الرسائل عبر الهاتف المحمول والإنترنت... وهناك أيضًا التحرش بالنظرات الموحية، الإيماءات والتلميحات الجسدية. وأمّا الأسلوب الأخير والأكثر خطورة، فهو التحرّش الجنسي بالسلوك المادي والجسدي (بداية باللمس والتحسس، وانتهاءً بالاعتداء).
أسباب التحرّش
ان التحرّش هو من مظاهر التمييز ضدّ المرأة وهي واحدة ومشتركة في العالم كلّه وتنتج عن أسبابٍ عدّة، منها النظرة إلى طبيعة المرأة الضعيفة جسدياً، مقارنةً بالرجل، خاصةً في العالم العربي حيث مازال يُنظر إليها بأنها جاهلة وبأنها جسدٌ وحسب، بحكم التقاليد والعادات والفهم المغلوط للدين.
أثبتت الأبحاث التي أجريت حول الموضوع مؤخرا أن أكثر الأشخاص الذين يقومون بالتحرش هم من المراهقين، وقد يكون المتحرّش أحيانًا شاباً أو حتّى عجوزًا. أمّا الفترات التي تكثر فيها مشاكل التحرش هي خلال العطل والإجازات. تزداد أيضا تلك الحالات في أماكن العمل والأماكن المزدحمة.
إنّ التحرّش هو أحد أبرز الاضطرابات الجنسية ويقول أكثر الخبراء، ان السبب في هذا السلوك هو وجود قضايا دفينة تتعلق بطفولة المتحرش، وهو عادة شخصٌ سلبي منعزل. ومن أسباب لجوء البعض للتحرش من وجهة نظر علم النفس هو ضعف النشأة الإجتماعية للشخص والمفاهيم الخاطئة لديه في ما يتعلّق بالجنس الآخر، كما والقصور الشخصي وحبّ التفاخر والمغامرة لديه، بالاضافة الى عدم الاستقرار النفسي والعائلي عنده.
إن البعض يعيد الأسباب إلى فكرة خروج المرأة من البيت لخوض مجال العمل كما والى النمط المتحرر الذي تعتمده المرأة في ملابسها وفي حياتها اليوميّة. هذه آراءٌ متطرّفة تريد إعادة المرأة لعصور الظلام، أفليس هنالك نساء محجبات وغير عاملات يتعرضن للتحرش؟ إن النفوس الشاذّة تظلّ شاذةً مهما كان زي المرأة أو طبيعة حياتها. كما أن الاختلاط في المجتمع بحدود اللياقة والأدب مباحٌ للمرأة في جميع دولنا العربية بصورة شرعية. إن ضعف الأمن في المجتمع وانتشار الفوضى يشجّعان على التحرش.
ويقول البعض الآخر في تحليلاتهم أن الإعلام والاعلانات هي من العوامل الهامة التي ساهمت في تفشّي ظاهرة العنف والتمييز ضد المرأة حيث أنه يستغلّ جسد المرأة بصورة مثيرة للاشمئزاز.
الأماكن التي تتعرّض فيها النساء للتحرّش
ان أكثر حالات التحرش تحصل في الأماكن العامة أو في مراكز العمل. إن الكثير من حالات التحرش الجنسي ضدّ المرأة تقع في مراكز العمل من قِبل رؤسائها الرجال، لما يتمتعون به من سلطة ونفوذ وانعدام الرقابة وهم يعتمدون أسلوب الإغواء للموظفات الصغيرات. في حالات كثيرة، يستمدّ التحرشالجنسي سنده من النفوذ الفاسد والتفوق السلطوي الاجتماعي السياسي أو الثقافي في المجتمعات العربية التي يتمتع بها الرجل على حساب المرأة. ومن الجدير بالذكر أنه هناك علاقة وثيقة بين التمييز ضد المرأة وارتفاع معدل البطالة الأنثوية في العالم العربي، فنسبة البطالة تصل لدى النساء العربيات إلى 48% اذ أن الكثير من اللواتي تجرّأن ودخلن ميدان العمل، فضّلن العودة الى بيوتهن بعد تعرضهن للتحرّش.
الردّ على التحرّش
قد يكون التحرش بكلمات غزلٍ عابرة، وقد يكون بتعابيرٍ سمجة وسيئة للأدب وجارحة للحياء، قد تعجب الفتاة بالنوع الأول وتستاء أو تثور من النوع الثاني. فعندما توجّه الى المرأة في الاماكن العامة عبارات قد تصل إلى مستوى من الوقاحة تجد نفسها أمام خيارين: إما المواجهة التي لا تعرف عقباها، وإما السكوت والتظاهر بأنها لا تسمع شيئاً. لكن السكوت عن التحرشات اللفظية بات أمراً صعباً، خصوصاً أن هذه العادة أضحت شائعة واستفزازية في الدول العربية.
ردّة فعل الضحيّة والمجتمع
إنّ التحرش هو ظاهرة موجودة منذ القدم لكنها لم تكن تعلن في المجتمع خوفاً من “الفضيحة والعار”، وقد ظهرت الى العلن نظرا للوعي الاجتماعي و للانفتاح التكنولوجي من خلال الإنترنت والقنوات الفضائية.
"منى" فتاة متدينة أرادت أن تبلغ عن شاب حاول مرارا التحرش بها في جوار منزلها وعندما شرحت للشرطي في المخفر ما تتعرض له، استهزأ بها وتعاطى مع شكواها بسخرية باعتبار أنه لم يحدث أبدًا أن تقدّمت فتاة بشكوى تحرش في المخفر.
أما "ميسم" وهي آنسة في العقد الثاني من عمرها توقفت عن عملها في أحد المطاعم في لبنان بعد تكرار “التحرش اللفظي” بها من قبل بعض الزبائن فاشتكت الى مديرها وعندما صدمت عندما طلب منها هذا الأخير تقبل تجاوزات بعض الزبائن، فقررت ترك عملها من دون تردد ومن دون رجعة.
إن الحياء الاجتماعي والتقاليد تحرم المرأة العربية من أن تتحدث حتى الى أقرب الأشخاص مثل زوجها أو عائلتها حول ذلك، وهي لا تطالب بإجراءاتٍ ضد الفاعل.
أما السبب الأبرز الذي يدفع المرأة الى كتمان الأمر وعدم تقديم شكوى فهو أن مجتمعنا العربي يعتبر أن الضحيّة هي المتهمة الأولى، إذ أن هناك في العالم العربي أزمةٌ في تصديق المرأة ويُلقى اللوم عليها دائما في مثل هذه الحالات. إن مجتمعنا العربي نشأ على ثقافةٍ مفادها أن المرأة هي دائما مسؤولة عن ما يحصل لها، بذريعة أنها هي التي تدفع الرجل للتحرّش بها نظرًا لملابسها المتحررة، أو لحركاتها المغرية أو سلوكها. وهنا تتجلى أبرز أعراض "التحيز الذكوري" في مجتمعاتنا.
لهذه الأسباب كلها، فإن المرأة -الضحيّة تتعرض لمشاكل نفسية، وتتردد كثيرا في تقديم الشكوى أمام المراجع الأمنية فتتكتّم على تعرضها لمثل هذه التحرشات لئلا تصبح متهمة أو منبوذة اجتماعيًا وتنقلب الأمور ضدها. فإذا كانت متزوجة تتعرض أحيانا للطلاق وأما إذا كانت عازبة فانها غالبا ما تتعرّض لإرهاب الأهل وتلحق بها وصمةٌ إجتماعية سيّئة تُنقص فرصها في الزواج. وغير ذلك، تشتكي العديد من السيدات اللواتي تعرّضن للتحرش وبلّغن عن ذلك أمام المراجع الأمنية من العقلية الذكورية للجهات التي تتلقى شكواهن، الذي يقابلن باللوم كأنهن من إقترف الجريمة في حين يفترض أن تشكّل تلك المراجع الملجأ والحماية للمرأة، فتصبن بخيبة كبيرة.
من هذا المنطلق، دعا أخصائيون في العالم العربي الجهات التي تتلقى شكاوى التحرش الجنسي إلى “التعامل الإيجابي” وبتفهم مع الحالات التي تقدم اليهم والابتعاد عن الأحكام الاجتماعية المسبقة والسلبية تجاهها. في الإطار عينه، تحرّكت العديد من الجمعيات النسائية ومؤسسات المجتمع المدني تنادي بتعريفٍ محددٍ للتحرش وتطالب بنصوص قانونية تحمي الضحية وترتب العقوبات اللازمة، منددةً بالعقلية ذكورية التي تحكم مجتمعاتنا والتي تصل الى حدّ توريط المرأة- الضحية واعتبارها محرّضة أو شريكة في تلك الجريمة الصامتة التي تُرتكب يومياً بحقها.
ضعف القوانين التي تحمي المرأة من التحرّش
أما التحرش الجنسي بالمرأة فقد تطرّقت له وجرّمته مختلف التشريعات في العالم لكن بدرجات متفاوتة، حيث لم تحصر الكثير من الدول هذه الجريمة بوجود علاقة سلطة بين المتحرش والضحية، بل فتحت المجال إلى كلّ أشكال التحرش، في العمل وفي الشارع. وقد وقّعت معظم الدول العربية على اتفاقيات ومواثيق دولية بهذا الخصوص، ولكنها، ومع الاسف، لم تُطبق فعليا. لا بد من القول أيضا أن هناك مشكلة في تطبيق القوانين والتشريعات عندنا لجهة الإثبات والشهود، فكيف للمرأة أن تثبت مثلاً التحرّش إذا كان تحرشا معنوياً؟ بينما في الدول الغربية، يسمح لأي شخص أن يبلّغ عن أي واقعة تحرش دون أن يتعرض للمشاكل أو للتشكيك وتتحرك الشرطة فوراً لتتحقق من الأمر بنفسها.
لبنان: تشير إحصائيّة أجريت مؤخرًا ونشرت في الصحف اللبنانية إلى أن ثلث نساء لبنان تعرّضن لحوادث التحرش أو الاعتداء أو الإساءة اللفظية. واعتبرت منظمات حقوقية أن المشكلة الأساسية في تفشّي هذه الظاهرة هي في عدم وجود ضوابط اجتماعية وفي غياب قانونٍ يحمي النساء من مختلف أشكال التحرش الجنسي. إذ أن مجرد القبول بتطبيع التحرش بالمرأة يعني اعتبار جسدها ملكية عامة. رغم أن الدستور اللبناني واضحٌ بشأن المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء. وإن قانون العقوبات ينصّ في المادة 519 منه على معاقبة من يقدم على لمس أو مداعبة بصورة منافية للحياء قاسراً دون الخامسة عشرة من عمره. كما أن المادة 520 تعاقب من عرض على قاسر دون الخامسة عشرة من عمره عملاً منافياً للحياء أو وجّه اليه كلاماً مخلاً بالحشمة مما يحمل على القول أن القانون اللبناني لا يجرم مثل هذه الأفعال أو التحرش الذي يطال من يزيد عمره عن الخمسة عشرة من عمره.
في السعودية: يعكف مجلس الشورى السعودي على دراسة مشروع قانون لمكافحة التحرش بالنساء والأطفال في الشارع وفي المراكز التجارية للتسوق، وكذلك في المدارس بالتعاون مع جهاز مكافحة التصرفات الطائشة في المملكة. وقد رُصدت حالات عديدة للتحرش من سائقي الباصات والأجرة العامة الذين يتولون نقل الفتيات والنساء، كذلك من الشباب الذين يتسكعون في المراكز والأسواق التجارية، وبعض الباعة في الأسواق التجارية وبالذات الذين لا يعرفون عاداتنا وتقاليدنا.
في مصر: بسبب الوضع الاجتماعي في مصر وتفشي حالات التحرش فيها، بشكل يمكن القول أنها وباء عامّ، وبما يترتب على تشدّد قانون العقوبات بهدف معاقبة المتحرشين جنسيًا سواء كانوا من الرجال أو النساء. وأما جريمة هتك العرض فتعتبر جناية، والعقوبة المقدرة عليها تتراوح ما بين ثلاث إلى سبع سنوات، وإذا وقعت الجريمة من شخص يتولى تربية المرأة أو له سلطان عليها بأي شكل من الأشكال، أو كانت ممن تعمل لديه بأجر توقع عليه العقوبة في حدها الأقصى.
في الجزائر: ان الجمعيات الأهلية والنسائية سعين كثيرا للمطالبة بسنّ قوانين تحمي حقوق الجزائريات. فأصدر المشترع قانونًا اعتبر بموجبه مرتكبًا لجريمة التحرش الجنسي كل شخص يستغل سلطة وظيفته أو مهنته عن طريق إصدار الأوامر للغير أو بالتهديد أو الإكراه أو بممارسة ضغوط عليه قصد إجباره على الاستجابة لرغباته الجنسية و يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة و بغرامة من 50000 د ج إلى 100000 د ج.
في المغرب: تعاني الكثير من الفتيات والسيدات المغربيات من ظاهرة التحرش الجنسي في كثير من مؤسسات القطاع الخاص. والجدير بالذكر أن البرلمان المغربي سبق وأن ناقش سنة 2008 مشروع قانون يجرم التحرش الجنسي ويعاقب كل من تورط في التحرش بفتاة أو معاكستها بالسجن وبغرامة مالية إلا أن القانون لم يصادق عليه حتى اليوم.
وأخيرًا نتشارك معكم هذه القصّة:
ابتدعت نساء لبنانيات ناشطات في حقوق المرأة شخصيةً كرتونيةً تحمل اسم "سلوى" وهي تمثّل كل فتاة أو سيدة تتعرض للتحرش الجنسي وللمعاكسات. وهي طريقة حضارية ومبتكرة لمواجهة تلك الظاهرة السلبية التي بدأت تتفشى في مجتمعاتنا،.ففي أحد المشاهد تبدو سلوى في مكان عملها تعمل باجتهاد، فتتلقى ترقيةً من مديرها في العمل، ولكن فور تلقيها هذه الرسالة تتعرض لتحرش جنسي. ولمواجهة الاعتداءات والمعاكسات على الطريق، تملك سلوى حقيبة تتمتع بقوىً خارقة إذ يمكن استخدامها بسبل شتى للتصدي للتحرش ومقاومة المعتدي؛ فبإمكانها استخدامها كسلاح مادي للدفاع عن النفس، وكذلك يمكن استخدامها في إبلاغ الشرطة بالواقعة الجرمية. ولفتت الناشطة إلى أن التحرش بات ظاهرة متفشية في شوارع لبنان وتتعرض له الفتيات الصغيرات والنساء على حدٍّ سواء.
"سلوى"هي اسلوب مميز وناجح لكسر جدار الصمت،ولحضّ المرأة على الدفاع عن نفسها وعن حقوقها.
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.