الرائعة والقلب النابض بالأحساس والقلم الحر المعبر دينا توفيق.بعد عودتها منيرة كالشمس بسلامة الله من رحلة علاجية لتسعدنا دائما بتألقها وروعتها المطلق الحر بالأداء.تعود لنا اليوم برواية الجوزاء وفيما يلى فصل من الرواية
جزء من روايتى "الجوزاء" الفصل بعنوان "الساكن امام البحر"
الساكن امام البحر"
"يا غاية السؤال والمأمول يا سكني" الحلاج
قررت مريم تعريف موقعه على خارطة حياتها فتقافزت الاسئلة واللقطات مُلحة ساخنة .. تذكرَت وهى فى التوربينى المتجه الى الاسكندرية نظراته .. وعندما فتحت الباب بمفتاحها الذى اصر ان يمنحها اياه لتأتى دونما تقيد بموعد مسبق استلقت عليها وأسندت ظهرها لتحدق نحو الستائر المنسدلة عند الطرف والتى يرخيها وهو نائم .. لقد اختار تلك الديوانية المكتوب على مسند ظهرها " يا كُل كُلي " والاشبه بالفراش اذ يستخدمها للنوم .. اى انها تنام الان على سريره بمفردها ومن تلك الزاوية تجول بنظرها عبر النافذة والشرفة المطلة على المشهد الذى يحبه .. انه يسمى نفسه " الساكن امام البحر ".. وتمد نظرها نحو الخزانة التى تحوى تفاصيله .. كتبه .. صوره … آه وتلك الصورة التى شغلت مكاناً على الحائط ... ارتعدت وتملكتها وخزة مؤلمة .. تلك الوخزة المزمنة منذ امد .. هذا المكان تمنى نور كامل ان تسكنه امرأة اخرى وان تنام على فراشه .. ان ما تشعر به مريمة الان احساس مقرف ... نهضت عن الفراش وتوجهت إلى الطاولة ذات المرآة حيث تناولت من عليها زجاجة عطره .. زجاجة ".. " المفضلة لديه .. استنشقتها واطلقت رزازها على كفها ثم أعادتها مكانها بسرعة وهي تشعر بجفاف في حلقها ورجفة .. وبعد ثوان افرغت ما فى جوفها فى الحوض بعد ان عبرت الصالة عدواً نحو الحمام .. وغسلت يداها بقوة وعزم .. ولكن الرائحة باقية باقية .. فكرت ان تطيح بكل ما على الطاولة إلى الأرض بحركة واحدة .. وان تنزع ما فى الخزانة من كتب واوراق.. انها فى كابوس .. ولكن للاسف أنه ليس كابوساً بل واقعاً .. شغلت جهاز الكمبيوتر الموصل بالسماعات الجديدة التى اشتراها نور مؤخراً ليستمتعا بالموسيقى التى تسكن بينهما .. ياقمر الحلوين .. ياحلو يا مغروم .. يا حبق ومنثور ويعود الهاجس اللئيم بخبثه .. ولكن ربما نغمات موسيقى "المولاوية" ستُحل السكينة فى نفسها .. عبثاً المحاولة انها تعرف تماماً ما ستمر به من ألم صارم لا يتسامح او يتساهل .. سألت نفسها "لماذا انا هنا الان ؟" .. لقد قال لها نور من قبل إنه سيد المكان الذى تتعرى فيه روحه ولا يشاركه فيه احد .. فهل يعني ذلك أنه سيدها الذى منحها شرف الدخول ومن حقه طردها ؟ أهذا الكابوس الجارح هو عقابها على غزوها لخلوته ؟ حاولت مريمة طرد كل الوساوس وظنت انها موشكة على التماسك .. ولكن الوساوس عاودتها .. وجاء نور حاضراً بين انفاسها وهى تتمدد على الديوانية .. انها تسمع شهيقه وزفيره .. انها تعرف معنى الرغبة .. إذ شهدتها في عينيه وسمعتها في صوته فهو لم يظهر لها سوى تلك الرغبة .. وانها لتتذكر الان صوته المميز وكلماته المدغمة .. وتتذكر لطفه القديم معها ..قررت ان تأخذ حماماً بعد ان اطمئنت على مؤشر المياه الساخنة .. استلقت فى البانيو واغرقت افكارها جزئياً .. جففت جسدها ثم التقطت المنشفة الكبيرة وشعرت بقشعريرة لاضطرارها الالتحاف ببشكيره البنى .. ونظرت إلى نفسها بلوم على احساسها "العبيط" تجاه البشكير وصاحبه ثم ابتسمت لنفسها .. ..لم تشعر قط أنها بحاجة إلى الراحة كما هي الآن فها هو الليل قد بدأ يتسلل .. استلقت على الديوانية واخذت تحملق فى سقف الغرفة .. انها تحس بالإحباط ... لكن ثمة أسئلة كثيرة تريد إجابات لها .. ولا اجابات بالفعل لها وان حاول ان يرضيها باجابات دبلوماسية زائفة .. اعياها طرد الهاجس المُلح ولكن عبثاً .."يا ويح روحي من روحى" التفتت عندما سمعت صوت المفتاح في الباب الذي أطل منه نور وهو يحمل زجاجاته فى الكيس الورقى .. لقد اتى بالشراب وبعض "المزات" من بقاله المفضل .. تقدم إلى الطاولة وصب لنفسه "شوب بيرة" ثم قال :لعل هذه الفترة القصيرة لم تفقدك القدرة عل الكلام ؟! لقد كان لديك الكثير مما تريدين قوله عندما التقينا فى منتصف النهار .. اننى أتوقع سهرة ممتعة ..هزت مريمة كتفها فى ادعاء فج باللامبالاة التى يعرف هو انها مجرد دور تمثيلى تحاول ان تؤديه .. وبما انها ممثلة فاشلة فالامر مكشوف ..انه مجرد دور .. وقالت : آسفة لأنك تجد صحبتي مملة لكنني لست معتادة على تسلية الرجال ..!!الرد اثار إعجابها بنفسها .. لكنها لعنت الاحمرار الذي غزا وجهها ..قال لها وكأنه يعنفها بطريقته التلقائية المعتادة : عقلك الأنثوي الذى اعرفه جيداً بماذا نصحك؟؟ ..قالها ثم واصل ملتفتاً الناحية الاخرى : أعتقد أنك وجدت الكنبة مريحة .ضحك ساخراً لرؤية احمرارها يشتد .. وكما لو كان قد قرر التراجع عن استفزازه المتعمد .. لا اريد يا مريم أفساد ليلتنا .. إنه لا يطاق واثق ومقتنع بأنه مُسيطر لكنها ستواصل وعندها سترى سيطرته تتلاشى ..واصل نور شرابه وقلبها يخفق ثم قالت : ستنصرف بعد تناول الطعام لاننى متعبة "يا صعيدى" ..يشبع غروره اهتمامها وادعائها الصريح .. ولكن هى تعرف انه لا يحبها .. وبين قوسين سألت نفسها كم مرة فكرت بحبيبها الذى فارقته مجبرة منذ ان دخلت المكان ؟ وحتى عندما بكت وحيدة ونادمة على تواجدها فى بيت نور كانت تعرف تماماً ان بكائها دوماً على نفسها لا على افتراقها عن حبها .. كان من الأشرف لها أن ترفض اقترابه ولكن الامر برمته جعلها تستسلم ..نهضت مريم واخرجت محتويات اللفافات وافرغتها بطريقتها التى يحبها ويجد متعة ولذة فى تتبعها وهى تروح وتجىء امامه منهمكة فى اعداد الطاولة .. وبشهية مفتوحة اخذ يلقمها فى فمها لقمة وراء لقمة .. وللغرابة انها حين تنخرط فى تفاصيل الحياة معه تتلاشى الهواجس التى لا تلبث ان تعاودها بشراسة عند الافتراق ....بعد أن انتهيا .. رفعت الاطباق وحضرت القهوة فى المطبخ ثم عادت ووضعت امامه الفنجان الذى اشترته له بذوقها .. فهو يسع قهوته الصباحية العملاقة التى تسهم فى افاقته نسبيا ً.. "مجنونة رسمى " قالها بسخرية بعد ان كادت تحطم الفنجان حين وضعته بقوة "هبدته" حتى انسكبت منه قطرات على قماش المفرش المزركش .. نظرت الى عينيه بتحدى "وجنان بجنان .. ما انا مجنونة بقى " وراحت تحتسي قهوتها وهى متربعة فى جلستها التى تعقد فيها ساقيها بالتفافة تريحها .. ارتد نور برأسه إلى الوراء مبتسماً : ماتبصيليش كده .. حنرقص ..ثم هب عن كرسيه متجهاً نحو الشرفة حيث راح ينفذ بصره الى الافق والبحر العميق الموشك ظلامه على احتضان الضوء بشوق .. ثم أطلق صفيراً منخفضاً بدندنة تعرف معناها .. وراح الى جهاز الكمبيوتر وهى تعرف تماماً ماهى الاغنية التى سيقوم بتشغيلها .. I found my love in Portofinoعاد ليستلقى بجوارها على الجانب الاخر من الديوانية التى اخذت تتمدد عليها بدعة وأسند ظهره ومد يده عابثاً بطرف فنجانه على الطاولة ونظرة تعرفها تخترقها : أتتسامحين بهذه البساطة دائماً ؟ .. فاجابته بثقة : هذا يتوقف على نوع الإساءة .. واساءتك يا نور لم تكن متعمدة .. ساد الصمت الفاعل بينهما طويلاً .. وبينما دموع الغضب تجتاحها اكتشفت حقيقة مبدعة فتلك الدموع الحانقة ورغم كل شىء تجف سريعاً .. وانتحرت الاسئلة المُلحة الساخنة ... لقد تلاشت بالصمت الفاعل بينها وبين نور .. ما اجمل ان اكون بين ذراعيه اللتين عقدهما على جسدى وشدنى نحوه فتعلقت يداى بكتفيه غريزياً لاحافظ على توازنى .كانت عيناه لامعتين ببريق ما .. ما إن احتوانى تماماً حتى توقف عقلى عن التفكير لتحل مكانه الإثارة الفجة الصافية .تبخر أي تفكير بالمقاومة وهو يحتجزنى بين يديه بتسلط وتحكم لم احلم بوجودهما من قبل .. كنت عاجزة أمام قوته عاجزة عن منع الاستجابة الحلوة لعناقه المتدفق .رفع نور رأسه فإذا أنفاسه مضطربة وإذا عيناه تحدقان في عيناى الواسعتين ثم خرج منه صوت يجمع بين التنهد و التأوه قبل أن يعود إلى ضمى ثم افترقنا ثم تعانقنا .. كان وكأن لمساته تشعل ناراً حول ما تلمس وسمعت انفاسى تتوق إليه "يا غاية السؤال والمأمول يا سكني" ولم تعرف مريمة ما الذى اجرى كلمات "الحلاج" على ذهنها وخاطرها منذ ان استسلمت لخضوعها لنور .ولكن ربما كان لصديقتها الحميمة نوران وجهة نظر احرى بالالتفات اليها .. هكذا جاء الخاطر بارقاً وهى فى حضن نور "أيتها الحمقاء.. أنتِبهى تحتاجين بعضاً من الانانية وعدم التورط فى افعال السخاء العاطفي .. "
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.