مبارك أخطأ كثيرا في التمهل متأثرا بما شاب رئاسة الجمهورية من بطء في الحركة ميزها خلال السنوات السابقة على السقوط لكنه ووفقا للمعلومات الإستخابراتية التى كانت لديه كان قد أدرك أن المخطط قد تم وضعه قيد التنفيذ وبتعاون من قيادات الإخوان وعبر عدة لقاءات تمت في تركيا في ذلك الوقت ويمكن القول أيضا أنه بعد أن أصبح واثقا من صحة المعلومات لم يتبع ذلك بتصرفات مؤثرة وإكتفي بالمراقبة والإجتماعات المتتالية مع توجيه بعدم السماح للإخوان بدخول مجلس الشعب القادم (2010 ) دون أن يدرك أن الخطوات التى إتخذها لم تكن تعني شيئا على أرض الواقع
من جهته كان عمر سليمان يأخذ بنظرية مختلفة تماما فقد عرض على مبارك أن يسمح للإخوان بدخول مجلس الشعب بأعداد تفوق أفضل تطلعاتهم والسماح لهم بحزب سياسي شرعي معتمدا على ممارسة سياسة كشف كاملة تضعهم تحت المجهر بينما تكون كافية لتفجير الخلافات المكبوتة داخل التنظيم لكن مبارك رفض ستراتيجية عمر سليمان وبدلا من ذلك تصرف بطريقة تقليدية بحتة عبر إستخدام جهاز شرطة العادلي الذي لم يكن حتى اللحظة الأخيرة واثقا من معلومات عمر سليمان بل كان متشككا في أن الأمر بأكمله مجرد أسطورة نسجها عمر سليمان للحصول على وضع متميز في مواجهته
ولعل أكثر ما يثير الكثير من علامات الإستفهام حتى اللحظة هو حادث إعتقال محمد مرسي قبل سقوط النظام ثم واقعة هروبه المحيرة دون أن يتحدث أحد عن سبب إعتقاله ولا ملابسات هروبه لكننا ووفقا لما هو متاح من صندوق عمر سليمان الأسود يمكننا أن نقول أن الإدارة الأمريكية (ونحن نتحدث عن فترة ما قبل سقوط النظام) كانت قد إستبعدت من حساباتها قيادات إخوانية تتصدر المشهد رغم أن بعضها كان مازال مسجونا مثل الشاطر لكن الإدارة الأمريكية أثناء حواراتها في تركيا مع الإخوان كانت تصر على طرح إسم محمد مرسي بإعتباره الرئيس القادم بعد سقوط مبارك
عمر سليمان وحده كان يعرف لماذا فرغم تحفظات مبارك على الإسم بإعتباره لا يشكل مركز ثقل حقيقي حتى داخل التنظيم ووفقا لمعلومات حبيب العادلي فإن عمر سليمان كان يملك من المعلومات الكثير فكان يصر على أن الشاطر غير مقبول أمريكيا خوفا من طموحه كما أن أبو الفتوح من وجهة نظر الأمريكان لن يكون مناسبا دون ذكر أسباب لكن عمر سليمان فسر ذلك بأن أبو الفتوح قادر على التفاوض والتعايش مع الإتجاهات السياسية الأخرى ولن يكون مقلقا للمسيحيين في مصر وهو ما لا تريده الإدارة الأمريكية ،ودون ذلك فإن أسماء كثيرة جرى ذكرها لكن عمر سليمان كان يصر على أن محمد مرسي هو الإختيار الأمريكي ولذلك فإنه في لحظات الإضطرابات يجب أن يكون محمد مرسي تحت السيطرة (بلغة رجال المخابرات) لذلك دخل محمد مرسي إلى سجنه وخرج منه دون أن يملك أحد إجابات شافية عن أسباب الدخول ولا ملابسات الخروج
ومحمد مرسي من جانبه بالطبع لم يستطع التخلص من أن أخطر ما هدده فعليا كان صندوق عمر سليمان الأسود فحرم عمر سليمان حتى بعد موته من الجنازة اللائقة بينما مازالت وفاته تثير الكثير من الشك لكن الثابت الوحيد بها أنه لم يقتل في سوريا كما حاول البعض التأكيد
وربما بدافع من خطورة ما يملكه عمر سليمان من معلومات أصبح جهاز المخابرات المصري بالكامل مستهدفا بمن الإخوان بعد تولي محمد مرسي الرئاسة خوفا من أن يكون عمر سليمان قد إتبع الأسلوب التقليدي في تداول المعلومات داخل جهاز المخابرات لكن حتى الآن لم يطمأن محمد مرسي حول شكل تداول المعلومات في تلك القضية وإن ظلت تقلقه كثيرا
إلا أننا لا نريد كشف كل ما لدينا إلا عبر الحلقات التى ننشرها تباعا والتي ستضع صندوق عمر سليمان الأسود أمام الشعب المصري وهو الجهة الوحيدة المعنية بالتحرك بعد أن أصبح تحرك الجيش مشكوكا فيه وفي ظل حالة الجمود التى تسيطر على أجهزة الدولة لكننا فقط نذكر أن الوقت قبل إكتمال المخطط لن يكون غدا كما أنه لن يستمر حتى إنتهاء فصل الصيف
أما ما دفعنا إلى النشر حاليا فهو أننا عاصرنا حدثا أكد لنا أن المخطط والخطوات قد بدأت سيرها ليس نحو ما يسميه البعض (أخونة الدولة) وهو فعليا ما يريده الإخوان ويظنون أنهم ينفذونه بينما فعليا هم يقومون بتنفيذ السيناريو الأمريكي كما هو موضوع وكما يرون أنهم فقط يستغلون توافق المصالح الظاهر لتوطيد سلطانهم
أما الحدث الذي مر بنا فهو حادث البطريركية وأما لماذا كان هذا الحادث هو ما دفعنى إلى النشر فأحتفظ بالإجابة كي تقرأها تفصيلا عبر سطور الحلقات التى سأنشرها تباعا والتى ستحرك الكثير من المياه الراكدة عبر ستة حلقات كاملة تجعل الأمر كتابا مفتوحا أمامكم أبدأها غدا بالحلقة الأولي:
فتح صندوق عمر سليمان الأسود ..
الحلقة الأولي : مبارك كان يعلم برحيله بعد زيارة أوباما لمصر
الرابع من يونيو 2009 كان نقطة فارقة في حياة الجمهورية المصرية الثالثة ففي هذا اليوم أدرك مبارك أن كل تحذيرات عمر سليمان وحديثه الممتد عن تطور لافت للنظر في ستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع مصر كان صحيحا فقد دأب عمر سليمان ومباشرة بعد ظهور نتائج الإنتخابات الرئاسية الأمريكية إلى تحذير مبارك بأن الحدث نقطة فارقة …على حد تعبيره إنتصار لتيار وتوجه على تيار وتوجه فقد كان عمر سليمان ينظر لأوباما بإعتباره الرجل الأسود الذي يضعه القلب الصلب الأمريكي على رأس الدولة لينفذ السيناريو الأسوء لمنطقة الشرق الأوسط
عمر سليمان كان مؤمنا بأن باراك حسين أوباما مثل للقلب الصلب داخل أمريكا (وهو هنا يعني تلك العصبة التي تدير شؤون الدولة في أمريكا داخل المخابرات والبنتاجون والتى لا تتأثر بتغير الرئيس) مثل لهم باراك حسين أوباما الفرصة المناسبة تماما لذلك كان هناك سعيا لإنجاحه وهو ما أفصح عنه منافسه في الإنتخابات الرئاسية على إستحياء دون تفاصيل لكن عمر سليمان كان يملك الكثير من التفاصيل
قبل وصول باراك أوباما للحكم كانت أمريكا قد قضت فترة عسكرية بأكثر مما ينبغي وعصبية بأكثر مما تحتمل وضرورية بأكثر من تملك الإدارة الأمريكية ترف تغيرها
لكن تلك الفترة كانت قد إنقضت تماما مع وصول باراك حسين أوباما للحكم فهو يملك الثلاثية التى تحدث عنها هنري كيسنجر كثيرا في وصفه للرئيس الأمريكي الذي يمكنه أن يدير الشرق الأوسط كما لو كان متجره الخاص فباراك حسين أوباما مسلم في نظر البعض في الشرق الأوسط أو على الأقل هكذا أريد أن يروج له ،وباراك حسين أوباما هو الرئيس الأسود الوحيد في الغرب ونحن هنا نتحدث عن الغرب بأكمله وليس عن الولايات المتحدة فقط وهو ما يمنحه تميزا فيما يخص مجتمعات الملونين سواء داخل أمريكا أو خارجها ، وباراك حسين أوباما كان قبل إنتخابه أقرب المرشحين الرئاسيين لفهم رغبات وتوجهات القلب الصلب الأمريكي …لم تكن مجرد إستنتاجات من القلب الصلب الأمريكي لكنها كانت معلومات بحكم تعامل سابق بين الفتى الجامعي الأسود و(كشافة القلب الصلب) داخل الجامعة ..كانوا يعرفونه جيدا وكانوا قادرين على التأثير فيه وأيضا مساعدته
عمر سليمان كان يعلم ذلك تماما فقد أدار عمر سليمان واحدة من أعقد شبكات المعلومات العاملة على الأراضي الأمريكية دون أن يضبط متلبسا مرة واحدة وكان الأمريكان في النهاية يتغاضون عن بعض ألاعيبه بينما كان هو الآخر يقدم بعض الخدمات وفي النهاية كثيرا ما يكون قادة أجهزة المخابرات وضباطها أقرب لبعضهم البعض من قرب قياداتهم السياسية لهم
عمر سليمان أبلغ مبارك أن الرئيس باراك أوباما لا ينظر لمصر بالشكل الذي كان ينظر لها به من قبل ..أوباما أكثر جرأة في التصور وأكثر ميلا لوزن الأمور بوزنها الطبيعي وهو ينظر لمصر بإعتبارها ضمانة للإستقرار وهو ما أثبتته خلال عقود حكم مبارك سواء أثناء حربي الخليج أو من خلال تدخلها بين حماس وإسرائيل لكن أوباما ينظر بشكل مختلف فهو يجد أن أفضل ما يقدمه لأمريكا هو إكمال ما وجده ناضجا وقت توليه :شرق أوسط جديد ينتظر قص الشريط
أوباما كان مؤمنا بأن الأمور مواتية كي يصبح الرئيس الأمريكي الذي فرض حدود الشرق الأوسط الجديد وبعيدا عن حديث طويل داخل نطاق نظرية المؤامرة فإن حدود الشرق الأوسط الجديد إختفت منها كثير من الدول كان من بينها مصر
أما عن التفاصيل فإن رزنامة كاملة من الأوراق كانت تشرح التفاصيل بدقة متناهية في كل دولة وكان الأمر فقط يحتاج لتحديد أضعف نطاق الحلقة لتنفيذ الخطوة الأولي فقط وكانت تلك الروزنامة ضمن أوراق عمر سليمان التى حاول عرضها على مبارك كاملة لكن مبارك كعادته كان يهوى الخطوط العريضة …مجرد عناوين لا أكثر ولا أقل وهي طريقة مقبولة في إدارة شؤون الدول فليس كل الرؤساء ينغمسون بكلياتهم في التفاصيل المعقدة ويتركون ذلك لقادة الأجهزة والمتخصصين لكن في تلك الحالة فإن مقترحات رؤساء الأجهزة تؤخذ بعين الإغتبار لكن المشكلة أن مبارك قرأ الخطوط العريضة لعمر سليمان وعندما قرر التصرف فإنه إستخدم العادلي
السي آي إيه بدورها علمت أن عمر سليمان قد وصلته تلك الروزنامة من الأوراق وعلى الفور خرجت المقترحات تطالب أوباما بتأجيل زيارته للقاهرة خوفا على حياته لكن ذلك لم يكن ممكنا سياسيا وتم الإستعاضة عن ذلك بالكثير من الإجراءات الأمنية الغير مسبوقة حتى في زيارات رؤساء الولايات المتحدة للشرق الأوسط فبدلا من إستقلال أوباما لسيارة تقله هو وهيلاري كلينتون إلى جامعة القاهرة التى أصر على الخطابة تحت قبتها منفردا دون أن يصحبه مبارك تغيرت الخطط الأمنية للموكب تماما فتم تجهيز طائرة الرئاسة التي لم تكن في الحسبان لنقل أوباما وهيلاري كلينتون وزيرة خارجيته والوفد المرافق لهما إلي جامعة القاهرة ليهبط أوباما أمام قبة الجامعة ويدخل دون سابق إنذار أو إعلان إلي القاعة.
أيضا تم إلغاء لقاء محدد سلفا لأوباما مع السفير الإسرائيلي بالقاهرة «شالوم كوهين» والعاملين بالسفارة بمقر السفارة القريب من جامعة القاهرة بعد خطاب أوباما بجامعة القاهر لكن اللقاء تم إلغاءه أيضا لدواع أمنية وإضافة لذلك تم إغلاق السفارة الإسرائيلية ومنح الدبلوماسيين الإسرائيليين أجازة بدلا من اللقاء
أوباما كان يدرك أنه بمثابة رجل يعلن الحرب على مصر من داخل مصر وفي وجود الرئيس الشرعي للبلاد لكنه كان يتصرف بمنطق أنه رئيس الدولة التى تحكم العالم والتى سأمت من الكيانات الصغيرة التى تحصل على معونات من أمريكا بينما تعارضها كثيرا …تحديدا كان أوباما يهمس لهيلاري كلينتون أن تلك الزيارة هي آخر زيارة لرئيس أمريكي إلى مصر لأن مصر لن تستمر في الوجود طويلا ( فيما بعد زار اوباما إسرائيل والأردن ورفض زيارة مصر في عهد مرسي لأنه كان يريد الحفاظ على وعده) ومبارك من جهته كان يدرك أن الأمر قد شارف الإنتهاء ..لم يعد يفكر في توريث أو حتى إعادة الترشح للرئاسة وكان يري أن الحل الأمثل تصعيد عمر سليمان وتأهيله لكي يصبح الرئيس القادم لمصر ففي النهاية هو من يعلم كل التفاصيل حول المخطط القادم
عمر سليمان من جانبه كان عازفا عن تولي الرئاسة في حالة إعادة ترشح مبارك أو تولي شخصية عسكرية للحكم …كان مؤمنا بأن مصر ستصبح مندفعة نحو مواجهة بالسلاح على أرضها وضد أعداء من داخل الوطن نفسه وكان يؤمن أن رجلا مدنيا على رأس الدولة لن يكون مناسبا لقيادة تلك المرحلة التى كان يتوقع خلالها مواجهة ليست عسكرية بالمعنى الحرفي للكلمة لكنها أمنية في مجملها يتخللهاعمليات عسكرية كان يراها ضرورية للسيطرة عبر قوات خفيفة محمولة على محاور معينة في سيناء والصحراء الغربية الجبهة الجنوبية
مبارك إنصرف عن كل ذلك إلى شئ آخر تماما، الإخوان لن يحصلوا على أي فرصة داخل مجلس الشعب القادم عقابا لهم ،أموالهم يجب أن تراقب بدقة والحزب الوطني يجب أن يمارس قدرا أكبر من التواصل مع المواطنين
عمر سليمان من ناحيته كان يجد أن الإخوان يجب أن يحصلوا على مقاعد تناسب حظوظهم في الشارع وكان لا يجد غضاضة في دخول عدد منهم لتولي حقائب وزارية ضمن تصور خاص به لإخراجهم للنور ووضعهم في مواجهة الشعب بينما كان يري أي حديث عن الحزب الوطني مجرد مضيعة للوقت …كان يتصور أن تواصلا مع اليسار الطلابي يمكن أن يكون أفضل كثيرا لكنه كان قلقا فيما يخص الوقت المتاح قبل تفجر الأوضاع
وبينما كان مبارك يضع تصورات مبهمة لسيناريو الخروج والإنسحاب من المشهد السياسي وكان يصرح بين الحين والحين لزكريا عزمي بأن تحديد وقت (إستراحة المحارب) أهم من إمكانية البقاء على الساحة بينما كان يتحدث كثيرا لعمر سليمان عن أن أنسب وقت للخروج من الساحة السياسية كان مع وفاة حفيده وهو ما كان عمر سليمان موافقا عليه كثيرا ويري أن القرار لو كان قد إتخذ في تلك الفترة فإن مبارك كان سيبقي مقربا من رجل الشارع المصري مهما حدث وبالتالي فإن الرئيس القادم لو كان من داخل المؤسسة العسكرية كان سيجد أجواء مناسبة كثيرا لتجهيز البلاد لما هي مقدمة عليه خاصة أن عمر سليمان في تلك الفترة قد أصبح على علم بتحركات إخوانية ولقاءات تدور في تركيا بين قيادات من الإخوان ومخططين إستراتيجيين من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وأن تلك اللقاءات كان ينضم إليها بين وقت وآخر عناصر من المخابرات التركية أو القطرية سواء لبحث أمور تخص التمويل أو التجهيز لكن في النهاية كانت أسماء عناصر المخابرات الأمريكية التى تلتقي الإخوان في تلك الفترة كافية لعمر سليمان ليدرك أن ساعة الصفر قد إقتربت وأن هناك ضوء أخضر للتنفيذ قد أضئ عبر المحيط وبقى معرفة ساعة الصفر لكن عمر سليمان كان مصرا في النهاية على أن الإخوان لن يتحركوا في شكل مواجهات على الأرض …سيستخدمون غيرهم ويجعلوهم وقودا لمعركتهم ولن يتحركوا سوى في اللحظات الأخيرة لكن عمر سليمان كان يرى أن الجماعات السياسية على الأرض غير مؤهلة لتحرك فعال لدرجة إسقاط نظام أو إحداث فوضي شاملة وهنا بدأت سيناريوهات عديدة تخضع للدراسة كان منها إمكانية تسريب عناصر من حركات إسلامية أخرى من خارج البلاد إلى داخلها لإشعال بعض المواقف وإستباق النتائج لكنه ظل متابعا للأمور بدقة حتى اللحظة الأخيرة
الحلقة القادمة:
فتح صندوق عمر سليمان الأسود ..الحلقة الثانية:تفاصيل إتفاق الإخوان مع المخابرات الأمريكية على تولي السلطة في مصر قبل الثورة بأشهر
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.