مارس/آذار المنصرم، وعقب حملة قمعية عنيفة ضد المتظاهرين السلميين في ميدان التحرير، بالقاهرة، اعتقل الجيش المصري 18 امرأة كن يشاركن في الاحتجاجات.
واحتجزت 17 منهن لأربعة أيام، وتعرضن للضرب المتكرر، وصعقن بالصدمات الكهربائية، وأخضعن لعمليات تفتيش جسدي أجبرن خلالها على خلع ملابسهن، وأجبر ما لا يقل عن سبعة منهن على الخضوع “لفحوصات العذرية”. وأبلغن بأن تهمة البغاء سوف توجه إلى “من يتبين أنها ليست عذراء”. وقبل إخلاء سبيلهن، جُلبت النساء أمام محكمة عسكرية وحكم عليهن بالسجن سنة واحدة مع وقف التنفيذ بتهم متنوعة ملفقة.
وفي نهاية المطاف، لم تشعر بالجرأة والقوة الكافية من بينهن لتحمل عواقب الكفاح ضد هذا الجور سوى واحدة. فتقدمت سميرة إبراهيم، البالغة من العمر 25 سنة، وهي من سوهاج، بصعيد مصر، وتعمل مديرة تسويق، بشكويين إلى المحاكم المصرية: طالبت في إحداهما بوضع حد “للفحوصات” التي تستهدَف بها المصريات؛ وبالأخرى إنصافها عما لحق بها شخصياً من ضيم.
مضت شهور، وما برحت سميرة إبراهيم تنتظر العدالة والتغيير. وليست وحدها في ذلك.
إن الناس في مختلف أرجاء مصر، وبعد مرور عام على الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك ووضع حد لثلاثة عقود من القمع الساحق، ما انفكوا ينتظرون العدالة والتغيير. فنجاح المصريين في انتفاضة 25 يناير/شباط في الإطاحة بنظام مبارك أنعش الأمل في النفوس بوعود لم يف بها أصحابها. وعوضاً عن مصر الجديدة الأكثر حرية ومساواة التي حلم بها الناس، وقع العديدون في برزخ اللاحسم بين القديم والجديد تحت حكم العسكر ويواجهون مستقبلاً تلفه الهواجس.
فقد حلت محل القبضة الحديدية لمبارك دون طول انتظار طغمة عسكرية لا تقل بطشاً عنه تحت اسم “المجلس الأعلى للقوات المسلحة” (المجلس العسكري)، والذي ظل يفرض سيطرته على المهام الحكومية كافة طوال العام الذي مضى.
وفي يونيو/حزيران، وبعد انقضاء ثلاثة أشهر على حادثة النساء الثماني عشر، التقيت اللواء عبد الفتاح السيسي، عضو المجلس العسكري ورئيس دائرة المخابرات العسكرية، لمناقشة طيف من انتهاكات حقوق الإنسان في مصر وثّقتها منظمة العفو الدولية، بما فيها “فحوصات العذرية” تلك التي فرضها العسكر. وأوضح اللواء السيسي أن الغرض من إجراء الفحوصات للمعتقلات كان “حماية الجيش من أية مزاعم محتملة بالاغتصاب”. وقال إن لن يتم اللجوء إلى “الفحوصات” مرة أخرى.
ولم تكن هذه سوى بعض التطمينات التي أطلقها الجنرال ذاك اليوم. وفي مجرى الاجتماع، شدّد أيضاً على أهمية ضمان العدالة الاجتماعية لجميع المصريين. وأقر بأن ثمة ضرورة لتغيير ثقافة قوات الأمن. وقال أيضاً إنه لن يتم اللجوء إلى العنف ضد المحتجين، وإنه سوف يجري التعامل مع المعتقلين بصورة كريمة.
بيد أنه، ومنذ ذلك الوقت، ظلت القوات الحكومية الخاضعة لإمرة المجلس العسكري في قلب لائحة متنامية من مزاعم العنف والانتهاكات. ففي أكتوبر/تشرين الأول، فرّقت قوات الأمن مظاهرة، كان معظم المشاركين فيها من الأقباط، بأقصى درجات البطش، ما أدى إلى مقتل 28 معتصماً. وتلقى العديد من هؤلاء رصاصات حية في جسده أو سحقه عسكر يقودون العربات المصفحة بسرعة تثير الاستهجان. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، فرّقت شرطة مكافحة الشغب اعتصاماً سلمياً في ميدان التحرير شارك فيه أشخاص جرحوا أثناء احتجاجات 25 يناير/كانون الثاني وكانوا يطالبون بنقل السلطة إلى حكم مدني، وبالتعويضات، ما أشعل شرارة عنف استمر عدة أيام وانتهى إلى مقتل ما لا يقل عن 50 شخصاً وجرح المئات.
وفي ديسمبر/كانون الأول، فرّق العسكر اعتصاماً سلمياً آخر مستخدمين القوة المفرطة، ما أدى إلى مقتل 17 شخصاً، وصوِّروا على أشرطة الفيديو وهو يضربون ويركلون ويشحطون المحتجات على الأرض من شعورهن. وقبل فترة وجيزة، ورغم إنكار وزارة الداخلية، استخدمت شرطة مكافحة الشغب رصاص القنص (الخرطوش) وغيره من الذخائر الحية لسحق الاحتجاجات التي خرجت عشية مأساة مباراة كرة القدم في بورسعيد، وقتلت ما لا يقل عن 15.
عامٌ مضى على تنحي مبارك، ولم يكد يتغير شيء بالنسبة للمواطنين المصريين العاديين، ولا سيما النساء. وعلينا أن ننتظر لنرى ما إذا كان البرلمان الذي انتخب مؤخراً يملك الشجاعة لتحدي الجنرالات، والجحيم الذي يلف واقع المصريين.
على الرغم من وعوده بإنهاء حالة الطوارئ، ما انفك المجلس العسكري يوظف قانون الطوارئ ليتحدث بلا كلل عن جرائم غامضة التعريف من قبيل “البلطجة”، التي حلت محل أهزوجة “الإرهاب”، كمبرر جديد لاحتجاز الناس بلا تهمة أو محاكمة. أما حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات والانضمام إليها التي وعد بها العسكر، فلا مكان لها في الواقع القاسي، حيث يلقى انتقاد السلطات الجديدة أقذع العقوبات. وثمة استهداف للناشطين، بينما تجري مضايقة المنظمات غير الحكومية وتواجه المظاهرات السلمية بالقمع الغليظ. ويحاكم آلاف الأشخاص أمام محاكم عسكرية لم يتوان بعضها عن إصدار أحكام بالإعدام.
في أواخر ديسمبر/كانون الأول، وبعد شهور من المماطلة، أصدرت محكمة إدارية مصرية عقب طول أناة، قراراً بعدم قانونية “فحوصات العذرية” وأمرت بوضع حد لهذه الممارسة. ويواجه الطبيب المتهم بالمسؤولية عن إجرائها الآن المحاكمة، رغم تخفيف التهم الموجهة إليه. ولكن وبعد عام من سقوط مبارك، ما برحت سميرة إبراهيم، مثل ملايين المصريين، تنتظر أن ترى العدالة والتغيير يتحققان. فقد جرى تأجيل جلسات النظر في دعواها ست مرات على الأقل. وفي الأسبوع الماضي، وفي فصل من فصول اللامعقول، عاد محامو العسكر إلى محاولة القول بأن “الفحوصات” التي أخضعت لها المحتجات لم تحدث أبداً.
وفي غضون ذلك، ما انفكت سميرة تتلقى التهديدات، بما في ذلك من ضباط في الأمن. بيد أنها، ومثل ملايين المصريين، تقول إنها لن تتوقف عن الكفاح، مهما طال الزمن. وتقول بشعور عالٍ بالمسؤولية: “إذا أسقطتُ التهم، فإن ما حدث لي يمكن أن يحدث لأي فتاة في مصر”.
عن منظمة العدل الدولية
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.