Free Web Submission http://addurl.nu FreeWebSubmission.com Software Directory www britain directory com education Visit Timeshares Earn free bitcoin http://www.visitorsdetails.com CAPTAIN TAREK DREAM: حصريا ولأول مرة : الموسوعة الكاملة : هذا تاريخهم.. الملفات السرية للإخوان المسلمين (الجزء العاشر )

Wednesday, September 25, 2013

حصريا ولأول مرة : الموسوعة الكاملة : هذا تاريخهم.. الملفات السرية للإخوان المسلمين (الجزء العاشر )

النهاية: البنا يحصد ما زرع (1945 : 1949) 



إزالة اثار دماء البنا بعد إطلاق الرصاص عليه

انتهت الحرب العالمية الثانية ..

وبعيداً عن الانتصارات والهزائم العسكرية، فإن الحقيقة المؤكدة هى التغيير الشامل الذى طرأ على العالم ..

عالم ما بعد الحرب، يختلف جذريا عن العالم قبل الحرب، والأمر لا يقتصر على الدول والشعوب التى خاضت المعارك وتعرضت لمآسيها، فقد امتد زلزال التغيير ليشمل كافة الجوانب ك السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .

لم تكن مصر بمنأى عن رياح التغيير، وكان اغتيال رئيس الوزراء أحمد ماهر تعبيرا عن عمق المتغيرات التى تنتظرها مصر، وعن الزمة التى يواجهها النظام، بعد أن ظهرت قوى واتجاهات وأفكار جديدة، لا ترخخ للمنظومة السائدة قبل الحرب.

لقد استثمر حسن البنا سنوات الحرب ليصعد بجماعته، فتزايد أعضائها وأنصارها، وتضاعفت مقارها وشعبها، وتحول الإخوان إلى قوة لا يمكن إهمالها فى المعادلة السياسية الجديدة بعد نههاية الحرب.

كان الإخوان مطالبين بالتأقلم مع الأوضاع الجديدة، فالأوضاع السياسية، الداخلية والخارجية، تتطلب إيقاعاً جديداً، وتنظيماً قادراً على مواجهة التحديات.

لقد تحرك الوفد بعد نهاية الحرب، ونشط الشيوعيون، وتهيأ أحمد حسين لبداية مرحلة جديدة من تحولاته الفكرية والسياسية، وبدا القصر الملكى مصمما على الاستمرار فى إحكام سيطرته. وفى ظل هذا المناخ، أعلن الإخوان عن عقد مؤتمر شعبى، فى القاهرة وسبعة مراكز رئيسية فى الأقاليم، خلال شهر أكتوبر 1945، لمناقشة القضية الوطنية ومطالبها، والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن الأوضاع التنظيمية والفكرية للجماعة.

أقر المؤتمر النظام الأساسى الذى تم اعتماده فى المؤتمر الخامس سنه 1939، مع إدخال بعض التعديلات التى تتمشى مع التطورات، فقد تم توزيع السلطة بين المرشد ومكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية، كما تم إنشاء قسم الخدمات الاجتماعية والخيرية، مع إحالة سجلاته لوزراة الشئون الاجتماعية، للحصول على معونات من الحكومة. وبقدر ما يعبر هذا التوجه عن اتساع نشاط الإخوان، فإنه يتم عن الخوف والقلق من جراء التقلبات السياسية.

قرر المؤتمر تغيير المسمى من "جماعة الإخوان المسلمين" إلى "هيئة الإخوان المسلمين العامة" ويكتسب هذا التغيير الشكلى أهميته عند إدراك أن مفردة "الهيئة" خلال هذه المرحلة التاريخية كانت ترادف معنى الحزب.

وإذا كان البنا قد أعلن فى المؤتمر الخامس أن الإخوان هيئة سياسية، فإنه لم يعترف بأنه يقود حزبا سياسيا، لكن مؤتمر 1945 شهد تحولا ملموسا، وأكد عمليا أن الإخوان قد أصبحوا حزبا سياسيا، لكن الإشهار الحزبى غير المباشر لم يكن يعنى الانخراط الكامل فى منظومة الحياة الحزبية المصرية. وبمعنى أخر فإن الهدف الحقيقى من هذا التوجه هو التمتع بالامتيازات الحزبية التقليدية، دون تحمل ما يترتب على ذلك من واجبات وأعباء.

النظام الأساسى لهيئة الإخوان المسلمين العامة

أقرت الجماعة قانونا معدلا، قدمه حسن البنا، وأطلق عليه قانون النظام الأساسى لهيئة الإخوان المسلمين العامة. وعند التوقف أمام هذا القانون، يمكن تحديد الهرم التنظيمي من العلى إلى الأدنى على النحو التالى :

·        الهيئة التأسيسية
·        مكتب الإرشاد العام
·        المكاتب الإدرارية
·        المناطق
·        الشعب
·        الأسر
وقد راعى القانون أن يكون اتصال هذه المراتب، فيما بينهان عن طريق التسلسل، طرديا أو عكسيا. وباستثناء الهيئة التأسيسية، فإن جميع التشكيلات الأخرى تعتمد فى تكوينها على الانتخابات السرية عبر المؤتمرات، واتاح القانون لمكتب الإرشاد العام حق اختيار الرؤساء إذا اختارت المستويات المختلف رئيسا لا يحظى بموافقة المرشد ومكتب الإرشاد.

كان القانون التنظيمى حريصا على تحديد مسئوليات ومهام كل مستوى وأسلوب تشكيله، فالشعب تمثل الوحدة التنظيمية الأدنى فى كل قرية أو بلدة، وتتفرغ بدورها إلى أسر وخلايا، ثم يتألف من مجموع الشعب فى المنطقة الإدارية مجلس إدارة المنطقة، الذى يتكون من رؤساء الشعب ومندوبين عن المكتب الإدارى والشعب واللجان الإدراية، كما يتألف من رؤساء المناطق وأعضاء الهيئة التأسيسية فى الدائرة ومندوبى اللجان الفرعية، أما المكتب الإدارى فهو الذى يتولى وظيفة قيادة فرع أو منطقة، ويضم مندوبا عن مكتب الإرشاد، لا يحق له التصويت، ثم يأتى مكتب الإرشاد العام، فالجمعية التأسيسية.

تمثل الهيئة التأسيسية مجلس الشورى العام، إلا أن هذه الهيئة ليست منتخبة، بل يتم تعيينها بالاعتماد على الإخوان من أصحاب التاريخ فى خدمة الجماعة. وبقرار منها، لابد أن يكون بالاجماع، يتم ضم أى عضو إخوانى مثبت، يكون قد مضى على اتصاله بالدعوة خمس سنوات، وأتم الخامسة والعشرين من عمره، إلى عضويتها، شريطة ألا تزيد نسبة الأعضاء الجدد عن عشرة أعضاء سنويا، وأن يراعى فى اختيارهم التمثيل المتوازن للمناطق.

ينص القانون الذى أقره مؤتمر سنه 1945 أن تجتمع الهيئة التأسيسية دوريا فى أول شهر من كل عام هجرى، كما يمكنها أن تجتمع استثنائياً بطلب من المرشد العام أو من مكتب الإرشاد العام أو من عشرين عضواً من أعضائها، وتنتخب الهيئة التأسيسية المرشد العام ومكتب الإرشاد العام والوكيل والسكرتير العام وأمين الصندوق، بالاقتراع السرى. ويكون الاجتماع شرعيا مقبول النتائج إذا حضرته الأغلبية المطلقة، إلا فى الحالات التى اشترط لها نظام خاص.

ويشترط فيمن يرشح لعضوية مكتب الإرشاد أن يكون عضواً فى الهيئة التأسيسية لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، وألا يقل عمره عن الثلاثين، مع مراعاة ألا يتجاوز عدد أعضاء مكتب الإرشاد المنتخبين اثنى عشر عضوا، وأن يكون ثلاثة أرباعهم من إخوان القاهرة، والانتماء إلى القاهرة هو الشرط فيمن يشغل مراكز الوكيل والسكرتير العام وأمين الصندوق.

وتم تحديد الدورة الانتخابية لمكتب الإرشاد العام بعامين، وتناقش الهيئة التأسيسية سنويا تقرير مكتب الإرشاد، والتقرير المالى.

أما المركز العام للإخوان للمسلمين فيتألف من الهيئة الفنية، والأقسام الرئيسية، والوحدات المنفذة، والهيئة الإدارية. وتتشكل الهيئة الفنية من لجان استشارية فى المجالات المالية والسياسية والقضائية والإحصائية والخدمية والصحفية والترجمة، أما الوحدات المنفذة فُيقصد بها الهيئات التنظيمية المتسلسلة، أما الأقسام الرئيسية فتضم تسعة مكاتب، تتولى عدة مهام جوهرية:

-       نشر الدعوة
-       العمال والفلاحون
-       الجوالة
-       الأسر
-       الطلبة
-       التربية البدنية
-       الاتصال بالعالم الإسلامى
-       الأخوات المسلمات
أما قسم المهن، فإنه يتفرع بدوره إلى تسعة فروع :

-       الأطباء
-       المهندسون
-       القانونيون
-       المعلمون
-       التجاريون
-       الزراعيون
-       الاجتماعيون
-       الصحفيون
-       الموظفون
ولا يبقى بعد ذلك إلا الهيئة الإدارية، التى تضم الموظفين الحزبيين فى المركز العام.

مثلما كان مؤتمر سنة 1945 نقطة تحول فى مسيرة الإخوان المسلمين، على المستويين التنظيمى والحركى، فقد كان بداية تحول سياسى، على المستويين الفكرى والعملى. 

لقد حدد البنا فى المؤتمر رؤية سياسية واجتماعية مثلث الأساس العام الذى التزم به الإخوان عبر عقود عديدة تالية، والهدف الأول والأسمى هو إقامة الحكومة الإسلامية، التى تحترم فرائض وشعائر الإسلام، وتحرم الموبقات، وتؤسس التعليم من منطلق إسلامى، يعلن من شأن اللغة العربية والقيم الأخلاقية .

لم تتراجع فكرة الخلافة الإسلامية، وهى الركيزة السياسية الأولى فى حركة الإخوان منذ التأسيس، لكنها تحولت إلى هدف استراتيجى بعيد المدى، ويتم تنفيذه عبر مراحل، من خلال تكاتف الحكومات الإسلامية فى الأقطار المختلفة، لأن إعادة الخلافة بشكل مباشر ودون تمهيد، لا تبدو ممكنة فى ظل المتغيرات الكثيرة التى حلت داخليا وإقليميا ودوليا بعد نهاية الحرب العالمية.

لقد أفاد الإخوان من سنوات الحرب، وحققوا نجاحا لا يمكن إنكاره أو التقليل من شأنه، لكن البنا يدرك جيدا أن الساحة تتسع لقوى أخرى تزاحمه على قيادة الساحة السياسية المصرية والتأثير فى مسارها .

نجاح الإخوان لا يعنى أنهم منفردون بلا شريك أو منافس، ولكى تكتمل ملامح الخريطة، لابد من التوقف أمام القوى الأخرى، والتأمل فى طبيعة علاقة الإخوان مع هذه القوى : القصر الملكى، الجيش، الوفد، أحزاب الأقلية، الشيوعيون، حركة مصر الفتاة، التى تحولت إلى أفات جديدة.

حرب فلسطين بداية ونهاية فى مسار الجماعة

كانت نهاية الحرب بداية لمرحلة، وكانت حرب فلسطين سنة 1948 نهاية وبداية : نهاية لسنوات ما بعد الحرب العالمية العاصفة، وبداية لمسار جديد ذى تحولات لا تقل خطورة.

قرب نهاية الحرب العالمية، وبعد أن استقرت الأحوال العسكرية على الجبهة لصالح الانجليز، بادر الملك بإقالة حكومة النحاس التى تشكلت فى أعقاب حادث فبراير 1942، وسرعان ما تخلى حسن البنا عن علاقة المودة المؤقتة مع الوفد، وتوجه إلى التعاون مع القصر الملكى عبر أحزاب الأقلية التى تحظى برعاية فاروق.

فى الرابع من يونيو 1945، نظم الإخوان مظاهرة حاشدة للترحيب بأعضاء مجلس الجامعة العربية، وللمطالبة بجلاء الفرنسيين عن شمال أفريقيا. وعلى الرغم من قرار الحكومة برفض المظاهرة، فإن أحدا لم يتعرض لها، وتشير تقارير المخابرات البريطانية إلى أن إلغاء قرار الحكومة، والسماح بخروج المظاهرة من ميدان الأوبرا، تم بامر ملكى.

لقد سعى البنا كثيرا لتتاح له فرصة مقابلة الملك فاروق، وعندما تم اللقاء بينهما، بوساطة من يوسف رشاد، الطبيب الخاص للملك، أعرب مرشد الإخوان عن رغبته فى التعاون الكامل غير المشروط مع الملك، وأكد أنه يكن لصاحب الجلالة كل الحب والمودة والتقدير.

وقد تجسد تعاون البنا مع السراى من خلال تأييد الإخوان للحكومات غير الشعبية التى تحظى برضا الملك، وبعد تعيين الزعيم السعدى إبراهيم عبد الهادى رئيسا للديوان الملكى، فى فبراير 1947، تمت دعوة حسن البنا، للمرة الأولى، لحضور إحدى الولائم الملكية، ولعب رئيس الديوان الجديد دورا بارزاً فى تدعيم الروابط والعلاقات بين الملك ومرشد الإخوان، فى منطلق أن المشترك بينهما هو العداء الأصيل للوفد من ناحية، والحد من تغلغل انتشار الشيوعية من ناحية أخرى.

وتتمثل بعض ثمار التعاون فى التسهيلات التى تم تقديمها للإخوان للحصول على ترخيص بإصدار صحيفة يومية، وشراء ورق الطباعة بالأسعار الرسمية التى تقل عن أسعار السوق بنسبة تتراوح بين 20 و30%، كما حصل جوالة الإخوان على امتياز يتيح لهم حرية الحركة واستخدام معسكرات الحكومة، ومنح الإخوان قطعا من الأرض لإقامة المبانى والمشاريع الخاصة بهم، كما قدمت لهم إعانات مالية من وزارتى المعارف والشئون الاجتماعية.

كان الدعم الحكومى للإخوان، بإيعاز من اسلراى، يقابله تأييد إخوانى لحكومات القصر، وهو ما يتجلى بوضوح فى تأييد الإخوان لحكومة إسماعيل صدقى الديكتاتورية، ومباركة معاهدة صدقى – بيغن التى تعرضت لرفض شعبى جارف. واللافت للنظر أن إسماعيل صدقى، الذى كان حاسما فى منع المظاهرات، قد سمح بمظاهرات إخوانية فى مارس 1946، تعلن عن تأييد الملك والحكومة، وتهاجم الوفد والحركة الوطنية.

وفى إبريل 1946، كتب حسن البنا فى مجلة الإخوان المسلمين، كلمة عنوانها "الرجال السبعة"، يطالب فيها رموز الحياة اسلياسية المصرية لمساندة حكومة صدقى فى مفاوشتها. وكان هؤلاء السبعة هم: مصطفى النحاس، على ماهر، محمود النقراشى، الدكتور محمد حسين هيكل، مكرم عبيد، حافظ رمضان، عبد الرحمن الرافعى.

وفى السياق نفسه، نشرت المجلة الخطاب الذى أرسله البنا إلى الملك فاروق، ويقول فيه إن صاحب الجلالة هو موضع الأمل ومعقد الرجاء لوادى النيل وأبناء العروبة وشعوب الإسلام.

ولقد احتفل الإخوان بعيد ميلاد الملك وعيد الجلوس، وفى الحادى عشر من فبراير 1948، يوم ميلاد الملك، نشرت جريدة الإخوان صورة كبيرة للملك داخل برواز، يعلوها عنوان : "الملك فاروق"، وقالت ما نصه: "اليوم تطلع شمس العام الثامن والشعرين، للشاب الصالح فاروق الأول، ملك وادى النيل" .

لم تكن العلاقة بين الإخوان والملك عدائية على الإطلاق، وقد اتفق الطرفان فى كراهية الوفد والشيوعيين، وإذا كان الملك ورجاله يرون فى الإخوان أداة لخدة مصالح القصر ومطامعه، فإن الإخاون بدورهم قد رأوا فى تأييد الملك وسياسة وسيلة مهمة للحصول على الدعم والتمتع بحرية الحركة.

لم تكن العلاقة بين ندين متكافئين، وقد دفع الإخوان وحسن البنا شخصيا، ثمنا فادحا لتوهم العلاقة على غير حقيقتها.

علاقة الاخوان بضباط الجيش المصرى

كانت مرحلة الحرب العالمية، وبخاصة بعد حادث فبراير 1942، هى البداية الحقيقية للاتصال بين الإخوان المسلمين وضباط الجيش المصرى، الذين أعلنوا عن سخطهم واستيائهم من الإهانة التى لحقت بالملك فاروق عندما حاصرت الدبابات الانجليزية قصر عابدين، وأجبرته على تعيين مطصفى النحاس رئيسا للوزراء.

نشط الإخوان فى تجنيد ضباط الجيش وضمهم إلى صفوف الجماعة، مع ترتيب لقاءات سرية مع حسن البنا. ومع تعدد الروايات واختلافها، فإن الإجماع قائم على ارتباط جمال عبد الناصر بجماعة الإخوان، من خلال الضابط الإخوانى عبد المنعم عبد الرؤوف، أو عن طريق الشيخ أحمد حسن الباقورى. وخلال مرحلة الارتباط هذه، أسهم عبد الناصر فى تدريب أعداد كبيرة من العناصر الإخوانية.

ولا يقتصر الأمر على جمال عبد الناصر وحده، فثمة صلات أخرى مع عدد غير قليل من اضلباط، منهم خالد محى الدين وعبد اللطيف البغدادى وكمال الدين حسين وحسين الشافعى. وإذا كان العداء للوفد والحركة الشيوعية قد جمع بين الإخوان والقصر، فإن الرغبة المشتركة فى مقاومة الاحتلال الانجليزي هى التى وثقت الروابط بين الضباط الوطنيين وجماعة الإخوان.

ولم يكن هؤلاء الضباط الوطنيون يخفون إعجابهم بما تتسم به الجماعة من انضباط يقترب من الروح العسكرية التى تربوا عليها. وكان النظام الخاص هو المكان الأكثر ملاءمة لهؤلاء الضباط ما يحكم تخصصهم العسكرى وانضباطهم والتزامهم بالسرية، حيث يتم القسم والبيعة فى غرفة مظلمة، ويظهر المسدس والمصحف لتأكيد الولاء ، ثم يتولى الشيخ سيد سابق مسئولية تلقين الدروس فى اللغة العربية والثقافة الإسلامية.

ما الذى حال دون المزيد من التطور الايجابى فى العلاقة بين الضباط وجماعة الإخوان؟ ولماذا تراجع الكثيرون منهم عن حماسهم القديم، وبحثوا عن ملاذ سياسى وفكرى أخر، قبل أن يتشكل تنظيمهم الخاص المستقل ؟!

ربما تكون بداية التراجع فى العام 1946، حيث اندفع الإخوان فى تأييد حكومة إسماعيل صدقى الرجعية الديكتاتورية التى لا تحظى بثقة الشعب والضباط الوطنيين، وحيث بدأ الإخوان فى ممارسة العنف والقيام بعمليات إرهابية جزئية، كما أن عاملا ثالث لا يمكن إهماله يتمثل فى الصدمة الأخلاقية للضباط نتيجة الاتهامات الموجهة ضد عبد الحكيم عابدين، صهر المرشد، وتأييد البنا غير المبرر له .

لقد أدرك عبد الناصر أن الطريق الإخوانى لا يلائم طموحه، ولذلك سعى إلى تحويل ولاء الضباط إلى التنظيم الذى شرع فى تأسيسه دون ارتباط بقوى أخرى :"الضباط الحرا". ولا يفى هذا أن نفوذ الإخوان قد انتهى وتبخر، لكن المؤكد أنه تراجع ولم يعد يواصل الصعود .

لم يكن الوفد، حتى إقالته فى أكتوبر سنه 1944، يرى فى الإخوان إلا جماعة دينية محدودة التأثير على الصعيد السياسيى، أم المرشد حسن البنا فشاب طموح يحلم بمقعد فى البرلمان، ولا يعدو احتواء هذا اشلاب وترويضه بالأمر العسير.

وفى المقابلن كان البنا يرى فى الوفد منافسا هو الأخطر فى اشلارع السياسي، ذلك أنه الحزب الذى ورث الثورة الشعبية التى قادها زعيم الوفد الأول سعد زغلول، ثم انتقل ميراث الزعامة والشعبية إلى خليفته مصطفى النحاس.

اتسمت العلاقة بالتجانس والتنسيق خلال الحرب، وإذا كان الوفد قد ربح صمت الإخوان وتجنب المشاكل التى قد يشيرونها فى أجواء لا تحتمل القلاقل، فإن الإخوان كانوا الطرف الأكثر إفادة من الصفقة الضمنية مع حكومة الوفد، فانتشروا فى القاهرو وكثير من الأقاليم، وتمتعوا بحماية الحكومة الوفدية ودعمها.

اختلفت الحسابات والمعايير بعد نهاية الحرب، واندفع الإخوان إلى الارتماء فى أحضان السراى وحكومات الأقلية، وهو ما يفى بالضرورة الابتعاد عن الوفد ومناصبته العداء. وإذا كان الوفد قد اتخذ موقف المعارضات من حكومتى النقراشى وصدقى، فإن الإخوان قد أيدوا الحكومتين، وباركوا السياسة القمعية التى انتهجها إسماعيل صدقى، وطالت بعض قيادات ورموز الوفد.

توترت العلاقة بين الوفد وافخوان، وتبادلا الهجوم الحاد، ووصل الصراع إلى ذروته فى يوليو 1946، فى ميدنة بور سعيد، المعروفة لولائها التقليدى للوفد. تحول الصدام بين الوفديين والإخوان إلى العنف، وألقى أنصار الإخوان ثلاث قنابل، مما أسفر عن مقتل أحد الوفديين وإصابة الشعرات، وهو ما أدى إلى تجمع الوفديين فى ثورة غضب مضاد، وأشعلوا النار فى دار الإخوان والنادى الرياضى، وحوصر المرشد العام حسن البنا، حتى أفلت بصعوبة.

وقرب نهاية أغسطس 1946، نشرت صحيفة "صوت المة" الوفدية هجوما عنيفا ضد الإخوان ومرشدهم، وقالت إن البنا يتعرض لهتافات معادية أثناء زياراته للأقاليم، ويصفه المتظاهرون بأنه صنيعة الانجليز، وأطلقت الصحيفة عليه اسم الشيخ حسن راسبوتين، فى إشارة إلى المشعوذ الروسى الشهير.

وقد اعتمدت الحملة الوفدية ضد الإخوان على عداء الجماعة للديمقراطية واعتمادها على تشكيلات شبه عسكرية. وعلى الرغم من محاولات التوفيق بين الوفد الجماعة، فقد استمر العداء، وقالت صوت الأمة إن البنا حكومى أكثر من الحكوميين، ونقراشى أكثر من النقراشيين.

ولقد كشف البنا عن السر الحقيقى فى عداء الجماعة للوفد، فقد كتب فى مايو 1947، فى جريدة الإخوان، يستنكر الهجوم الوفدى على جماعته، ويرى أن الوفد على جماعته، ويرى أن الوفد يعيش بعقلية قديمة، متصورا أنه الأمة، وأن الأمة هى الوفد. وهاجم البنا موقف الحزب من إسماعيل صدقى، قبل أن يصل إلى جوهر الخلاف، وهو تمسك الوفد بالنظام السياسى والاجتماعى الغربى الممسوخ المشوه، بينما يراهن الإخوان على اختيار الأمة للوضع الربانى السليم.

شهد اليسار المصرى، بعد الحرب العالمية الثانية، ازدهارا واسعا على المستويين النظرى والحركى، وقد وجدت البرامج والشعارات التى طرحها الشيوعيون، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، صدى ملموسا عند الطبقات الفقيرة وشرائح من الطبقة الوسطى.

ومع ازدياد نشاط المنظمات اليسارية، السرية غالبا، تولت جوالة الإخوان مهمة تعقب أعضاء هذه التنظيمات والإبلاغ عنها، ووصل الأمر بالبنا إلى التصريح بان أحد اهداف جمع الإخوان للسلاح هو التصدى للخطر الذى يمثله الشيوعيون، وكان التحالف مع الغرب مقبولا عند المرشد شريطة التنسيق فى مواجهة الأخطار الشيوعية التى تهدد المنطقة .

وعندما بدأ إسماعيل صدقى، سنه 1946، حملته الشهيرة ضد القوى الوطنية والتقدمية، واعتقل المئات من المثقفين والطلبة والعمال، وأغلق عشرات الصحف والمجلات المعبرة عن مختلف الاتجاهات، سارع الإخوان بتأييد حملته القمعية المعادية للحريات، ونشرت الصحيفة الإخوانية الرسمية أن الظروفتحتم ذلك الإجراء، لأن سلامة المجتمع وحرية الأمة تفوق كل شئ!

لقد سعى الإخوان دائماً إلى استثمار الشبح الشيوعى، فى إطار من التهويل والمبالغة، لاحتواء الملك وإرهابه من الخطر الذى تمثله الشيوعية، وطالب حسن البنا، فى لقاء دمعه مع بعض أعضاء السفارة الأمريكية، بتكوين مكتب مشترك بين الإخوان والأمريكيين لمكافحة الشيوعية.

وفى يوليو 1946، نشرت مجلة "الإخوان المسلمون" مقالا مهما عنوانه "الإخوان المسلمون فى مصر بين الوفد والشيوعية"، وكشفت المجلة عن مرتكزات العداء الإخوانى للشيوعية: إنهم ياتمرون باوامر موسكو والإخوان يأتمرون باوامر الله، والشيعيون دعاة إلحاد وكفر وفساد أخلاقى أما الإخوان فدعاة إيمان وعقيدة دينية وسمو اخلاقى .

ولقد تجسد الصراع بين الإخوان والشيوعيين فى مجال الحركتين الطلابية والعمالية، وحقق الشيوعيون نجاحا وسط العمال يفوق ما حققه الإخوان، وهو ما يمكن تبريره فى إطار الوعى بالشعارات الاجتماعية والاقتصادية التى رددها الشيوعيون، فى مواجهة الإطار الفضفاضى غير المحدد للشعارات والمبادئ الإخوانية.

ولم يختلف الأمر كثيراً فى الجامعة، حيث انتشر النشاط الشيوعى فى الأوساط الطلابية ، وأسهموا بدور بارز فى لجنة العمال والطلبة التى قاومت ديكتاتورية صدقى، فى الوقت الذى تحالف فيه الإخاون مع الحكومة غير الشعبية، وخرجت مظاهرات طلبة الإخوان فى الجامعة لتشيد بصدقى، وتردد الآيات القرآنية التى تحض على طاعته! .

ومن الناحية الفكرية، فقد رأى الإخوان أن التعاليم الإسلامية تغنى عن المبادئ الاشتراكية المستوردون، لكنهم لم يتطرقوا إلى مناقشة تفصيلية لطبيعة الرؤى الاشتراكية التى تتمثل فى الإسلام كما يفهمونه.

الاخوان وحرب فلسطين 1948

تمثل حرب فلسطين سنه 1948 محطة مهمة فى تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، ليس من حيث حجم المشاركة العسكرية فى العمليات الحربية، بقدر انعكاس هذه المشاركة على الأوضاع الداخلية للجماعة وتطور علاقتها مع السلطات المصرية.

لقد انقطع اتصال الإخوان بالفسلطينيين أثناء سنوات الحرب العالمية، وبعد نهايتها تم تكليف ضابط الجيش محمود لبيب بتدريب المجموعات المدنية فى فلسطين تدريباً عسكرياً. وعند وصول مفتى فلسطين الحاج أمين الحسينى إلى القاهرة، سنه 1946، قادت صحيفة الإخوان حملة إعلامية لمنحه حق اللجوء السياسى. ومن ناحية أخرى، فقد وثق حسن البنا علاقته بجامعة الدول العربية، من خلال أمينها العام عزام باشا، وبعد صدور قرار التقسيم فى نوفمبر 1947، اشترك البنا مع بعض الشخصيات الإسلامية، مثل صالح حرب ومحمد على علوبة، فى تشكيل "لجنة وادى النيل" ، لجمع الأموال والأسلحة بهدف إنقاذ فلسطين، وكان مصطفى مؤمن ممثل الإخوان المعتمد فى هذه اللجنة.

قبل ذلك بشهر واحد، أكتوبر 1947، توجهت الكتيبة الإخوانية الأولى إلى ميدان، القتال، ثم تبعتها كتائب أخرى، وكان قوام هذه الكتائب من أعضاء فرق الجوالة والجهاز السرى للإخوان. وقد أسهمت جامعة الدول العربية فى تمويل ودعم كتائب المتطوعين، فى الوقت الذى عارض فيه رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى، قبل أن يضطر إلى الإذعان وقبول الأمر الواقع، لكنه اشترط أن يكون التدريب العسكرى تحت إشراف ضباط الجيش، ومن الواضح أنه كان يتخوف فى تصاعد قوة الإخوان العسكرية، ويقدر أن هذه الكتائب قد تمارس عملياتها داخل مصر وليس فى الأراضى الفلسطينية.

شاركت كتائب الإخوان فى حرب فلسطين، وتظهر عبر هذه المشاركة أسماء بعض ضباط يوليو والمتعاونين معهم، مثل أحمد عبد العزيز وكمال الدين حسين وصلاح سالم. ويفخر الإخوان بالدور الذى قامت به كتائبهم فى مساعدة المحاصرين فى جيب الفالوجا، الذى نشأ عن تقدم الإسرائيليين بعد خرقهم للهدنة الثانية التى تم إبرامها فى أكتوبر 1948.

كانت حرب 1948 تمهيدا لنهاية مرحلة فى تاريخ الإخوان المسلمين، بعد أن صدر قرار بحل الجماعة ودفع أنشطتها، وردت الجماعة باغتيال النقراشى، وانتقمت الحكومة السعدية بمزيد من القمع والتنكيل، الذى أفضى إلى اغتيال حسن البنا فى فبراير 1949.

الانشقاقات داخل جماعة الاخوان المسلمين

وقبل الوصول إلى هذه الذروة فى مسيرة الإخوان، يبدو ضروريا أن نتوقف أمام عدد من المحاور، التى تشكل فى مجموعها مدخلا ضروريا للإحاطة بخريطة المرحلة، وطبيعة التفاعلات داخل الجماعة وخارجها، ونفى بذلك ظاهرة الانشقاقات التى عرفها الإخوان مثل غيرهم من القوى السياسية، ورؤية الإخوان لأهم قضايا المجتمع المصرى، والموقف النظرى والعملى فى فئات هذا المجتمع، فضلاً عن تأمل وتحليل رحلة الإخوان مع العنف والإرهاب.

أغلب الانشقاقات التى شهدتها جماعة الإخوان المسلمين، بعد الحرب العالمية الثانية، مرتبطة بالمواقف السياسية غير الشعبية التى تبناها البنا، فى تحالفاته غير المبدأية مع حكومات الأقلية التى لا تحظى بالاحترام الشعبى، وبخاصة حكومة إسماعيل صدقى، التى مارست كافة أشكال القمع والاضطهاد، وحظيت بتأييد ودعم الإخوان، نكاية فى الوفد من ناحية، وانحيازا للملك وتوجهاته من ناحية أخرى.

فى الخامس من مايو 1946، وتحت عنوان "هذه الجماعة تهوى"، نشرت جريدة "الوفد المصرى" استقالة جماعية من شعبة الإخوان فى زفتى، مذيلة بتوقيعات المستقيلين، كما نشرت بيانا من أهالى "أبو قير" يستنكر موقف الجماعة من القوى الوطنية، رتبهم الإخاون بأنهم نقراشيون صدقيون، فى إشارة إلى محمود فهمى النقراشى وإسماعيل صدقى. ويطالب البيان بحل تشكيلات القمصان الصفراء المتهمة بالسلوك الفاشى.

ونشرت الصحيفة الوفدية بيانا من مؤتمر النقابات لعمال الشركات والمؤسسات الأهلية، يعلن فيه أن اللجنة الوحيدة الممثلة لهم هى اللجنة الوطنية للعمال والطلبة، ويستنكر ما تفعله جماعة الإخوان من مؤامرات ضد اللجنة، وتكوين لجنة وهمية لأشخاص لا يمثلون إلا أنفسهم، ويسعون إلى عرقلة العمل الوطنى .

وبعد يومين، فى السابع من مايو، نشرت الجريدة الوفدية، استقالات واحتجاجات من الإخوان المسلمين فى بلبيس ومحرم بك والعريش والسويس وكلية الحقوق بجامعة فاروق الأول .

لقد دفع الإخوان ثمن مواقفهم المؤيدة لحكومات غير شعبية، وتمثل الاستقالات المتتالية تعبيراً عن الاختيار الخاطئ الذى تبناه حسن البنا، وحقق من خلاله عديدا من المكاسب، دون انتباه إلى رد الفعل المضاد من القواعد الإخوانية.

لكن الانشقاق الأكثر أهمية، فى هذه المرحلة، كان نتيجة أسباب أخلاقية، وليس سياسية، ترتبط بالاتهامات الموجهة إلى صهر البنا، عبد الحكيم عابدين.

تمتد جذور فضيحة عبد الحكيم عابدين إلي نهاية عام 1945، حيث نقل بعض الإخوان، ومنهم أربعة من أعضاء مكتب الإرشاد، إلي البنا أن سكرتيره العام وزوج شقيقته عبد الحكيم عابدين، يستغل سلطته فى انتهاك حرمة البيوت وأعراض الإخوان.

بشكل سري، كلف البنا الدكتور إبراهيم حسن بالتحقيق فيما يثار، وقبل الوصول إلي نهاية التحقيق، عرف أغلب أعضاء الجماعة بأمر التحقيق السري، وتقدم الدكتور إبراهيم باقتراح يقضي بفصل عبد الحكيم عابدين من الجماعة، وهو ما رفضه البنا، وقرر تشكيل لجنة جديدة من كبار أعضاء الجماعة لتقصي الحقائق!.

كانت الاتهامات مشينة وخطيرة، وبخاصة أن السلوك الأخلاقي الملتزم هو أهم الدعائم التى تقوم عليها جماعة الإخوان بشعاراتها الإسلامية، وأصر كثير من الإخوان على فصل عابدين، وبخاصة أن أحد الشاكين قد وصفه بأنه راسبوتين الجماعة!.

كان المنطقي أن يرضخ البنا لرأي الأغلبية، فقد صوت مكتب الإرشاد بأغلبية ثمانية أصوات مقابل صوت واحد لصالح قرار الفصل، لكن البنا فاجأ الجميع بقرار عرض الأمر على الهيئة التأسيسية لإعادة التحقيق، وهو القرار الذي فهم منه أنه يهدف إلي التأثير على هذه الهيئة.

لم ترق مناورات البنا لكثير من أعضاء وقيادات الجماعة، وقدم الدكتور إبراهيم حسن استقالته احتجاجا فى 27 أبريل 1947، وكان قد سبق هذه الاستقالة قرار من البنا بإيقاف أحمد السكري وكمال عبد النبي والدكتور إبراهيم حسن من مزاولة حقوق عضوية الهيئة التأسيسية.

كان لموقف البنا أثر سلبي، وهيأ لانشقاق جديد، حيث أعقب خروج الدكتور إبراهيم حسن، خروج أحمد السكري، أحد أهم الرموز فى تاريخ الجماعة.

ترجع أسباب خروج السكري إلي علاقة الجماعة بالوفد، واعترضه على سياسة البنا فى تأييد حكومة إسماعيل صدقي، وهو ما أدي إلي إضعاف الحركة الوطنية وإثارة الشكوك حول حقيقة الإخوان.

كان السكري من المطالبين بالتنسيق مع الوفد، وكان حسن البنا يضع شركا مستحيلا وهو تبني الوفد لمبادئ الجماعة!.

ومن ناحية أخري، لا يمكن إهمال العامل الشخصي فى الانشقاق الكبير، فقد كان السكري يشعر بأنه أكبر من أن يكون نائبا لرئيس الجماعة، ويعتقد أن البديل هو تقسيم السلطة بينه وبين المرشد، بحيث يتولي السكري الزعامة السياسية، وينهض البنا بالجانب الدعوي.

جاء رد البنا بإحالة الخلاف إلي الهيئة التأسيسية، لمساءلة السكري وإصدار قرار بفصله. وعلى الرغم من العلاقة التاريخية الممتدة بين البنا والسكري، فقد رأي حسن البنا أن يضحي بالصداقة العميقة حتى ينفرد وحده بالسلطة داخل صفوف الجماعة.

وبينما كان البنا يسعي جاهدا إلي التحكم فى إيقاع الخلاف حتى لا يؤثر على مكانة الجماعة وشعبيتها، لجأ السكري والدكتور إبراهيم إلي صحيفة الجماهير اليسارية، ونشرا مقالات عنيفة ضد البنا، وصلت إلي درجة اتهامه الصريح بالعمالة لإسماعيل صدقي والنقراشي، كما اتهماه بالغدر، والتلويح بأنه يتقاضي أموالا من الإنجليز!.

لقد تحول أصدق أصدقاء الأمس القريب إلي أعداء ألداء، ولمكانة الرجلين المنشقين فى تاريخ الجماعة، لم يكن سهلا أن يتم التغاضي عن الاتهامات التى نشراها، وتركت أثرا ملموسا فى صفوف الجماعة، وكانت أحد العوامل المهمة التى مهدت لإصدار قرار الحل فى نهاية عام 1948.

جماعة الاخوان المسلمين وقضايا المجتمع المصرى

ما الموقف الذي اتخذه حسن البنا والإخوان من القضايا الجوهرية فى المجتمع المصري؟!

ما حقيقة رؤيتهم للمرأة، والتعليم، والعمال والفلاحين، والطلبة؟! وإلي أي حد تكشف هذه المواقف عن طبيعة الفكر الإخواني خلال المرحلة التاريخية التالية لنهاية الحرب العالمية والسابقة لإصدار قرار الحل، واغتيال حسن البنا؟!.

ينطلق الأساس الفكري للجماعة من الإيمان بفكرة شمول الإسلام وقدرته على التصدي لمشكلات وهموم المجمع المصري، ومن البديهي أن الإخوان يقدمون فهمهم للإسلام، لكن بعضهم يتجاوز ذلك فيري أن الرؤية الإخوانية هى الرؤية الإسلامية، وهو ما يثير مشكلة خطيرة تتعلق بأن الاختلاف مع البرنامج الإخواني ليس اختلافا سياسيا يمكن قبوله، بقدر ما هو خلاف مع الدين نفسه، وهو ما لا يمكن قبوله بطبيعة الحال!

لقد حققت المرأة المصرية عديدا من المكاسب بعد ثورة 1919، وتصدي كثير من المفكرين الإسلاميين لمواجهة هذه المكاسب التى يرونها مغايرة للتوجه الإسلامي، وسار الإخوان على الدرب نفسه، متجاوزين الرفض النظري إلي السلوك العلمي التطبيقي، فأنشأوا مع بداية الدعوة فى الإسماعيلية مدرسة للبنات، وتشكلت فرقة للأخوات المسلمات تطالب بالعودة إلي الآداب الإسلامية، والدعوة إلي الفضيلة، وبيان أضرار الخرافات الشائعة بين المسلمات. وقد قبلت الفرقة فى عضويتها كل مسلمة تود العمل على مبادئها، وعين حسن البنا، باعتباره رئيس الفرقة، وكيله عنه لتكون همزة الوصل بين الفرقة وبينه، واعتبر جميع أعضائها أخوات فى الدرجة والمبدأ، وكانت تبرعاتهن إحدى المصادر المالية للجماعة.

وتولت جماعة الإخوان الرد على الموجة السائدة التى تدعو إلي الاختلاط والسفور، وأعلنت أن عليم البنت وتثقيفها وتهذيبها وتربيتها أمر لا مجال للنزاع فيه، أما وظيفتها الأسمى فى الحياة فهي إدارة المنزل وتربة الأولاد، كما رفض الإخوان دعوة اختلاط الجنسين فى التعليم، وطالب البنا بإعادة النظر فى مناهج تعليم البنات وضرورة اختلافها عن المناهج العامة للتعليم.

وقد عارض الإخوان بشدة دعوة المفكر الإسلامي محمد على علوية بشأن حق المرأة فى الانتخاب، واعتبروا ذلك دعوة ضد الدين، كما أكدوا أن فكرة ترشيح المرأة للانتخابات البرلمانية منكر لا يرضي الله.

ومن الناحيتين التنظيمية والفكرية، يبدو واضحا غياب المرأة عن كافة المراكز القيادية فى جماعة الإخوان، وهى ظاهرة تنطبق على كافة القوي السياسية خلال المرحلة التاريخية، باستثناء بعض المنظمات اليسارية، كما أن الصحف الإخوانية لم تفتح صفحاتها لمشاركة الكاتبات، واقتصرت المشاركة على الرجال وحدهم.

لا يمكن فهم واستيعاب موقف الإخوان من العمال والحركة العمالية، بمعزل عن التوقف أمام المنهج العام الذي تلتزم به، ويرفض فكرة التحليل الطبقي. وفى هذا الإطار، اقتصر اهتمام الإخوان على مشاعر التعاطف مع معاناة الطبقة العاملة، والاستياء من الاضطهاد الذي يلاقونه من جانب أصحاب الأعمال.

يطالب الإخوان بتحسين أحوال العمال، وتشغيل العاطلين، وحث الرأسمالية الوطنية على افتتاح المصانع والشركات لاستيعاب الطاقات المعطلة.

وعلى الرغم من تعاطف الصحف الإخوانية مع مطالب العمال المشروعة، التى تدفعهم إلي الإضراب والاعتصام، فإنها تؤكد أن فكرة الإضراب مخالفة للتعاليم السماوية والشريعة الإسلامية.

لقد أدي تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بعد الحرب العالمية الثانية إلي تزايد اهتمام الطبقة العاملة بالشئون السياسية، وإذا كان بعض هؤلاء العمال قد اتجه إلي الانخراط فى صفوف الوفد، أو التنظيمات العمالية للنبيل عباس حليم، فإن قطاعا منهم قد اتجه إلي البدائل اليسارية، وهو ما فرض على الإخوان أن يبدوا مزيد من الاهتمام بالحركة العمالية، لمواجهة مخاطر الانتشار الشيوعي.

واللافت للنظر أن الإخوان قد وجهوا نقدا للقوانين التى تجزم تكوين الاتحادات العمالية وتحول دون حق الإضراب، على الرغم من أن الإخوان أنفسهم يرفضون الإضراب لأنه مخالف للشريعة.

فى أعقاب الحرب، نشط قسم العمال فى الجامعة، وأعلنت صحف الجماعة أن الغرض من إنشاء القسم العمالي هو توصيل الدعوة الإخوانية الإسلامية إلي نفوسهم. وفى سنة 1947، خصصت مجلة الإخوان بابا ثابتا للعمال، ناقشت فيه القضايا العمالية، وطالبت الحكومة بتشجيع الصناعات الصغيرة، ومدها بالمعونات لكسر احتكار الرأسماليين وزيادة أجور العمالة والحد من البطالة.

كانت الجماعة تسعي من وراء ذلك إلي تكوين شعبة عمالية تتولي تشكيل جبهة من نقابات العمال، بمعاونة رؤساء النقابات من أعضائها، لكن ما أحاطها من ظروف سياسية، وفى ظل الحملات التى شنتها الصحف الوفدية واليسارية على النشاط العمالي للإخوان لم تنجح الجماعة فى التغلغل داخل الأوساط العمالية، واستمر الفشل قائما إلي أن صدر قرار حل الجماعة.


 الوثيقة الثالثة:الثامن من ديسمبر 1948 مذكـرة عبد الرحمن بك عمار وكيل وزارة الداخلية إلى النقراشى باشا "حضر الليلة الشيخ حسن البنا إلى ديوان وزارة الداخلية وطلب مقابلتنا بحجة الإفضاء إلينا بأمور هامة يرغب فى إبلاغها فورا إلى حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء، فلما قابلناه حدثنا بأنه قد علم أن الحكومة أصدرت قرارا بحل جماعة الإخوان المسلمين أو هى    فى سبيل إصدار هذا القرار وأنه يريد أن ينهى إلى دولة رئيس الوزراء بأنه قد عوّل نهائيا على ترك الاشتغال بالشئون السياسية وقصر نشاط الجماعة على الشئون الدينية كما كان الحال فى بداية قيام جماعة الإخوان المسلمين وأنه يود من كل قلبه التعاون مع دولة الرئيس تعاونا وثيقا مؤيدا للحكومة فى كل الأمور وأنه كفيل بتوجيه رجاله فى كافة الجهات بالسير على مقتضى هذا الاتجاه، كما أعرب عن أسفه لما وقع من جرائم ارتكبها أشخاص يرى أنهم اندسوا على الإخوان المسلمين، وراح يترحم على سليم زكى باشا قائلاً, إنه كان صديقًا  حميمًا له وكان بينهما تعاون وثيق وتفاهم تام – ثم أكمل مادحا دولة النقراشى باشا قائلاً, إنه على يقين من نزاهته وحرصه على خدمة وطنه وعدالته فى كل الأمور. وأنه لو تمكن من مقابلة دولته بعد أن مضت سنتان لم يلتقيا فيها بسبب جفوة أثارها الوشاة (هو لم يعتبرنفسه من الوشاة حيث لم تكن رسالته للملك قد جف حبرها بعد ) لأقنع دولته بأنه من صالح الحكومة والأمة معا أن يبقى الصرح الضخم الذى جاهد الإخوان المسلمون سنوات طويلة فى إقامته, كما قال إنه يعز عليه بل ويزعجه ويؤلمه أن ينهار هذا الصرح على يد دولة النقراشى باشا الحريص على خدمة بلاده.ثم قال إنه إذا قُدِّر أن تمضى الحكومة فى ما اعتزمته من حل الجماعة فإنه يؤكد أنه ورجاله سوف لا تبدر منهم بادرة تعكر صفو الأمن إذ لا يُقْدِم على مثل هذا العمل إلا مجنون, كما أكد أن الحكومة لو تعاونت معه لضمن للبلاد أمنًا شاملاً (انظر كيف يقدم البنا خدماتهلوزير الداخلية النقراشى باشا).وخـتم حديثه بقوله إنه على اسـتعداد للعودة بجمـاعة الإخوان المسلمين إلى قواعدها بعيدا عن السياسة والأحزاب متوفرا على خدمة الدين ونشر تعاليمه, بل إنه يتمنى لو استطاع أن يعتكف فى بيته ويقرأ ويؤلف مُؤْثرا حياة العزلة. ثم جعل يبكى بكاء شديدا ويقول, إنه سيعود إلى مقره فى انتظار تعليمات دولة رئيس الوزراء داعيا له بالخير والتوفيق .وكيل الداخلية8 ديسمبر سنة 1948 هذه الوثيقة أيضا أوردتها كاملة الأستاذة الدكتورة هدى شامل أباظة، فى كتابها حول النقراشى باشا – الطبعة الأولى – دار الشروق







   
  



No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.