لوحة وضعتها ليلى للإعلان عن خدمتها
رائحة الموت تعم أرجاء المكان، جثث تخرج محملة على الأعناق فى طريقها للدفن، وأخرى تدخل للتشريح، وخلف كل منها أناس متشحة بالسواد تلطم الخدود وتبكى على السياسة التى زجت بذويهم إلى المقابر. وسط هذا المشهد القاتم الذى يخيم على بوابة مشرحة زينهم تجلس ليلى صبرى، بائعة حلوى فى كشك يواجه المشرحة، حزنها على ضحايا أحداث العنف الأخيرة لا يقل عن حزن ذويهم.
«ليلى» السيدة المسيحية البسيطة التى لا تملك من الدنيا سوى الكشك الذى تطل منه على رائحة الموت، قررت أن تقدم أكفانا بالمجان لكل من يريد كفنا ولا يملك ثمنه: «قدمت أكفان لإخوان ماتوا فى أحداث رابعة ورمسيس، مش هما بنى آدمين زينا؟». «يوجد أكفان لله بالمحل.. سيدات ورجال لوجه الله».. عبارة كتبتها «ليلى» على الكشك، مؤكدة أن سكان المنطقة يسهمون أيضاً فى ثمن هذه الأكفان التى تقدم لوجه الله بغض النظر عن أى انتماء سياسى أو دينى: «أهل المنطقة واثقين فيا وكل اللى عايز يتبرع معايا بثمن كفن لحد غلبان بيدينى وانا أتولى توزيعه على أى حد محتاج».
لم يقتصر ما تقدمه السيدة المسيحية على الأكفان فقط بل أيضاً تقدم «قفازات» يتم استخدامها فى نقل الجثامين، قائلة: «يارب سلم مصر وأهلها من الحزن والدم، معدناش مستحملين أكتر من كده».
تحكى «ليلى» عن إحدى سيدات المنطقة التى قامت بتأجير ثلاجتين كبيرتين لنقل جثامين المتوفين بالمجان إكراما لحرمة الموت، بعد أن امتلأ شارع المشرحة عن آخره بجثث المتوفين حتى إنه لم يعد أحد قادراً على التحرك.
كم أنتم عظماء رائعون فى وحدتكم ونسيجكم المتكامل الرائع
أرق وأعظم التحية والتقدير لمسيحيو مصر أبناء وأخوان الوطن الواحد
ومهما حاول الفاسقون الفرقة والفتنة ستظلون يدا وقلبا واحدا
عظيمة يا أم الدنيا برجالك وأهلك وجندك وشبابك
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.