تأسست عام 1902 في الأسكندرية، بقرار من الحاكم البريطاني لمصر آنذاك ايفريل بارينج والذي كان أيضا رئيسا لبنك بارينجز (ظل بنك بارينجز أكبر بنوك بريطانيا التجارية منذ إنشاءه العام 1792 حتي انهياره العام 1995) حيث كان للبنك وقتها استثمارات كبيرة في مصر بحكم استقرارها مقارنة بدول أخرى من العالم.
الكلية لدي إنشاءها أخذت بعين الاعتبار مستوي التعليم المتميز المتبع في الامبراطورية البريطانية، كما أصرت علي عدم الأخذ بأي نشاطات دينية بها سواء من جانب التعليم الديني الإسلامي أو من جانب التعليم الديني الكنسي، ما أشعر وزارة الخارجية البريطانية ” بعدم الارتياح “، ومن بين المشاركين في المشروع أفراد من أثرياء الأقلية اليهودية في مصر.
تم إنشاؤها في البداية في الأزاريطة بالشاطبي، وجلب لها أمهر المدرسين من خريجي كامبريدج وأكسفورد، ثم انتقالها إلى السيوف على مساحة 18 فدانًا.
واعترض وقتها اللورد كرومر، أول معتمد بريطاني في مصر، على إنشائها في بداية الأمر، إلا أنه تراجع عن موقفه بعدما أدرك أن المدرسة الجديدة تتوافق مع سياسته التي ترتكز على محو التعليم الفرنسي من مصر.
اشتهرت الكلية في خلال فترة الحرب العالمية الثانية خصوصا بين طبقة الملوك والنبلاء في أوروبا ومصر، حيث انضم إليها العديد منهم، كما درس بها عدد من أبناء الأسر الحاكمة والثرية في العالم العربي.
انتهت التبعية البريطانية للكلية فجأة في العام 1956 م.
وهي السنة التي شهدت نهاية التعاون بين بريطانيا ومصر مع بداية أزمة السويس، وصارت الكلية تابعة لوزارة التعليم المصرية، لكن الكلية استمرت في التدريس الي يومنا هذا وبمنهج يعتمد علي اللغة الإنجليزية في معظمه.
وتتميز تلك المدرسة العريقة بمساحتها الواسعة، فيوجد بها ملعبان قانونيان لكرة القدم والعديد من ملاعب الكرة الطائرة وكرة السلة وكرة اليد وحمام سباحة، حيث درس بها طلاب من 55 جنسية، وتشير الروايات إلى أن بريطانيا استغلتها لكي تكون قلعة للتجسس على الشرق الأوسط، وأفريقيا، والعائلات الحاكمة فيهما.
في كتاب ” كلية فيكتوريا صناعة الملوك والأمراء والمشاهير” الصادر عن عن دار جداول اللبنانية أن كلية الملوك والأمراء والمشاهير اسم لم يأت من فراغ، فبين سجلات طلاب الكلية، قوائم من الملوك، والأمراء العرب، والأوروبيين، درسوا فيها تحت شعار “معًا كُلُنا واحد” .
وكانت القصور الملكية العربية تلجأ لمدير كلية فيكتوريا مستر رالف رييد لاستشارته في كيفية تثقيف الأمراء العرب، وإعدادهم كملوك في المستقبل، كاشفة عن حزم مستر رييد ، لدرجة أنه رفض وساطة الملك فاروق لطارق ، ابن حسنين باشا، لكي يعود للدراسة مرة أخرى، بعد فصله، بسبب سوء تصرفه، ومخالفته قواعد الكلية.
كيف كانت الكلية تحرِّم على الطلاب الحديث في الدين، أو السياسة؟
ليكون انتماؤهم للكلية فقط، وأطلق على أوائل الخريجين من الكلية ، اسم “الفيكتوريين القدامى” ، لافتة إلى أن فيكتوريا كوليدج كان لها الفضل في أن تضم أول فريق كشافة على مستوى الشرق الأوسط العام 1912، حيث زارها مؤسس الحركة الكشفية العالمية اللورد بادن باول.
و في جولة بين أروقة الكلية العريقة، بداية من مكتبتها التي أسست العام 1904، و تضم كتبًا عمرها 100 عام، وملاعب الكلية الشاسعة، واهتمامها البالغ بممارسة الطلاب الرياضة، وتخصيص يوم رياضي سنويًّا، ومسرح الكلية الذي ظهرت على خشبته مواهب عمر الشريف، وأحمد رمزي، ويوسف شاهين، وتوفيق صالح، وشادي عبد السلام، وغيرهم الكثيرون.
وإلى طرق العقاب، التي كانت تطبقها فيكتوريا كوليدج على الطلاب، من علية القوم، إذ لم تمنع أصولهم العريقة الكلية من تنفيذ طرق صارمة لتقويمهم ، فكان عقاب الفصل من الكلية لعدم الالتزام، أو في حالة ممارسة الطالب أي سلوك غير لائق، أوشائن خلال ارتدائه زي المدرسة، حتى ولو كان خارج الكلية، مثل تدخين السجائر، وحتى لو كان في المواصلات العامة.
وكانت المدرسة لا تفرق في العقاب بين ذوي الدماء الملكية وغيرهم، لذا حينما أخطأ الملك حسين وخالف قوانين الكلية بتحدث اللغة العربية في فناء المدرسة، طلب المدير من قائد الفصل وهو يوناني سكندري، أن يعاقبه، وبالفعل نفذ الملك الصغير العقاب، وقام بجمع الأوراق المتطايرة في فناء المدرسة، وتنظيفه منها تمامًا، ولم يُبْد الملك اعتراضًا أو ضيقًا بل نفذ الأمر، كما طُلِبَ منه.
وكان من شدة حبه لكلية فيكتوريا، وحزنه على حالها بعد التأميم، قام الملك حسين بزيارة خاصة للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في قصر رأس التين الملكي بالإسكندرية، مع وفد ملكي أردني من خريجي الكلية أيضًا، طالبًا منه شراءها من الحكومة المصرية لكي يعتني بها، لكن مبارك رفض طلبه، فكان رد فعل الملك حسين أن قرر تأسيس كلية موازية ، هي “توءم فيكتوريا كوليدج الإسكندرية” في بلدة تلاع العلي بالأردن، بالقوانين والزي المدرسي نفسيهما، وكان يدعي إليها جميع زملائه في الدراسة من الإسكندرية، لإحياء ذكريات أيام الدراسة، وقد روى في الفصل الخامس من الكتاب، المزيد من حكايات الملك حسين في الكلية، بعنوان “جلالة الملك حسين حكايات إنسانية داخل الكلية”، تطرقت فيه لعلاقته مع المدرسين، وزملائه، والعاملين بالمدرسة.
والملك حسين وهو يحتضن بطل تلك الصورة هو عم حسن أبو خبير ، نوبي الأصل، وكان مهمته حراسة القسم الداخلي الذي يضم طلاباً من مختلف الجنسيات، وكان معروفا بصوته العذب كان مقربا جدا إليهم يشكون له ويتسامرون معه طوال الليل يتحدون ظلمته ويغالبون لوعة البعد عن كنف الأهل والوطن .
أما في الفصل الثالث “فيكتوريا في مهب الحروب العالمية” فواصلت الكاتبة سرد تاريخ فكيتوريا كوليدج المميز عن سائر المدارس، وكيف أثرت الحرب التي خاضتها بريطانيا على تحول الكلية إلى ثكنة عسكرية إبان الحربين العالميتين؟
وكيف أن الدراسة لم تتوقف فيها وتم نقل الطلاب إلى فندق سان ستيفانو؟
ساردة الطرائف التي أحدثها وجود طلاب مع نزلاء الفندق.
وفي الفصل الرابع تضيء الكاتبة واحدة من أهم مثالب كلية فيكتوريا، وهي أنها خلعت الطلاب من جذورهم الثقافية، وعاداتهم، وتقاليدهم، فقد كان الطلاب يدرسون تاريخ أوروبا، ويمجدون الملكة فيكتوريا، مما تسبب في حالة من الاغتراب لعدد من الطلاب، وأخذت عاصم نماذج من أبرز الطلاب الذين انقلبوا على الإمبريالية، والكولونيالية البريطانية، ومنهم: إدوارد سعيد، ووجيه غالي، وأجرت حوارا مع الإمام الصادق المهدي، رئيس وزراء السودان الأسبق، الذي كان الأكثر ثورية في ردة فعله تجاه فيكتوريا كوليدج.
وفي الفصل السادس ، نماذج لشخصيات مؤثرة في فضاء كلية فيكتوريا من المعلمين البريطانيين والمصريين.
وتناول الفصل السابع أبرز خريجي فيكتوريا كوليدج، على مدار قرن من الزمان، منهم جورج أنطونيوس، والسير مايكل عطية ، ومحمد مفيد الشوباشي، وفرغلي باشا، والملك سيمون الثاني ملك بلغاريا، والمخرج يوسف شاهين، وعمر الشريف، وأحمد رمزي، وشادي عبد السلام، وتوفيق صالح، وعرضت لصور نادرة لهم أيام الدراسة، فضلا عن عدنان خاشقجي، وغسان شاكر.
وأفردت الكاتبة الفصول الثامن، والتاسع، والعاشر، والحادي عشر لشهادات خريجي كلية فيكتوريا التي وثقتها، عبر حوارات مطولة معهم، عن ذكرياتهم مع المعلمين الإنجليز، ومحاولة الإجابة عن تساؤلات مهمة، منها: ما الذي جعل فيكتوريا كوليدج تنفرد بهذا الكم من الخريجين اللامعين في كل المجالات؟
وما الذي يميزها عن المدارس الأخرى في الشرق الأوسط، وهل كانت حقا قلعة استخباراتية في مصر؟
وهل قامت فيكتوريا كوليدج بعمل غسيل أدمغة لطلابها؟
وهل حقا فقد الطلاب انتماءهم ، وولاءهم لوطنهم، ومن أبرز من حاورتهم الكاتبة، وسردوا معها أجمل ذكريات الدراسة: الكاتب الكبير محمد سلماوي، السياسي البارز الراحل منصور حسن، والفنان سمير صبري، ورجل الأعمال اليوناني المصري ميشيل ماركو، والمحامي المرموق أكرم النقيب نجل الملكة ناريمان، والمعماري الكبير الدكتور محمد عوض، والإعلامي الكبير الدكتور إبراهيم الكرداني، والمهندس الأردني عبد الفتاح طوقان، والخبير الأثري بسام الشماع، ورجل الأعمال المصري الأمريكي مروان الشماع، والمهندس علي صالح المسئول عن جمعية خريجي فيكتوريا بالقاهرة، والدكتورة سحر حمودة، وعدد كبير من خريجي الكلية في الإسكندرية والقاهرة.
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.