حديث الجيم | بقلم جمانة حدّاد
ركن المتلصص | بريشة ماهر قريطم
رادار الجسد
محور – القبلة
تاريخ القبلة | باتريك الهاني
كادر – قبلة من فوق قبلة من تحتالقبلة في الفن | يوسف ليمود
القبلة في السينما العربية | محمد رضا
القبلة في السينما الأجنبية | هوفيك حبشيان
القبلة وشبهة الايقاع بالجسد | ابراهيم محمود
قبلة | عقل العويط
أوّل بوسة | نور زيادة
قبلة يهوذا الملغزة | عبده وازن
ريبورتاج
تسلل الى شبكات الانترنت الجنسية العربية | فيديل سبيتي
المرّة الأولى | بقلم حزامة حبايب
بلا مواربة | جمانة حداد تحاور جمانة حداد
فنون
فنون - بحوثالجسد في الفن العربي | يوسف ليمود
لوحة في جسد | يوسف ليمود
فنان العدد: طارق دجاني
آداب
آداب – مقالاتالجنس الجسد والرائحة في رواية "العطر" لزوسكيند | حسن عباس
كادر: حاسة الشم في التراث العربيآداب - كتب
"اسمه الغرام" لعلوية صبح | رفيف صيداوي
"الجسد المخلوع" لابراهيم محمود | مازن معروف
"بريد مستعجل" لجمعية ميم | مازن معروف
من هي "ميم"؟ | منيرة ابي زيد
"المناطق الرطبة" لشارلوته روش | سمير جريس
من الضفة الأخرى
خالد الجبيلي يترجم كلير ينيدين: حوار مع قضيب
أجسادهم أجسادهنّ (بالترتيب الأبجدي)
حكاية ثقب | علي الجلاوي قصيدة أولغا | اسكندر حبش لهو الكاميرا | بثينة سليمان
سوتيانات الملائكة | جورج يرقحضارات وطقوس
خذوا الجنس من افواه الفراعنة | مازن معروف
سينما
سينما المثليات في قرن | صخر الحاج حسين
كادر: المخرجة باحثة عن الذكر البديلجغرافيا الشهوة
شارع المعاملتين | باسكال عساف
ثقافة جنسية | د. فيصل القاق
صحة وجمال
هكذا وشم الضبع صدر الفتى | حنين الأحمر
جسد دوت كوم
tattoos.com | منيرة ابي زيدإيروس في المطبخ
Jeff Koons | نينار اسبرللراشدين فقط
جسد اسكندر حبش
حديث الجيم
جمانة حداد
"اللغة جِلدٌ: أفرك لغتي بالآخرين، كما لو أنّ كلماتي أصابع، فأرتجف من فرط الرغبة"
رولان بارت
ما الذي يستدعي، في هذا العدد الرابع، إجراء مقابلة مع الذات، تتمحور مرتكزاتها حول الأسئلة الجوهرية المرافقة لفكرة قيام هذه المجلة، ولمعنى وجودها الملموس، والمتوازية مع استمرار العزم على ترسيخ حضورها وفاعليتها في حياتنا وثقافتنا العربيتين؟ هل الحافز دفاعٌ ضروري عن النفس، أم محض بروباغاندا تسويقية؟ أجيب: لا هذا، ولا تلك. فلا التبرير همّ، ولا الترويج حاجة. أجيب: إذ نضيء مع هذا العدد، الشمعة الأولى من عمر المجلة، أجد نفسي كما لو أننا عشية صدور المولود الأول: ورشة نحل حول قفير، هو الجسد العربي. وللورشة أن تسائل من حين إلى حين أسسها، ومداميكها، ورؤاها، وحفرياتها، وهديرها، والفضاء الذاهبة إليه. وإلا ما كانت لتكون ورشة، بل منجزاً. والمنجز ليس جسداً، بل جثة انتهى عمرها وتحققت كل احتمالاتها، وما عاد لها غدٌ ولا إمكانات. بينما نريد لـ"جسد"نا أن يظل حياً يتنفّس وينمو ويكبر ويتحدى ويتبلور ويتغيّر. نريد لـ"جسد"نا النقصان الخلاّق، التائق دوماً الى المزيد.
قلتُ ورشةً حول قفير. ولكن ما نقوم به في "جسد" ليس فحسب عملَ نحل، بديهياً وغريزياً وأوتوماتيكياً. فنحن نطمح الى ما هو أكثر وعياً. وأكثر تعمّداً. وأكثر إشكاليةً. وأكثر عمقاً. وأكثر حفراً. وأكثر إرباكاً. وأكثر كسراً. وأكثر خلقاً. نطمح الى المساهمة في إقامة كينونة الجسد الحرّ كلاًّ. وتأكيداً: الجسد العربي.
على هامش هاجس الحرية هذا، ومع الاستعدادات لبدء السنة الثانية من عمر "جسد"، ثمة أسئلة تواجه، وتقضّ، وأجوبة تطمح الى أن تكون احتمالات مفتوحة على مصائر أخرى. في ما يأتي تأمّلٌ في المحرّضات والنتائج والطموحات، "منهوباً" من مقالات كتبتُها، وآراء أدليتُ بها، وكولاّجات من مقابلات أُجريت معي خلال الأشهر الفتيّة من عمر المجلة، أقدّمها هنا الى القرّاء دعوةً الى التواطؤ... أو الى الاختلاف.
* بدايةً، إلام تهدف مجلة "جسد"، وما هي مهمتها؟ والأصحّ أن أسألكِ ربما: عمّ تدافع؟
- قد يكون أجمل ما في "جسد" أنها عزلاء من أي مهمّة أو قضية أو نضال. هي موجودةٌ، أولاً، لأنها حاجة. وهي موجودةٌ، ثانياً، لأنها لذة. أقلّه، بالنسبة إليّ وإلى مجموع أصدقائها وطالبيها ومحبّيها وقرّائها. أي أنها تضمّ تحت كنفها "المفيد والممتع"، مثلما يقول الفرنسيون. "جسد" موجودةٌ ايضاً لأن الجسد هو حقيقتنا جميعاً، الفردية والجماعية. وهو هويتنا، وعلامتنا الفارقة، ولغتنا، وبوصلتنا، والطريق الى كل واحد منا. لا أملك ألا أشعر بالغضب والحسرة حيال عملية "الإخصاء" الوحشية والمجحفة التي تعرّضت لها لغتنا العربية في الزمن الحديث، على مستوى تجليات الجسد فيها. أردتُ إذاً لهذه المجلة، وإن بعيداً من الشعارات، أن تعيد الاعتبار الى لغة الجسد، أن تضعها تحت المجهر، باعتبارها مرآتنا الأولى والأخيرة.
أمّا ما تدافع عنه "جسد"، فهو، أولا وأخيرا، حريتها: حرية أن تكون. أن تقول. أن تنمو. أن تسأل. وهي تدافع عن الحرية مطلقاً، ولكن أيضاً: عن حرية أن ترفضها فئة معينة من الناس. وهذه حرية، أقول إنها جديدة من نوعها، لأنها ما كانت لتكون موجودة لولا وجود المجلة نفسها. ليس ثمة حرية ولا ديموقراطية بدون خيار، وقد أوجدت "جسد" الخيار بين أن يكون الآخر محبّذاً لها، أو محتجّاً عليها. الدفاع عن الحرية لا يكون برفع الشعارات والخطب الرنانة، وإنما بإحداث ثغرة عميقة في جسد الثقافة. وهذا ما تتوق المجلة الى المساهمة فيه.
* ما هي المعوقات الرئيسية التي اصطدمت بها مبادرتكِ منذ انطلاقها؟
- هي كثيرة، لكنها في الآن نفسه ثانوية وليست "رئيسية"، بمعنى أنها لم -ولن - تهدّد كيان المشروع ووجوده. ربما يكون العائق الأول، الأكثر بديهية، مرض السكيزوفرينيا الذي تعيشه مجتمعاتنا وثقافاتنا العربية. فالكلام عن الجسد وعريه جيد ومحبوب ومرغوب في العالم العربي ما دام "الآخر" هو الذي يكتبه ويقوله. نتحدث عن الجسد باعتباره جسداً "آخر" وليس باعتباره جسدنا. نميل غالباً الى أن نشيّد مسافةً سميكة تفصلنا عن المسائل الحساسة، فلا نلامسها ملامسة مباشرة، ولا نقترب منها، ولا نخاطبها إلاّ من وراء حجاب، أو بطريقة ملتوية. نتحدث مثلاً عن "الأنا" مستخدمين النحن أو الهو. نقارب العري، عرينا، وحياتنا الحميمة، بطريقة ملتبسة، خجولة، أو دونية، فكأننا نرتكب خطيئة مميتة أو جريمة. هذه المسافة التي نقيمها بين الذات والموضوع ليست مسألة عابرة في ثقافتنا العربية السائدة، إنما هي في الأساس من كل مقاربة ذات إشكالية تتعلق بأحد التابوهات الحساسة في مجتمعنا وحياتنا. طبعاً لستُ أعمّم، وهناك من دون شك استثناءات على هذا الصعيد، لكنها استثناءات فحسب، ووجودها يبرهن فظاعة نقيضها ومدى انتشاره.
* كيف ولدت لديكِ فكرة إنشاء مجلة ثقافية متخصصة في "آداب الجسد وفنونه وعلومه"؟
- أفكّر في "جسد" منذ سنتين. كنتُ قد قرّرتُ إطلاق مشروع نشريّ خاص بي، وأسستُ فعلاً دار نشر صغيرة هي "الجُمانة للنشر والترجمة والاستشارات الأدبية". وكوني كاتبة وصحافية، بدا لي أن تحرير مجلة ثقافية تصدر عن الدار فكرة جيدة كانطلاقة لنشاطات هذه الدار. لكني لم أكن أريدها محض مجلة ثقافية "أخرى". رحتُ أفكّر في الاحتمالات المتوافرة أمامي، وسرعان ما طرحت تيمة الجسد نفسها في شكل غريزي. فلطالما كان الجسد تيمتي الأثيرة في كتابتي الشعرية، والفضاء الذي تتحرك فيه اهتماماتي وقراءاتي وتعبيراتي وتخيّلاتي وأفكاري، ولأجل ذلك اعتبر المجلة، "طفلتي" الجديدة هذه، قصيدة من قصائدي، وإن مكتوبة بشكل آخر. هي قصيدةٌ ذاتُ تمثّل مختلف على الأرض، لكنها حتما قصيدة. هكذا أعيشها وأتعامل معها، وهذا ما يحفّزني أصلاً على بذل كل هذا المجهود في سبيلها. قصة "جسد" هي قصة شغف. هناك خيط واضح يربط كتاباتي وقراءاتي ودراساتي وانشغالاتي الشعرية والأدبية والصحافية، وحتى الحياتية، بموضوع الجسد، وأنا أرى أنها أجزاء متكاملة ومنسجمة مع نفسها، تحت سقف جامع هو أنا.
* ولكن لماذا تحرّضك تيمة الجسد بالذات؟ هناك شوائب وعيوب، أو على الأصح "حاجات" كثيرة أخرى، في الثقافة والمجتمع العربيين، يعتبر البعض أنها كانت لتكون أولى بالاهتمام والمجابهة...
- مَن يستطيع أن يدرك بدقة سبب اختياره تيمة دون أخرى كمحور لفضائه التعبيري؟ أنا مقتنعة أن مضوعاتنا هي التي تختارنا، لا العكس. ثم لكل واحد منا الحق في أن يحدّد "معاركه" (لا استخدم كلمة "معركة" هنا بمعناها النضالي، بل الوجودي والثقافي البحت). وانا شئتُ، على المستويين الواعي واللاواعي على السواء، أن تكون هذه هي معركتي. لم أدّع يوماً أن التابوهات المرتبطة بالجسد هي المشكلة الوحيدة التي ينبغي لنا الالتفات إليها ومحاولة مناقشتها وإيجاد حلول لها في الثقافة العربية. لكنها مشكلة تثير اهتمامي وتستفزّني أنا شخصياً، في الحياة والأدب والفن والشعر. تالياً كان خيار هذه التيمة منطقياً وموفّقاً، وأكاد اقول: بديهياً ومتوقّعاً.
* ألا ترين أن الوقت غير مناسب في العالم العربي لخوض مثل هذه "المعركة"؟
- ليس ثمة شيء في الحياة اسمه "وقت مناسب" و"وقت غير مناسب". الوقت المناسب نخترعه نحن. نجترحه نحن. نفرضه نحن. يجب ألاّ ننتظره حتى يصل إلى فمنا بملعقة من ذهب... أو بملعقة من علقم.
* إذا كان الجسد هو المحور، بكل تمثلاته، فلماذا يأخذ الجسد الجنسي حيزا أكبر من سواه في المجلة؟
- لأنه أحد أشدّ أجسادنا المخطوفة التباساً وإثارة للاهتمام وقدرة على التغيير في رأيي. تالياً فهو يستحوذ أكثر من غيره على انتباهي وانتباه المساهمين في المجلة، وينال مساحة أوسع من سواه. لكنه ليس الجسد الوحيد المأخوذ في الاعتبار. فمجلة "جسد" تهتم بكل ما يتضمنه تعريفها من احتمالات وإمكانات وسمات، أكانت هذه السمات ذات طبيعة ايروتيكية أم إنسانية أم فنية أم علمية أم اجتماعية أم فلسفية الخ. كل ما يطرحه جسدنا علينا من أسئلة، هو مشروع مناقشة وتفكير واستكشاف فيها. كل جسد هو موضوع دسم لهذه المجلة: من جسد الأرض الى جسد الطبيعة مطلقاً الى جسد الفضاء الى جسد الخيال الى جسد الإنسان والى جسد اللغة. وعليه، فإن موضوعاتها لا تتعلق فقط بجسد الرجل أو بجسد المرأة، إنما بكل جسد على الإطلاق. والجنس جزء أساسي ومهم وحيوي من فلسفة الجسد وحياته ولغته واحتمالاته. إنه محرّك الحياة.
* ماذا يعني أن تكوني امرأة تصدر مثل هذه المجلة في العالم واللغة العربيين، وأن تتحملي عالياً مسؤولية خطابٍ جريء متمحور حول الجسد؟
- لهذه المسألة خصوصية ذات حساسية بالغة في حياتنا العربية لأن تاريخنا الثقافي هو تاريخ ذكوري، وتالياً فإن كتابة المرأة عن جسدها أمر مغيّب تاريخياً، ولا بدّ ان يكون مستهجناً وموضع إدانة عندما يقفز الى سطح الكلام ويصير مادة "طبيعية" و"عادية" في حياتنا الثقافية أو اليومية. المرأة العربية عموماً لا تزال جزءاً ملحقاً بالثقافة الذكورية المسيطرة. التابو يفرض أن يكون الرجل هو الذي يتكلم عن جسد المرأة باعتباره موضوعاً، لا أن تتكلم المرأة عن جسدها أو عن جسد الرجل. فالمرأة هي التي تتلقى وليست هي التي تبادر. هي التي تُستقبَل وليست هي التي تستقبل. هي الموضوع أما الرجل فهو الذات. جسد الرجل، تالياً، ليس موجوداً إلاّ لأنه يفعل فعله في المرأة، ولكنْ بدون كلام منها.
لأجل ذلك مثلاً، يكاد يُجمع نقّادنا على استخدام مفردة "جرأة" للكاتبات حصراً: فالمرأة اذا انتهكت، جريئة. أما الرجل اذا انتهك، فأمر أكثر من عادي، لأنه "يستكشف أدبيا كل طبقات الحياة"، على ما قرأتُ في أحد المقالات النقدية. تكتب امرأة، في جملة ما تكتب، عن الجنس، فتوصَف بالكاتبة الجريئة. يكتب رجل في الموضوع نفسه، فتمر كتاباته هذه مرور الكرام. كأنها "طبيعية". لكنها فعلاً "طبيعية"، تلك الكتابات، أَصدرتْ عنـ"ه" أم عنـ"ها". جسدنا جزء أساسي منّا ومن روحنا وعقلنا، وهو حقل تجاربنا وميدان عيشنا للحياة. هو الأرض التي تستقبل في رحم ترابها، الشمس والقمر والمطر والريح والنهر والعصافير والناس. الحياة تجربة فيزيولوجية، فيزيكية، غرائزية، "حواسية"، بقدر ما هي نفسية وعاطفية وفكرية. على المستوى الشخصي، كل شيء عندي محسوسٌ وقابل للمس: الشعور، الما وراء، الضمير، الخيال، الجوهر، الذهن، اللاوعي، الزمن، الايمان، الحب، الخ. وأنا إذ أكتبُ عن الجسد والجنس وعن رغباتي واستيهاماتي، في قصائدي كما في المجلة، وإذ أروّج وأنشر وأدافع عن كتابات وأعمال لآخرين من هذا النوع، فإنني لا أفعل ذلك لكي أقدّم "وجبات حارة" للقارئ المتعطّش الى إثارة ما، بل سعياً منّي الى ان أكون أمينة لما أعيشه في داخلي ولما أهجس به ولما أنا مقتنعة بها ثقافياً وحياتياً.
* ألا تخشين أحكام القيمة؟
- قد يبدو ردّي متعجرفاً، ولكن ما يشفع به أنه صادق: أحكامي اصدرها وحدي، حدودي أقررها بمفردي، ولا احتاج وصياً عليَّ يحدّد قيمتي ويقوّم أخلاقي ويقوّمني. إن الغالبية في العالم العربي تعشق التعميمات، وحصر الناس في تعريفات محددة وضيقة، لأن المتفلت من التبويب يقلقها. ينطبق هذا خصوصا على نظرة تلك الغالبية الى المرأة. فالمرأة التي تكتب عن جسدها بأريحية، من دون خوف أو مراعاة لأي رقيب مفروض عليها، هي حكماً، بمعايير تلك الغالبية السطحية، امرأة فاجرة وخارجة تماما على سلّم القيم. بمعزل عن كوني أحتقر هذا التصنيف، ولا أجد نفسي معنية بشفاء "المرضى"، كوني كاتبة ولستُ طبيبة، يهمّني أن ألفت الى أننا جميعا، رجالا ونساء، نملك الحق المطلق، كبشر، في أن نكون أحرارا في الفكر وفي التعبير وفي العيش. الرقابة إهانة لنا كراشدين وكمثقفين. من هو هذا الذي يظن أنه يملك الحق في أن يقول لي: هكذا يجب أن تفكري، وتتكلمي، وتكتبي، وتعيشي؟
* لكنك متهمة باستيراد افكار غربية غريبة عن قيم العالم العربي وتقاليده...
- يحتاج من يقول كلاما متسرّعاً من هذا النوع إلى أن يعود إلى بعض تراثنا الأدبي العربي ويطلع عليه. بعدذاك ننتاقش معاً في مَن يستورد ماذا، وكيف. جرأة الفتح الحقيقية في اللغة العربية، جرأة الانتهاك والبوح الصادم المتفلت من التابوهات، قام بها كتّابنا العرب قبل ألف سنة وأكثر. وخطاب "جسد" خطاب معاصر متواصل مع هذا التراث، أي أنه يستمد بعض تحريضاته من الحسرة على ما كان لدينا في تراثنا الأدبي العربي، وما قُمع لاحقاً أو تم إخفاؤه والتنصّل منه. لكنه، إذ يستعيد هذا التراث المضيء فإنه لا يتوقف عنده، بل يشتهي أن يتواصل كذلك مع حركة الجسد الراهنة، في أبعادها الفنية والأدبية والعلمية، العربية والعالمية على السواء. فنحن نعيش في القرن الحادي والعشرين، وأنا من المؤمنين بالحوار بين الحضارات واللغات والثقافات. لأجل ذلك أجدني مقتنعة بأنه لا يمكننا التعاطي مع الجسد على انه "جسدنا العربي" فحسب. هذا النوع من الحصر والخصخصة والتبويب، يضرّ بمفهوم الجسد الحرّ والرحب في جوهره. فضلاً أنه لا يتماشى مع رؤيتي الخاصة للحياة والثقافة، القائمة على سلسلة لامتناهية من النوافذ المشرعة على الاحتمالات والاكتشافات الجديدة.
طبعاً، المجلة تحرص على أن يكون كتّابها في الدرجة الأولى من العالم العربي، وأن يشاركوا بأسمائهم الحقيقية، لأني أريد فعلا أن أساهم، أولاً، في إنتاج مادة "من الداخل"، تنتمي الى رؤيتنا، بل الى رؤانا العربية، على تنوعها واختلافها وتناقضاتها. أريد أن تنطلق هذه المجلة من لحم لغتنا العربية وفكرها وإمكاناتها، لذلك فإن حصّة الترجمة في المجلة محدودة جداً، مقارنةً بالمساهمات المكتوبة بأقلام عرب، ولا تتعدى نسبتها العشرة في المئة. لكني من جهة اخرى لا أريدها جسداً عربياً منغلقاً على نفسه ومكتفيا بذاته، بل رائياً لجسد الآخر ومقيِّما له ومتحاوراً معه، أيضاً وخصوصاً. ما الجسد إنْ لم يتفاعل؟ مصيره الانكماش على نفسه والذبول لا محالة.
* أنتِ متهمة ايضاً بإفساد أخلاق الأجيال الشابة...
- "إفساد أخلاق الأجيال الشابة"؟! كلام يثير السخرية فعلاً! لكأن نظام التكاذب والتنافق والتخابث والتعربد، وهو النظام الذي يسيّر حياة غالبية المجتمعات العربية، بمؤسساته الثقافية، وطبقته السياسية، وبناه المجتمعية، لا "يفسد أخلاق الأجيال الشابة"! لكأن العهر السياسي الدائر من حولنا لا "يفسد أخلاق الأجيال الشابة". لكأن العهر الثقافي والاعلامي الدائر على صفحات بعض الجرائد وشاشات التلفزيونات لا "يفسد أخلاق الأجيال الشابة"! لكأن تحكّم الأجهزة المدنية والأمنية والدينية بمصائرنا، وتعاملها معنا كقطعان ينبغي لها أن تؤدي واجب الطاعة، لا "يفسد أخلاق الأجيال الشابة"! لكأن الصفقات والسمسرات والسرقات وعمليات النهب المنظمة وغير المنظمة، الجماعية والفردية، وكل "فنون" البيع والشراء تحت الطاولة، وحتى من فوقها، لا "يفسد أخلاق الأجيال الشابة"!
لا. وحدها لوحة لامرأة عارية أو صورة لرجلٍ عار، وحده مقطع عن عاشقين يمارسان الحبّ في رواية، أو ذكر لنهدٍ أو قضيب في قصيدة، وحدها هذه كفيلة تمزيق غشاء البكارة لهذا النظام الثقافي، المجتمعي، الأخلاقي والقيمي، المتخابث. فنِعمَ الأخلاق!
يحكي البعض لدينا في العالم العربي عن "طهر" الأدب وفضيلته، وكأن لهذا مهمّة تربوية وأخلاقية! لو كان الأمر كذلك، ماذا نفعل بسيلين وباوند وجينيه؟ ماذا نفعل بساد ونابوكوف وباتاي؟ ماذا نفعل بالنفزاوي والسيوطي والأصفهاني؟ البراءة الحقيقية هي الصدق مع الذات والآخر، والكلام عن الجسد له بعدٌ روحاني كامل ومطلق. لأجل ذلك أرى الكتابة عن الجنس، وفيه، ومنه، أمراً طبيعياً وفطرياً وعادياً ومنطقياً الى حد أني أستهجن أي سؤال أو تعجّب أو فضول (أو استنكار، طبعاً وخصوصاً) تصبّ في هذا المكان. متى ننضج ونتحرّر من هذا الخوف المهين من الكلمة ومن تسمية الأشياء بأسمائها؟
* أنت متهمة ثالثاً بأنك تصدمين لتصدمي...
- دعينا لا نحوّل الحوار إلى محاكمة من جهتكِ ومرافعة من جهتي! لستُ لأتحكّم بما يقوله الآخرون عني وعن المجلة، على اختلاف دوافعهم (وبعضها خبيث لا مفرّ)، لكني أستطيع أن أتحكّم بما تقوله هي، أي المجلة، عن نفسها: وما تقوله يتعارض في شكل بديهي وواضح مع مفهوم الصدم المجاني. يكفي النظر الى كمّ الجهود الجدية والعميقة المبذولة في صفحاتها، من جانب المساهمين فيها من كتّاب وفنانين عرب، لكي ندرك ذلك. هذا، طبعا، شرط أن نتمتع بحدّ أدنى من النزاهة الفكرية (ما ليس متوافرا للجميع). نحن يحلو لنا في الثقافة العربية أن نتخيّل أنه في وسعنا إلغاء ما لا يناسبنا وجوده بشحطة قلم. لكن الواقع غير ذلك. وقد حان لنا أن ننضج بما فيه الكفاية لنعي هذا الأمر. كما ذكرتُ سابقاً، أنا أفكر في مشروع "جسد" وأعمل عليه منذ سنتين. ومذ قررت أن أقوم بهذه الخطوة، كنت مدركة تماما أن مشروعا مثل هذا لا يمكن أن ينال الإجماع في العالم العربي. وهذا حسن. فالاجماع لا يهمّني، وأرى أنه يهين ذكاءنا جميعاً: فهو، لطالما ترافق مع أسوأ الظواهر في العالم، وليس أقلها بعض أنظمتنا السياسية والاجتماعية العربية الديكتاتورية. هناك انقسام إذاً حول المجلة، ولا بأس، بل هذا أكثر من طبيعي وإيجابي. فالجدال الذي يولّده هذا الانقسام في الرأي، يقع هو الآخر في صلب رؤية "جسد" وطموحها: أي ايقاظ بعض مستنقعاتنا من كبوتها المميتة. هناك من يعتبر المجلة عملا ثقافيا استثنائيا، وهناك من يراها شيئاً لا قيمة له. اتلقى كل يوم كمية من الرسائل والايميلات المهنّئة والمشجّعة (خصوصاً من قرّاء عاديين لا أعرفهم، ودعمهم يشكل عزاءً كبيراً لي لأنه صادق وغير موبوء بأيّ شبهة مصلحة)، مثلما اتلقى رسائل شتم وإهانات، وأحيانا تهديدات، بلا توقيع، أو بأسماء مستعارة، لأن مرسليها أكثر جبناً من أن يعرّفوا عن أنفسهم (هؤلاء مدعاة للشفقة عندي). لكني لا أفرض المجلة على أحد. وعلى من لا تعجبه، ويراها محض صدم مجاني، أن يمتنع عن قراءتها! الأمر بسيط للغاية في الحقيقة.
* ما/ من الذي حرّرك كامرأة تنتمي إلى هذا المجتمع الذي تنتقدينه وتتمردين عليه؟ هل انت ابنة عائلة منفتحة ولا تقليدية؟
- لا، بل على العكس مما توحي به خياراتي وافكاري وكتاباتي، نشأتُ في كنف والدَين تقليديين جدا، حدّ أنه لم يكن مسموحاً لي، مثلاً، الذهاب الى السينما مع صديقاتي أيام مراهقتي. زيدي على ذلك أني ارتدتُ مدرسة للراهبات، كانت للفتيات حصراً، طوال اربعة عشر عاماً. لكنّ تقليدية والديَّ وبيئتي هذه، التي كنتُ أستنكرها وأتمرّد عليها من حيث المبدأ، لم تزعجني فعلياً وعملياً، لأني كنتُ طوال نشأتي مسروقة تماما، وبسعادة خالصة، الى عوالم القراءة والكتابة. ورغم هذه التربية التقليدية، ورغم "القيود"، فقد كنت أنمو حرّة جدا من الداخل، ذلك ان قراءاتي الأدبية حرّرتني وأعتقتني. والحرية، كما تعلمتُ لاحقاً، تبدأ في الرأس، ثم تنتقل منه إلى التعبير فالسلوك. وسوف أظل أدين للأدب بهذا المعروف طوال حياتي. ثم هناك طبعاً دور الشغل على الذات، والطبيعة المتمردة أصلاً على محاولات القمع والأسر، وتجارب الحياة التي تنحت الطباع والسلوك، وسواها من العوامل المتفاوتة الأهمية التي ساهمت في تكوين شخصيتي الراهنة...
* هل أزعجتك الهجومات التي تعرّضتِ لها؟ وكيف حميتِ نفسك والمجلة منها؟
- حمايتي الوحيدة هي، وسوف تظل، جدّيتي. جدّيتي المتمثلة تعباً ومثابرة وطموحاً وعملاً مستمرة، بعيداً عن كل الحجارة التي أُرجَم بها وتهدف الى إيقاعي أرضاً، وبعيداً ايضاً عن كل الورود التي أُرمى بها وتهدف الى إعمائي بوهم الرضى عن الذات، وإلهائي عن الذهاب أبعد وأعلى. ليس همّي أن أتعرض للمهاجمة أو أن أتلقى المديح. فما أفعله يذهب الى أبعد من ردود الفعل، الإيجابي منها والسلبي. مشروع المجلة تأسيسي ويقع في صلب عملية المساءلة العقلية الخلاّقة التي يحتاج اليها العربي وخصوصاً في هذه المفترقات الحادة والخطيرة من حياة العالم. أصلاً لا أهدف الى الصدم. الصدمات التي أحدثها هي "أضرار جانبية"، إذا جاز التعبير. أفعلها، نعم. لكني لا أفتعلها قطّ. وبين الكلمتين يكمن الفرق كلّه. وقد كنت محصّنة إزاء الهجومات، خصوصاً ما "تحت الزنار" منها، لسببين: أولا، لأني من النوع الذي يرفض المشي في محاذاة الحائط. بشرتي الرقيقة تتحمل من الرضوض أكثر بكثير مما توحي. وقد تحمّلت. هجمات الوحوش لا تجعلني أمشي بخطى متباطئة وحذرة في محاذاة الحائط، تجنباً للتنكيل والتشويه، بل أن امعن في المشي تحت الشمس، بخطى ثابتة وواثقة. لا يعني ذلك أني مغرورة، بل أني، بكل بساطة، امرأة تؤثر شقّ الطرق المجهولة والصعبة وغير الآمنة، وصولاً الى ما يشكل اكتشافاً جديداً، وأفقاً مفتوحاً، في الحياة وفي الأدب، حتى لو كلّفتها هذه الطرق الكثير.
أما السبب الثاني الذي حصّنني، فهو أنني لطالما ازدريت ولا أزال أزدري الإجماع. فالإجماع عندي يعني القطيعية. ويعني أن الشخص المجمَع عليه لا لون له ولا طعم ولا رائحة. لا أحتاج الى ودٍّ مسايِر كي أشعر بالأمان. لا أحتاج الى إرضاء الآخرين كي أشعر بالرضى عن ذاتي. لا أحتاج الى حماية مشاعر، ظاهرُها مغلّفٌ بالتقدير والمجاملة، وباطنها مفخّخ بالكراهية والحقد. فإذا كان لا بدّ من أعداء (وهم لا بدّ منهم)، فليكن أعداء. خارج الدمغة الفردية، لا أريد شيئاً يُذكَر، لأن لا شيء يُذكَر. هذا لا يعني الخروج القسري والمفتعل عن السرب والتميّز "بالقوة"، لأن نتيجة التميّز بالقوّة فولكور سخيف. ولا هو يعني استفزاز الكراهية والحقد بلا مبرّر. بل يعني أن أكون امرأة إشكالية، لا امرأة طبق الأصل عن النساء. امرأة ذات رأي خاص، وأفكار خاصة، وموقف خاص، لا عنصراً من عناصر المشهد النمطي السائد والمكرّر والواحد، حتى لو كلّفتها هذه الخصوصية الكثير.
* في الحديث عن إشكالية الإجماع، كيف تنظرين الى الرقابة في العالم العربي؟
- هي أولا وأخيرا شتيمة وتحقير لنا جميعاً، لأنه بواسطتها يتم التعامل معنا كقاصرين. ونحن نقبل. ونسكت. ونذعن. إن دوائر الرقابة العربية التي تشرف على الأعمال الفنية والثقافية، وتجيز ما تجيزه، وتمنع ما تمنعه، إهانة جوهرية لحياتنا الإنسانية، ولكرامتنا البشرية، ولحقوقنا البسيطة كبشر. إهانة مذلّة، متخلّفة، خسيسة، قامعة، ومحقِّرة. ثم أيّ رقابة في زمنٍ اصبح الكلّ مشرّعاً على الكلّ؟ أيّ رقابة في زمنٍ صرنا نحصل بكبسة زرّ بسيطة على كل المعلومات التي نريد؟
يفترض في الرقابة ان تكون خبيثة ماكرة، لكنها بلهاء بامتياز في عالمنا العربي. يفترض في الرقابة أن تكون متطوّرة، وهي بدائية بامتياز في عالمنا العربي. المؤسسات الثقافة العربية الرسمية تزعم زوراً أنها تحمي بالرقابة أخلاقيات الثقافة في حين أنها لا تحمي إلاّ ثقافة محددة: ثقافة الكذب والمرض والرجعية والظلامية. هي مؤسسات تدّعي الشفافية والبرء والحداثة، لكنها في الواقع منخورة بطبقات سميكة من غبار الدجل والرياء والاهتراء والتخلف.
* تبدين متشائمة جدا حيال واقعنا العربي...
- كيف يمكن ألاّ أكون كذلك، إذا كنتُ أملك عينين وأذنين ودماغاً، وأستخدمها؟ كم كان سمير قصير على حق عندما تحدث عن "الشقاء العربي". فأن يكون المرء عربياً (وعربيةً) اليوم، فهذا يعني أن يكون ممنوعاً أن تعيش وأن تفكر وأن تقول ما تريد عيشه والتفكير فيه وقوله بصدق، وعفوية، وشفافية. ممنوع عليك أن تقول الحقيقة الفجّة (الحقيقة دائماً فجّة، وهنا دورها وقوّتها)، لأن الغالبية العربية تحتاج الى وهم الأكاذيب المطمئن. ينبغي أن تكون حياتك وقصصك وافكارك مكبوتة ومقموعة وسرّية ومحرّفة، وأن تعيد كتابتها بما يتلاءم مع عذرية حارسي غشاء البكارة العربية، ليطمئن هؤلاء الى أن هذا الغشاء لا يزال سالماً من كل عيب ونقيصة. الظلاميون يتكاثرون في ثقافتنا كالفطريات، وينتجون جبالاً من التهديدات، والهرطقة، والهراء، والمعايير المزدوجة. هؤلاء يدافعون عن القيم، والقيم منهم براء. يدافعون من جهنّمات عقولهم ونفوسهم وأجسادهم المريضة والمعقّدة، عما يجرؤون على تسميته بالشرف والكرامة والأخلاق، ملوّحين بحجة "حماية أدياننا وعاداتنا وتقاليدنا وأجيالنا الشابة"، في حين أنهم يتعامون عما يجري على شاشات التلفزيون، وعلى مواقع الانترنت، وفي السهرات، وداخل الغرف المغلقة، وحتى في أماكن العبادة، ولا يفهمون من الشرف والكرامة والأخلاق سوى "ذَنَبها". أي ما هو ظاهر منها فحسب.
هؤلاء هم سارقو الحياة الشخصية، سارقو حرياتنا الفردية والمدنية (حرية العيش، حرية الخيار، حرية التعبير...)، سارقو الدين ومشوِّهوه وقاتلوه. وسارقو الثقافة ومشوِّهوها وقاتلوها. وسارقو المستقبل ومشوِّهوه وقاتلوه. وسارقو المدنية ومشوِّهوها وقاتلوها. وسارقو تراثنا العربي النيّر ومشوِّهوه وقاتلوه. وهلمّ. وهم، فوق هذا كلّه: أغبياء. ولعلّ هذه هي الطامة الكبرى.
* وما الذي حال في رأيك دون حظر "جسد" الى الآن؟
- ظرف سياسي لبناني موضوعي، هو وجود الوزيرين طارق متري وزياد بارود على رأس وزارتي الإعلام والداخلية في الحكومة الحالية، وهما اللذان سبق لهما أن قاما بخطوات لامعة ولافتة كثيرة في مجال احترام الحقوق المشروعة لأهل الرأي والثقافة، والدفاع عنها. أدين للاثنين بالكثير، لأني أدرك حجم الضغوط والشكاوى التي تعرّضا لها منذ صدور العدد الأول.
ثم إن "جسد" تباع في أكياس بلاستيكية مغلقة، وللراشدين فقط. أي أنه لا يطّلع عليها سوى من قرّر الاطلاع عليها بملء إرادته. هي لا تفرض نفسها على أحد. ليست، مثلاً، فيديو كليباً مثيراً لمغنية شبه عارية يفاجئك في عقر دارك بينما أنت تشاهدين التلفزيون مع أولادك في غرفة الجلوس. ولا هي، مثلاً، لافتة إعلانية لماركة لانجري بقياس 7 أمتار x 7 أمتار تطلع في وجهك رغماً عنك بينما تقودين سيارتك في الشارع. هي مجلة ثقافية جدية موضوعة في متناول من يريد قراءتها. نقطة على السطر.
* في العودة إلى مضمون المجلة، ألا يعني التركيز على تيمة الجسد الاستسلام لضغوط السطحية التي تروّج لها حياتنا الاستهلاكية العصرية، وخصوصاً في ما يطال النظرة إلى المرأة وجسدها؟
- بل على العكس من ذلك تماماً، كون المتن والمضمون واحداً، ولا يجوز الفصل بينهما. لا أحد يتعجب من الاجتماع البديهي بين العناية بالخارج والعناية بالداخل، بقدرنا نحن العرب. لماذا؟ لأن مَن يهتم بالشكل هو تافه حكماً في عرف مثقفينا. ومَن يهتم بالثقافة هو مهمِلٌ لشكله حكماً في عرف أهل الأناقة والجمال عندنا. يا لهذا التسطيح السخيف والبائد! فكرة المعسكرين، معسكر الجميلين من جهة، ومعسكر الأذكياء من ثانية، فخ. هنا ضرورة، وهناك ضرورة. هنا توق، وهناك توق. هنا جوع، وهناك جوع. هنا لذة، وهناك لذة. وخصوصاً في ما يتعلق بالمرأة. فهل ثمة ما هو أجمل من أن تكون المرأة امرأةً، وأن تظل كذلك؟ بل أراني أقول إن أسوأ ما يمكن أن تتعرض له المرأة، في غمرة الحروب والكفاحات التي تخوضها لانتزاع حقوقها، وفرض احترامها، وتأكيد جدارتها في المجالات المهنية كافة، وتثبيت مكانتها في المجتمعات، وخصوصاً المجتمعات في بلدان العالم الثالث، أن تتناسى كونها امرأة، فتخسر المرأة التي فيها. والتي هي إياها.
* هل تقولين ذلك من منطق نسوي؟ وهل يمكن اعتبار "جسد" منشوراً نسوياً؟
- لا، ليس هذا الرأي من النسوية في شيء. ومثلما أندّد بالمجتمع البطريركي، أندّد بالقوة نفسها، وربما أكثر، بالبديل النسوي المتزمت والكاره للرجل، والكاره لنفسه خصوصاً. كلاهما وجه لعملة واحدة. وهي عملة لم تعد صالحة لحاضرنا، ولا للمستقبل. "جسد"، مجلة للرجال والنساء على السواء، وهي ستخيّب ظن كل امرأة تبحث فيها عن إرشادات سيليكونية، مثلما ستخيّب ظنّ كل رجل يبحث فيها عن محفّز للاستمناء.
أنا أقول ما أقول حول ضرورة العناية بالداخل والخارج من منطلق "أنثوي". بعض النساء العربيات (والأجنبيات ايضاً) يعتقدن، في غمرة انشغالهن الكفاحي بالمساواة، أن ذلك الكفاح يفرض التخلي عن شيء ما، هو أنوثتهنّ، من أجل الحصول على المساواة. لكني لا أحتاج إلى أن أشبه الرجال لكي أكون امرأة قوية. ولا أحتاج إلى أن أكون ضد الرجال لكي أكون مناصرة للمرأة. جل ما أحتاج اليه، كامرأة، هو أن أكون امرأة.
* وماذا يعني أن تكون المرأة امرأة؟
- يعني أن تكون ذاتها، لا ذات أيّ كائن، أو أي شيء آخر. ولا خصوصا ذات الرجل - الأب أو الرجل – الزوج أو الرجل – الحبيب أو الرجل – الأخ والإبن، وهلمّ. يعني أن تحيا المرأة هذه الذات، ذاتها الشخصية، بجوارحها، وباللاوعي، وبالجسد، وبالعقل. وبدون خوف، أو هلع، أو حذر، أو تابو، أو خجل، أو سوى ذلك من روادع داخلية واجتماعية، ظاهرة وباطنة. وأن تحيا ما تحياه، وصولاً الى كل شيء، وتحقيقاً لكل شيء، بدون أن تتملكها هواجس "اعتراف" الرجل بها، وبنجاحها، أو الفشل. أن تأخذ، بدل أن تنتظر أن تُعطى. أن تكون هي خبرة ذاتها، ومرجعية هذه الذات. لأن لا خبرة لتُختبَر خارجاً، ولا مرجعية سواها، لتعود إليها. وإذا كان عليها أن تتساوى بشيء، أو بأحد، فعليها أن تتساوى بكينونتها. وهذا هو شرط المساواة الوحيد. أما المساواة مع الرجل فهي من المسلّمات والبديهيات. وليست هبة من أحد لكي نتسوّلها ونطالب بها.
* هل يفترض ذلك أن تنبذ المرأة الأعمال المنزلية مثلاً؟
- لا. فرغم اني غير مشغولة شخصياً بالطبخ وبسواه من أعمال المنزل، الا أنني أكنّ قدراً كبيراً من الاحترام والتقدير للنساء اللواتي يكرسن وقتهنّ للعناية بعائلاتهنّ (ووالدتي منهنّ، وأدين لها بالكثير على هذا الصعيد وغيره). كما أني لا أعتبر المرأة العاملة النموذج الأوحد للمرأة الناجحة والفاعلة والمتحرّرة. لكني أتحدث، أولا، عن ضرورة الاستقلالية المادية و"التحقق" الذاتي". وثانيا، عن "الخيار"، وفيه يكمن كل الفرق بين امرأة مخضّعة وثانية حرّة. أي أنني، مثلاً، مع أن تطبخ المرأة اذا كان الطبخ رغبتها وقرارها. وضد أن تطبخ اذا كان الطبخ متوقّعاً منها سلفاً ومفروضاً عليها فرضاً.
* وما هي مواصفات المرأة الحرّة؟
- هي تلك التي لا تنتظر ما/ من تريد. بل التي تتحرّك. تنهض. تمشي. تمدّ يدها صوب ما تريد. وتأخذه. أو هي، على الأقل، تحاول. هي المرأة التي مع الأنوثة القوية والذكية والحرّة ضد النسوية الهجومية والعمياء والمرهونة لشعارات فارغة. هي المرأة التي لا تعتبر علاقتها بالرجل حرباً في الضرورة، ولكنها تحول دون أن تُفسَّر سلميّتها على أنّها رضوخ. هي المرأة التي تكون مساوية للرجل من دون أن يغريها خطاب الهيمنة عليه. هي المرأة التي تظل تفرح بباقة ورد حتى وإن كانت تقود الجرافات وتغيّر زيت المحرّكات. وأيضا، وخصوصا، هي المرأة التي لا تنجرف وراء وهم الانقلابات الجماعية، بل تؤمن بالإنجازات الفردية، بالمعارك الصغيرة، بالخاص الذي يتضمّن الشامل، وبفاعلية أن تعتني كلّ واحدة ببستانها.
* لكن "الأمم تُبنى بالجماعات"، يقول العرب...
- صحيح، ولطالما عزّز هذا الكلام نفوري الفطري من التجمّعات والجماعات القطيعية والايديولوجيات والكفاحات الجماعية - حتى تلك التي تهدف الى خدمة قضايا نبيلة - وتعلّقي الشديد بفرديتي، وإيماني الراسخ بفاعلية هذه الفردية. فأيّ معنى للحياة، وأيّ كرامة للجماعات إذا كانت الأنا ممعوسةً تحت أقدام كل شيء، وخصوصاً القطعان؟ ومتى نعي، نحن العرب، أننا لا نخدم المجموعة، أي مجموعة، سوى بضمان فرديتنا وحمايتها؟
تلك هي بعض رؤيتي عن المرأة الحرّة، او أقله التائقة إلى الحرية، لأن الحرية لا يمكن أن تكون منجزاً تاماً بل هي توق متواصل. طبعا لاُ أزعم أني نموذجٌ يُحتذى. على الاطلاق. ولا أدّعي امتلاك الأجوبة. بل على العكس من هذا تماماً: إن أنا سوى حياتي وأسئلتي وأغلاطي. لكن حان الوقت، منذ وقتٍ، كي لا نخشى نحن النساء العربيات تحدّي المعادلات الجاهزة للأنوثة. وللكتابة. وللحياة.
* في العودة الى المجلة، ما الفرق بين الايروتيكيا والبورنوغرافيا؟ وكيف يمكن التمييز بينهما؟
- التمييز بين الايروتيكيا الادبية والفنية وبين البورنوغرافيا المسطّحة، يفترض درجة معينة من الثقافة والمعرفة. على المتلقي أن يعرف الفرق بين الاستفزاز المجاني والاستفزاز الذي يتوخى تغييرا حقيقياً وذا قيمة. على سبيل المثال، أن تفرّقي بين صورة لروبرت مابلثورب، وصورة من مجلة "بلايبوي"، يتطلب منك كمتلقٍّية أن تكوني مطلعة على أعمال مابلثورب وعلى خطابه الفني. في كل حال، لا أريد أن أكون في موضع الدفاع عن المجلة، فهي تكفل الدفاع عن نفسها أفضل مني بكثير. ولكن أحب أن أشير الى أن مضمون "جسد" المكتوب أخطر من محمولها البصري بكثير. إلا أننا ننتمي الى ثقافة راهنة تركّز، للأسف، على الصورة. ثقافةٌ تعتقد خطأ أن الصورة أكثر فاعلية من المضمون. ثم حدِّثي ولا حرج عن خوفنا في العالم العربي على بكارة العيون. شخصيا، كوني قارئة وكاتبة، أعرف تمام المعرفة أن الكلمة أشد خطورة وفاعلية وانتهاكاً من أي صورة. "جسد" موجودة لتُقرأ، وليس لتقليب صحفاتها بحثاً عن الإثارة البصرية. إذا كان المطلوب هو هذا، فثمة مجلات أجنبية كثيرة تؤمّن هذا الأمر، وهي متوافرة في جميع البلدان العربية، وخصوصاً في تلك البلدان التي تمنع "جسد" وتحجب موقعها على الانترنت. وذلك هو أحد تجليات السكيزوفرينيا العربية التي حدّثتكِ عنها.
ثم من السخف في زمن الانترنت وفي زمن الإعلانات والفيديو كليبات التي تعتمد كلها على الإيحاءات الجنسية، كما ذكرت للتو، وخصوصا في لبنان، حيث الإغراء موظّف في شكل متواصل في كل شيء، أن يأتي من يتهم مجلة من هذا النوع، وراءها كل هذا الجهد الثقافي، بالبورنوغرافيا. الأشد غرابة أن غالبية هذه الاتهامات (معظمها "رغوة سفيهة"، تجيء على شكل ثرثرات المقاهي) كانت على لسان "مثقفين" مزعومين! أمر مضحك فعلاً. لكأنني اغتصبتُ عذريتهم! فإذا كان الأمر كذلك حقاً، فمبروك!
* ولكن ثمة صور صادمة كثيرة في المجلة...
- يرتبط حكمٌ من هذا النوع بسؤالين: صادمةٌ لمَن؟ وصادمةٌ لماذا؟ هل هذه الصور صادمةٌ لأنها "ممنوعة" علينا، وتالياً لم تتعوّدها عيوننا؟ وإذا كانت ممنوعة، فلماذا نقبل هذا المنع وكأنه من المسلّمات؟ مرافقة الصور للمواد المكتوبة أمر طبيعي ومنطقي في كل مجلة، وغيابها كان ليكون علامة مَرَضية ورضوخاً لإرهاب الخبث والفصام والمحرّمات. هل نكتب عن الجسد ونضع صوراً لملاعق وصحون مثلاً؟ التحريض البصري جزء أساسي من العملية الفكرية والثقافية. المحمول الفني قائم، في جزء كبير منه، على كيانه الاستيتيكي وعلى كونه "منظراً" يُرى. ولكن ينبغي الذهاب بهذا النظر إلى ما هو أبعد، بغية تحريض العقل على التفكير في ما ورائيات المحمول البصري. هذه من بديهيات التفاعل مع الفنون كلها. أن نسأل، مثلاً: ماذا أراد بالتوس، أو دالي، أو آنغر، أو وودمان، أن يقولوا لنا عبر هذا العمل الاستفزازي أو ذاك؟ هل ذلك النهد مكشوف لكي نتمتع برؤيته فحسب، أم لكي يحثّنا على التفكير في ما يكمن وراءه من رؤى ورسائل وتصورات؟
* تستخدمون في المقالات تعابير فجة للغاية. هل تحتمل اللغة العربية مثل هذه الانتهاكات؟
- نحن إذ نستخدم هذه التعابير "الفجة"، كما تصفينها، نؤدي تحية للغة العربية ولغناها ولقدراتها اللامتناهية. ألم نضق ذرعا بالاختباء وراء الاستعارات من كل نوع ولون؟ أو وراء اللغات الأجنبية؟ هذه المفردات عربية مئة في المئة، وهي موجودة في المنجد وفي لغتنا اليومية، ولسنا نخترعها في "جسد"، وقد آن الأوان لكي نعتاد عليها ونتقبّلها من جديد، مثلما كان يتقبلها ويستخدمها أسلافنا منذ أكثر من ألف سنة. لا أملك ألاّ أشعر بالغضب عندما أفكّر في كل الكلمات الجميلة التي تم تشويهها في لغتنا العربية، عبر إثقال كاهلها بمحمولات وايحاءات سلبية ظلماً، نتيجة العقد والمحرّمات، والتردّي الخطير في ثقافتنا في الأزمنة المعاصرة. وأرى أنه ينبغي لنا جميعاً، كلٌّ بطريقته وأسلوبه، اعادة الاستيلاء على كل تعابيرنا "المخطوفة"، من أجل أن تكون، وتحيا في اللغة، وفي استخدامنا لها.
* هنالك موضوعات كثيرة لم تتطرق اليها المجلة بعد...
- أكيد. فـ "جسد" مجلة فصلية، وليست كتاباً يصدر مرة واحدة. أي أنها بالكاد بدأت تقول ما تريد قوله، وشرعت تناقش ما تريد مناقشته. هي مجلة ستعيش وتستمر وتكبر طوال سنوات آتية كثيرة، وتيماتها أكثر تشعّبا وغنى من أن تستنزف ذاتها في بضعة أعداد. سيكون مضحكا، بل محزنا جدا، أن أزعم أن المجلة قالت في أربعة أعداد كل ما كانت تريد قوله. قلت في البدايات إن لديَّ تصورا لعشر سنين مقبلة للمجلة، ولم أكن أبالغ.
من جهة ثانية، أنا أعترف بأن هناك نواقص في المجلة، وبأن ثمة أمورا قابلة للتطوير والتحسين. ولكن عليك أن تدركي أمراً مهمّا، وهو أني أقوم بالجزء الأكبر من التفاصيل وحدي. ثم إنني لستُ متفرّغة لـ"جسد": فأنا صحافية مسؤولة عن صفحة ثقافية يومية في جريدة "النهار"، وكاتبة لها التزاماتها، وشاعرة لها أوقاتها، ومنسّقة لجائزة أدبية (جائزة الـ"بوكر" العربية)، فضلاً عن أسفاري الكثيرة لإحياء امسيات شعرية في الخارج نتيجة ترجمات كتبي. ودعينا لا ننسى أني زوجة وأمّ أيضاً، ولولديّ وشريك حياتي حقوق عليّ، وأحاول أن أخصص لهم الوقت وسط هذه المشاغل. ثم إني امرأة كذلك، ولأنوثتي ومتطلباتها حقّ عليّ بدورها، ولا أطيق إهمالها. إذا فكّرتِ، فستجدين أن كل هذه الأعمال تحتاج إلى فريق عمل، بينما يقوم بها في الحقيقة شخص واحد. لستُ "سوبر وومن"، ولأجل ذلك لا مفرّ من أن تغيب عن بالي بعض الأمور التي من شأنها أن تحسّن المجلة. وأتمنى أن تسمح إمكاناتي في الوقت القريب بتوظيف شخص أو اثنين لمساعدتي. لكن "جسد" غنية وأنيقة شكلاً ومضمونا، وهي تريد لنفسها أن تصير أفضل، وأجمل، وأعمق: وفي طموحها هذا، يكمن رهان نجاحها. أي أنها ليست متبجّحة ولا منغلقة على منجزاتها. "جسد" نقطة انطلاق لنفسها أولا وأخيرا. وهي تفكر وتتنفس وتحيا، أي أنها تتغير وتتبلور مع الوقت وتكتسب كينونتها من إدراكها الواعي لما حولها من شؤون وقضايا ومستجدات قد تساهم في تشكيل تطلعاتها في شكل أفضل.
* كيف تستمرّ "جسد" على المستوى المادي؟ من هم مموّلوها؟
- ليس هناك مموّلون لـ"جسد" وهي لا تستفيد من أي دعم مالي خارجي حتى الآن. أنا استثمرت مبلغا من مالي الخاص لكي تولد، ولم أرغب بأي شريك كي لا أساوم على حرية التعبير فيها. لقد منيتُ بخيبات أمل كثيرة حين بحثتُ في البداية عن شركاء ماليين في العالم العربي. إذ واجهتُ أمرين، كلٌّ منهما أشد سوءا من الآخر: إما لم يُرد أحدٌ التورط في هذا الموضوع بسبب "خطورته"، وإما ثمة من وافق على خوض المغامرة لكنه أراد أن يفرض شروطاً حول الخطاب والمادة التحريرية، وهذا طبعا ما لا يمكن أن أساوم عليه على الإطلاق. كنت أضع أيضا آمالا كبيرة في الإعلانات، لأن كل ما نراه ونشتريه اليوم، كل ما يسوَّق له، هو على علاقة بالجسد، من ثياب أو منتجات أو ماكياج أو عطور الخ. لكن بسبب المعايير المزدوجة التي نعيشها، حتى الماركات العالمية تحاذر النشر في مجلة "جسد" خشية خسارة أسواق عربية متحفظة ولكن ذات قدرة شرائية عالية. سأظل أحاول تقديم طلبات منح إلى مؤسسات ثقافية يمكن أن تدعم مشروعا من هذا النوع، وإذا حصل ذلك فسيساعدني الأمر كثيرا في استعادة التوازن على المستوى المالي. ولكن إذا لم يحصل، فستستمر المجلة بعرق جبينها ومبيعاتها ونسبة الاشتراكات فيها، رغم الصعوبات والتحديات، علما أني أصرّ على أن أدفع للكتّاب مكافآت، ولو متواضعة، نظير مساهماتهم.
* ومن هم المساهمون في "جسد"؟
- هم مجموعة رائعة من الكتّاب والفنانين اللبنانيين والعرب، معظمهم معروفون في الحياة الأدبية والصحافية، وأحيّيهم لأنهم يقفزون معي فوق الهوّة في كل عدد جديد، بلا خوف من الوقوع والأذى. يهمّني أيضاً أن أوجّه كلمة شكر وامتنان عميقة وصادقة الى كل من يخوض معي هذه المغامرة الرائعة: شريك حياتي ووالداي الذين يدعمونني الى اقصى الحدود، معنوياً وعملياً على السواء؛ أصدقائي (على قلّتهم)؛ أعدائي (بسبب تحريضهم الدائم لي)؛ وأخيراً القرّاء الذين يغذّون "جسد" باهتمامهم ونهمهم وحبّهم. أدين لجميع هؤلاء بالكثير. وأقول أخيراً: أهلاً وسهلاً بالجميع في "جسد". الجسد جسدكم، والبيت بيتكم، وينتظركم. وأبوابه مشرّعة.
> تاريخ القبلة
د. باتريك الهاني/ لبنان
يصف البعض لحظة تلاقي لسانين بأنها لحظة مستساغة، فريدة وحميمة، ويقول فيها آخرون بأنها أشبه بالإيلاج. ويفيد اللسان أثناء تبادل القبل الجنسية، في مداعبة المواضع المتّسمة بحساسية كبرى مثل النهدين والردفين والفخذين والأعضاء التناسلية وغيرها من المواضع التي قد يذهب إليها خيال الشريكين. في القبلة فعل تشارك بين الأسنان واليدين والجسد كاملاً. خلال التقبيل، تنشط ثلاث حواس من حواسنا الخمس: الشمّ والذوق واللمس، الأمر الذي يفسّر تعدّد المستقبلات الحواسية التي تعمل خلال قبلة بسيطة. ويتلذّذ الجسد كلّه بمداعبات اللسان والشفتين وخصوصاً متى طُبعت على مواضعه المهيّجة الشديدة...المزيد
> أوّل بوسة
محمد صلاح العزب/ مصر
كنت أسير مع صحافية أراها للمرة الأولى. كانت هناك ندوة أدبية، قابلتها فيها. نظرت إليها ونظرت إليّ، وبعد الندوة تعرفت اليها. سرنا على كورنيش النيل. كانت الأولى بعد منتصف الليل، والطريق خال من المشاة عدانا. كنا نتكلم مذ خرجنا، عن حال الثقافة في الوطن العربي، وأنا لا أتكلم عن حال الثقافة في الوطن العربي مع النساء عادة، لكنها كانت مصممة. لم تكن فاتنة لكن شفتيها كانتا مغويتين جدا. مررنا في منطقة مظلمة تماما، أسفل كوبري، ولم يكن أحدنا يرى الآخر. أمسكت يدها، وكانت لا تزال تتكلم عن انعدام التجريب لدينا. كان الجو مناسبا للتجريب وليس للكلام عنه. أوقفتها وأمسكتها من كتفيها، ووضعتُ شفتيَّ على شفتيها من دون كلمة. ترددت هي للحظة، ثم تفاعلت تماما، وانخرطت بجسدها كله في...المزيد
> تسلل الى المواقع الجنسية العربية
فيديل سبيتي/ لبنان
المواقع الاسلامية الكثيرة تأخذ على عاتقها محاربة المواقع الجنسية فتعتبر ان مواقع الجنس عبر الانترنت مؤامرة غربية لإلهاء شبابنا عن الجهاد او الزواج او الايمان. هذا كله، على رغم ان لائحة الدول التي يدخل مواطنوها الى المواقع الجنسية عبر شبكة الانترنت، تضم سبع دول اسلامية من بين الدول العشر الاولى في العالم، هي الجزائر ومصر وايران وتركيا والامارات والكويت والسعودية. لا يسبق الى ذلك الا الولايات المتحدة والمانيا وأسوج (السويد) التي تحتل رأس اللائحة. لكن الفرق بين هذه الدول والدول الاسلامية، ان صناعة الجنس تتم فيها، ومنها تُبثّ عبر شبكة الانترنت، ولا قيود على هذه المواقع الا عندما تخالف القوانين المحلية الدولية، كالتجارة بالقاصرات والاغتصاب والتعذيب الجنسي، بينما في الدول الاسلامية المذكورة لا تألو السلطات جهدا في إقفال مواقع الانترنت وفي مراقبة حركة رواد الشبكة وفي إصدار الفتاوى والتعليمات التي تمنع انتشار هذه المواقع و...المزيد
> الجسد في الفن العربي المعاصر
يوسف ليمود/ مصر
على مدى قرون طويلة، وبسبب تحريم الاسلام التصوير، اعتمد المنجز الفني الاسلامي التجريدَ منطلقاً وفلسفةً تصب عناصرُها في فكرة اللانهائي (الله). كأن الجسد، الذي خلقه الله وفضّله على ما خلق تفضيلاً، ليس أحد العناصر التي تذوب في اللانهائي! إن اختفاء الجسد من الفن، من شأنه أن يكون له رد فعل في الواقع، حيث ان الفن، من منظور معين، هو طاقة، حاجة، في المجتمع ككل، يعبّر عنها فنّانو ذلك المجتمع. فإذا حُرّمت هذه الطاقة أو هذه الحاجة، عن الفن، لجأت إلى متنفس بديل يُمرر ويُتداول في الخفاء، حتى وإن كان دون الفن. لكن ماذا لو حُجِّب الجسد ذاتُه وحُرِّم حتى على نفسه؟ لا عجب حينذاك أن تظهر على جسد هذا المجتمع المحجّب بثور محجّبة تتكلم، باسم الفن، عن الجسد، كما يتكلم دجال عن شبح. لكن...المزيد
> حوار مع قضيب
كلير ينيدين - ترجمة خالد الجبيلي/ سوريا
"أفهم منكِ أنكِ تشعرين بالاشتياق إليّ، أليس كذلك؟"
"لست مشتاقة إلى الجنس فقط، فهو، بالنسبة اليّ، لا يكتمل إذا لم تكن ترافقه مشاعر الرقة والحنان...".
"ماذا، ألا تشتهينني لشخصي أنا فقط؟ ألا تزالين في حاجة إلى شيء آخر؟ بالنسبة اليَّ، يكفي أن ألجكِ لأجلب المتعة إلى صاحبي، ثم أنسحب مغادراً على رؤوس أصابعي، لأعود أدراجي وأستعيد حريتي!".
"إذاً، أنتَ ترى أن فرجي يشبه السجن؟ ما يحزنني أن الرجل يريد أن يحصل على متعته فقط ثم يغادر".
"يجب أن تفعلي الشيء نفسه، وعندذاك نصبح جميعنا متساوين وسعداء".
"لا يتصرف جميع الرجال هكذا. فهناك رجال كثيرون يقدّرون البقاء برفقة امرأة واحدة ويجدون السعادة معها".
"نعم، ربما، لكن هذا لأنهم لا ينصتون إلى قضبانهم. أما في حالتي أنا، فإن صاحبي يستمع إليّ، ولا يفعل إلا ما أريد. أملي عليه سلوكه وآمره بأن يغادر في معظم الحالات".
"إذاً، لا تهمك إلا العلاقات السطحية؟".
"اعذريني! فالعلاقات لا تثير اهتمامي على الإطلاق. لا يثير اهتمامي إلا الولوج. حتى الآن لم تجيبي عن سؤالي. ماذا يعجبكِ فيَّ؟".
"عندما تكون منتصباً، أم...المزيد
> حكاية ثقب
علي الجلاوي/ البحرين
كنت طفلة ذات يوم. نعم كنت طفلة. لم أولد قحبة، ولم أكن أدرك سبب وجود هذا القمر بين فخذيَّ، وحين أدخل الحمّام كان بولي يسيل على جيران قمري الصغير، كنت أحس بدفئه حين أفعلها بنفسي أيام الشتاء، وحين بدأ ينبت لي شعر خفيف عليه. أصبح نبعا تتجمع حوله الحقول، بدأ نهداي يتكوران، وردفاي يأخذان شكل قالب حلوى، بدأ الانتفاخ حول سرّتي يشعرني بقدوم اللعينة الشهرية، والتي أحس معها خصوصا في الأيام الأخيرة برغبة أن يفعل زنجيٌّ بي الحب، حتى أنفجر تحته وأتمزق، ثم بعد ذلك يلقيني على بطني ويدخلني من خلفي، وإن مانعت فليغتصبني. سأقول له أزرع محراثك، وعضَّني من رقبتي حتى تدميني، وأدر رأسي وأنت تقضم تفاحة فمي. ستقولون قحبة كما تعودت منكم، وستقولون لا أنام إلا وأحدٌ فوقي، ماذا تتوقعون أن أردّ؟ بكل بساطة، استمتعت بحياتي منذ سن التاسعة، ولست...المزيد
> لهو الكاميرا
بثينة سليمان/ لبنان
شعرتْ بقلق ينتابها. ابتعد بالكاميرا ثم قال: "لا مانع أن أصوّر نهديك. سأريكِ الصور حالاً". يضغط على زرّ فتظهر الصور. نهداها الضخمان كانا بارزين. استطاع أن يقرّب الصورة بحيث تظهر الحلمة كبيرة. تحبّ نهديها. تحبّ أن تتأملهما. أن تلامس أناملها الحلمتين ثم تضغط بالسبّابة والبنصر. ينتشر خدر في جسدها. قالت لمايك: "دعني أفعل ذلك وأجعل الحلمة المعصورة بين أصابعي تظهر في الصورة". يقترب مايك بجسده الشهي، يمدّ لسانه ملامساً الحلمة البارزة بين أصابعها. تضغط أكثر. في الصورة يظهر لسان مايك ورأس حلمتها الزهري. قالت له: "إنها أجمل صورة. إنها تثيرني". يعصر مايك حلمتها الثانية بأصابعه. يدها الحرّة تتحسس جسده. تنزلق يده الثانية الى تحت. يدور بها حول فرجها فترخي فخذيها. تفتحهما قليلاً. يظل يرسم الدوائر. تشعر برغبة في أن تدخل تلك الأصابع الضخمة فرجها و...المزيد
> هكذا وشم الضبع صدر الفتى
حنين الأحمر/ لبنان
في ليلة مظلمة أتى الضبع بثلاث أبر للخياطة، ربطها الواحدة بالأخرى، وأغرقها في الحبر وبدأ بدقّ يد صديقه هدف، الذي اتخذ قراره بوشم حرفين من اسم حبيبته في يده اليسرى، اسوةً بالضبع. كان الألم لا يحتمل، والأسوأ أن عملية الوشم البدائية تلك، كانت تفترض إعادة إمرار الإبرة مرتين وثلاث مرات في المكان نفسه، وفي كل مرة كان الألم يتضاعف ويزيد. في المرة الأولى حفر الضبع الحرفين بين الإبهام والسبابة، لكن الوشم لم ينجح. في المرة الثانية كان الوشم في باطن الإبهام، هناك أيضاً لم ينجح مئة في المئة، لكنه كان بادرة جيدة لكي يأخذ هدف قرار وشم صدره. على الصدر، فوق القلب، بدأ الضبع تنفيذ الوشم بإبره الثلاث. كان الألم أشبه بعذاب الموت البطيء. مع كل غرسة إبرة، كان الدم يسيل مخلوطاً مع الحبر. لكن الرجولة كانت تقتضي وشماً آخر، وكرمى لعيون الرجولة كان الوشم الرابع، هذه المرة على...المزيد
> ثقافة جنسية
د. فيصل القاق/ لبنان
طبيا، تتوزع الإضطرابات الجنسية على أربع فئات: اضطرابات الرغبة، اضطرابات الإثارة، اضطرابات النشوة، واضطرابات وجع المجامعة (أكثرها إنتشارا). تشكل اضطرابات الرغبة الجنسية النسبة العليا من النساء اللواتي يترددن للمشورة الطبية والعلاج نظرا الى ما يشعرن به من كرب وأسى نتيجة غياب الرغبة والتخيلات والتقبل الجنسي. وتتسبب إضطرابات الإثارة بكرب شديد لعدم شعور المرأة بالإثارة وإستمرارها خلال العمل الجنسي. غالبا ما يكون العمل الجنسي او التواصل خلال العمل الجنسي سببا أساسياً. أما في ما يتعلق باضطراب النشوة، فالتقدير أن 10-7% من النساء لن يبلغن النشوة (هزة الجماع) قط، وغالبا ما تكون التقلبات الهرمونية...المزيد
> بنات المعاملتين
باسكال عساف/ لبنان
"أحبه، أخذني وعرّفني إلى أهله في القرية، سعيدة أنا، وجدتُ أخيراً من يحبّني لشخصي، وليس من أجل متعة عابرة". تتوقف عن الكلام وتنظر إليّ بعينين فاحصتين. أسألها: "هل يدفع لكِ؟"، فتعاجلني بجواب تحضّرت له كثيراً: "وكيف أقبل أن أتناول منه بدلاً عن الحب؟". أتأمل شعرها الأشقر وغباءً ارتسم على وجهها. أُخبرها: "لتتأكدي من حبه أطلبي منه مالاً بحجة ضيق عند أهلك في روسيا". تتمتم منصرفةً: "مجنونة أنتِ". تمضي بضعة أيام، تجلس على الكرسي نفسه، زال غباؤها وسكن مكانه حزن باهت. تتكلم كمن تعتذر من جهلها... ومني: "سألته، وصرخ في وجهي، رماني كزهرة لا رائحة لها ورحل. في الأمس رأيته يسكب كلماته على جسد...المزيد
Collected , Edited And Report By:
Pilot / Tarek Elagamy
2013
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.