بتاريخ 30 سبتمبر 1882 تصدرت صورة فندق شبرد أولى صفحات صحيفة الجرافيك تحت عنوان الطريق إلى فندق شبرد .. فندق الشرق الأكثر شهرة.
تاريخ الفندق
فندق شبرد .. إن اسمه يتردد كل حين في الروايات، وفي مفكرات المسافرين، بل إن بعضنا يحتفظ بذكريات مبهمة عن المرة الأولى التي قرأ فيها اسم هذا الفندق في أحد كتب المغامرات التي قرأها في أيام الطفولة!.. ذلك أن (شبرد) هو أكثر من مجرد فندق، إنه مؤسسة تفخر بتاريخ يشبه في تلونه وتنوعه الجماهير المتباينة التي تتوافد على شرفته، وتزدحم في أبهائه في موسم الشتاء، حين يتصافح الغرب والشرق أمام أبوابه أو في ردهاته الفسيحة.
تاريخ حافل
أسس فندق شبرد الأصلي عام 1841، أي قبل افتتاح قناة السويس بنحو ثمانية وعشرين عامًا، وهو العام نفسه الذي وضعت فيه دول الغرب حدًّا للحرب الدائرة بين محمد علي باشا والسلطان العثماني، وعلى إثر ذلك منحت أسرة محمد علي الحق الوراثي في تولي حكم مصر.
في تلك الأيام كانت الرحلة من أوروبا إلى الهند والشرق الأقصى تستغرق شهورًا، فكان يطيب للمسافرين أن يمضوا فترة من الوقت في القاهرة، في طريقهم إلى وجهاتهم. وكانوا يقطعون المسافة من القاهرة إلى السويس في بداية الأمر بطريق القوافل.. وما لبث أن تطورت التجارة بين أوروبا والشرق أن جلب طوفانًا متزايدًا من السائحين كما تهبط الطيور لتستريح فترة قبل أن تواصل رحلتها الطويلة. وعلى مقربة من بركة الأزبكية أنشأ شخص إنجليزي يدعى صمويل شبرد أول فندق يحمل هذا الاسم لينزل فيه المسافرون في طريقهم إلى الهند والشرق.
أطلق شبرد على فندقه في البداية اسم “فندق شبرد الجديد”، ثم استبدله بعد ذلك باسم “فندق شبرد البريطاني” وتجلى نجاح المشروع في نفس العام، فلم يلبث شبرد أن نقل فندقه إلى مبنى أكبر (في الموقع الذي ظل يشغله الفندق حتى احترق في عام 1952)، وقد كان ذلك المبنى في الأصل قصرًا للأميرة زينب ابنة الوالي محمد علي، ثم استخدم في وقت ما مدرسة لتعليم اللغات “الألسن”، كما أنه كان ذا ماضي تاريخي، ففيه أقام الجنرال كليبر وضباط قيادته حين عهد إليه نابليون بقيادة جيش الحملة الفرنسية بعد عودته هو إلى فرنسا.. وفي ظلال شجرة من الأشجار التي كانت تحف بالقصر، تربص سليمان الحلبي لكليبر ثم اغتاله.. وقد هوى كليبر في نفس البقعة التي أقيمت عليها – فيما بعد – الغرفة التي اتخذها مستر “بهلر” مدير شركة الفنادق المصرية مكتبًا له.
العتبة الخضراء كانت حي الأجانب في مصر
ظل الفندق ملكًا لشبرد حتى عام 1861، حين آل إلى المستر “ف.زك”، فما لبث ورثة هذا الأخير أن أعادوا بناء المكان بأسره في سنة 1891، وجدير بالذكر أن القاهرة الحديثة كانت قد بدأت تظهر في تلك الأيام، فاتخذت الجاليات الأجنبية لسكناها حيًّا تشغله اليوم منطقة الموسكي وميدان العتبة. وكان نزول المسافرين الأجانب قاصر في تلك الفترة على فندق شبرد. وقد وصف شخص ممن عرفوا طريق الهند البري في سنة 1859 هذا المرفأ -فندق شبرد- بقوله: “إن الذين سافروا تلك الرحلة في الصيف، سيذكرون بالعرفان كيف كانوا يبتردون من القيظ بالغوص في الأحواض الحجرية لفندق شبرد! ولقد كانت صورة شرفة الفندق “التيراس” التي كانت بارزة من إحدى ردهات الطابق الأرضي من الفندق وتمثل ما كان ينعم به المسافرون في سنة 1863 من جلسة شاعرية.. على أن الزائر الأجنبي لم يعد يتعرض للمكارين والتراجمة والباعة الذين كانوا في الماضي يكادون يمزقونه وهم يتنازعونه، ليستأثر به كل منهم. ولقد ولت الأيام التي كانت فيها الطرق مرصوفة بالبلاط الكبير تتأرجح عليها العربات، كما انقضت أيام الحمير الموبوءة بالبراغيث.. خلفتها اليوم عربات “الحنطور” المعتنى بمظهرها، والتي تنطلق على طرق أسفلتية .. وصار التراجمة ينتظرون في وقار على الرصيف الممتد أمام الفندق، يتقاضون أجورًا محددة بتعريفة دقيقة، ولم يعد مباحًا للباعة الجائلين أن يتجاوزوا نطاقًا محصورًا.
وقد وسع الفندق منذ سنة 1891 أربع مرات: في سنوات 1899، 1904، 1909، 1927.
سجل زائري الفندق من العظماء
ما أقل سجلات المشروعات التجارية التي تحوي من الطرائف ما يعادل تلك التي وردت في سجلات النزلاء في فندق شبرد. فإن عهد هذه السجلات يرجع إلى سنة 1849، وقد ضمت توقيعات عدد لا حصر له من مشاهير الناس من كل الجنسيات، ومن أبطال الثورة الهندية، ومكتشفي مجاهل إفريقيا، والرحالة الذين يجوبون بقاع الأرض من أمثال ستانلي، وروزفلت، والميجر ويسمان، وتيليكي، وبيترز، وعديدين غيرهم. ولقد كتب ستانلي كتابه المشهور “بعثة إغاثة أمين باشا” في إحدى غرف فندق شبرد.. كذلك يشتمل “الكتاب الذهبي” لزائري الفندق على توقيعات كثير من أبناء الأسرات المالكة في مختلف دول العالم!
والواقع أن كثيرًا ممن ذاعت أسماؤهم سواء بحكم مولدهم أو لبروزهم في الأدب والاقتصاد والدبلوماسية، فضلاً عن الساسة والقادة اللامعين قد نزلوا في فترة من الفترات في هذا الفندق الشهير.. وهم لا يزالون يفدون عليه. خليط عجيب من أمراء وأصحاب الملايين وطلاب لهو وطلاب علم.. سواء في ذلك الأمريكيون والأوروبيون والآسيويون.
ولقد أدى افتتاح قناة السويس في سنة 1869 إلى زيادة هائلة في الحركة السياحية عبر العصور، ومن المؤكد أن أكبر مركز لالتقاء الخطوط الجوية بين أوروبا والشرق سوف يقام في مصر.
ومن ثم كان من الطبيعي أن يحتل فندق شبرد صفحات الصحف والمجلات التي تتناول تاريخ الشرق بصفة عامة ومصر بصفة خاصة.
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.