ففى وثيقة بتاريخ 27 إبريل 1974 أرسل السفير الأمريكى رسالة إلى الخارجية الأمريكية وعدد من سفاراتها فى السعودية وليبيا ولبنان، يوضح فيها هوية منفذ التفجير وعلاقته بالإخوان المسلمين بعنوان «الاتصال بين منفذ هجوم الفنية العسكرية وجماعة الإخوان المسلمين».
وفى الوثيقة يوضح السفير أنه لا يوجد سوى تقرير واحد يفيد بأن «صالح سرية» كان عضواً قديماً بجماعة الإخوان المسلمين، وعدا ذلك فليس هناك ما يؤكد اتصال تنظيم الإخوان الحالى بالهجوم، ولكنها أشارت إلى بعض الدلائل التى توضح اتصاله بما سمته «التنظيم القديم للإخوان».
ولفتت الوثيقة إلى وجود تقارير صحفية تحدثت عن علاقة «سرية» بمرشد الإخوان الراحل «حسن الهضيبى» قبيل وفاته، كما أن الشيخ «محمد الغزالى»، مستشار وزارة الأوقاف، قد تم استبداله بإمام آخر بمسجد عمرو بن العاص حتى تنتهى التحقيقات وتتبين طبيعة موقفه من القضية، بعدما ذكر «سرية» اسمه فى التحقيقات وادعى أنه كان على اتصال به.
وعلقت السفارة على هذه المعلومات بترجيح اتصال «سرية» بالإخوان قائلة: «إن المعلومات سالفة الذكر هى مثيرة حقاً، حيث توحى بأن (سرية) قد يكون قد لجأ بالفعل إلى مساعدة الإخوان مستنداً فى ذلك إلى علاقته بالتنظيم القديم للجماعة».
وقد سبقت تلك البرقية مجموعة من المراسلات الممتدة فى الفترة من 23 إلى 26 إبريل تتحدث عن التفجير وأسبابه وأهدافه، ففى 23 إبريل 1974، أرسل السفير الأمريكى بالقاهرة برقية إلى الخارجية الأمريكية وسفارتيها بكل من المملكة العربية السعودية وليبيا، تحمل الرقم 1974CAIRO02521_b ومعنونة بــ«الهجوم على الكلية الفنية العسكرية»، كشف من خلالها عن المعلومات التى قدمها السفير السعودى بالقاهرة «فؤاد نظير» لنظيره الأمريكى، وأخبره فيها عن التفاصيل التى تمكن من الوصول إليها فيما يتعلق بالحادث.
أخبر «نظير» السفارة - وفق ما ورد بالوثيقة - «إن الغرض من تنفيذ الهجوم هو السيطرة على أربعين دبابة لاستخدامها فى استهداف عدد من الوزارات المصرية الحساسة، وإجبار السادات على تقديم استقالته»، كما أفادت المعلومات التى قدمها «نظير» بتورط بعض طلبة الكلية الفنية العسكرية فى الحادث، وعن تشكك أجهزة الأمن المصرية فى تورط بعض الضباط المنتمين للكلية أيضاً.
كما أوضحت المعلومات التى قدمها السفير السعودى أن «التحقيقات مع من تم القبض عليهم، أظهرت إنهم إما أصدقاء لطلاب الكلية، أو أبناء لضباط معينين بها، ومن ثم كان لديهم معلومات وافية حول الكلية وما تحتويه من معدات وأجهزة». وبالنسبة لمنفذ التفجير، تنسب الوثيقة لسفير الرياض أنه أفاد بـ«انتماء متزعم التفجير لحزب شيوعى قبل انضمامه إلى جماعات التطرف الدينى، تحديداً جماعة (السنة المحمدية) التى تأسست كامتداد لجماعة الإخوان المسلمين فى طنطا».
وفى السياق نفسه أضافت الوثيقة أن الحكومة المصرية، وفق المعلومات التى أوردها «نظير»، تتهم القذافى بكونه الفاعل الرئيسى وراء هذا الحادث، مستشهدة فى ذلك بزيارة وزير الداخلية الليبى «محمد الحميدى» والتقائه «أشرف مروان»، وكذلك بالزيارة المرتقبة التى سيقوم بها قائد القوات الجوية «حسنى مبارك» إلى ليبيا، فى غضون اليومين المقبلين.
وعن العلاقات الليبية المصرية أشارت الوثيقة على لسان «نظير» إلى لقاء جمع بين الرئيس السادات و«أبوبكر يونس» أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة الليبية، حيث سلمه السادات ملفاً يحتوى 26 صفحة به جميع الأعمال التى ارتكبتها ليبيا ضد مصر منذ حرب أكتوبر، وأنه من المفترض أن يعرض «يونس» الملف على المجلس، حيث هدده السادات أنه فى حال استمرت ليبيا فى أعمال التخريب هذه، فسوف يقوم بنشر الملف.
وتقول الوثيقة إن السفير السعودى ظل يلاحق وزير الداخلية المصرى لمعرفة المزيد من التفاصيل، وإنه أخبره أنه فى حال عدم توفير المعلومات الكافية عن الحادث فسيعتقد الملك «فيصل» بأن الأوضاع الأمنية فى مصر غير مستقرة، موصياً الوزير المصرى بأن يخرج السادات ويفصح بنفسه فى بيان واضح عن هذه المعلومات.
وفيما يتعلق بالفاعل، رأت السفارة أن «الحدث قد ألقى الضوء على واحدة أو اثنتين من الجماعات الإسلامية التى قد تكون أو لا تكون على علاقة بجماعة الإخوان المسلمين، والتى تتطابق أهدافها وسياساتها مع أهداف وسياسات الإخوان، فأهدافها سياسية، وتتخذ من العنف وسيلة لبلوغ أهدافها».
وفى يوم 24 إبريل، أرسل السفير الأمريكى برقية أخرى إلى الخارجية بواشنطن تحمل الرقم 1974CAIRO02568_b بعنوان «السنة المحمدية وشباب محمد والإخوان: رؤية سعودية»، يسرد فيها المزيد من التفاصيل عن منفذ الهجوم.
يوضح السفير أنه بعد لقائه فؤاد نظير، توجه أحد مسؤولى السفارة إلى السفارة السعودية بالقاهرة، وذلك من أجل الوقوف على ما توصلت إليه حول حادث تفجير الأكاديمية وتفسير السعودية له فى سياق الوضع الداخلى فى مصر، وكذلك علاقة منفذى الهجوم بقوى خارجية مثل ليبيا.
وأشارت الوثيقة إلى ما صرح به مسؤول السفارة السعودية «الفقى» بخصوص جماعة السنة المحمدية، حيث أوضح أن جماعة السنة المحمدية تأسست خلال العقد الثالث من القرن العشرين، وكانت جماعة دينية فى الأصل وبعيدة كل البعد عن المجال السياسى، حيث اهتمت بها السعودية خلال العقد الخامس من القرن نفسه، لما وجدت من تقارب بين أهدافها وفكرها والفكر الوهابى، وأفاد «الفقى» أن تحقيقات النيابة كشفت عن تورط بعض أعضاء الجماعة فى حادث التفجير، ولكنه يعتقد بشكل شخصى أن هؤلاء المتورطين انشقوا عن جمعة أنصار السنة المحمدية، وكونوا جماعة أخرى خاصة بهم أطلقوا عليها اسم «شباب محمد». وعلقت السفارة الأمريكية على ذلك بأن السعودية تفتقر إلى المعلومات الكافية بشأن قضية يفترض أنها موضع اهتمامها.
وأوضح «الفقى» أن جماعة «شباب محمد» هى جماعة جديدة، وأنها هى التى قامت بتنفيذ الهجوم بقيادة زعيمها «صالح سرية» ومازالت حتى الآن تتابع أنشطة الجماعة التى وصل عدد أعضائها إلى 150 عضواً، ومقرها الرئيسى «طنطا»، مضيفاً أنه على الرغم من تشكك بعض المصريين فى تورط ليبيا والعراق بالحادث، إلا أنه يعتقد أن الاتحاد السوفيتى ليس بعيداً عن الاتهام، وأنه شجع العراقيين على تنفيذ الهجوم من أجل زعزعة الاستقرار فى مصر، وبالتالى زعزعة نظام السادات، واستبعد المسؤول السعودى تورط الإخوان المسلمين فى الحادث.
وفى اليوم نفسه، أرسل السفير الأمريكى برقية أخرى سرية للغاية إلى الخارجية الأمريكية وسفاراتها فى لبنان، والسعودية وبيروت تحمل الرقم 1974CAIRO02549_b عنوانها «خطة الأكاديمية ونشاط فدائى محتمل»، شرح فيها السفير ما دار بين أحد مسؤولى سفارته وأحد مسؤولى أجهزة الأمن المصرية، والتى حذر فيها الأخير من احتمالية قيام بعض الفرق «الفدائية» بعملية تستهدف بعض السفارات ومنها السفارة الأمريكية، كامتداد لتفجير الكلية الفنية العسكرية، وأن أجهزة الأمن قامت بتعزيز التواجد الأمنى عند محيط السفارات بمجرد ورود تلك المعلومات إليها.
وتحدث السفير فى رسالته عن الأسئلة التى وجهها مسؤول السفارة وكان أولها ما إذا كانت السفارة الأمريكية هى الهدف الأوحد للهجوم المحتمل أم أن هناك سفارات أخرى مهددة، وكان الرد أن الهجوم المحتمل يستهدف أيضاً السفارتين الأمريكية والسعودية وعدداً من السفارات الأوروبية، ولكن المسؤول المصرى رفض الإجابة على الأمريكى حين سأله ما إن كانت السفارتان الألمانية والإيطالية مستهدفتين أم أنهما خارج المخطط؟
وعن ارتباط العملية الفدائية الجديدة بهجوم الكلية العسكرية، وما إذا كانت ستشكل خطراً على زيارة وزير الخارجية الأمريكى المرتقبة، أفاد المسؤول الأمنى المصرى بأن تحقيقات النيابة كشفت عن أن الخطة التى وضعها مخططو هجوم الكلية اشتملت فى الجزء الثانى منها على احتجاز رهائن بأى من السفارات الأجنبية بالقاهرة، حتى إذا ما نجحت قوات الأمن المصرية فى القبض على الفريق الأول، الذى سيتولى مهمة تفجير الكلية، يقوم الفريق الثانى باستخدام الرهائن المحتجزين للضغط على الحكومة.
ووصف المسؤول المصرى زعيم التفجير «صالح سرية» بأنه قوى البنية والشخصية، من أصل فلسطينى، ولديه جواز سفر عراقى، وعند سؤاله عن انتماء المتورطين لجماعة الإخوان المسلمين أجاب بأنهم لا ينتمون لهم، ولكنهم ينتمون إلى «اليسار الإسلامى الجديد»، وأنهم مجرد منفذين لا يدركون الهدف الفعلى من وراء التفجير، وكانت الخطة كالتالى: أن يقوم الفريق الأول بالهجوم على الكلية العسكرية، والاستيلاء على الأسلحة اللازمة للهجوم على مقر الاتحاد الاشتراكى العربى أثناء تواجد السادات فيه، على أن يكون الفريق الآخر مستعداً لاختطاف رهائن أى من السفارات الأجنبية حال تم القبض على منفذى هجوم الكلية. وحول تورط ليبيا فى الحادث أشار المسؤول إلى أن المخطط خارجى وأنه «حتى روسيا قد تكون متورطة فيه».
وفى يوم 26 إبريل، أرسل السفير الأمريكى برقية سرية جديدة تحت الرقم 1974CAIRO02637_b بعنوان «الهجوم على الكلية العسكرية» إلى الخارجية الأمريكية وسفاراتها فى السعودية وليبيا ولبنان، يخبرها فيها بما نشرته الصحف من اعترافات منفذ الهجوم ومنظميه، بعدما رفعت الحكومة حظر النشر عن الحادث. حيث اعترف منفذ الهجوم «صالح سرية» بأن هدفه كان بلوغ الكلية والسيطرة عليها. بينما اعترف باقى أفراد التنظيم بأنه تم تجنيدهم من المساجد والجامعات والمدارس الثانوية، ومن هنا حدث الاتصال بين سرية وحسن الهضيبى، زعيم جماعة الإخوان المسلمين الذى وافته المنية منذ بضعة أشهر، وعدد من الإخوان المسلمين لبحث مسألة إقامة دولة إسلامية.
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.