
أنت كهذي الشعرة السمراء 
مذ عرفتُها 
أقسم بالحب وهاتيك 
السنين عشتُها 
كأنني في جنّة الفردوسِ 
قد قضيتها 


شفاء . . . وشفاءْ 

إن يكن "مظهر" يا زيـ 
ـنب ربّ المعجزات 
مِبْضعٌ يأسو ويشفي 
في الأكف الشافيات 
وفتى كالملَكِ الساحر 
حلوُ الكلمات 
وله مجد المجدّ 
ين وأقدار الثقات 
فوق أخلاق كريمات 
رقاق محسنات 
إنه يَشفِي . . . وتَشفيِِ 
زينبٌ بالبسمات 
أبداً دأبكما الخالد 
بعثٌ للحياة 
ومسير الرحمة الكبـ 
ـرى كما في النسمات 
فاهنا . . . إنكما حقّاً 
سواء في السمات 

شفاعة 

لا تمْحُ رَوْعَتَها بذكر فعالها 
دعْها تمرُّ كما بدت بجلالها 
لا تنكرنَّ الشمسَ عند غروبها 
أَوَ ما نعمتَ بِدِفْئِها وظلالها؟ 
إن كان فاتك مجدها رَأدَ الضُّخى (؟!) 
فاحمدْ لها ما كان من آصالها 


شك 

تَشُكِّين في حبِّي؟ لك الحقُ إنني 
جديرٌ بهذا الظُّلم والريبِ والشّكِّ 
خليقٌ بأن تَنْسي هوايَ فتنطوي 
سعادةُ أيامي التي ذُقتُها منكِ 
إذا أنا لم أذْكركِ في كل لحظةٍ 
وقصّرتُ لم أسألْ ثوانِيَهَا عنكِ 
إذا أنا لم أبْذلْ شجايَ وعبْرَتي 
على كل وقتٍ ضائعٍ كنتُ لا أبكي 
فلا حبَّ عندي أستلذُّ به الجوى 
بما فيه من سقمٍ وما فيهِ من ضنكِ 
أليلايَ حُبِّي فيك حُبُّ مُوَحِّد 
تَنزَّهَ عن ريبٍ وجلَّ عن الشِّركِ 
تبقى بقاء القلب ينبضُ دائماً 
وليس لسلوانٍ وليس إلى تركِ 


شكوى الزمن 

يا ويلتا من عمريَ الباقي 
هذا سوادٌ تحت أحداقي 
هذا بياضُ الشيب واعجبي 
من مغرب في زِي اشراقِ 
ويلي على كأسٍ معربدةٍ 
وعلى دمٍ في الكأس مهراقِ 
وعلى سراب خادعٍ وعلى 
متألقِ اللمحاتِ براقِ 
طاف الزمان به على نفرٍ 
مالوا بهاماتٍ وأعناقِ 
صُرعوا وأنت تظنهم سكروا 
مات الندامي أيها الساقي 
يا دهر لم أشك الكلالَ ولا 
ملكتْ خطوبُ الدهر إرهاقي 
عذبت أيامي بعِفَّتها 
وقتلتها بصفاء أخلاقي 
يا كم غرست وكم سقيت وكم 
نضرت من زهر وأوراقِ 
ما حيلتي والأرضُ مجدبةٌ 
سيان إقلالي وإغداقي 
أين الذين رفعت فانحدروا 
وبنيتُهم بنيان خلاق 
أن الوفاءَ بضاعةٌ كسدَتْ 
ومآل صاحبِها لإملاقِ 
إن كنتُ لم أغنمْ فقد ظفرا 
مني بمغفرتي وإشفاقي 
لكنني والجرح يُلهب لي 
حسي ويكوي كَي إحراقِ 
هيهات أنسى أنهم عبثوا 
ووفيْتُ لم أعبث بميثاقي 


شكوى واعتذار 

أبي! أخي! كعبة آمالنا 
أكرمتني أكرمك اللهُ 
أعجب ما في الشكر أني أمرؤ 
بيانه عندك يعصاهُ 
يا من يرى القلبَ وشكواه 
ويعلم الشعر ونجواهُ 
كم شاعر منطقه خانه 
فاغرورقت بالشعر عيناهُ 
ما أكرم الخلق وأسماه 
وأعذب الطبع وأصفاهُ 
انك فردٌ دون ثانٍ ولن 
يرى لهذا النبل أشباهُ 
عفوك عن حال فتى متعب 
بات على الأشواك جنباهُ 
طال به الليل على حيرة 
وامتد كالموجة يغشاهُ 
يسائل الليل على طوله 
عن ذلك الليل وعقباهُ 
والنور أين النور؟ هل غاله 
ماحٍ محا الفجرَ وأخفاهُ؟ 
قد كدتَ لولا ثقة لا تهي 
وخشية الله وتقواهُ 
أقول جف البر لا ديمة 
تهمي ولا المزنة ترعاهُ 
حتى رأيت الخير في طلعة 
تحمل لي الخير وبشراهُ 
في لمعة تومض في فرقد 
في فلك أنت محياهُ 
حمدت ربي وعرفت الرضى 
يا رحمة الله ونعماهُ 


شكوك 

يا رامي السهم يدري أين موضعه 
مني ويعلم ما داريت من ألمِ 
رميتَ في ساحةٍ موسومة بدمٍ 
منقوشةٍ بندوب الحبِّ والندمِ 
لا يخدعنَّكَ منها وهي صامتةٌ 
صمت القبور فراغُ الموتِ والعدمِ 
فكم شفاه جراحاتٍ إذا انطبقت 
جرح الإباءِ عليها غير ملتئم 
فيم انتقامك من قلب عصفتَ به 
لم يبقَ من موضع فيه لمنتقمِ 
وفيم لذعة سخطٍ من جوى برمٍ 
ترمي بجمرته في جوف مضطرم! 


صخرة الملتقى 

سألتكِ يا صخرةَ الملتقى 
متى يجمع الدهرُ ما فرَّقا! 
إذا نشر الغربُ أثوابَه 
وأطلق في النفس ما أطلقا 
أريك مشيبَ الفؤادِ الشهيدِ 
والشيبُ ما كلَّل المفرِقا 
لنا الله مِنْ صورَةٍ في الضمير 
يَرَاهَا الفتى كلما أطْرقا! 
ويأبَى الوَفَاء عَليه اندمالاً 
ويأبَى التَّذَكُّر أن يشفقا! 
أريك مشيبَ الفؤادِ الشهيدِ 
والشيبُ ما كلَّل المفرِقا 
فلمَّا قضى الحظ فك الأسير ِ 
حنَّ إلى أسره مطلقا 


ظلام 

لا تقلْ لي ذاك نجمٌ قد خبا 
يا فؤادي كلُّ شيءٍ ذهبا 
هذه الأنوارُ ما أضيعها 
صِرْن في جنبي جراحاً وظبى 
*** *** 
فإذا حبُّكِ يطغى مُزبداً 
كدفوق السل طُغيان الجنونْ 
ما على الهجر معينٌُ أبداً 
وعلى النسيان لا شيء يُعينْ 
ذلك الحب الذي فُزت بهِ 
لا أُبالي فيه ألوان الملامَهْ 
إنه مزَّق قلبي قسوةً 
وسقاني المرَّ من كاس الندامَهْ 
*** *** 
ذلك الحب الذي صوَّر من 
مُجدِب القفرِ لعينيَّ ربيعا 
وجلا لي الكونَ في أعماقه 
أعيُناً تبكي دماءً لا دموعا 
قدرٌ نكَّس مني هامتي 
آذن الدهر ببَينٍ وأِذنتِ 
لهفَ قلبي لهفة لا تنقضي 
كنت دنياي جميعاً كيف كنتِ؟ 
كنتِ في برجٍ من النور على 
قمة شاهقة تغزو السحابا 
فَرِحٌ بالنورِ والنارِ معاً 
طار للقمَّةِ محموماً وآبا 
*** *** 
وهو عمرٌ كاملٌ عشتُ به 
كلَّ أعمارِ الورى مجتمعات 
*** *** 
واغنمي نفح الصّبا وانتقلي 
في الصِّبا الممراحِ من غصنٍ لغصن 
لن يُحبّوكِ كحبي! لن ترَيْ 
ضاحكاً مثلي ولا حزناً كحزني! 
زعموا أنيَ قد خلّدْتُها 
بأغانيَّ وألحاني العِذاب 
لم أزل أقرأُ حتى سجدوا 
وجعلتُ الخُلدَ عنوانَ الكتاب 
يا ابنة الأصدافِ والبحرُ أبي 
قبل أن يُلقي بي الموج هنا 
إن هجَرْنا القاعَ والليلَ إلى 
قممٍ شُمٍّ وعشنا في السَّنا 
*** *** 
اسألي عن مقلة مخلصة 
خبَّأت رسمكِ في جفن أمينْ 
بعدما غوَّر نجمي ودليلي 
ما مسيري دون تربٍ وخليلِ؟ 
الغريبان عليها التقيا 
يستعينان على الدربِ الطويلِ 
*** *** 
ما الذي نصنعُ بالعيش إذا 
ما صحا القلبُ غريباً وغفا؟ 
عندما تُقفِرُ دارٌ من رفاقٍ 
وتحسُّ السمَّ في كاسٍ وساقِ 
عندما تُمسي بظلٍّ عالقاً 
وبخيط الوهمِ مشدودَ الوثاقِ 
*** *** 
أدَّعي أني مقيم وغداً 
ركبي المضني إلى الصحراء سائرْ 
كذَبَتْ كفٌّ على أطرافها 
رِعشةُ البعدِ وإحساسُ المسافرْ! 
يا دياراً يومها من سُحُبٍ 
وغيوم وضباب أُفق غدْ 
ضاع عمرٌ وحصاد وغدا 
من هشيم كل ما كنت أعِدْ! 
قُم بنا والكون جهم كالدجى 
نتلمَّسْ من جحيمٍ مخرجا 
لا تُدِرْ رأياً به أضْيَع مَن 
في لظاهُ مستعينٌ بالحِجا 
*** *** 
انهيارُ المثُلِ العليا وإنكارُ 
آلاءٍ وكُفرٌ بالقٍيَمْ 
*** *** 
هذه الأكذوبةُ الكبرى التي 
خُدِعَ الناسُ بها وا أسفاه! 
نحمدُ اللهَ على أنَّا بها 
لم نصُنْ من ذِلةٍ إلا الجباه 
عبَثاً أهربُ من نفسي ومن 
ذلك الساكنِ روحي والبدنْ 
أينما أمضي فحوْلي ذِكَرٌ 
وحبيبٌ ومكانٌ وزمنْ 
أنا لا أدري متى كان ولا 
أين عند اللهِ أسرارُ اللقاءِ 
عبقريٌّ مُوحشٌ منفردٌ 
متعالٍ قَلِقُ الأضواءِ ناءِ 
مخطئٌ من ظَنَّ أنّا مُهجتانِ 
مخطئُ من ظَنَّ أنّا توأمانِ 
نحنُ نبضٌ واحدُ! نحن دمٌ 
واحدٌ حتى الردى متحدان! 
*** *** 
عاصفٌ عاتٍ تمنيت له 
هدأةً أين له ما تطلبينْ 
اسألي عن مقلة مخلصة 
خبَّأت رسمكِ في جفن أمينْ 
سهرتْ ترعاك مهما لقيتْ 
في سبيل العهد والودِّ المكينْ 
أقسمتْ لا تسأل النومَ ولا 
تطلبُ الرحمةَ منه بعض حينْ! 
بعدما غوَّر نجمي ودليلي 
ما مسيري دون تربٍ وخليلِ؟ 
في طريق الشوكِ والصخرِ وفي 
شُعَب الإرهاقِ والكدِّ الوبيلِ 
الغريبان عليها التقيا 
يستعينان على الدربِ الطويلِ 
ما انتفاعي بحياتي بعدما 
ساقكِ التَّيَّارُ في غيرِ سبيلي؟ 
*** *** 
يا لجهل اثنين أقدارهما 
آه يا ليتهما قد عَرَفا! 
ما الذي نصنعُ بالعيش إذا 
ما صحا القلبُ غريباً وغفا؟ 
ما الذي نصنع بالعيش إذا 
ما السبيلان عليه اختلفا؟ 
ما الذي نصنع بالعيش إذا 
صار تذكاراً فأمسى أسفا؟ 
عندما تُقفِرُ دارٌ من رفاقٍ 
وتحسُّ السمَّ في كاسٍ وساقِ 
عندما يكشِف بؤسٌ وجههُ 
سافِرَ اللعنةِ مفقودَ الخلاقِ 
عندما تُمسي بظلٍّ عالقاً 
وبخيط الوهمِ مشدودَ الوثاقِ 
يا فؤادي انظرْ وفكرْ وأفقْ 
أيُّ قيدٍ لكَ بالأحبابِ باقِ؟ 
*** *** 
كلُّ جِدٍّ عَبَثٌ والدهرُ ساخرْ 
وخبيءُ السر للعينين ظاهرْ 
أدَّعي أني مقيم وغداً 
ركبي المضني إلى الصحراء سائرْ 
عندما صافحتُ خانتني يدي 
ووشى خافٍ من الأشجان سافرْ 
كذَبَتْ كفٌّ على أطرافها 
رِعشةُ البعدِ وإحساسُ المسافرْ! 
*** *** 
يا دياراً يومها من سُحُبٍ 
وغيوم وضباب أُفق غدْ 
كل نبت عبقريٍّ أطْلعتْ 
جعلت منه طعاماً للحسَدْ 
أَخْلَفَ الميثاقُ من كان بها 
كل آمالي فلم يبقَ أحدْ 
ضاع عمرٌ وحصاد وغدا 
من هشيم كل ما كنت أعِدْ! 
*** *** 
قُم بنا والكون جهم كالدجى 
نتلمَّسْ من جحيمٍ مخرجا 
وانجُ منه ببقايا رمَقٍ 
أو حطام وقليلٌ مَنْ نجا 
لا تُدِرْ رأياً به أضْيَع مَن 
في لظاهُ مستعينٌ بالحِجا 
واسألِ الرحمنَ أن يُصْلحَ عهداً 
كسيحاً وزماناً أعرجا 
*** *** 
عشتُ وامتدَّتْ حياتي لأرى 
في الثرى من كان قبلاً في القممْ 
انهيارُ المثُلِ العليا وإنكارُ 
آلاءٍ وكُفرٌ بالقٍيَمْ 
مَن يكنْ عَضَّ بناناً نادماً 
فأنا قطَّعتُ إبهامَ الندَم 
وإذا انحطَّ زمانٌ لم تجدْ 
عالياً ذا رفعةٍ إلا الألمْ! 
*** *** 
ضِحكةٌ ساخرةٌ هازلةٌ 
وخيالٌ تافهٌ هذي الحياهْ 
هذه الأكذوبةُ الكبرى التي 
خُدِعَ الناسُ بها وا أسفاه! 
ذلَّ فيها المالُ والجاهُ إلى 
أن غدا أحقرها مال وجاه 
نحمدُ اللهَ على أنَّا بها 
لم نصُنْ من ذِلةٍ إلا الجباه 
*** *** 
عبَثاً أهربُ من نفسي ومن 
ذلك الساكنِ روحي والبدنْ 
من لقلبٍ مستطار اللَّبّ مَن 
كلما عاوده التذكارُ جُنّ 
أينما أمضي فحوْلي ذِكَرٌ 
وحبيبٌ ومكانٌ وزمنْ 
وربيعُ دائمُ الخضرةِ في 
روضةِ النفسِ وطيرٌ وفننْ 
قصةٌ خالدةٌ لا تنتهي 
وهي ما كان لها يومُ ابتداءِ 
أنا لا أدري متى كان ولا 
أين عند اللهِ أسرارُ اللقاءِ 
حينما لاحَ شِهابٌ في سمائي 
أسمرُ النورِ رفيعُ الخُيَلاءِ 
عبقريٌّ مُوحشٌ منفردٌ 
متعالٍ قَلِقُ الأضواءِ ناءِ 
هو في الأفقِ بعيدٌ وهو دانِ 
هو لي نفسي وروحي وكياني 
مخطئٌ من ظَنَّ أنّا مُهجتانِ 
مخطئُ من ظَنَّ أنّا توأمانِ 
هو شطْرُ النّفسِ لا توأمُها 
هو منها هو فيها كل آنِ 
نحنُ نبضٌ واحدُ! نحن دمٌ 
واحدٌ حتى الردى متحدان!

على البحر 

هل أنتِ سامعةٌ أنيني 
يا غايةَ القلب الحزينِ 
يا قِبلة الحب الخفيِّ 
وكعبة الأمل الدفينِ 
أني ذكرتك باكياً 
والأفق مُغبّر الجبينِ 
والشمس تبدو وهي تغرب 
شبه دامعة العيون 
أمسيتُ أرقُبها على 
صخر وموج البحر دوني 
والبحر مجنون العبابِ 
يهيج ثائره جنوني 
ورضاكِ أنتِ وِقايتي 
فاذا غضبتِ فَمَن يقيني؟! 



عاصفة 

صورةٌ للبحر أم صورةُ نفسِ 
عندما النفس من اليأس تثورُ 
قد علا الموجُ وقد عز التأسي 
لم يعدْ إلا عبابٌ وصخورُ 
زلزل البحرُ على راكبه 
مثلما زلزل قلبٌ ضجرُ 
سفر صار على طالبه ركبُ 
ضنك، والمنايا سفرُ.. 
غرَّب الحظُّ كما مال الشراعْ 
هكذا الأعمار في الدنيا تميلْ 
وسرتْ في الجو أشباحُ الوداع 
وتنادي كل شيء بالرحيلْ 
أإذا اشتد على القلب البلاء 
أإذا جار عبابٌ وتناهي 
تعصف الأمواجُ عصفاً بالرجاء 
كيف ننسى أن للكون إلها... 


عاصفة روح 

أين شط الرجاءْ 
يا عُباب الهمومْ 
ليلتي أنواءْ 
ونهاري غيومْ 
أعولي يا جراحْ 
اسمعي الديّانْ 
لا يهم الرياحْ 
زورقٌ غضبانْ 
*** *** 
البلى والثقوبْ 
في صميم الشراعْ 
والضنى والشحوبْ 
وخيالُ الوَداعْ 
اسخري يا حياهْ 
قهقهي يا رعودْ 
الصبا لن أراهْ 
والهوى لن يعودْ 
الأماني غرورْ 
في فم البركانْ 
والدجى مخمورْ 
والردى سكرانْ 
راحتِ الأيامْ 
بابتسام الثغورْ 
وتولى الظلامْ 
في عناق الصخورْ 
كان رؤيا منامْ 
طيفك المسحورْ 
يا ضفاف السلامْ 
تحت عرش النورْ 
*** *** 
اطحني يا سنين 
مزقي يا حرابْ 
كل برق يبينْ 
ومضه كذابْ 
اسخري يا حياهْ 
قهقهي يا غيوبْ 
الصبا لن أراهْ 
والهوى لن يؤوبْ 

عذاب 

ألمي محا ذنبي إليك وكفّرا 
هبني أسأت ألم يحنْ أن تغفرا 
روحي ممزقةٌ وأنت تركتَها 
لمخالب الدنيا وأنيابِ الورى 
روحي ممزقةٌ ولو أدركتها 
جمّعت من أشلائها ما بعثرا 
أو ليس لي في ظل حبك موضع 
أحبو إليه وأرتمي مستنصرا؟ 
ما كنت أصبر عن لقائك ساعة 
كيف اصطباري عن لقائك أشهرا 
من بدّل الثغرَ الجميلَ عبوسة 
ومضى إلى وجه السماء فكدرا 
يا هاته الأقدار! عينك لا ترى 
تحت الدجى سأمان ممتنع الكرى 
ظمآن، لو باع الأحبةُ قطرةً 
بالعمر والدنيا جميعاً لاشتري 
اخفى جراحك واستعز بفتكها 
غريدك الشادي المحلق في الذرى 
يرنو إليك على البعاد ويعتلي 
فيجره الجرحُ المميتُ إلى الثرى 
قد عاش وهو معذبٌ بإبائه 
ولقد يلاقي يومَه مستكبرا 
حتام كتماني وطول تجلدي 
يا أيها الجاني عليَّ وما درى 
ومتى المآب إلى رحابِك مرةً 
لأريك جرحي والدما والخنجرا 

عتاب 

هجرت فلم نجد ظلاً يقينا 
أحلماً كان عطفك أم يقينا 
أهجراً في الصبابة بعد هجر 
أرى أيامه لا ينتهينا 
لقد أسرفت فيه وجرت حتى 
على الرمق الذي أبقيت فينا 
كأن قلوبنا خلقت لأمر 
فمذ أبصرن من نهوى نسينا 
شغلن عن الحياة ونمن عنها 
وبتن بمن نحب موكلينا 
فإن ملئت عروق من دماءٍ 
فأنا قد ملأناها حنينا 

عجبا! 

يا هاجري، يا من 
هجرتَ بلا سببْ 
أترى العقاب بغير 
إثم قد وجب؟ 
عجباً لقرص الشمس 
في البيت احتجب 
عجباً . . لأعجب 
ما يكون من العجب 

عيد 

يا أبا الأشواق غنِّ 
وانقل الألحان عني 
إيه "سونيا" هجتِ شوقي 
وشجوني والتمني 
إن تغنيني فإني 
طائر في كل غصن 
إيه "سونيا" ذاك يومي 
فاسكبي لي، لا تضني 
إنما عيدك عيندي 
وهو يوم فوق ظني 
لا أهنيك . . ولكن 
كل مخلوق أهني 
إيه "سونيا" ذاك يومي 
فاسكبي لي، لا تضني 
أفرغي سحر الهوى في 
خاطري من كل دنِ 
إنما عيدك عيندي 
وهو يوم فوق ظني 
لا أهنيك . . ولكن 
كل مخلوق أهني 

عدنا وعدت 

عُدنا وعدتِ وعادتْ 
إن الحظوظَ أرادتْ 
وبالعجائب جاءتْ 
وما بذاك غريبَةْ 
إن الغريبَ التنائي 
فإن فيه شقائي 
وإن أردت دوائي 
داوي الهوى ولهيبه 
أنت المنى والعبادهْ 
وليس عندي زيادَةْ 
يا هند هذي شهادَهْ 
لو أنها مطلوبَهْ 
وأنت مني كنفسي 
هواك يومي وأمسي 
وأنتِ جهري وهمسي 
صديقةً وحبيبَةْ 

عينان 

طوى السنين وشق الغيبَ والظلما 
برقٌ تألق في عينيك وابتسما 
يا ساري البرق من نجمين يومضُ لي 
ماذا تخبئُ لي الأقدارُ خلفهما 
أجئتَ بي عتبات الخلدِ أم شركا 
نصبتَ لي من خداع الوهم أم حلما؟ 
كأنني ناظرٌ بحراً وعاصفةً 
وزورقاً بالغد المجهولِ مرتطما 
حملتني لسماءٍ قد سريت لها 
بالروحِ والفكرِ لم أنقل لها قدما 
شفّت سديماً ورَقَّت في غلائلَها 
فكدت أبصر فيها اللوحَ والقلما 
رأيت قلبين خط الغيبُ حبهما 
وكاتبا ببيان النورِ قد رسما 
وسحر عينيكِ إني مقسم بهما 
لا تسألي القلبَ عن إخلاصه قسما 
واهاً لعينيكِ كالنبعِ الجميل صفا 
وسال مؤتلقُ الأمواجِ منسجما 
ما أنتما؟ أنتما كأسٌ وان عذُبت 
فيها الحمامُ ولا عذر لمن سلما 
لمَّا رمى الحبُّ قلبينا إلى القدرِ 
له المشيئةُ لم نسألْ لمن ولما 
في لحظةٍ تجمعُ الآباد حاضرها 
وما يجيء وما قد مر منصرما 
قد أودعتْ في فؤاد اثنين كل هوىً 
في الأرضِ سارتْ به أخبارُها قدما 
كلاهما ناظرٌ في عين صاحبهِ 
موجا من الحب والأشواقِ ملتطما 
وساحة بتعلاّت الهوى احتربت 
فيها صراعٌ وفيها للعناق ظما 
يا للغديرين في عينيك إذ لمعا 
بالشوق يومضُ خلفَ الماءِ مضطرما 
وللنقيضين في كأسين قد جمعا 
فالراويان هما والظامئان هما 
بأي قوسٍ وسهم صائب ويدٍ 
هواك يا أيها الطاغي الجميل رمى 
يرمي البريء في آن وأعجبه 
ان الذي في يديه البرءُ ما علما 
وكيف يبرئني من لست أسأله 
برءاً وأوثر فيه السهدَ والسقما 
لو أن للموت أسبابا تقربني 
إلى رضاك لهان الموتُ مقتحما 
إن الليالي التي في العمر منك خلتْ 
مرت يبابا وكانت كلها عقما 
تلفتَ القلبُ مكروبا لها حسرا 
وعض من أسف ابهامَه ندما 

غيوم 

أملٌ ضائعٌ ولبٌّ مشرَّدْ 
بين حبٍّ طفى وجُرح تمرّدْ 
وضلالٌ مشت إليه الليالي 
هاتكاتٍ قناعه فتجرّدْ 
وبدا شاحباً كيوم قتيلٍ 
لم يكد يلثم الصباحَ المورّدْ 
غفر الله وهمها من ليالٍ 
صوّرت لي الربيعَ والروض أجردْ 
قاسمتني الورقاءُ أحزانَ قلبي 
وشجاه وغَرَّدَتْ حين غرّدْ 
ثم ولَّتْ والقلبُ كالوتر الدامي 
يتيمُ الدموعِ واللحنُ مفردْ 
ما بقائي أرى اطِّراد فنائي 
وانتهائي في صورةٍ تتجدّدْ 
ورثائي وما يفيد رثائي 
لأمانٍ شقيةٍ تتبدّد 
عبثاً أجمع الذي ضاع منها 
والمنايا منِّي ومنها بمرصدْ 
وبقائي أبكي على أملٍ بالٍ 
وأحنو على جريحٍ موسَّدْ 
واحتيالي على الكرى وبجفنيَّ 
قتادٌ ولي من الشوك مرقدْ 
وشكاتي إلى الدجى وهو مثلي 
ضائعٌ صبحهُ ضليلٌ مسهَّدْ 
وشخوصي إلى السماء بطرفي 
وندائي بها إلى كل فرقدْ 
فجعتني الأيامُ فيه فلم يَبْقَ 
على الأرض ما يسرُّ ويُحمدْ 
ذهبت بالجميل والرائعِ الفخمِ 
وطاحت بكل قدسٍ ممجّدْ 
مالَ ركنٌ من السماءِ وأمسى 
هلهلَ النسج كلُّ صَرحٍ مُمرَّد 
ربِّ عفواً لحيرتي وارتيابي 
وسؤالٍ في جانحي يتردّدْ 
هو همس الشقاء ما هو شك 
لا ولا ثورةٌ فعدلك أخلدْ 
أين يا رب أين منقبل حيْني 
ألتقي مرةً بحلمي الموحّدْ؟ 
بخليلٍ ما ردَّه كيدُ نمّامٍ 
ولم يَثْنِه وشاةٌ وحُسَّدْ 
وحبيبٍ إذا تدفَّق إحساسي 
جزاني بزاخرٍ ليس ينفدْ 
وعناقٍ أُحِسُّه في ضلوعي 
دافقاً في الدماءِ كاليمِّ أزبدْ

غصن صغير 

رأيتِ غصناً صغيرا 
منوراً ونضيرا 
أرق ما تشتهي النفسُ 
منظراً وعبيرا 
جذبتُه جذب عنفٍ 
قد كاد يذوي الزهورا 
فلم يئنَّ لجذبي 
وكان غصناً صبورا 
لكنني لم أدعْهُ 
حتى علا مسرورا 
وارتد يضربُ وجهي 
ضرباً عنيفاً مثيرا 
وعاد ينشر في الأيك 
ذا الحديثَ الاخيرا 
تضاحك الأيكُ جذلانَ 
شامتاً مسرورا 
ضحكُ الذي بعد صبر 
قد فاز فوزاً أخيرا 

في لبنان 

قلبٌ تقسّم بين الوجدِ والألمِ 
هل عند لبنانَ نجوي النيلِ والهرمِ؟ 
أشكو جوايَ إلى الروحِ التي احتضنتْ 
ناري وضَمَّتْ إلى أسقامَها سقمي 
وقاسمتني الهوى حتى إذا رحلتْ 
ألقت فؤاديْ بضنكٍ غير مقتسمِ 
ميثاقُنا أسطرٌ من مدمعٍ ودمٍ 
يا طاهر النفحة اذكرْ طاهرَ القَسمِ 
يا من أعاتب دهري إذ أودِّعُهُ 
وما عتابي على الأقدارِ والقسمِ 
إنّ النوى غرَّبتْهُ وهي عالمةٌ 
أني رجعتُ أُداري النارَ بالضرمِ 
ورنّحتْ بعده خطوي وما عرفت 
من عثرة الحظِّ أم من عثرةِ القدمِ 
خَلَتْ وران عليها الصمتُ وانقلبتْ 
كأنما لَفّها ثوبٌ من العدمِ 
بالله أيامَنا هل فيكِ منتَفعٌ 
ونحن من سَأمٍ نمشي إلى سَأم؟ 
وما أُرقِّع ثوباً فيك منخرقاً 
لكن أرقِّعُ جُرحاً غيرَ ملتئمِ 


في ليلة غارة 

يا ميَّةَ الحسناء هل يغزو الهوى 
قلبيْن ما كانا على ميعادِ؟ 
لا شيءَ إلا أن ذُكرتِ فهزّني 
طربٌ وبات على الحنين فؤادي 
وظللتُ أحلم والتفتُّ لساعةٍ 
تدنو إليَّ بطيفِكِ الميَّادِ 
يا مَيَّ إن قد مُنيت بظلمةٍ 
والليلُ يجثم فوق صدر الوادي 
فأنرتِ لي قلبي وصرتُ كأنما 
هذا السوادُ الجَهْمُ غيرُ سوادِ 

في الأوتوجراف 

طلبتِ الكتابةَ يا جنتي 
وماذا تريدين أن أكتبا 
وما في الجوانح خافٍ عليكِ 
وقلبك يعلم ما غيبا 
سأكتب أنكِ أنت الربيعُ 
وأنكِ أنضر ما في الربى 
وأنكِ أنت الجمالُ الفريدُ 
وفجرُ الشبابِ وحلمُ الصبا 
أهلل باسمكِ عند الصباح 
وأطوي على ذكركِ المغربا.. 

في الباخرة 

أحبُّ أجلْ أحبُّ كأن نبعاً 
سماويّاً تفجّر في دمائي 
لقد طاب الوجودُ بحالتيه 
شقائي فيك أجمل من هنائي 
وليلي فيك أحسن من نهاري 
وصبحي فيك أجمل من مسائي 
فمفترقان فيه إلى لقاء 
وملتقيان حتى في التنائي 
أميمةُ إن عمرَ الحبِّ حقاً 
لأعجب آية تحت السماءِ 
فما أدري لأيهما ثنائي 
ثوانيه السِّراع أم البطاءِ 
أهذا الحلم يمضي شبه لمحٍ 
أم الأبدُ المديدُ بلا انتهاءِ؟ 
أتفكيري هناك أم انتظاري 
لأروعِ هالةٍ حولَ البهاءِ 
وأزهى من تثنَّى في حُلِيٍّ 
وأبهج من تهادى في رداءِ 
وأسنى من تخطَّر في دلالٍ 
وأطهر من تعثرَ في حياءِ 
سيذكر ملتقانا النيلُ يوماً 
غداة تُعَدُّ أيامَ الصفاءِ 
وحيدٌُ غير أني في زحامٍ 
من الآمالِ تترى والرجاءِ 
إلى أن لاح عرشُ النورِ مني 
قريباً والهلالُ إلى اعتلاءِ 
فمؤتلقٌ على أفقٍ بعيدٍ 
ومنعكس على فضِّيِّ ماءِ 
كذلك أنت في فكري وروحي 
سناك مع الهلال على سواءِ 
وطيفٌ عبقر في خيالي 
وحيد الذات مختلف الرُّواءِ! 


في الظلام 

أليلاي ما أبقى الهوى فيّ من رشدِ 
فردي على المشتاقِ مهجتَه ردِّي 
أينسى تلاقينا وأنت حزينةٌ 
ورأسك كابٍ من عياءٍ ومن سهدِ 
أقول وقد وسّدتُه راحتي كما 
توسّد طفلٌ متعبٌ راحة المهدِ.. 
تعاليْ إلى صدرٍ رحيبٍ وساعدٍ 
حبيبٍ وركنٍ في الهوى غير منهدِ 
بنفسي هذا الشعر والخُصَل التي 
تهاوت على نحرٍ من العاجِ مُنقدِ 
ترامتْ ما شاءتْ وشاء لها الهوى 
تميل على خدٍّ وتصدفُ عن خدِ 
وتلك الكروم الدانيات لقاطفٍ 
بياض الأماني من عناقيدها الرّبْدِ 
فيا لك عندي من ظلامٍ محببٍ 
تألق فيه الفرقُ كالزمن الرغد 
ألا كُلُّ حسنٍ في البرية خادمٌ 
لسلطانة العينين والجيدِ والقدِّ 
وكل جمالٍ في الوجود حياله 
به ذلةُ الشاكي ومرحمةُ العبدِ 
وما راع قلبي منك إلا فراشةٌ 
من الدمعِ حامتْ فوق عرش من الوردِ 
مجنحةٌ صيغتْ من النور والندى 
ترفُّ على روضٍ وتهفو إلى وردِ 
بها مثل ما بي يا حبيبي وسيِّدي 
من الشجن القتال والظمأ المُردي 
لقد أقفر المحرابُ من صلواته 
فليس به من شاعرٍ ساهرٍ بعدي 
وقفنا وقد حان النوى أي موقفٍ 
نحاول فيه الصبرَ والصبرُ لا يجدي 
كأن طيوفَ الرعبِ والبين موشكٌ 
ومزدحمَ الآلامِ والوجدُ في حشدِ 
ومضطرمَ الأنفاسِ والضيقُ جاثمٌ 
ومشتبك النجوى ومعتنق الأيدي 
مواكب حُرس في جحيم مؤبد 
بغير رجاءٍ في سلام ولا برد 
فيا أيكة مدّ الهوى من ظلالها 
ربيعاً على قلبي وروضاً من السعد 
تقلصتِ إلا طيفَ حبٍّ محيّرٍ 
على درجٍ خابي الجوانب مسودِّ 
تردَّدَ واستأنى لوعد وموثقٍ 
وأدبرَ مخنوقاً وقد غص بالوعدِ 
وأسلمني لليلٍ كالقبرِ بارداً 
يهب على وجهي به نفسُ اللحدِ 
وأسلمني للكون كالوحش راقداً 
تمزقني أنيابُه في الدجى وحدي 
كأن على مصر ظلاماً معلقاً 
بآخر من خابي المقادير مربدِ 
ركودُ وإبهامٌ وصمتٌ ووحشةٌ 
وقد لفها الغيبُ المحجبُ في بُردِ 
أهذا الربيعُ الفخمُ والجنةُ التي 
أكاد بها أستافُ رائحةَ الخلدِ 
تصيرُ إذا جن الظلامُ ولفها 
بجنحٍ من الأحلام والصمتِ ممتدِّ 
مباءةَ خمّارٍ وحانوتَ بائعٍ 
شقيِّ الأماني يشتري الرزق بالسهدِ 
وقد وقف المصباحُ وقفة حارس 
رقيب على الأسرارِ داعٍ إلى الجدِّ 
كأن تقياً غارقاً في عبادةٍ 
يصوم الدجى أو يقطع الليلَ في الزهدِ 
فيا حارس الأخلاق في الحيِّ نائمٌ 
قضي يومَه في حومة البؤسِ يستجدي 
وسادته الأحجارُ والمضجعُ الثرى 
ويفترش الافريزَ في الحر والبردِ 
وسيارةٌ تمضي لامر محجبٍ 
محجبة الأستار خافية القصدِ 
إلى الهدف المجهولِ تنتهبُ الدجى 
وتومض ومض البرق يلمع عن بُعدِ 
متى ينجلي هذا الضنى عن مسالكٍ 
مرنقة بالجوع والصبرِ والكدِّ 
ينقبُ كلبٌ في الحطام وربما 
رعى الليل هوٌّ وساهرٌ وغفا الجندي 
أيا مصر ما فيك العشية سامرٌ 
ولا فيك من مصغِ لشاعرك الفردِ 
أهاجرتي، طال النوى فارحمي الذي 
تركتِ بديدَ الشملِ منتثرَ العقدِ 
فقدتكِ فقدانَ الربيعِ وطيبَهُ 
وعدتُ إلى الإعياء والسقم والوجدِ 
وليس الذي ضيعتُ فيك بِهَيِّنٌ 
ولا أنتِ في الغيّاب هينة الفقدِ 
بعينيك استهدي فكيف تركتني بهذا 
الظلام المطبق الجهم أستهدي 
بورْدِكِ أستسقي فكيف تركتني 
لهذي الفيافي الصم والكثب الجردِ 
بحبكِ استشفي فكيف تركتني 
ولم يبق غير العظم والروح والجلدِ 
وهذي المنايا الحمر ترقص في دمي 
وهذي المنايا البيض تختل في فودي 
وكنت إذا شاكيت خففت محملي 
فهان الذي ألقاه في العيش من جهدِ 
وكنت إذا انهار البناءُ رفعتُهُ 
فلم تكنِ الأيامُ تقوى على هَدِّي 
وكنت إذا ناديتُ لبيْتِ صرختي 
فوا أسفاً كم بيننا اليوم من سدِّ 
سلامٌ على عينيك ماذا اجنتا 
من اللطف والتحنان والعطف والودِّ 
إذا كان في لحظيك سيفٌ ومصرعٌ 
فمنكِ الذي يحي ومنكِ الذي يردي 
إذا جُرِّد لم يفتكا عن تعمدٍ 
وإن أغمدا فالفتك أروع في الغمدِ 
هنيئاً لقلبي ما صنعتِ ومرحبا 
وأهلا به إن كان فتكُكِ عن عمدِ 
فإني إذا جن الظلامُ وعادني 
هواك فأبديتُ الذي لم أكن أبدي 
وملتُ برأسي باكياً أو مواسياً 
وعندي من الأشجان والشوقِ ما عندي 
أُقبِّلُ في قلبي مكاناً حللتِه 
وجرحاً أناجيه على القرب والبعدِ 
ويا دار من أهوى عليكِ تحية 
على أكرم الذكرى على أشرف العهدِ 
على الأمسيات الساحرات ومجلسٍ 
كريمِ الهوى عفِّ المآرب والقصدِ 
تنادُمنا فيه تباريحُ معشرٍ 
على الدم والأشواك ساروا إلى الخلدِ 
دموعٌ يذوب الصخر منها فإن مضوا 
فقد نقشوا الأسماءَ في الحجرِ الصلدِ 
وماذا عليهم إن بكوا أو تعذبوا 
فإن دموعَ البؤسِ من ثمنِ المجدِ .. 


في يوم الشباب 

اليوم يومُك في الشباب فنادِ 
لا نوم بعدُ. ولا شهيَّ رقادِ 
قل للذي يبغي الصلاحَ لقومهٍ 
بنبيل صنعٍ أو شريفِ جهادِ 
بالطبِّ أو بالشعر أو بكليهما 
كل الجهودِ فداءُ هذا الوادي! 
لا خير في قلمٍ اذا هو لَمْ يكنْ 
حراً طهوراً كالشعاعِ الهادي 
لا خير في طبٍّ اذا هو لم يزُرْ 
ظلم الحياة كفرحةِ الأعيادِ 
يا أيها الوطن الجريح وجرحه 
بصميم كل حشاشة وفؤادِ 
صبراً فنحن أساءتك الرحماء في الـ 
ـبأساءِ قد جئنا بكل ضمادِ 
قل للبناةِ المصلحين ألا اخلقوا 
شم الذرى ورواسخَ الأطوادِ 
جيلاً من النشء القوِي إذا مشوا 
رفعوا الرؤوسَ بعزةٍ وعنادِ 
لا خير في الأرواحِ تسكن منزلاً 
متهدما رثاَ من الأجسادِ 
لا خير في الأرواحِ تسكنُ موطناً 
متخاذلاَ لا يرتجى لجلادِ 
أبَكَتْ عيونُكم الضعيفَ يصير في 
ناب القويِّ فريسةَ استعبادِ 
فتبينوا اذنِ الحقيقَةَ واعلموا 
ان الطبيعةَ هكذا من عادِ 
الجوُّ ملكُ النسر يغشاه على 
ما يشتهي والغابُ للآسادِ 
مهلاً بني قومي أتيت مذكراً 
في ساحةٍ مجموعة الأشهادِ 
واخجلتا مما نقدمه إذا 
حان الحسابُ وجاء يومُ معادِ 
أي الصحائف في غد وحسابكم 
في ذمةِ الأبناءِ والأحفادِ 
أيّ البلاد هو السعيد وأهله 
يتنابذون تنابذ الأضدادِ 
كل يعيش لنفسِه في أمةٍ 
شقيتْ بطولِ تفرقِ الأفرادِ 
فخذوا السبيلَ إلى الحياةِ تآلفاَ 
وتكاتفاً في رغبةٍ ووادادِ 
خير الصحائف ما كتبتَ سطورَه 
بيد الكفاح الحر لا بمدادِ 
صونوا البلادَ وأدركوا فلاَّحَكم 
كاد الحمى يغدو بغير عمادِ 
حيران من مرضٍ إلى بؤسٍ الى 
كربٍ تمر به بلاد تعدادِ 
هذي ديارُكمُ وهذي شمسُكم 
طمعُ الغريب وحرقةُ الحسادِ 
ومن المصائب في زمانك أن ترى 
بلداً كثير مناهل الروادِ 
والخيرُ مدرارٌ عليه وربه 
جوعان محروم الرعاية صادِ! 
والزرع نضر في الحقول وأهله 
يتهيأون لمنجل الحصادِ!... 
هذا زمانكم وذا ميدانكم 
ماذا بكم من عدة وعتادِ؟.. 
نبغي شداد القوم قد شحذوا القوى 
في ليل أحداث نزلن شدادِ 
ونريد شباناً بمصر استعصموا 
ومضوا يصدون الغريبَ العادي 
ونريد اطفالاً اذا ما أُرضعوا 
فرضاعهم وطنية بسهادِ 
لطفل منهم مثل أمي أو أبي 
شفتاه أول ما تقول بلادي!... 
يُغذون في الأرحامِ حب بلادهم 
لتكَون مصراً صرخة الميلادِ! 
في رثاء مطران 

يا نفس إن راح الخليلُ وعنده 
ورد الخليل فعجّلي برحيلي 
حملوا على الأعواد فنّاً خالداً 
وارحمتاه لكوكبٍ محمولِ 
هو مصرعٌ للعبقريةِ روّعتْ 
في عرشِها والتاجِ والإكليلِ 


في شم النسيم 

أنت يا من جعلت روض حياتي 
مهدَ وردٍ إليكِ وردكِ رُدّا 
آيةُ الورد أنه نفحةٌ منكِ 
ومن عطركِ العبيرَ استمدّا 
هذه باقةٌ من الورد تجثو 
مَلكٌ في الرياض أصبح عبدا 
يا جمال الجمال من خلّد الحسن 
جميعاً في نظرةٍ منك تَنْدى؟ 
يا صباح الصباح من يَمْلكُ الأضواء 
وصفاً أو الفرائد عَدَّا؟ 
ليس بدعاً يا وردة العمر أن كانت 
لمغناك وردة الروض تُهدى 
لا تظني ورداً يكافئ ورداً 
أنت أغلى حسناً وأكرم وردا 
غير أني وإن عجزت عن التقدير 
حاولت ما تمكّنتُ جهدا 
باعثاً للوفاء ورداً وللقلب 
إلى أعمق السرائر ودّا 
وإلى العيد أنت عيدٌ لايّامي 
جميعاً أنت الحبيبُ المُفَدّى 


في ظلال الصمت 

ها أنا عدت إلى حيث التقينا 
في مكان رفرفت فيه السعادهْ 
رب لحنٍ قص في خاطرنا 
قصةَ الساري الذي غنى سهادهْ 
سمتَ السّهلُ ولكن أقبلتْ 
من ثنايا السهل أصداءٌ بعيدهْ 
كلُّ لحنٍ في هدوءٍ شاملٍ 
تشتهي النفسُ به أن تستعيدَهْ 
فإذا ما ذهب الليلُ بها 
تزخرُ النفسُ بأصداءٍ جديدهْ 
*** *** 
ناقلاً للنّهر والسهل معاً 
قصةً يشرحُها عنك وعني 
ما الذي في خصلة راقدة 
ما الذي في خطِّه أو كتبِهْ؟ 
ما الذي في مجلس يألفه 
عقد الحب عليه موعده 
ربما يبكي أسىً كرسيُّه 
إن نأى عنه وتبكي المائده 
ولقد نحسبها تسألنا 
حين نمضي أفراق لعِدَه؟ 
وهي لو تملِك كفّاً صافحت 
كفَّكِ الغضّة في كل مساء 
وعلى خيمته حارسه 
عربي الجود شرقي الضيافهْ 
وجَد العرس على بهجته 
وسناه دونَ وَرْدٍ فأضافهْ 
أرجٌ يعبقُ في جُنحِ الدّجى 
حملَته نحو عَرْشيْنا الرياحْ 
يا لها من حقبة كانت على 
قِصَرٍ فيها كآماد فساحْ 
نتمنى كلما امتدت بنا 
أن يظل الليل مجهول الصباحْ 
إنما الدنيا عُبابٌ ضمَّنا 
وشطوطٌ من حظوظ فرَّقتنا 
ومعاني الحسن تترى وأنا 
ناظرٌ فيها لمعنىً خلف معنى 
هذه الدنيا هجيرٌ كلُّها 
أين في الرمضاء ظلٌّ من ظلالكْ 
ولقد تزخر بالنور وكم 
من ضياء وهو من غيرك حالكْ 
*** *** 
أين يا قلبيَ مَنْ قلبي اجتبى 
لهواه واصطفاه لي خدينا؟ 
لم أكن أطمع أن تُضمِر لي 
آسياً يُبرئُ لي الجرح الدفينا 
*** *** 
لا تمِل واسخرْ من الدنيا إذا 
شاءت الأيام يوماً أن تميلا 
ما الذي مكَّن في القلب الودادْ 
ما الذي صبَّك صبّاً في الفؤادْ؟ 
ما الذي ملَّك عينيك القيادْ 
ما الذي يعصف عصفاً بالرشادْ؟ 
يا لها من حقبة كانت على 
قِصَرٍ فيها كآماد فساحْ 
ما الذي إن أُقصهِ عنيَ عادْ 
طاغياً سِيّان قربٌ أو بعادْ؟ 
نتمنى كلما امتدت بنا 
أن يظل الليل مجهول الصباحْ 
ما الذي يخلقنا من عدم 
ما الذي يُجري حياة في الجمادْ؟ 
*** *** 
أنا إن ضاقت بيَ الدنيا أفئْ 
لثوانٍ رحبةٍ قد وسِعتنا 
كم حبيب بَعُدت صهباؤه 
وتبقت نفحة من حبَبهْ 
في نسيج خالدٍ رغم البلى 
عبث الدّهرُ وما يعبث به 
أين سلطاني ومجدي والذي 
حبُّه مجدٌ وسلطانٌ وعزَّه؟ 
إنما الدنيا عُبابٌ ضمَّنا 
وشطوطٌ من حظوظ فرَّقتنا 
أين إلهامي ونوري والذي 
أيقظَ القلبَ إلى البَعْثِ وهَزَّه؟ 
ولقد أطفو عليه قلِقاً 
غارقاً في لحظةٍ قد جمعتنا 
ومعاني الحسن تترى وأنا 
ناظرٌ فيها لمعنىً خلف معنى 
هذه الدنيا هجيرٌ كلُّها 
أين في الرمضاء ظلٌّ من ظلالكْ 
ربما تزخر بالحسن وما 
في الدًّمى مهما غلت سحر جمالكْ 
ولقد تزخر بالنور وكم 
من ضياء وهو من غيرك حالكْ 
لو جرت في خاطري أقصى المنى 
لتمنيت خيالاً من خيالكْ! 
قلت للّيل الذي جلّلنا 
والذي كان على السرِّ أمينا 
أين يا قلبيَ مَنْ قلبي اجتبى 
لهواه واصطفاه لي خدينا؟ 
لم أكن أطمع أن ترحمني 
بعد أن قضَّيت في الوجد السنينا 
لم أكن أطمع أن تُضمِر لي 
آسياً يُبرئُ لي الجرح الدفينا 
لم أكن أعلم يا ليل الأسى 
أن في جنحك لي فجراً جنينا 
أيها اللائذ بالصمت كفى 
وأدِر وجهَكَ لي وانظرْ طويلا 
لا تمِل واسخرْ من الدنيا إذا 
شاءت الأيام يوماً أن تميلا 
ما الذي مكَّن في القلب الودادْ 
ما الذي صبَّك صبّاً في الفؤادْ؟ 
ما الذي ملَّك عينيك القيادْ 
ما الذي يعصف عصفاً بالرشادْ؟ 
ما الذي إن أُقصهِ عنيَ عادْ 
طاغياً سِيّان قربٌ أو بعادْ؟ 
ما الذي يخلقنا من عدم 
ما الذي يُجري حياة في الجمادْ؟ 
كم حبيب بَعُدت صهباؤه 
وتبقت نفحة من حبَبهْ 
في نسيج خالدٍ رغم البلى 
عبث الدّهرُ وما يعبث به 
أين سلطاني ومجدي والذي 
حبُّه مجدٌ وسلطانٌ وعزَّه؟ 
أين إلهامي ونوري والذي 
أيقظَ القلبَ إلى البَعْثِ وهَزَّه؟ 


فجر جديد 

فجرٌ جديدٌ حالم خفاقْ 
لما يزلْ في عالم الآفاقْ 
توهان في غمم الدجى قلقُ 
بحنينه . . بالحب . . . بالأشواقْ 
ويود لو ضاق الظلام به 
فيهب مندفعاً من الأعماقْ 
متحرراً من قيد ظلمته 
يرنو بعمق الروح. بالأحداقْ 
فيحس لا شيء ينازعُهُ 
ويحول عنه السكون إذ ينساق 
لا شيء ملتفا يعانقه 
غير السنا في ضوئه البراق 
فيغيب في أحضانه ثملاً 
ويعب من فيض الهوى الدفاق 
بانت له الدنيا على قلق 
"مشتاقة تهفو الى مشتاق"

فرحة جديدة 


أدركت عندك يوميَ الموعودا 
ولقيت فيك مثاليَ المنشودا 
وا فرحتي بك فرحة الطفل الذي 
يلهو ويخلق كل يوم عيدا 
وا فرحتي بك فرحة الطير الذي 
ملأَ الروابي المصغيات نشيدا 
طربتْ لصدحِته وصفق ظافراً 
جذلانَ في عرض الفضاءِ سعيدا 
في موكبٍ من قلبِه وحبيبِهِ 
من راح تحسبه العيون وحيدا 
وا فرحتي بك فرحة الضال الذي 
يطوي القفارَ اللافحاتِ شريدا: 
لاحت له بعد الهواجر أيكةٌ 
غنّاء تبسط ظلها الممدودا 
ما أعجب الدنيا التي بعث الهوى 
وأحالها روضاً أغر جديدا 
شتى غرائبها وأعجبها فتى 
يغدو لمهجته عليك حسودا 
يتهالكا على جمالك صبوة 
يتنافسان ضراعة وسجودا 
يتنازعانك غيرة وتغضباَ 
كل يراك حبيبه المعبودا 
ما أعجب الإِيمان يغمر خاطري 
كالفجر قد غمر السماء وئيدا 
مزقتِ شكي فاسترحتُ لأعين 
علمنني الإِيمان والتوحيدا 


فرحتان 

قد زُرتُ أيكك بعد أن طال النوى 
وإليه كنتُ محلقاً بخيالي 
يا من جروا في البال، ما برحوا به 
أترى جرينا عندكم في البال؟ 
عهد مضى بين الهواجس والمنى 
والنفس بين تعجب وسؤال 
حتى رجعت كآنما رجع الصبا 
لي بالازاهر والربيع الحالي 
فإذا بقلبي فرحتان، فهذه 
بلقاك أنت، وفرحة بـ "جلال" 

قلبي الثاني 

أحببتُ ميَّة حبّاً لا يُعادلهُ 
حبٌّ وأفنيتُ فيها العمرَ أجمعَهُ 
أُحبُّ عمري الذي في قرب ميَّ وما 
قد مرَّ من دونها ما كان أضيعُهُ 
يا ميَّ يا قلبِيَ الثاني أعيش بهِ 
وإن يكنْ فوق ظنِّي أنّني معهُ 
يا بضعة من كيان الصبِّ نابضةً 
بكل حُبٍّ به الرحمن أودعهُ 

قيثارة الألم 

إن حان لحنُ الختامْ 
صار النشيدُ دعاءْ 
مرّ الهوى في سلامْ 
فلنفترق أصدقاءْ 
سرٌّ وراء الظنونْ 
أظلّني وأضاءْ 
لم أدرِ ماذا يكونْ 
ولم أسَلْ كيف جاءْ 
ما بين ضحكِ الرياحْ 
وقهقهات الغيوبْ 
ولّى خيالٌ وراحْ 
وحلَّ ظلٌّ غريبْ 
يا ذنبُ فات المتابُ 
لما تحطَّمَ صرحي 
ما لي عليها عتابُ 
إني أعاتبُ جرحي 
وهذه قيثارتي 
ذاتُ الشجى والأنينْ 
وهذه أوتاري 
أصرتِ لا تطربينْ؟ 
يا كم شدوتُ بلحني 
ما بين حزني ودمعي 
ما باله طيَّ أذني 
لكنْ غريباً لسمعي 


قدر 

لا تُدمني نظراً إليّ، فوالذي 
جعل الهوى قدراً على كفيك 
ما تلتقي عيني بعينك لحظةً 
إلا رأيت صباي في عينيكِ 


قصة حب 

مرت حياتي دون أمنيةٍ 
وتقلّبت مَللا على مللِ 
حتى لقيتكِ ذات أمسية 
فعرفت فيكِ مطالع الأمل 
*** *** 
طافت بي الأيامُ واحدة 
لم تلقني فرحاً ولا جزعا 
وتمرّ فارغة وحاشدة 
وقد استوت ضِيْقا ومتسعا 
*** *** 
والعمرُ سارَ كأنه العدمُ 
سقمي به عندي كعافيتي 
فأذقني ما لم يذقه فمُ 
من أي كأس كنت ساقيتي؟ 
*** *** 
ما هذه الدنيا التي اقتربتْ 
فيها المنى والظلُّ والثمرُ؟ 
تجتاز وامضة فمذ وثَبَتْ 
وثَبَ الهوى وتمهَّلَ القدرُ! 
*** *** 
قدماك ما انتقلا على درج 
حاشك بل خطرا على ثبجِ 
كسفينة خفّت على اللجج 
نشوى بما حملت من الفرَجِ! 
*** *** 
في مظلم متعرج كابٍ 
والليل تغزوني جحافلهُ 
دقّت يدُ النعمى على بابي 
والعيش خابي النجم آفلهُ 
*** *** 
يا للمقادير الجسام ولي 
من ظلمها صرخات مجنون 
باكي الفؤاد مشرّد الأمل 
وقف الزمان وبابه دوني 
مزّقتِ ظلمة كل ديجورِ 
وألنت ما قد كان منه عصَى 
وفتحتِ مصراعيه للنورِ 
ما كنتِ إلا ساحراً وعصا 
*** *** 
ماءٌ ضربتُ الصخر فانبجسا 
وجرى الغداةَ زلالهُ العذبُ 
أيقول دهري إن ما يبسا 
هيهات يرجع عودهُ الرطبُ 
صيّرت دعواه لتفنيدِ 
وحطَّمته وهزمت حجّتهُ 
وأعدتِ ما جفّ من عودي 
مخضوضراً وأقمت صعدتَهُ! 
*** *** 
يا من رأت طلالاً كتمثالِ 
يستعرض العمرَ الذي مرَّا 
وكأنه في رسمِهِ البالي 
ندم الأسيف ودمعة حرَّى 
ورد ذوي أو طائر صمتا 
العمر مثل الظلّ منتقل 
الناس لا يدرون من ومتى 
والناس إن علموا فقد جهلوا 
ما خطبهم في روضة حالت 
أو صوّحت أفنانها الخضُل 
نزل الربيع بها فنضّرها 
وأحالها بشبابه لحنا 
ومشى الشتاءُ لها فغبّرها 
وأحالها لفظاً بلا معنى 
*** *** 
هذا حديثٌ يشبه السِّحرا 
هيهات أفرغ من روايتهِ 
شفق المغيب جعلته فجرا 
وبدأت عمري من نهايتهِ 
إني لطيرٌ حائر باكِ 
قد كانتْ الأحزانُ فلسفتي 
ذابيت حناناً يوم لقياكِ 
وجرت أغاريداً على شفتي 
*** *** 
يا من طويت عليه جارحتي 
وسألت عنه الأنجمَ الزّهرا 
وضربت في الصحراء أجنحتي 
أستلهم الكثبانَ والقفرا 
والماء أنهَل حيثما كانا 
والبرق أتبع حيثما لمعا 
فأرى صفاءَ الوردِ غيمانا 
والمطلقُ المجهولُ ممتنِعا! 


قصيدة في الأديب الراحل (سامي الكيالي) 

نفدي النزيلَ ونكرمن 
ان لم نكرمْه فمن؟ 
انا اشتركنا في الامالي 
والتقينا في المحنْ 
والصرخة الكبرى كموج 
البحر تدوي في الأذنْ 
*** *** 
الدهر دفاق فكيف 
نعبّ من ماءٍ اسنْ 
لا عصر مفتتنين بالا 
حلام غرقى في الوثنْ 
*** *** 
انا اليك وللشباب 
رسالة لا تمتهنْ 
ما في طلائعنا الضعيف 
ولا الذليل المستكنْ 
*** *** 
القاتلون الجهل مثل 
اليوم عشش في الدمنْ 
يا أيها الضيف العزيز 
نعمت بالعيش الحسنْ 
صدر الشآم حنا عليك 
ومصر لو تدري أحنّ 
قمنا لها! كل بنا 
حية رسول مؤتمنْ؟ 
والأرز والطود المعصّب 
بالجلال المطمئنْ 
والنيل نهركم وما 
زان الخميلةَ والفتنْ 
والقوم أهل والقرى 
وطن عطوف والمدنْ 
ما في طلائعنا الضعيف 
ولا الذليل المستكنْ 
ما في طبائعنا الخصام 
ولا الحفيظة والضغنْ 
انا جنود النور من 
علم ومن أدب وفنْ 
القاتلون الجهل مثل 
اليوم عشش في الدمنْ 
انا لاعداء الجمود 
وواضعوه في الكفنْ 
يا أيها الضيف العزيز 
نعمت بالعيش الحسنْ 
يا مؤنس المصري في 
حلب وما ننسى المننْ 
صدر الشآم حنا عليك 
ومصر لو تدري أحنّ 
بردى لنا، وصباه والجنات 
والطير المرنْ 
والأرز والطود المعصّب 
بالجلال المطمئنْ 
والنيل نهركم وما 
زان الخميلةَ والفتنْ 
والقوم أهل والقرى 
وطن عطوف والمدنْ 


قسوة 

قَسَتِ الحياةُ على الطريدِ 
فلا الدموع ولا الصَّلاهْ 
وقسا الحبيبُ على الغريبِ 
فلا الدموع ولا الصَّلاهْ 
فرغ الحديثُ ومن رواه 
طُوِيَ الكتابُ فمن طواهْ؟ 
عجباً لهذا الحب من 
بدءِ الزمانِ لمنتهاهْ 
وقضائِهِ بين الذي 
حفظ الوفاءُ ومن سلاهْ 
قتلى الهوى لا يُذكرون 
ولا حساب على الجناهْ 


كل الورى 

كل الورى يدعون حبكْ 
أنا الوحيد الذي أحبكْ 
صدرُك فيه اضطرابُ شوقٍ 
يقرع قرع العبابِ جنبكْ 
فكيف تخلي به مكاني 
وتسكن الغادرين قلبكْ 
لما اعتنقنا على اشتياقٍ 
لمست بالساعدين خطبكْ 
تعال لا تعتذر لذنب 
بقدر حبي غفرت ذنبكْ 
*** *** 
طال على المتعب الطريق 
بلا حبيب ولا صديق 
قد بعد الشاطئ المرجى 
والموج لا يرحم الغريق 
في واضح النور جنح ليل 
وفي الرحاب الفساح ضيق 
يا أرجوان الغروبِ مهلا 
ولتتئدْ أيها العقيق 
صبغت عمري فصرت أمشي 
على دمائي التي أريق.. 
*** *** 
يا مسرحاً والفصول تترى 
عليه مالي بك اغترارْ 
فلا بخير ولا بشرٍّ 
ولا طوال ولا قصارْ 
ما خنت عهدي لمن تولى 
كلا ولا خانني اصطبارْ 
أين الليالي التي تسرُ 
بلا لقاء ولا مزارْ 
كم قلت ذا مشهد يمرُّ 
ولم أقلْ أنه ستارْ 
*** *** 
إن كان للمشجياتِ رسمٌ 
إني تمثالها المقامْ 
بلا دموع ولا شكاةٍ 
قد جمد الدمعُ والكلامْ 
يا طالب الحزن في المآقي 
لا تنشد الدمع في الرخامْ 
وخذهُ من أخرسٍ مريرٍ 
من شفه دمعُها سجامْ 
فهل فمٌ قد بكى بكائي 
من ذا رأى دمعةَ ابتسامْ 


كذب السراب 

البحر أسألُهُ ويسألني 
ما فيه من ريٍّ لظامئهِ 
متمرِّدٌ عاتٍ يضللني 
كذِبُ السَّرابِ على شواطئِهِ 
كم جال في وهمي فأرّقني 
أربٌ وأين الفوز بالأربِ؟ 
وسرى بأحلامي فعلّقها 
فوق السُّهى بلوامعِ الشهبِ 
في يقظةٍ مني وفي وسن 
صَرْحٌ بذروِتهنَّ متّحدِ 
الفجرُ والسحرُ المخضّبُ من 
لَبِناتِهِ والقمةُ الأبدِ 
واهاً لضافي الظلِّ ورافِهِ 
قضّيتُ عمري في توهّمهِ 
لما طلعتُ على مشارِفِهِ 
أيقنتُ أني فوق سُلَّمِهِ 
ومن العجائب في الهوى اثنان 
لم يضربا للحبِّ ميعادا 
ومحّيِرُ الإفهامِ لحظان 
قَرآ كتابَهما وما كادا 
سارا فمذ وقف الهوى وقفا 
يتبادلان الشوقَ والشغفا 
عرف الهوى أمراً وما عرفا 
مَن ذلك الداعي الذي هتفا 
قَدَرٌ على قدرٍ تلاقِينا 
كلُّ الذي أدري وتدرينا 
أنّا أطعناهُ مُلَبِّينا 
من أنت؟ من أنا؟ من يُنَبِّينا؟! 


كبرياء 

(1) 
نداؤك يا فؤادَ كفى نداءَ 
أما تنفك تسقيني الشقاءَ 
أنا ظمآن لم يلمعْ سرابٌ 
على الصحراءِ إلا خلتُ ماءَ 
وأنت فراش ليلى كل نور 
وتبعث كلَّ برق قد أضاءَ 
فؤاديْ قل لها لما افترقنا 
على شجن، وما نرجو اللقاءَ 
حببتكِ ما شدوت شعراً (!!) 
ولكني اعتصرت لكِ الدماءَ 
إذا أنا في هواك أضعت روحي 
فلست أضيعُ فيك دمي هباءَ 
غرامُكِ كان محراب المصلى 
كأني قد بلغتُ بكِ السماءَ 
خلعت الآدميةَ فيه عني 
ولكن ما خلعت به الإباءَ 
فلم أركعْ بساحته رياءَ 
ولا كالعبد ذلاًّ وانحناءَ 
ولكني حببْتُكِ حبَّ حرٍّ 
يموتُ متى أراد وكيف شاءَ 
(2) 
وحبيب كان دنيا أملي 
حبه الحرابُ والكعبةُ بيتُهْ 
من مشى يوماً على الوردِ له 
فطريقي كان شوكا ومشيتُهْ 
من سقى يوماً بماءٍ ظامئاً 
فأنا من قدحٍ العمرِ سقيتُهْ 
خفق القلبُ له مختلجاً 
خفقةُ المصباحِ إذ ينضبُ زيتُهْ 
قد سلاني فتنكرتُ لهُ 
وطوى صفحةَ حبي فطويتُهْ 
(3) 
أقبلتُ للنيلِ المباركِ شاكياً 
زمني وقد كثرتْ عليَّ همومي 
ومسحتُ كفيْ والجبينَ بمائهِ 
علِّي أهدئ ثورةَ المحمومِ 
وجلست أنثرُ جعبةً معمورةً 
بالذكرياتِ جديدِها وقديم 
لهفي لحب مات غيرَ مدنسٍ 
وشباب عمر مرَّ غيرَ ذميمِ 
خان الأحبةُ والرفاقُ ولم أخنْ 
عهدي لهم وصفحتُ صفحَ كريمِ 
ايخيفُني العشبُ الضعيفُ أنا الذي 
أسلمت للشوكِ الممضِّ أديمي 
وإذا ونى قلبي يدق مكانه 
شممي وتخفقُ كبرياءُ همومي 
اني لأحمل جعبتي متحديا 
زمني بها وحواسدي وخصومي 
أحني لعرش الله رأساً ما انحنى 
بالذل يوماً في رحابِ عظيمِ 
كيف أنساك؟ 

إنه "سونيا" أنت الرضا والحنانْ 
كيف ضاءت بك الليالي الحسانْ 
وغدا الدهر لحظة من سلام 
وإذا كل ما عليه أمانْ 
لا أرانا فيه خُدعنا إذا ما 
بك عز الهوى وفات الهوانْ 
كيف أنساك إذ نسيتُ شقائي 
وعذابي، وليس بي أشجانْ 
وإذا بي أرى لعينيك دنيا 
خير ما فكرتْ به عينانْ 


كـــلانا 

كلانا عليل فلا تجزعي 
ودمعك تسبقه أدمعي 
وان كان بين ضلوعك نار 
فنار الصبابة في أضلعي 
وان كان نجم هنائك غاب 
فنجم هنائي لَم يطلع ... 


لمن الصمت؟ 

لمن الصمتُ والفؤاد المشرّد 
اين من اسكر الربى حين غرّدْ؟ 
طائر . . ام رأت عيون الأماني 
حُلُماً مثل غيره قد تبددْ 
أم قناع قد مزقته الليالي 
عن هوى دون طائل فتجردْ 
وبدا شاحباً كيوم قتيلٍ 
لم يكد يلثم الصباحُ المورَّدْ 
ليت شعري، إلام إطراق رأسي 
وانحنائي على جريح موسدْ؟


ليلة 

ليلة بات من أهوى ينادمني 
ما كان أجمله عندي وأجملها 
بتنا على آية من حسنه عجَبٍ 
كتابه من خفايا الخلدِ أنزلها 
إذا تساءلتَ عمّا خلَف أسطرها 
رنا إليَّ بعينيه فأوَّلها 
مصوِّباً سهمه مُستشرقاً كبدي 
مستهدفاً ما يشاء الفتك مقلتها 
يا للشهيدة لم تعلم بمصرعها 
ما كان أظلم عينيه وأجهلها 
حتى إذا لم يدَعْ منها سوى رمق 
عدا على الرمق الباقي فجندلها 
وصدَّ عنها وخلاّها وقد دمِيَتْ 
في قبضةِ الموتِ غشّاها وظللها 
وحان من ليلة التوديعِ آخرها 
وكان ذاك التلاقي الحلو أوَّلها 
ضممْتها لجراحاتي التي سلفتْ 
إلى قديمِ خطايا قد غفرتُ لها! 


ليلة العيد 

اليوم منك عرفت سر وجودي 
وعرفت من معناك معني العيدِ 
ما كنت بالفاني وسرُّك حافظي 
وبمقلتيكِ ضمِنْتُ كل خلودي 
الآن أعرفُ ما الحياة وطيبُها 
وأقول للأيّامِ طبتِ فعودي! 
عاد الربيعُ على يديكِ وأشرقتْ 
روحي وأورقَ في ربيعِك عودي! 


ليالي الأرق 

هل في العصيب المدلهمْ 
مصغٍ لشاكٍ لم ينمْ 
سهدٌ على سهدٍ وذكرى 
فوق ذكرى تزدحمْ 
وحنين قلب لا يثوب 
إلى خيالٍ لا يلمْ 
يا من أحب وافتدي 
ويلذُّ لي فيه الألمْ 
لو كنتَ تسمع لاسترحت 
. من الشكايةِ للظلمْ 
ان الكواكبَ ضقنَ بي 
ذرعاً وآسيها سئِمْ 
ومن العجائبِ في الليالي 
والحوادث تستجمْ 
شكوى الحيارى في الحياة 
إلى حيارى في السدمْ! 
لمنْ انتظاري في الظلام 
كأنَّ بي شبه اللممْ؟ 
وتساؤلي في حالكٍ 
لا صوت فيه ولا قدمْ؟ 
وعلام اصغائي لعلَّ 
خطاكِ هذي عن أَممْ؟ 
ليلِي العشية مثل ليلِي 
في غرامكِ من قدَمْ 
يا طالما أدنتكِ أوهامٌ 
كواذبُ كالحُلمْ 
فلمحت صبحكِ في السوادِ 
وخلتُ روحكِ في النسمْ 
وشفيتُ. وهمي من رضاكِ 
ورُبَّ ذي يأسٍ وَهَمْ 
ورويتُ أذني من حديثكِ 
وهو معبود النغمْ 
وحرقت قلبي من سناكِ 
على جمالٍ يضطرمْ 
كفراشةٍ حامت عليكِ 
وأيّ قلبٍ لَم يحُمْ! 
لك حسنُ نوّار الخميلةِ 
طُلَّ صبحاً فابتسمْ 
لك نضرةُ الفجر الجميل 
على الدوائبِ والقممْ 
لك طلعةُ البرِ المرجَّى 
بعد مستعصى السقمْ 
لك كل ما أوفى على 
قدر النهاية واستتمْ 
فبأي قلبٍ أتقي 
وبأي حصنٍ أعتصمْ؟ 
يا زائراً عجلانَ لَمْ 
يطلِ اللقاءُ ولَمْ يقمْ 
ودّعتَ ما أشبعتَ لي 
روحي ولا نظري النهِمْ 
ومضيتَ عن دنيا خلَتْ 
وجرت بنعمى لَم تَتِمْ 
لم يبقَ من أثرِ اللقاء 
بها سوى عبقٍ ينمْ 
وسؤالِ دمعك حين يسألني 
ومَن لي بالكلمْ 
لِمَ يا أليفَ خواطري 
غفت العيون ونحن لَمْ؟! 
وإِلامَ تدفعنا الحوادث 
في عُبابٍ يلتطمْ 
دَفَعتْ بمركبنا المقاديرُ 
الخفيةُ والقِسمْ 
خَرَجَتْ وما تدري الغَداة 
بأي صخرٍ ترتَطٍمْ 
بدَأتْ عَلَى ريح الرضا 
والله يدري المختتمْ! 


لقاء في الليل 

قالت تعال فقلت لبيكِ 
هيهات أعصيْ أمرَ عينيكِ 
أفديكِ مقبلةً على جزعِ 
بسطت إليَّ يمينَ مرتجفِ 
*** *** 
فتلفتّتْ كحبيس أشراكِ 
وحكى اضطراب الموج نهداها 
قلتُ اهدئي لم ثورة الندمِ 
كفّاكِ ترتجفانِ يا أملي 
وجذبتُها بذراعِها نمشي 
نمشي وما ندري لنا غرضا 
يا لحظة ما كان أسعدها 
وهناءة ما كان أعظمها 
*** *** 
كشفت لعينيْنا وقد ومضت 
ظلين مقنعين في السورِ 
وكأن ضحكتها وقد طربت 
قطرات ماء فوق بلورِ 
وكواكب ليست بمجدية 
ظلم مكدسة وأحجارُ 
عثرت بها فرفعتها بيدي 
جسماً يكاد يشف في الظلمِ 
وكأنني مما يسوء خلي 
وحياتيَ انجابت حوالكُها 
ملكتها الدنيا بما وسعتْ 
وأنا أهامسها بأسراري 
*** *** 
وكأن منها منذرا هتفا 
بلغ المسير نهاية، فقِفا 
وكأن ضحكتها وقد طربت 
قطرات ماء فوق بلورِ 
يا توأما من صدري انتزعا 
يا من دعا قلبي له فسعى 
عوذتها من شر أمسيةٍ 
تعيا بها وتضل أبصارُ 
لم أيها الداعي هواك دعا 
والدهر يأبي أن نظل معَا 
*** *** 
انظر ذراعيَّ اللذين هما 
قد طوقاك مخافة البينِ 
وكواكب ليست بمجدية 
ظلم مكدسة وأحجارُ 
أقسم بأنك عائدٌ لهما 
إني لممدودُ الذراعينِ 
عثرت بها فرفعتها بيدي 
جسماً يكاد يشف في الظلمِ 
ويرف مثل الزهر وهو ندى 
ويخف مثل عرائس الحلمِ 
وكأنني مما يسوء خلي 
وحياتيَ انجابت حوالكُها 
أرمي الطريق بناظريْ رجل 
وأنا لها طفل أضاحكُها 
ملكتها الدنيا بما وسعتْ 
وأنا أهامسها بأسراري 
وأسرها بحكاية وقعت 
ورواية من نسج أفكاري 
وإذا الطريق يسير منعطفا 
وإذا رياح تضرب السدفا 
وكأن منها منذرا هتفا 
بلغ المسير نهاية، فقِفا 
يا توأما من صدري انتزعا 
يا من دعا قلبي له فسعى 
لم أيها الداعي هواك دعا 
والدهر يأبي أن نظل معَا 
انظر ذراعيَّ اللذين هما 
قد طوقاك مخافة البينِ 
أقسم بأنك عائدٌ لهما 
إني لممدودُ الذراعينِ 


ملحمة الأطلال 

يا فؤادي رحم اللهُ الهوى 
كان صرحاً من خيال فهوى 
يا رياحا ليس يهدا عصفها 
نضب الزيتُ ومصباحي انطفا 
*** *** 
ليت شعري أين منه مهربي 
أي يمضي هاربٌ من دمِهِ 
آه يا قِبلة أقدامي إذا 
شكتِ الأقدامُ أشواكَ الطريقْ 
أنت روح في سمائي وأنا 
لك أعلو فكأني محضُ روحُ 
أنتِ حسن في ضحاه لم يَزَلْ 
وأنا عنديَ أحزان الطَفَل 
*** *** 
ويراني الناسُ روحاً طائراً 
والجوى يطحنني طحن الرحى؟ 
يا حياة اليائس المنفرد 
يا يباباً ما به من أحدِ 
واثقُ الخطوةِ يمشي ملكا 
ظالمُ الحسنِ شهيُّ الكبرياءْ 
وأنا حبٌّ وقلبٌ ودمٌ 
وفراشٌ حائرٌ منك دنا 
قد عرفنا صولةَ الجسمِ التي 
تحكم الحيَّ وتطغي في دماه 
يا لمنفيين ضلاّ في الوعورْ 
دميا بالشوك فيها والصخورْ... 
*** *** 
أنتِ من أسدلها لا تدعي 
انني أسدلت هذي الحُجُبا 
قد حنت رأسي ولو كل القوى 
تشتري عزة نفسي لم أبعها 
وحنيني لك يكويْ أعظمي 
والثواني جمرات في دمي 
أيها الظالم بالله إلى كم 
اسفح الدمعَ على موطئها 
آه من قيدك أدمى معصمي 
لمَ أبقيهِ وما أبقى عليّ 
وهبِ الطائر عن عشك طارا 
جفتِ الغدرانُ والثلجُ أعارا 
لا رعى اللهُ مساءً قاسيا 
قد أرانيْ كلَّ أحلامي سدى 
كنت تدعوني طفلاً كلما 
ثار حبي وتندتْ مقلي 
*** *** 
لي نحو اللهبِ الذاكي به 
لَفتة العود إذا صار وقودا 
نوّحتْ للذِكَرِ 
وشكتْ للقمرِ 
يقبسان النورَ من روحيْهما 
كلما قد ضنتِ الدنيا بنورْ 
أنت قد صيرت أمري عجبا 
كثرتْ حوليَ أطيارُ الربى 
حجبتْ تأبى لعيني ماربا 
غير عينيك ولا مطلبا 
ولكم صاح بي اليأسُ انتزعها 
فيرد القدرُ الساخرُ: دعها 
وليَ الويل إذا لبيتُها 
ولي الويلُ إذا لم أتبعها 
*** *** 
لك ابطاءُ الدلالِ المنعمِ 
وتجنيْ القادرِ المحتكمِ 
وأنا مرتقبٌ في موضعي 
مرهفُ السمعِ لوقعِ القدمِ 
قدم تخطو وقلبي مشبه 
موجة تخطو إلى شاطئها 
رحمةٌ أنت فهل من رحمةٍ 
لغريبِ الروحِ أو ظامئها 
أعطني حريتي أطلقٌ يديّ 
انني اعطيتُ ما استبقيتُ شيّ 
ما احتفاظي بعهود لم تصنْها 
والإم الأسر والدنيا لديْ 
*** *** 
هذه الدنيا قلوب جَمَدتْ 
خبتِ الشعلةُ والجمرُ توارى 
لا تسلْ واذكرْ عذابَ المصطليْ 
وهو يذكيهِ فلا يقبسُ نارا 
وأراني قلبَ من أعبدُهُ 
ساخراً من مدمعي سخر العدا 
صدئت روحك في غيابِها 
وكذا الأرواح يعلوها الصدا 
قد رأيتُ الكونَ قبراً ضيقا 
خيّم اليأسُ عليهِ والسكوتْ 
*** *** 
كنت ترثي لي وتدري ألمي 
لو رثى للدمع تمثال تموتْ 
ولك الحق لقد عاش الهوى 
فيّ طفلاً ونما لم يعقلِ 
رمت الطفلَ فأدمتْ قلبهُ 
وأصابتْ كبرياءَ الرجلِ 
قلت للنفس وقد جزْنا الوصيدا 
عجلي لا ينفعُ الحزمُ وئيدا 
ودعي الهيكلَ شبتْ نارُهُ 
تأكلُ الركَّعَ فيهِ والسجودا 
لي نحو اللهبِ الذاكي به 
لَفتة العود إذا صار وقودا 
*** *** 
لستُ أنسى ابداً 
ساعة في العمرِ 
نوّحتْ للذِكَرِ 
وشكتْ للقمرِ 
هاك ما قد صبت الريح 
باذن الشاعر 
يقبسان النورَ من روحيْهما 
كلما قد ضنتِ الدنيا بنورْ 
*** *** 
أنت قد صيرت أمري عجبا 
كثرتْ حوليَ أطيارُ الربى 
فإذا قلت لقلبي ساعةً 
قم نغردْ لسوى ليلى أبى 
حجبتْ تأبى لعيني ماربا 
غير عينيك ولا مطلبا 
أنتِ من أسدلها لا تدعي 
انني أسدلت هذي الحُجُبا 
ولكم صاح بي اليأسُ انتزعها 
فيرد القدرُ الساخرُ: دعها 
يا لها من خطة عمياء لو 
أنني أبصر شيئاً لم أطعها 
وليَ الويل إذا لبيتُها 
ولي الويلُ إذا لم أتبعها 
قد حنت رأسي ولو كل القوى 
تشتري عزة نفسي لم أبعها 
*** *** 
يا حبيباً زرتُ يوماً أيكَهُ 
طائر الشوق أغنيْ ألمي 
لك ابطاءُ الدلالِ المنعمِ 
وتجنيْ القادرِ المحتكمِ 
وحنيني لك يكويْ أعظمي 
والثواني جمرات في دمي 
وأنا مرتقبٌ في موضعي 
مرهفُ السمعِ لوقعِ القدمِ 
*** *** 
قدم تخطو وقلبي مشبه 
موجة تخطو إلى شاطئها 
أيها الظالم بالله إلى كم 
اسفح الدمعَ على موطئها 
رحمةٌ أنت فهل من رحمةٍ 
لغريبِ الروحِ أو ظامئها 
يا شفاء الروح روحي تَشتكي 
ظلمَ آسيها إلى بارئها... 
أعطني حريتي أطلقٌ يديّ 
انني اعطيتُ ما استبقيتُ شيّ 
آه من قيدك أدمى معصمي 
لمَ أبقيهِ وما أبقى عليّ 
ما احتفاظي بعهود لم تصنْها 
والإم الأسر والدنيا لديْ 
ها أنا جفتْ دموعي فاعفُ عنها 
انها قبلَك لم تبذلْ لحيْ 
*** *** 
وهبِ الطائر عن عشك طارا 
جفتِ الغدرانُ والثلجُ أعارا 
هذه الدنيا قلوب جَمَدتْ 
خبتِ الشعلةُ والجمرُ توارى 
وإذا ما قبس القلبِ غدا 
من رمادٍ لا تسلْهُ كيف صارا 
لا تسلْ واذكرْ عذابَ المصطليْ 
وهو يذكيهِ فلا يقبسُ نارا 
لا رعى اللهُ مساءً قاسيا 
قد أرانيْ كلَّ أحلامي سدى 
وأراني قلبَ من أعبدُهُ 
ساخراً من مدمعي سخر العدا 
ليت شعري أي أحداث جرت 
أنزلت روحَك سجناً موصدا 
صدئت روحك في غيابِها 
وكذا الأرواح يعلوها الصدا 
*** *** 
قد رأيتُ الكونَ قبراً ضيقا 
خيّم اليأسُ عليهِ والسكوتْ 
ورأت عيني أكاذيبَ الهوى 
واهياتٍ كخيوطِ العنكبوتْ 
كنت ترثي لي وتدري ألمي 
لو رثى للدمع تمثال تموتْ 
كنت تدعوني طفلاً كلما 
ثار حبي وتندتْ مقلي 
ولك الحق لقد عاش الهوى 
فيّ طفلاً ونما لم يعقلِ 
ورأى الطعنة إذ صوبتها 
فمشت مجنونة للمقتل 
رمت الطفلَ فأدمتْ قلبهُ 
وأصابتْ كبرياءَ الرجلِ 
*** *** 
قلت للنفس وقد جزْنا الوصيدا 
عجلي لا ينفعُ الحزمُ وئيدا 
ودعي الهيكلَ شبتْ نارُهُ 
تأكلُ الركَّعَ فيهِ والسجودا 
يتمنّى لي وفائي عودةً 
والهوى المجروحُ يأبي أن نعودا 
لي نحو اللهبِ الذاكي به 
لَفتة العود إذا صار وقودا 
*** *** 
لستُ أنسى ابداً 
ساعة في العمرِ 
تحت ريحٍ صفقتْ 
لارتقاصِ المطرِ 
نوّحتْ للذِكَرِ 
وشكتْ للقمرِ 
وإذا ما طربتْ 
عربدتْ في الشجرِ 
هاك ما قد صبت الريح 
باذن الشاعر 
وهي تغري القلب اغراء 
النصيح الفاجر 
*** *** 
أيها الشاعر تغفو 
تذكرُ العهدَ وتصحو 
وإذا ما التأم جرحٌ 
جد بالتذكارِ جرحُ 
فتعلمْ كيف تنسى 
وتعلْم كيف تمحو 
أو كل الحب في رأيِكَ 
غفرانٌ وصفحٌ 
هاك فانظرْ عددَ الرملِ 
قلوبا ونساءْ 
فتخيرْ ما تشاءْ 
ذهب العمرُ هباءْ 
ضل في الأرض الذي 
ينشد أبناء السماءْ 
أي روحانية تعصر 
من طين وماءْ ... 
*** *** 
أيها الريح أجلْ لكنما 
هي حبي وتعلاتي ويأسي 
هي في الغيبِ لقلبي خلقتْ 
أشرقتْ لي قبل أن تشرقَ شمسِ 
وعلى موعدها أطبقتُ عيني 
وعلى تذكارها وسدتُ رأسي 
جنّتِ الريحُ ونادته 
شياطين الظلام.. 
أختاماً كيف يحلولك 
في البدء الختام 
*** *** 
يا جريحا اسلمَ الجرحَ 
حبيبا نكأهْ 
هو لا يبكي إذا الناعي 
بهذا نبأهْ 
أيها الجبار هل تصرع 
من أَجل امرأهْ.. 
*** *** 
يا لها من صيحةٍ ما بعثت 
عنده غير أليمِ الذكرِ 
ارقت في جنبه فاستيقظت 
كبقايا خنجر منكسرِ 
لمع النهرُ وناداه له 
فمضى منحدراً للنهرِ 
ناضبُ الزادِ وما من سفرِ 
دون زادٍ غير هذا السفرِ 
*** *** 
يا حبيبي كل شيء بقضاءْ 
ما بأيدينا خُلِقْنا تعساءْ 
ربما تجمعُنا أقدارُنا 
ذات يومٍ بعدما عزّ اللقاءْ 
فاذا أنكر خلٌّ خلَّه 
وتلاقينا لقاءَ الغرباءْ 
ومضى كلٌّ إلى غايتِهِ 
لا تقلْ شيئاً! وقل لي الحظ شاءْ 
*** *** 
يا مغني الخلد ضيعت العمرْ 
في أناشيد تغنّى للبشرْ 
ليس في الأحياءِ من يسمعنا 
مالنا لسنا نغني للحجرْ 
للجمارات التي ليستْ تعي 
والرميمات البوالي في الحفرْ 
غنّها سوف تراها انتفضتْ 
ترحم الشادي وتبكي للوترْ 
يا نداء كلما أرسلتُهُ 
رد مقهوراً وبالحظَّ ارتطم 
وهتافاً من أغاريد المنى 
عاد لي وهو نواحٌ وندمْ 
رب تمثالٍ جمالٍ وسنا 
لاح لي والعيش شجو وظلمْ 
ارتمى اللحنُ عليهِ جاثياً 
ليس يدريْ أنه حسنٌ أصمْ 
*** *** 
هدأ الليلُ ولا قلب له 
أيها الساهر يدري حيرتكْ 
أيها الشاعر خذ قيثارتكّ 
غنِّ أشجانك واسكبْ دمعتَكْ 
رب لحن رقص النجُم له 
وغزا السحب وبالنجم فتكْ 
غنّهِ حتى نرى سترَ الدجى 
طلع الفجرُ عليه فانهتكْ 
وإذا ما زهرات ذعرت 
ورأيت الرعبَ يغشى قلبها 
فترفقْ واتئدْ واعزفْ لها 
من رقيقِ اللحنِ وامسحْ رعبَها 
ربما نامتْ على مهدِ الأسى 
وبكتْ مستصرخاتٍ ربها 
أيها الشاعر كم من زهرةٍ 
عوقبتْ لم تدرِ يوماً ذنبَها 
*** *** 


ملحمة السراب 

(1) 
... ... 
كيف للنازح الحبيبِ ارتحالي 
وجناحاي السقم والبرحاءُ 
ادركي زورقي فقد عبث اليم 
به والعواصف الهوجاءُ 
أفق لا يحد للعين قد ضاق 
فأمسى والسجن هذا الفضاءُ 
عجبي من ترقبي ما الذي أرجو 
ولما يعدْ لقلبي رجاء 
التقينا كما التقى بعد تطوافٍ 
على القفر في السرى انضاءُ 
في ذراعي أو ذراعيك أمن 
وسلامٌ ورحمةٌ ونجاءُ 
كم أناديك في التنائي فترتد 
بلا مغنم ليَ الا صداء 
وأناديك في التداني وما أطمع 
إلا أن يستجاب النداءُ 
لفظة لاتبين تنطلق الأقدارُ 
عن قوسها ويرمي القضاءُ 
وهي في الطرس قصةٌ تذكر الأحبابُ 
فيها وتحشد الأنباءُ 
فقليلٌ من السعادةِ لا يكمل 
فيه ولا يطولُ الهناءُ 
ما بقائي وأجمل العمر ولّى 
وانتظاري حتى يحين الشتاءُ 
وبنفسي دب المساءُ وحل الليل 
من قبل أن يحين المساءُ 
ولك الوجه أومض الحسنُ فيه 
والتقى السحرُ عنده والذكاءُ 
ولك الجيد أتلعا أودع الصانعِ 
فيه من قدرة ما يشاءُ 
وأنا الطائر الذي تصطبي نفسي 
السماوات والذرى الشماءُ 
مرحباً بالهوى الكبير، فإن يبقَ 
وإن تسلمي يطبْ لي البقاءُ 
مرّ يومي كأمسِه مسرحاً تعرض 
فيه الحياةُ والأحياءُ 
لم يحلْ طبعه ولا ذات يوم 
لبست غير نفسها حواءُ 
والحطامُ الفاني عليه اقتتالٌ 
والأماني بريقُها إغراءُ 
والغيوبُ المحجباتُ رحابٌ 
تعبت في رموزها الحكماءُ 
مرّ يومي كأمسه وأتى ليلٌ 
بهيج تزف فيه السماءُ 
لم تزل تسكب السلاف وللأقـ 
ـداحِ فيها تجددٌ وامتلاءُ 
غير نجم في جانب الليل يقظان، 
له روعة بها وجلاءُ 
كم أغنِّيهِ بالحنين كما غنت 
على فرعِ غصنها الورقاءُ 
موقداً للغريب نار ضلوعي 
فعسى للغريب فيها اهتداءُ... 
بالذي فيك من سنا لا تدعني 
فيم هذا المطال والإبطاءُ 
وانتهى بعدك الجميلُ فلا فضلٌ 
لمسدٍّ ولا يدٌ بيضاءُ 
حسنات كانت يد الدهر عندي 
فانطوت بانطوائك الآلاءُ 
(2) 
... ... 
جفا الربيعُ ليالينا وغادرها 
وأقفر الروضُ لا ظل ولا ماءُ 
ولا لطائر قلبٍ أن يقر ولا 
لمركب فزع في الشط إرساءُ! 
خرساء آونة هوجاء آونة 
وليس تخدع ظني وهي خرساءُ 
أأنتِ ناديتِ أم صوتٌ يخيل لي 
فلي إليكِ بإذن الوهم إصغاءُ 
تفرق الناس حول الشط واجتمعوا 
لهم به صخبٌ عالٍ وضوضاءُ 
هم الورى قبل إفسادِ الزمان لهم 
وقبل أن تتحدّى الحبَّ بغضاءُ 
تألقتْ شمسُ ذاك اليوم واضطرمت 
كأنها شعلٌ في الأفْقِ حمراءُ 
ما لي بهم، أنت لي الدنيا بأجمعها 
وما وعت ولقلبي منك إغناءُ 
أرنو إليك وبي خوفٌ يساورني 
وانثني ولطرفي عنك إغفاءُ 
وأيما لفظة فالريحُ ناقلةٌ 
والشطُّ حاكٍ لها والأفقُ أصداءُ 
لما أفقنا رأينا الشمسَ مائلةً 
إلى المغيب وما للبين إرجاءُ 
مشى لها شفقٌ دامٍ فخضبها 
كأنه في ذيولِ الشعرِ جِناءُ 
ومن تنفست حر الوجد في فمه 
فما ارتويت وهذا الري إظماءُ 
*** *** 
السراب في السجن 
يا سجين الحياة أين الفرارُ 
أوصد الليلُ بابه والنهارُ 
والتعلات من هوى وشباب 
قصة مسدلٌ عليها الستارُ 
طال ليلُ الغريب وامتنع الغمض 
وفي المضجع الغضا والنارُ 
عشتُ حتى أرى خمائلَ حبي 
تتهاوي كشامخ ينهارُ 
ما انتفاع الفتى بموحش عيشٍ 
بقيَتْ كأسُه وطاح العقارُ 
ما انتفاعي وتلك قافلة العيش 
وفي ركبها اللظى والدمارُ 
وذراعيَّ في انتظارٍ، وصدري 
فيه بالضيف فرحةٌ واحتفاءُ 
موقداً للغريب نار ضلوعي 
فعسى للغريب فيها اهتداءُ... 
لمَ خليتني وباعدت مسراك 
ومالي إلى ذراك ارتقاءُ 
بالذي فيك من سنا لا تدعني 
فيم هذا المطال والإبطاءُ 
ما تراني وقد ذهبت بحظي 
اخطأتني من بعدك النعماءُ 
وانتهى بعدك الجميلُ فلا فضلٌ 
لمسدٍّ ولا يدٌ بيضاءُ 
ومشى الحسن في ركابك والإحسان 
طراً والغرة السمحاءُ 
حسنات كانت يد الدهر عندي 
فانطوت بانطوائك الآلاءُ 
(2) 
السراب على البحر 
لا القوم راحوا بأخبارٍ ولا جاؤوا 
ولا لقلبك عن ليلاك أنباءُ، 
جفا الربيعُ ليالينا وغادرها 
وأقفر الروضُ لا ظل ولا ماءُ 
يا شافي الداء قد أودى بي الداءُ 
أما لذا الظمأ القتال إرواءُ 
ولا لطائر قلبٍ أن يقر ولا 
لمركب فزع في الشط إرساءُ! 
عندي سماء شتاءٍ غير ممطرةٍ 
سوداء في جنبات النفسِ جرداءُ 
خرساء آونة هوجاء آونة 
وليس تخدع ظني وهي خرساءُ 
وكيف تخدعني البيداءُ غافية 
وللسوافي على البيداء إغفاء 
أأنتِ ناديتِ أم صوتٌ يخيل لي 
فلي إليكِ بإذن الوهم إصغاءُ 
لبيكِ لو عند روحي ما تطير به 
وكيف ينهضُ بالمجروحِ إعياءُ 
تفرق الناس حول الشط واجتمعوا 
لهم به صخبٌ عالٍ وضوضاءُ 
وآخرون كسالى في أماكنِهم 
كأنهمْ في رمال الشط أنضاءُ 
هم الورى قبل إفسادِ الزمان لهم 
وقبل أن تتحدّى الحبَّ بغضاءُ 
ضاقت نفوسٌ باحقادٍ ولو سلمت 
فإنها كسماء البحر روحاءُ... 
تألقتْ شمسُ ذاك اليوم واضطرمت 
كأنها شعلٌ في الأفْقِ حمراءُ 
طابت من الظل، ظل القلب ناحيةٌ 
لنا، وقد صَلِيَتْ بالحرِّ أنحاءُ 
ما لي بهم، أنت لي الدنيا بأجمعها 
وما وعت ولقلبي منك إغناءُ 
لو أنه أبدٌ ما زاد عن سنةٍ 
ومدةُ الحلم بالجفنين إغفاءُ 
أرنو إليك وبي خوفٌ يساورني 
وانثني ولطرفي عنك إغفاءُ 
إذا نطقت فما بالقول منتفعٌ 
وان سكت فإن الصمتَ افشاءُ 
وأيما لفظة فالريحُ ناقلةٌ 
والشطُّ حاكٍ لها والأفقُ أصداءُ 
يا ليل من علم الأطيارَ قصتنا 
وكيف تدري الصبا أنا أحِباءُ 
لما أفقنا رأينا الشمسَ مائلةً 
إلى المغيب وما للبين إرجاءُ 
شابت ذوائبُ، وانحلت غدائَرُها 
شهباء في ساعة التوديع صفراءُ 
مشى لها شفقٌ دامٍ فخضبها 
كأنه في ذيولِ الشعرِ جِناءُ 
يا من تنفس حر الوجد في عنقي 
كما تنفس في الأقداح صهباءُ 
ومن تنفست حر الوجد في فمه 
فما ارتويت وهذا الري إظماءُ 
ما أنت عن خاطري بالبعد مبتعد 
ولن تواريك عن عينيّ ظلماءُ.. 
(3) 
السراب في السجن 
يا سجين الحياة أين الفرارُ 
أوصد الليلُ بابه والنهارُ 
فلمنْ لفتةٌ وفيم ارتقابٌ 
ليس بعد الذي انتظرت انتظارُ 
والتعلات من هوى وشباب 
قصة مسدلٌ عليها الستارُ 
ما الذي يبتغي العليلُ المسجَّى 
قد تولى العوادُ والسمارُ 
طال ليلُ الغريب وامتنع الغمض 
وفي المضجع الغضا والنارُ 
وهَب السجنُ بابه صار حرا 
لكَ لا حائل ولا أسوارُ 
وعفا القيدُ عنك كفاً وساقاً 
فإذا الأرض كلها لك دارُ 
أين أين الرحيل والتسيار 
بعدت شقة وشط مزار 
والخطى المثقلاتُ باليأس أغلالٌ 
لساقيك والمشيبُ عثارُ 
ما انتفاع الفتى إذا عفت الجنة 
واجتاح دوحَها الأعصارُ 
عشتُ حتى أرى خمائلَ حبي 
تتهاوي كشامخ ينهارُ 
تحت عيني ويذبل الحسنُ فيها 
ويموتُ الربيعُ والأنوارُ 
ما انتفاع الفتى بموحش عيشٍ 
بقيَتْ كأسُه وطاح العقارُ 
وبقاء البساط بعد الندامي 
كأس سم بها يدور البوارُ 
ما انتفاعي وتلك قافلة العيش 
وفي ركبها اللظى والدمارُ 
الدمار الرهيب والعدم الشامل 
واللفحُ والضنى والأوارُ 
يا ديار الحبيب هل كان حلما 
ملتقى دون موعد يا ديارُ؟ 
يا عزيز الجنى عليك سلام 
كيف جادت بقربك الأقدار 
بورك الكرم والقطوف واوقات 
كأن العناقَ فيها اعتصارُ 
كلما أطلقتك كفي استردتك 
كما يحفز الغريم الثارُ

ما أضيع الصبر 

ما أضيع الصبر في جُرحٍ أداريهِ 
أريد أَنْسَى الذي لا شيء ينسيهِ 
وما مجانبتي من عاش في بصري 
فأينما التفتتْ عيني تلاقيهِ! 


ما حيلتي 

ما حيلتي يا هند وجهك لاح لي 
بأنوثةٍ جبَّارةِ الطغيانِ 
يا هندُ أين رجولتي وعزيمتي 
في قرب وجهٍ ساحرٍ فتَّانِ؟ 
وأنا حزينٌ ظامئٌ قد جدَّ لي 
وِردٌ وراء مَعِينِهِ شفتانِ! 


محنة 

هي محنةٌ وزمان ضيقْ 
وتكشَّفَتْ عن لا صديق 
جرَّبتُ أشواكَ الأذى 
وبلوتُ أحجارَ الطريقْ 
وكأنَّ أيّامي التي 
من مصرعٍ ليست تفيقْ 
زرعٌ على ظُلَلٍ فذا 
أبداً لصاحبه رفيقْ 
هذا الذي سَقَت الدموعُ 
وذاك ما أبقى الحريقْ


مصافحة اللقاء 

أهاب بنا فلبّينا 
منادٍ ضمّ روحينا 
كأنا إِذ تصافحنا 
تعانقنا بكفينا 
كأن الحبَّ تيار 
سرى ما بين جسمينا 
يؤجج في نواظرنا 
ويشعل في دماءين! 


مصافحة الوداع 

يا أميري! أزف البين 
وما زلت ضنينا 
أصغ لي! وانظرْ ودع كفك 
في كفيَ حينا 
آهِ من يمناك هذي 
والذي منها سقينا 
عللتنا بالأماني 
فشربنا ظامئينا 
ثم دارت بالمنايا 
فوردنا طائعينا 
آه من قاسية ريانة 
ضعفاً ولينا 
يا بناناً ساحراً قد 
حكَّم الأقدار فينا 
شفتي موتورة ظمآنة 
جنت جنونا 
وكأن الآن كفي 
حملت ثأراً دفينا 
تتمناك حبيساً 
عندها العمرَ سجينا 
طائراً ألفى على راحتها 
وكراً أمينا 
وشعاعاً قدسياً 
هاديَ النور مبينا! 


مصر 

أَجلْ إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا 
فمصر هي المحرابُ والجنةُ الكبرى 
أجل إن ماءَ النيلِ قد مرَّ طعمُه 
تناوشه الفتاكُ لم يدعو شبرا 
فهلا وقفتم دونها تمنحونها 
أكفاً كماء المزنِ تمطرها خيرا 
سلاماً شباب النيل في كل موقفٍ 
على الدهر يجني المجدَ أو يجلبُ الفخرا 
تعالوا فقد حانتْ أمورٌ عظيمةٌ 
فلا كان منا غافلٌ يصم العصرا 
شبابٌ نزلنا حومةَ المجدِ كلناَ 
ومن يغتدي للنصر ينتزعُ النصرا 
سلاماً شباب النيل في كل موقفٍ 
على الدهر يجني المجدَ أو يجلبُ الفخرا 
تعالوا نشيّدْ ملجأ، رب ملجأ 
يضم حطامَ البؤسِ والأوجهَ الصفرا 
تعالوا فقد حانتْ أمورٌ عظيمةٌ 
فلا كان منا غافلٌ يصم العصرا 
تعالوا نقلْ للعصب أهلا فإننا 
شبابٌ ألفنا الصعبَ والمطلبَ الوعرا 
*** *** 
سلاماً شباب النيل في كل موقفٍ 
على الدهر يجني المجدَ أو يجلبُ الفخرا 
شبابٌ اذا نامت عيونٌ فإننا 
بكرنا بكورَ الطيرِ نستقبل الفجرا 
تعالوا نشيّدْ مصنعاً رب مصنعٍ 
يدر على صُناعنا المغنمَ الوفرا 
شبابٌ نزلنا حومةَ المجدِ كلناَ 
ومن يغتدي للنصر ينتزعُ النصرا 
تعالوا نشيّدْ ملجأ، رب ملجأ 
يضم حطامَ البؤسِ والأوجهَ الصفرا 
تعالوا لنمحو الجهلَ والعللَ التي 
أحاطتْ بنا كالسيل تغمرُنا غمرا 
تعالوا فقد حانتْ أمورٌ عظيمةٌ 
فلا كان منا غافلٌ يصم العصرا 
تعالوا نقلْ للعصب أهلا فإننا 
شبابٌ ألفنا الصعبَ والمطلبَ الوعرا 
شبابٌ اذا نامت عيونٌ فإننا 
بكرنا بكورَ الطيرِ نستقبل الفجرا 
شبابٌ نزلنا حومةَ المجدِ كلناَ 
ومن يغتدي للنصر ينتزعُ النصرا 


مظلمة 

أنا لا أظل، وكل شيى 
مستمد من جلالكْ 
في قاتم محلولك 
سدّت علي به المسالكْ 
ان لم تضعني في سناك 
حمدت حظي في ظلالكْ 
ان لم تضعني في يمينك 
فالتفت لي في شمالكْ 
الرأي رأيك ليس في الأوقاف 
شيء غير ذلك 
يا أحكم الحكماء لا يفتى 
وفي الأوقاف مالكْ 


من لي؟ 

أناشدك الهوى هل أنتِ مثلي 
نهاري فيكِ أشجانٌ وليلي 
زمانٌ لا يفارقني عذابي 
ولا زمني الشقاءُ به كظلّي 
كأن الليلَ أصبح لي مداداً 
أسَطر منه آلامي ويُملي 
حياتي فيه قفرٌ بعد قفرٍ 
وعمري فيه كالأبدِ المُمِلِّ 
أبعد جوار هندٍ والأماني 
أكابد جيرةَ النجمِ المُطِلِّ 
أحبكِ لا أَمَلُّ لقاكِ يوماً 
ومن لي بالذي يُدنيكِ من لي؟ 
أحبكِ لست أدري سرّ حبي 
وعلمي فيه أشقاني كجهلي 
أقول لعلّ هذا الدهرَ يصفو 
ويا أسفاه لو تُغْني لعلِّي 
أحاول سلوةً وأرى الليالي 
بغيرِ هواكِ لي هيهات تُسلي 

مناجاة الهاجر 

دع النفسَ تمرحُ في خيالٍ وأوهام 
وخلِّ لأجفاني كواذبَ أحلامي! 
*** *** 
وأنفق فيه قلبه وشبابه 
فلم يَبْقَ إلاَّ الجرح والشفق الدامي! 
ولو كنت أدري كيف يصفو مغاضبٌ 
كأن رضاه في ذرى الكوكب السامي 
فا أملي النائي إِذا كنتُ مذنباً 
فقد تبتُ عن ذنبي إِليك بآلامي! 
حببتك، لا أدري الهوى ما وراءه 
وما بعد سقمي فيك عاماً على عامِ 
جمالُك نبراسي وروحُك كعبتي 
وعيناك وحيي في الحياة وإِلهامي! 
*** *** 
كأن ائتلاق النجم والنجم مُشرقٌ 
ثناياه تبدو في عبوسة أيامي 
كأنَّ نسمَ الليلِ يحمل طيبه 
كأنَّ اصطدام الموج معبودُ أقدام! 
فا أملي النائي إِذا كنتُ مذنباً 
فقد تبتُ عن ذنبي إِليك بآلامي! 
ولو كنت أدري كيف يصفو مغاضبٌ 
كأن رضاه في ذرى الكوكب السامي 
حببتك، لا أدري الهوى ما وراءه 
وما بعد سقمي فيك عاماً على عامِ 
جمالُك نبراسي وروحُك كعبتي 
وعيناك وحيي في الحياة وإِلهامي! 
كأن ائتلاق النجم والنجم مُشرقٌ 
ثناياه تبدو في عبوسة أيامي 
كأنَّ نسمَ الليلِ يحمل طيبه 
كأنَّ اصطدام الموج معبودُ أقدام! 
فا أملي النائي إِذا كنتُ مذنباً 
فقد تبتُ عن ذنبي إِليك بآلامي! 
حببتك، لا أدري الهوى ما وراءه 
وما بعد سقمي فيك عاماً على عامِ 
جمالُك نبراسي وروحُك كعبتي 
وعيناك وحيي في الحياة وإِلهامي! 

نأى عني 

قد نأى عني الذي يرحمني 
والذي يفهم آلامي وروحي 
والذي أعبد منه غُرَّةً 
كندى الأزهار في الوجه الصبيحِ 
والذي أشتَمُّ منه غادياً 
عبقَ الأنداءِ في الوادي الصدوحِ 
آه يا هند جراحي كثُرَت 
فتعاليْ ضمدي أنتِ جروحي! 


نداء للشباب 

وطنٌ دعا وفتىً أجابْ 
بوركت يا عزم الشبابْ! 
يا فتية النيل المسا 
لم والكريم بلا حسابْ 
جناته مرآتكمْ 
ولكم خلائقها العِذابْ 
ولكمْ جمال الزهرِ 
رفَّ على الأماليدِ الرطابْ 
ولكم فؤاد النهر رق 
على المحاني والشعابْ! 
يمضي فيضحك للسهول 
ولا يضن على الهضابْ 
حتى إذا طغت الكوارث 
واستفزكم العذابْ 
أصبحتم كالغيل تحميه 
الليوثُ بألف نابْ 
قل للشباب اليوم يومكم 
الأغر المستطابْ! 
اليوم يبدو حبّ مصر 
فلا خفاءَ ولا حجابْ! 
إن كان اثماً يا شبابُ 
فلا رجوع ولا متابْ! 
الله ينظرُ والليالي 
عندها لكم الحسابْ 
والعهدُ في القلبِ المصابرِ 
والأمانةُ في الرقابْ! 
هاتوا الفدا الغالي لمصر 
وأرخصوه كالترابْ 
المال، والأرواح كل 
ضحيةٍ ولها ثوابْ 

نحو المجد 

يا أم مَن تستصرخين؟ من الذي 
قدح اللظى الموّار في عينيكِ؟ 
ما حلَّ بالحرية الحمراء؟ هل 
سال الدم القاني على قدميكِ؟ 
لا تجزعي يوم الفداءِ فكلنا 
مهج تحلق كالنسور عليك 
*** *** 
والصقر تاجك، تاج فرعون الذي 
جعل الشموسَ الزهرَ في كفيكِ 
فتلفتي تجدي عريَنكِ عامراً 
وتسمّعي، كم قائل لبيكِ 
يا مصر أنت الكونُ والدنيا معاً 
وعظائمُ الأجيالِ في تاجيكِ 
وقف الشباب فداء محراب الحمى 
وتجمّع الأشبال بين يديكِ 
والصقر تاجك، تاج فرعون الذي 
جعل الشموسَ الزهرَ في كفيكِ 
والمجدُ تاجُكِ والسهى لك موطنٌ 
والشهبُ والأقمارُ في نعليكِ 
يا مصر أنت الكونُ والدنيا معاً 
وعظائمُ الأجيالِ في تاجيكِ 


هبة السماء 

راحوا بأرواحٍ ظماءْ 
يتهافتون على الفناءْ 
نمضي إليه فنستقي 
ونَعُبُّ منه كما نشاءْ 
*** *** 
فكأنما هبة السّماءِ 
قد استردَّتها السَّماءْ! 
فكأنَّه والسُّحْب تطويه 
فيمعن في الخفاءْ 
*** *** 
هذي الجموعُ الباكياتُ 
الساخطاتُ على القضاءْ 
لِمَ لا توفِّيك الجميلَ 
وتَسْتَقلُّ لك الفداءْ؟! 
*** *** 
والمجد يوغل في حنايا، 
روحه والمجدُ داءْ! 
ذاك الرقادُ بساحةٍ 
لك الرجال بها سواءْ 
*** *** 
هذي الجموعُ الباكياتُ 
الساخطاتُ على القضاءْ 
أوَ لَمْ تجدكَ لسانها الشاكي 
إِذا احتدام البلاءْ؟ 
لِمَ لا توفِّيك الجميلَ 
وتَسْتَقلُّ لك الفداءْ؟! 
ما بالهُ حملَ الهمومَ 
وجشَّم القلبَ العناءْ! 
*** *** 
أضنى قواه ولم يدعْ 
من جسمهَ إلاَّ ذماءْ 
صرحٌ من الأدبِ الصميمِ 
له على الدنيا البقاءْ 
الدَّهرُ يحمي ركنَه 
والفنُّ في روح البناءْ 
أمَمٌ يُصبِّرُ بعضُها 
بعضاً، وهيهات العزاءْ! 
(شوقي)! على رغم التفرّدِ 
والتفوقِ والعلاءْ 
ذاك الرقادُ بساحةٍ 
لك الرجال بها سواءْ 
وبرغم ذهن كالفراشة 
حول مصباحٍ أضاءْ 
هذي الجموعُ الباكياتُ 
الساخطاتُ على القضاءْ 
مثواك لا تشكو السكونَ 
ولا تمل من الثواءْ 
قاسمتها أشجانها 
ووفيت ما شاءَ الوفاءْ 
أوَ لَمْ تجدكَ لسانها الشاكي 
إِذا احتدام البلاءْ؟ 
أَوَ لَمْ تكن غِرّيدَها 
ونديمها عند الصفاءْ؟ 
لِمَ لا توفِّيك الجميلَ 
وتَسْتَقلُّ لك الفداءْ؟! 
ومُنَعَّمٍ بين القصورِ 
قد اسْتَتَمَّ له الثراءْ 
ما بالهُ حملَ الهمومَ 
وجشَّم القلبَ العناءْ! 
وينوءُ بالعبءِ الذي 
هو عن أذاه في غَناءْ! 
ويحَ الذكاءِ وما يكلِّفُهُ 
من الثَّمَنِ الذكاءْ! 
أضنى قواه ولم يدعْ 
من جسمهَ إلاَّ ذماءْ 
والمجد يوغل في حنايا، 
روحه والمجدُ داءْ! 
صرحٌ من الأدبِ الصميمِ 
له على الدنيا البقاءْ 
الدَّهرُ يحمي ركنَه 
والفنُّ في روح البناءْ 
(شوقي)! على رغم التفرّدِ 
والتفوقِ والعلاءْ 
ذاك الرقادُ بساحةٍ 
لك الرجال بها سواءْ 
وبرغم ذهن كالفراشة 
حول مصباحٍ أضاءْ 
مثواك لا تشكو السكونَ 
ولا تمل من الثواءْ 

هجاء أعمى بغيض. زوج حسناء 

يا جمال الصِّبا وأنس النفوسِ 
خبِّرينا عن زوجكِ المنحوسِ! 
حَدِّثي أنت عن عماه "الحيسي" 
وصفي لي الغرام (بالتجسيسِ)! 
حدثينا عن اللهيب المفدَّى 
وجمالٍ يُصَيِّرُ الحُرَّ عَبْدا 
وجنونِ الأعمى إِذا ما استجدى 
وهو يعشو لنارهِ كالمجوسِ! 
يا جمالاً في التربِ يُلقَى ويُرمَى 
يا لَظلمِ الحظوظِ والحظُّ أعمى! 
وبلائي أني أسميه ظَلماً 
وهو لفظٌ ما جاءَ في القاموس! 
آه من قسوةِ الطبيعة شقتْ 
ظلمةً في مكان نورٍ ورقتْ 
دونَ قصدٍ لعينه فاستَبْقَتْ 
كوةً في فضائها المطوسِ! 
كوّنً تنفذ الحفيظةُ عنها 
ويُطلُّ الدهاءْ والخبثُ منها! 
طالعتنا في طلعةٍ لم تزنها 
"كالفتيل" الحقيرِ في (الفانوس) 
كذليل الأبقار إِذ ربطوه 
وتراهم بخرقةٍ عَصَّبوه 
فاذا ما عصاهمو ضربوِه 
وتمشَّى على غناءِ "الالوس"! 
وتراه تقولُ يقطر بغضا 
حيوانٌ يريد أن يَنقَضَّا 
حسبك الله! عشت تنظر أرضا 
فابق فيها! حُرمْتَ نورَ الشموس! 


هجو 

رجل أرى بالله أم حَشَرَهْ 
سبحان من بعبيده حشَرَهْ 
يا فخر داروين ومذهبه 
وخلاصة النظرية القذرهْ 
أرأيت قرداً في الحديقة قد 
فلت أنثاه على شجرهْ؟ 
عبدالحميد أعلم فأنت كذا 
ما قال داروين وما ذكرهْ 
يا عبقرياً في شناعته 
ولدتك أمك وهي معتذرهْ 

هجو شاعر 

أيها الحي وما ضر 
الورى لو كنت متا 
أوَ شعر! ذاك لا بلض 
حجر ينحت نحتا 
تلقم الناس وترميهم 
به فوقا وتحتا 
صحت من يأسي لما 
بركيك الشعر صحتا 
آه يا قاتل يا سفاك! 
حتى أنت حتى! 


وداع المريض 

فيم الغدو غداً وأين رواحي 
ويح الصباح ! لقد مضى بصباحي 
عصفت علينا غير راحمة لنا 
ياصفوة الأحباب , أي رياحِ 
عبثت بمعبود العيون وصيرّت 
كالورس لوناً توأم التفاح 
ذهبوا به كالورد جافاه الندى 
ومضوا به شبحاً من الأشباح 
يا هاتفاً باسمي فديت منادياً 
رد النداء عليه حر نواحي 
يا آسي الآسي لممت جراحتي 
وأسلت يوم نواك أي جراحِ 
طأطأت للبين المشتت هامتي 
وخفضت للقدر المغير جناحي 
أي الليالي العاتيات سهرتها 
في أي آلالام وأيّ كفاح 
هدم الضنى العادي قوي شكيمتي 
وثني معاندتي ورد جماحي 
وطغى على الملك الموسد بيننا 
في لطف زنبقة وضعف أقاح 
كيف المآب الى مكان موحش 
متجهم العرصات قفر الساح 
في كل ناحية خيال هاتف 
ومذكر بجبينك الوضاح 
وموسد كالطيف صاح ليله 
أمسيت أرعاه بجفنٍ صاح 
عاد الشقي إلى قديم شقائه 
ومحى من الدنيا السعادة ماحي 
ويح الحياة اليوم أين جمالها 
وعلام اخفاقي بها ونجاحي 
أنت الذي وهب الحياة لميت 
في الأرض منفرد بغير طماح 
أشرقت في ظلمائها وغمامها 
وطلعت مثل البارق اللماح 

وحيد 

إني على كاسي أُعيد السنين 
وأبعثُ الماضي البعيدَ الدفينْ 
وما الذي يُجدي طعينَ الهوى 
لَمْسُكِ يا هندُ جراحَ الطعينْ 
كم أزرع السّلوانَ في خاطري 
وكيف ينمو في مَحيلٍ جديبْ؟ 
الجامُ يبكي لوعةً ام أنا 
جامي غريبٌ وفؤادي غريبْ 
*** *** 
لم يَجْرِ همسٌ لك في خاطرٍ 
إلا جرى عندي كأني صداكْ 
أصونُ حزني لك حتى اللقا 
وأحبسُ الفرحَةَ حتى أراكْ 
حَبَستُ هذا الصوتَ لم ينطلقْ 
إلا على حزنكِ أو فرحتِكْ 
*** *** 
وَافرَحِي اليومَ بحريَّتي 
بأيِّ ليل مدلهمٍّ أطير 
كم شُعَبٍ لاحتْ فلم تختلفْ 
لأيِّها نغدو وأنّى نسيرْ 
*** *** 
هيهات تدرين انطلاقَ الهوى 
كجمرةٍ نضّاحةٍ بالدمِ 
وصارخاً كبحتُه في فمي 
وطاغياً كبّلتُه في دمي 
لا أنت تدرين وما من أحدْ 
بواصف حسنَكِ مهما اجتهدْ 
أو مدرك عمق المعاني التي 
في لمحةٍ عابرةٍ تحتشدْ 
أنكرتُها طُرّاً ولم أعترفْ 
إلاّ بطيبٍ جاء من جنّتك! 
*** *** 
وَافرَحِي اليومَ بحريَّتي 
بأيِّ ليل مدلهمٍّ أطير 
رُدِّي على قلبي قيودَ الأسير 
وذلك الصبحَ الوضيءَ المنيرْ 
كم شُعَبٍ لاحتْ فلم تختلفْ 
لأيِّها نغدو وأنّى نسيرْ 
بعد سِني الأنوار خلّفتِ لي 
جهم المساعي وخفِيَّ المصيرْ 
*** *** 
علمتِ حالي؟ لا وحقِّ الذي 
صيَّرني أشفِق أن تعلمي 
هيهات تدرين انطلاقَ الهوى 
كجمرةٍ نضّاحةٍ بالدمِ 
هيهات تدرين وإن خِلتِه 
وثبَ الهوى الضاري وفتكَ الظمي 
وصارخاً كبحتُه في فمي 
وطاغياً كبّلتُه في دمي 
*** *** 
لا أنت تدرين وما من أحدْ 
بواصف حسنَكِ مهما اجتهدْ 
أو بالغٍ سرَّ الذكاءِ الذي 
يكادُ في لحظِكِ أن يتّقِدْ 
أو مدرك عمق المعاني التي 
في لمحةٍ عابرةٍ تحتشدْ 
أو فاهم فن الصناع الذي 
أبدع الاثنين: الحِجا والجسدْ 


وقفة على دار 

قف يا فؤادُ على المنازل ساعا 
فهنا الشبابُ على الأحبة ضاعا 
وهنا أذلَّ اباءَه متكبرٌ 
أمرت عيونٌ قلبه فأطاعا 
أحسست بالداء القديم وعادني 
جرح أبيت لعهده إرجاعا 
ومشى مع الأمل الذهول كأنما 
طارت بلبي الحادثات شعاعا 
كثرت عليّ متاعبي فمحونني 
ومحون حتى السقم والأوجاعا 
يا من هجرت لقد هجرت إلى مدى 
فإلى اللقاء ولن أقول وداعا 


يأس على كأس 

زف الصباحُ إلى الرمال نداءَها 
وسرى النسيمُ عشيةً فنعاها 
أأرى شروقَك في أفولِ مغاربي 
وأشم عطرَك في ذبولِ شبابي! 
أحببتُها وطويتُ صفحتها وكم 
قرأ اللبيبُ صحيفةً وطواها 
زف الصباحُ إلى الرمال نداءَها 
وسرى النسيمُ عشيةً فنعاها 
*** *** 
أأرى شروقَك في أفولِ مغاربي 
وأشم عطرَك في ذبولِ شبابي! 
غال الزمانُ ضبابَها وحبابها 
وتبخرتْ أحلامُها ورؤآها 
أحببتُها وطويتُ صفحتها وكم 
قرأ اللبيبُ صحيفةً وطواها 
تلك الوليدة لم تطل بشراها 
لمّا تكد تطأ الثرى قدماها 
زف الصباحُ إلى الرمال نداءَها 
وسرى النسيمُ عشيةً فنعاها 
حتى اذا الأقدار شئن وعدت لي 
راجعتُ نفسي واهتمت صوابي 
أأرى شروقَك في أفولِ مغاربي 
وأشم عطرَك في ذبولِ شبابي! 
هات اسقني واشربْ على سر الأسى 
وعلى بقايا مهجة وشجاها 
مهلا نديمي! كيف ينسى حبها 
من ينشد السلوى على ذكراها 
ما زلت تسقيني لتنسيني الهوى 
حتى نسيتْ، فما ذكرت سواها 
كانت لنا كأسٌ وكانت قصةٌ 
هذا الحباب أعادها ورواها 
الآن غشاها الضبابُ وها أنا 
خلفَ المآسي والدموعِ أراها 
غال الزمانُ ضبابَها وحبابها 
وتبخرتْ أحلامُها ورؤآها 
لا تبكِها ذهبْت ومات هواها 
في القلبِ متسعٌ غدا لسواها 
أحببتُها وطويتُ صفحتها وكم 
قرأ اللبيبُ صحيفةً وطواها 
تلك الوليدة لم تطل بشراها 
لمّا تكد تطأ الثرى قدماها 
زف الصباحُ إلى الرمال نداءَها 
وسرى النسيمُ عشيةً فنعاها 

يا بحر 

يوم أبحرتُ فوق متنكِ تهوي 
بيَ امواجك الغضاب وتعلو 
راعني حولُك الرهيب فخارت 
عزماتي ولم يعد ليَ حول 
وترنحتُ بين جنبيك تلهو 
بيِ فتطغَى آناً وتهدأ آنا 
كانت القطرة الضئيلة من لُـ 
ــجك أمضى مني وأخطر شانا 
وأنا اليوم أجتليك من الشاطئ 
جي الأمواج مثل الجبال 
فإذا بي أثور مثلك يا بحــ 
ــر وتنزو الأمواج في أوصالي 
هو روحي الذي يحاكيك في البأ 
س ولكن يؤوده عبء جسمي 
فإذا ما اجتلاك والجسم غفلانُ 
توخّاك في مضاء وعزم 
هو روحي الذي يحاكيك يا بحرْ 
ويخشى قلبي الجزوع أذاكا 
ضعضع الجسم عزم روحي المُعَنَّى 
يا اخا الروح بُث فيه قواكا 


يوم الجمعة 

أصبحتُ يوم الجمعة 
ذا غربة ما أضيعهْ! 
منفرداً لا خلُّ لي 
وأينَ مَنْ قلبي معهْ؟ 
ضاقت بي الأرضُ فما 
في فُسحة الكون سَعَهْ 
أقطع يومي مُبْطئاً 
كأنني لن أقطعَهْ 
إني امرؤٌ يُفضي إلى 
أزمانه المرقَّعَهْ 
يَلُمُّ من شَتاتها 
بجهده ما وَسِعَهْ 
فلا يصيبُ غير ما 
أمَلّهُ وصدَّعهْ 
يا هند من يُعيد لي 
آماليَ المزعزعَهْ؟ 
وإنّ يوماً واحداً 
حِبالُه مُقطعّهْ 
فكيف لو مرّ بنا 
ثلاثةٌ أو أربعهْ؟ 
قلبي خلا من نسمةٍ 
مشرقةٍ مُرَصّعهْ 
طالَعَهُ اليوم بها 
كأنه قد ودَّعهْ 
إن عاشه دونك يا 
هند تمنّى مصرعهْ 


يا نسيم البحر 

يا نسيم البحر ريانَ بطيب 
ما الذي تحمل من عطر الحبيبِ؟ 
صافحتني من نواحيك يدٌ 
تسمح الدمعةَ عن جفن الغريبِ 
وتلقَّاني رشاشٌ كالبكا 
وهديرٌ مثلُ موصول النحيبِ 


يا دار هند 

غرامكِ لي معبدٌ طاهرٌ 
دعائمُهُ شُيِّدتْ من ولوعي 
تعهدتُ محرابَه بالوفاء 
وأوقدتُ فيه الهوى من شموعي 
جوانبُه من دموعيَ قامتْ 
وأضلعُه بُنِيتْ من ضلوعي 
ومن ذا رأى هيكلاً في الوجودِ 
يُقام على عمدٍ من دموعِ؟ 
*** *** 
إني لأقنع من ظلالِ أحبّتي 
بحنان أحتٍ أو بكفّ مسلّمِ 
وبجلسةٍ طابت لديّ بغرفة 
حملت عبيرَ الغائب المتوسّمِ 
يا أخت هندٍ خبّريها أنني 
صبٌ يعيش بمهجة المتألمِ 
صبٌ سئمتُ من الحياةِ بدونِها 
أنا لا أحبُّ إذا أنا لم أسأمِ 
ومضى النهارُ ولا نهارَ لأنهُ 
يمتدُّ عندي كالفراغ المظلمِ 
*** *** 
يا دار هندٍ إن أذنتِ تكلَّمي 
يا دارها عيشي لهندٍ وأسلمي 
فدمي الفداءُ لحبّ هندٍ وحدها 
وأنا المقصِّرُ إن بذلت لها دمي 
ولقد حلفت لها ودمعي شاهدٌ 
إني فنيتُ علمتِ أم لم تعلمي! 


أتمنى أن تحوز رضاكم.تقبلوا أرق تحياتى


No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.