فيما يؤكد التيار السلفي في موريتانيا أنه يسعى إلى الاحتكام إلى السياسة لتطبيق الشريعة الإسلامية وفق منظوره وتفسيره، محاولا تبديد المخاوف بشأن احتمال لجوئه إلى العنف، تتباين المواقف في الشارع الموريتاني إزاء هذا التيار.
خرجت في مطلع هذا الأسبوع مجموعة من السلفيين، من رجال ونساء، في مظاهرات للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية في موريتانيا. و نقل موقع السراج الإسلامي عن المعتقل السلفي السابق عبد الله ولد عبد القادر، الذي ينشط في هذه الجماعة، قوله إن "المتظاهرين يطالبون بتطبيق شريعة الله وإعلاء كلمته بين الناس، لأن موريتانيا تشهد مظاهر فساد وتسيّب تتطلب تطبيق الشريعة لإصلاح الناس."
وتأتي هذه التحركات لتشكل إضافة لما سبق وبدأته بعض التيارات الدينية الأخرى، معضدة بمواقف بعض السياسيين من ذوي التوجهات الدينية على غرار عثمان ولد الشيخ أبو المعالي، زعيم حزب الفضيلة الإسلامي. وكان هذا الأخير قد طالب خلال تجمع شبابي نظمته حركة تُطلق على نفسها "أنصار الشريعة" نهاية مايو الماضي بتشكيل لجنة من العلماء لمراجعة النصوص القانونية وتنقيتها من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية.
واقترح تشكيل هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحظر كل ما يتعارض بالشريعة الإسلامية، رافضا أن تكون موريتانيا دولة علمانية.
الشريعة الإسلامية - بين مرحب ومتردد
لكن الكثيرين في موريتانيا، وإن كانوا يقبلون مبدئيا بمنطق تطبيق الشريعة الإسلامية، إلا أن مواقفهم متباينة إزاء الرؤية السلفية لتحقيق ذلك في وقت تعددت فيه التفسيرات الدينية.
ويقول أحمدو ولدمن "أنا كمسلم مؤمن بتطبيق الشريعة الإسلامية كما ينادي السلفيون ، لكنني أرى أن آلية تطبيقها اليوم صعبة، فالقضية متشعبة وأكبر من مجرد رغبة البعض"
أما السالك ولد مولود، وهو مصور تلفزيوني، فيقول:"أنا ضد طرح السلفيين، لأن الدولة لا تحتاج لتطبيق الشريعة الإسلامية، فهي مسلمة. والتطبيق الذي يريده السلفيون غير عملي، ولا يحق لهم أن يفرضوا على الناس ما لا يرغبون فيه. وبالنسبة لمن يرغب في أن يجرب حظه، فعليه أن يتجه إلى صناديق الاقتراع."
البعض يرى أن صندوق الاقتراع هو الذي يحدد ما إذا كان الشعب يريد تطبيق الشريعة من المنظور السلفي..
في حين، اعتبر الشيخ ولد الناجي أن "السلفيين يعيشون تناقضا في مبادئهم، لأنهم من جهتهم يرفعون في مسيراتهم شعارات مناهضة للديمقراطية والعلمانية، ومن جهة، يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية." ويضيف قائلا: "ولكن السؤال المطروح هو هل هم قادرون على إقناع الشعب بخطابهم ومحو تاريخهم السابق؟ خصوصا وأن بعضهم تعرض سابقا للسجن بجريمة حمل السلاح."
في المقابل يقول محمد حميدو كانتى "لدى السلفيين الحق في المطالبة بتطبيق الشريعة، لأنه حق مسلوب لا يكرهه غير بعض رجال السياسة. ولكن ذلك ينبغي أن يتم بتدرج وليس دفعة واحدة كي لا يتسببوا في صدمة للمجتمع."
موقف السلفيين من حمل السلاح
محمد محفوظ ولد إدومو يسعى لتبديد المخاوف إزاء التيار السلفي..
من جهته، يسعى محمد محفوظ ولد إدومو، المتحدث باسم التيار السلفي في موريتانيا، لتبديد مخاوف الشارع الموريتاني من ارتباط كلمة السلفية بالعنف وإكراه الناس على سلوكيات محددة، كما شهدته بعض الدول. ويؤكد بأن رغبتهم في دخول معترك السياسة "يعكس إيمانهم بضرورة الاحتكام إلى الوسيلة التي أصبحت الطريق الوحيد لحكم الناس وهي ما يسمونها في أدبياتهم بالعملية السياسية."
ويوضح ولد إدومو "السلفية عبارة اُستخدمت كثيرا في الآونة الأخيرة بشكل مغرض من طرف جهات معينة، بينما نحن مجموعة من المسلمين المعتزين بإسلامنا وفق ما كان يراه السلف الصالح، ويتقاطع معنا الكثير من علماء موريتانيا في هذا الفهم". ويضيف قائلا: "ولذا، فإننا نسعى إلى تحكيم شرع الله عن طريق مشروع حزب قيد التأسيس أطلقنا عليه جبهة الأصالة والتجديد، فالناس بحاجة لتطبيق الشريعة الإسلامية لتحقيق العدالة الحقيقية."
وحول مخاوف البعض من اعتماد السلفيين على العنف لتحقيق أهدافهم، يقول المتحدث باسم التيار السلفي في موريتانيا "نحن نفرق بين نوعين من حمل السلاح: حمل السلاح في بلد مسلم آمن ومستقر نرفضه، لأنه يسبب المصائب. أما حمل المسلمين للسلاح في بلد يتعرض أهله للاحتلال والإبادة، كما يحدث في أفغانستان والعراق ، فهذا نقره وندعمه."
اختلاف في المدارس وفي ترتيب الأولوليات
الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية محمد محمود ولد أبو المعالي..
ويختلف موقف السلفية بصفة عامة من حمل السلاح باختلاف توجهاتها. ويقول في هذا السياق محمد محمود ولد أبو المعالي، الخبير في الجماعات الإسلامية "السلفية في الأصل مدرسة واحدة ومنبعها واحد، لكن مدارسها تختلف حسب التفريعات، فهناك السلفية الجهادية والسلفية العلمية، اللتان تتقاطعان في الكثير من الأمور الفكرية، بينما يختلفان حول ترتيب الأولويات
والآليات المستخدمة في نشر الدعوة والتعاطي مع الأنظمة."
ويضيف أبو المعالي أن التمييز بين مختلف المرجعيات والمدارس السلفية قد تأخر في موريتانيا حتى ظهرت بوادر العمل المسلح، ومن هنا بدأ النقاش داخل التيار السلفية وتمايزت جماعة السلفية العلمية التي وجدت في بعض دول الخليج خاصة السعودية حاضنة لها.
ويرى أبو المعالي أن مستقبل هذا التيار مرهون بواقعه في العالم الإسلامي، مستبعدا أن يستفيد من تنامي نفوذ تيار الإخوان المسلمين لأن طرحه مختلف، أما دعوته لتطبيق الشريعة "فهي موجودة لدى جميع التيارات الإسلامية وكل منها بطريقته وتعريفه للشريعة"، على حد تعبيره.
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.