العام هو 1853 .. هناك حرب تشنها روسيا ضد القرم، لا تشبه الحرب الحالية كثيرا .. لكنها كانت بين ذات الطرفين، غير أن أحدهما كانت تقف فيه الدولة العثمانية.
كانت مطامع روسيا في التوسع جامحة حينها، لكنها لم تستطع الانتصار في الحرب، ومن أكتوبر 1853 إلى مارس 1856 استمرت الحرب وانتهت بهزيمة روسيا وتوقيع معاهدة باريس.
لقد أدرك الروس حينها أن تحقيق أطماعهم لن يتم إلا بالقضاء على الدولة العثمانية، خاصة في منطقتي آسيا الوسطى والبلقان، والسعي إلى تقسيم الأملاك العثمانية بين الدول الكبرى
تمهيدا لوصول روسيا إلى المياه الدافئة، وهو الحلم الذي ظل يراود الروس فترة طويلة من الزمن، بل إنه يكاد يكون المحرك الأساسي لموسكو في العديد من القرارات والمواقف الحالية، الموقف الروسي في سوريا أحدها.
معاهدة باريس أنهت الحرب، لكن الحرب ذاتها كانت بداية لشيء ما، فقد كانت الحرب هي المسرح الأول للتصوير الحربي الذي يمكن القول إنه كان بوابة صحافة الحروب.
هذه عدة صور تلقي الضوء على حرب القرم التي شهدتها المنطقة قبل 150 عاما، ورغم أن هذه الصور تفتقد للوحشية التي تتسم بها صحافة الحروب هذه الأيام، إلا أن الصور تعتبر البداية الحقيقية لهذا اللون من التصوير.
المصورون البريطانيون مثل روجر فينتون الذي توفي عام 1869، وجيمس روبيرتسون الذي توفي 1888، والمصور الإيطالي البريطاني فيليس بيتو الذي توفي في 1909 هم أصحاب هذه الصور.
شهد الأميرال الإنجليزى "سليد" الذى كان موظفا فى تركيا وسمى مظفر باشا واشترك فى هذه الحرب وألف عنها كتاباً سماه "تركيا وحرب القرم" ببسالة الجنود المصريين والتى بدأت عام 1853م.
وقال عن المصريين المشاركين فى الحرب :"هؤلاء هم الجنود الذين ألقى القبض عليهم بغلظة وانتزعوا من عقر ديارهم وصياح أولادهم من حولهم وانتقلوا من ضفاف فروع النيل المضيئة بنور الشمس إلى نهر الدانوب القاتمة ومع هذا فقد ظلوا إلى نهاية الحرب محتفظين ببسالتهم وقوة روحهم العسكرية".
وأضاف الأميرال "أنهم امتازوا ببسالتهم دوما، سواء أكان ذلك فى بلغاريا أم غيرها فى الحروب وأظهروا فى كل وقت وآن جلدا وصبرا عند التعب والحرمان، غير أنه ياللحسرة والندم نصفهم ألقى آخر نظرة إلى مصر لدى سفره منها".
أما الجنرال الفرنسى اسمون شرح بسالة الجيش المصرى والذى نقلها عنه عمر طوسن فى كتابة "الجيش المصرى فى الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم 1853- 1855م" وقال فيها "أن الجنود المصريين أحسن جنود، وكان لهم شهرتهم فى نهر الدانوب وأن المصريين جاءوا للمعاونة فى الحرب وكانوا يقاتلون جنباً إلى جنب وكانوا متفوقين عن الفرق الأخرى فى مهاراتهم القتالية".
«معركة القرم» عندما انتصر المصريون على الروس
«لقد جاء نصر الله وانشرح القلب... لأن بفتح القرم هان لنا الصعب» هذه فاتحة أبيات لقصيدة عبدالله باشا فكرى بعد انتهاء حرب القرم وانتصار الجنود المصريين على نظرائهم الروس قبل نحو 160 عاما، ضحى فيها بأكثر من 2500 جندى من أجل استقلال شبه الجزيرة التى تتمتع بالحكم الذاتى فى أوكرانيا.
المواجهة التى تلوح فى الأفق بين أوكرانيا وروسيا فى القرم ذات الأغلبية الروسية، تعيد إلى الأذهان ذكرى حرب القرم الشهيرة بين روسيا والدولة العثمانية، والتى اشترك فيها الجيش المصرى وكان له دور بارز
رغم أن تلك الحرب شهدت أكبر كارثة حلت بالبحرية المصرية، ففيها قضى غرقا على 1920 مصرياً ساهموا قبلها فى خسارة الروس لحرب شبه عالمية مصغرة شبت نيرانها ولم تضع أوزارها إلا بعشرات الآلاف من القتلى بعد 3 أعوام.
واندلعت حرب القرم بين الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية ، في 1853، بهدف تحجيم نفوذ الإمبراطورية الروسية الطامعة فى السيطرة على شبه جزيرة القرم، واقتضت العلاقة بين مصر وتركيا آنذاك أن يشترك جيش مصر البرى والبحرى فى تلك الحرب.
وفى سفره المهم لإنعاش ذاكرة الأمة المصرية، رصد الأمير المصرى، عمر طوسون، بالوثائق والصور كل تفاصيل تلك الحرب فى كتابه بعنوان «الجيش المصرى فى الحرب الروسية»، والذى ألفه، 1932. وقال إن السلطان ﻋﺒﺪالمجيد لما وجد أن ﺷﺒﺢ اﻟﺤﺮب ﻳﻬﺪد ﺳﻼﻣﺔ اﻟﺪوﻟﺔ
ﻃﻠﺐ ﻣﻦ ﻋﺒﺎس ﺑﺎﺷﺎ اﻷول، والى مصر، أن ﻳﺮﺳﻞ ﻧﺠﺪة ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮد المصرية، ﻓﺎﻣﺘﺜﻞ الوالى، وأمر ﺑﺘﻌﺒﺌﺔ أﺳﻄﻮل ﻣﻜﻮن ﻣﻦ 12 ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻣﺰودة ﺑـ ٦٤٢ ﻣﺪﻓﻌﺎ و٦٨٥٠ ﺟﻨﺪﻳٍّﺎ ﺑﺤﺮﻳٍّﺎ ﺑﻘﻴﺎدة أﻣير اﻟﺒﺤﺮ المصرى ﺣﺴﻦ ﺑﺎﺷﺎ اﻹﺳﻜﻨﺪراﻧﻲ، وﺗﻌﺒﺌﺔ ﺟﻴﺶ ﺑﺮى ﺑﻘﻴﺎدة اﻟﻔﺮﻳﻖ ﺳﻠﻴﻢ ﻓﺘﺤﻲ، وبذلك ﻳﻜﻮن ﻣﺠﻤﻮع القوات المصرية التى أرسلت للحرب 19 ألفا و722 ﺟﻨﺪﻳٍّﺎ.
وكانت أعنف المعارك التى رصدها طوسون هى المعركة التى خاضتها الفرقة الأولى المصرية بقيادة إسماعيل باشا حقى للقوات الروسية فى الدفاع عن مدينة «سيليستريا» فى موقعة أكثر من ألفى قتيل فى صفوف القوات الروسية، فيما سقط 400 مصرى ممن تم دفنهم فى المقبرة الإسلامية بالمدينة.
وختم طوسون كتابة بوثائق تحصد كل المساعدات التى قدمتها مصر للدولة العثمانية فى تلك الحرب،
ونشر أيضا خطابات التكريم والأوسمة التى حصل عليها الجنود المصريون المنتصرون، وكذلك شهادات بعضهم، وبينها قصيدة المرحوم عبدالله باشا فكرى، التى كتبها بعد المعركة.
حــــــــــــــــــــــــــــقـــــــــــــــــــــا
هم "خـــير أجنــــاد الأرض"
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.