دينا توفيق |
شعبنا الجدير الخطير للأسف حيران. حيران بين الأحزاب (يا ولداه) اللى ما لها كلمة والائتلافات اللى ما أنزل الله بها من سلطان. وبين مرشحى الفلول والإخوان و(برشطة) السلفيين عليه ويُسأل فى ذلك من أخرجهم من السجون وأعادهم من أفغانستان وجعلهم نجوما للعاشرة مساء الشاذلى.
متفائلة أنا بطبعى. ولا أحب البكاء على اللبن المسكوب. ولكننى أيضاً أرى الأمور على حقيقتها ولا أتعامى عن الواقع، ولذلك فما أراه جهاراً نهاراً مزعجاً مقرفاً منيلاً مهبباً، أن شعبنا للأسف حيران بين اللى قالوا ثورة واللى قالوا فورة وانتفاضة. بين الفلول والثوار والثورة المضادة. بين حزب الكنبة وميدان التحرير. الشعب الحيران واقع بين حجرى الرحى. بين صحف قومية موالية وصحف مستقلة صنعها النظام عمولة فأوقعته ولا نعرف لها هوية بعد أن اتكعبلت فى روحها وصارت هلامية عسكرية فلولية مفلفلة. الشعب حيران بين الفضائيات المصهللة فى مولد سيدنا الانتخابات ودعايتها للمرشحين والأحزاب شبه الدعاية بتاعت الحزب الوطنى فى انتخاباته تمام التمام وتليفزيون الدولة (خطأ فى التسمية فى الأصل وفى الدور وهو أصلاً لا داعى لوجوده ولا لتعيين وزير له). حيران يا ناس رغم ادعاء الأغلبية سواء داخل لعبة السياسة أم خارجها أنهم «فاهمين وميت فل وعشرة»!
شعبنا الجدير الخطير للأسف حيران. حيران بين الأحزاب (يا ولداه) اللى ما لها كلمة والائتلافات اللى ما أنزل الله بها من سلطان. وبين مرشحى الفلول والإخوان و(برشطة) السلفيين عليه ويُسأل فى ذلك من أخرجهم من السجون وأعادهم من أفغانستان وجعلهم نجوما للعاشرة مساء الشاذلى. وعمنا الماجد السلفى اللى راح برنامج د. هالة سرحان "ناس بوك" ليضع بينه وبينها حاجباً وستاراً فكلمها من وراء ستار (راح ليه أصلاً؟ أكيد وراء ده أغراض فى نفس الماجد وقومه وأكيد قبول د.هالة لذلك والتى أعرفها جيداً جيداً وراءه شىء فى نفس ابن طلال وروتانته وليس النجاح الذى تطلبه د. هالة سرحان ولو كان فيه هلاكاً) شعبنا الجدير حيران بين القوائم النسبية والفردية وأسماء المرشحين المستقلين (بصراحة الشعب الحيران واقع فى حيص بيص). مش عارف وثيقة السلمى دى تمام ولا مش تمام. رايح يوم الجمعة الميدان وهو مش عارف إيه اللى هيحصل بالضبط وإن كان خايف من اللخبطة فهو وبرغم القبول النسبى للإخوان المسلمين خايف منهم ومش واثق فيهم والرعب الكبير هو إخواننا السلفيين ولحاهم والحجاب والنقاب و(الرداء الإسلامى للمرأة). وهنا يجب أن أتوقف عن الشكوى باسم الشعب فليس عندى منه تفويض لأفرض عليكم آرائى وأجعلكم تتصعبون عليه (ففى ذلك حطاً من شأنه جل شأنه لا أقبله له). وهنا أتذكر ما جمعه القدماء وقالوه عنه فهو صاحب الأساطير والمخطوطات والخط الهيروغليفى والخط العربى البديع. شعبنا صاحب أضرحة الأولياء ومقابر القديسين وتوابيت المومياوات. وصناديق النذور فى سيدنا الحسين والسيدة نفيسة. والشموع اللى بيولعها عند أم النور والست دميانة شعبنا صاحب الآلهة والأولياء والشهداء والريشة والقلب والميزان للحساب من أجل الحياة الأبدية. شعبنا المؤمن بالصراط المستقيم وملكوت السماوات. الشعب الذى تغنى بالخروج إلى النهار "برت أم هِرو" الذى ترجموه "كتاب الموتى" ومتون الأهرام وترانيم العدرا ولفظ الجلالة على قناديل الجوامع الشعب الذى يتهلل بتكبيرات العيد ومردات الشمامسة والآذان والقداس. الشعب الذى قال آمين وقال آمون ونطق البسملة وردد الصلاة الربانية وشفع وأوتر. الشعب الذى كتب فلاحه الفصيح المظالم للفرعون وبعث برسائله للأولياء ولقاضي الشريعة الإمام الشافعي ا?مام والذى أوقد شمعة لمارمينا (مسلماً كان أو مسيحياً فالمسلمون يوقدون الشموع للعدرة). الشعب اللى بيكنس جامع السيدة ع الظالم والمفترى ويقرأ عدية ياسين وواظب على حضور مدارس الأحد. المُهم. اسمعونى يا أحباب. إننى أريد أن أطلعكم على خطاب. فلعل العود يخضر، ويطلع النجم بعد الأفول، أو يبسم الدهر بعد كشارة أنيابه. هذا الكلام الموجع كتبه الجبرتى زمان. وأنا بما أنى فى عشق الحكايا بدوب. ففى الحكايات القديمة قرأت حكاية رجل اسمه "جن على". عارفين مين هو "جن على" ؟ "جن على" ده هو. "على بيه الكبير". والحكاية قرأتها فى كتاب بعنوان "القومية المصرية: قراءة في وضوح البداهة" للدكتور السيد نصر الدين السيد وكتبت تقديم الطبعة الأولى له د. نعمات أحمد فؤاد وكان أنه فى زمان على بك الكبير بقى العثمانلية ثلاثة قرون إلا قليلاً وهم ينهبون من مصر ولم يبق شئ يمكن نهبه إلا وقد نهبوه. فها هو ذا شيخ مناسر (الحرامية يعنى) العثمانلية السلطان سليم الأول وقد "خرج من مصر وصحبته ألف جمل ما بين ذهب وفضة". وتمر تلك القرون الثلاثة إلا قليلا يتعاقب فيها على نيابة الديار المصرية ما يزيد على المائة والعشرين واليا من النهابين العظام. يقضون أيام نيابتهم المعدودة فى قلعة الجبل يقضونها فى نهش لحم الأمة بشراهة المفجوع. تنقضي القرون الثلاثة يا كرام ويتباطأ فيها إيقاع الزمن وتنزوى مصر فيها عن مسرح الأحداث. يخفت الصوت. تبهت الصورة. ولكن. ولكن تبقى روح الشخصية المصرية تحت السطح كامنة فوارة الحياة. وتظل الأيام حبلى فى انتظار لحظة ميلاد جديد.وتأتى سنة 1760 م بأولى آلام المخاض. ويظهر على مسرح الأحداث "جن على" أو "بلوط قبن" وكانت كلها ألقاب للمملوك المصرلى على بك الكبير الذى (لا يرضى لنفسه بدون السلطنة العظمى بديلا) والذى قال: "أنا لا أتقلد الإمارة إلا بسيفى". وقد كان له بالفعل ما قال فـ "خلص الأقاليم المصرية من ا?سكندرية إلى أسوان ونفذ إلى أغراضه بالبلاد الحجازية والشامية، ومنع ورود الولاة العثمانيين". ولقد كان جن على "يُطالع كتب الأخبار والتواريخ وسير الملوك المصرية " فحلت فيه روح الأمة النازعة دوما إلى الاستقلال، فسيَّر جيوشه ليُجسد حُلمها الجنين بقوة السلاح وانصرف ليؤكد لها شرعيته فى تتبُع المفسدين الذين يتداخلون فى القضايا والدعاوى- بأخذ الرشاوى والجعالات وعاقبهم بالضرب الشديد. ولكن آسفاً ينجهض الحلم بإثم الخيانة. خيانة مملوكه محمد بك أبوالدهب. ويقضى "جن على" نحبه مقهورا من خيانة الأقربين. وأسفاً ينهار الحلم الجنين. ويبقى الأمل حيا فى القلوب. حُلماً شاخصاً فى الأذهان وتتمناه المآقى وتُجسده كلمات الجبرتى وعودة لما قاله "ولعل العود يخضر، ويطلع النجم بعد الأفول، أو يبسم الدهر بعد كشارة أنيابه".
ملحوظة: ليس معنى ما كتبته أننا فى حاجة إلى مُخلص. ولكن المشكلة أن الشعب مؤمن باحتياجه إلى مُخلص وإن ما ظنناه ميزة فى ثورة 25 يناير وعدم وجود زعيم محدد لها صار وبالاً عليها بالمنطق الشعبوى. وربما أتذكر الآن المشهد السينمائى البديع فى فيلم "وآه إسلاماه" الذى حكى عن صعود المماليك بعد انهيار الدولة الأيوبية عندما سأل الرسول التترى: « أكلم مين لما أحب أكلم شعب مصر»
نقطة نظام
صديق على الفيس بوك كتب:
يعني إيه دولة إسلامية، يعني دولة أيديولوجية تريد تغيير ثقافة الناس وسلوكياتهم لتتماشى مع منهجها الفكري، يعني دولة بوليسية من الطراز الأول، فالبوليس سيراقب سلوكيات الناس وملابسهم في الأماكن العامة، إلى جانب جيش من المخبرين والبصاصين والمحتسبين في كل حارة ومؤسسة لمراقبة مدى تقبل الناس لأفكار الدولة ومدى التزامهم بتطبيقها، يعني دولة يتجسس مواطنوها على بعضهم وتنتشر فيها أخلاق الغيبة والنميمة والوشاية. والخوف والشك والجبن والازدواجية والنذالة، يعني دولة ينشغل فيها الناس ببعضهم فتنعدم فيها الحرية ويختفي منها الأمان والخلق والإبداع وتقل فيها معدلات الإنتاج والتنمية، يعني دولة يتربع النفاق على عرشها، فالكل سيتظاهر بالالتزام حقا أو خوفا، يعني دولة فاشية شريرة فاشلة كسائر الدول الأيديولوجية من شيوعية ونازية وسعودية وأفغانية وسودانية وصومالية.
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.