أكثر من عشرين مسلح يجردون صحفي "الوطن" من أدواتهم ويحتجزنهم لأكثر من ساعة
قوات الشرطة تقتحم كرداسة لتطهيرها من البؤر الإرهابية
وسط زراعات، وأضواء خافتة تتسرب من بين أعواد عشش
الفلاحين على امتداد الأراضي الزراعية على جانبي الطريق من صفط اللبن إلى كرداسة. كانت عقارب الساعة تقترب من الخامسة صباحا، حين وصل فريق جريدة "الوطن"، إلى مدخل "كرداسة".
تبة طينية ترتفع بضعة أمتار منعت سائق التاكسي من الاقتراب أكثر من مدخل القرية المظلمة، بدأ صحفيو "الوطن" الأربعة عبد الوهاب عليوة ومحمد أبوضيف ومحمود الجارحي والمصور محمود صبري في السير باتجاه القرية، حتى ظهر وسط الظلام رجل قصير القامة أسمر البشرة، يتصبب جبينه عرقا، ويخفي وراء أحد أرجله سلاح آلي، بادره الصحفيون بصوت مرتفع "صحفيين صحفيين يا ريس"، ظنا منهم أنه أحد العساكر التابعين لقوات الشرطة.
المسلحون يرفضون تسليم القرية لقوات الجيش بسهولة "يدخلوا على جثثنا"
عند الاقتراب من الرجل المسلح، ظهر رجلان آخران، مدججين بالأسلحة النارية، قال أحدهم: "تعالوا.. تعالوا زمايلكوا جوا عندنا"، أكمل الصحفيون السير حتى وصلوا أمام مسجد "الشاعر"، وسط أكثر من عشرين مسلحا، طلبوا منهم تسليم كل ما لديهم من أدوات وبطاقات وكارنيهات، وهواتف محمولة، وعندما تردد مصور "الوطن" محمود صبري في تسليم معدات التصوير، صاح أحدهم مشهرا السلاح في وجهه، وجرده من كل معداته.
اقتاد المسلحون فريق "الوطن"، لسيارة، كانت تحتوي على عدد كبير من معدات أحد أطقم فريق عمل إعلامي آخر، ظهر بعد ذلك أنه فريق عمل قناة "الحياة" الفضائية، صاح أحد المسلحين في سائق السيارة: "اطلع بسرعة شكله كمين، وهايجوا يهجموا علينا دلوقتي"، فانطلق السائق مسرعا وسط شوارع القرية المظلمة".
داخل السيارة، وخلال مدة لا تزيد عن عشرة دقائق، مرت السيارة بشوارع القرية المظلمة، حاول الصحفيون جر أطرف الحديث مع السائق ومن بجواره، والذي يظهر عليه الهدوء، ولا يحمل سلاحا، ويتحدث بلباقة، حين سأل عن هوية الصحفيين، وعندما علم بانتمائهم إلى جريدة "الوطن"، تبدلت ملامحه الهادئة، بغضب ظهر على وجهه، وبادر بالحديث عن اعتصام رابعة العدوية، وعن وحشية قوات الشرطة في التعامل مع إخوانه المعتصمين، مبررا معاملته للصحفيين بأنه عادي، وسط ما يتحمله الإعلام من مسؤولية عن موت زملاء الكفاح باعتصام رابعة.
"مسلح" يرفض عودة "مرسي" ولا يهتم بوجود "السيسي" ويصف نفسه بـ"المدافع عن الإسلام"
حاول السائق التهدئة من روع الصحفيين، ويذكر بين الحين والآخر الشهادتين، وسط نظرات سائقي الدراجات المدججين بالسلاح، الذين يحيطون السيارة من كل جانب، تحدث الزميل عبدالوهاب عليوة مع السائق، عن أن وجود الصحفيين ليس إلا للعمل والقيام بواجبهم في إظهار الحقيقة، ولكن ذلك لم يشغل الشاب والسائق عن الحديث عن سوءات الإعلام.
عندما توقفت السيارة بنهاية طريق زراعي، تقدم أحد المسلحين، ضخم البنية، وهو يبثق على الأرض، ويسب الإعلام والصحفيين، ويرفض إطلاق سراحهم، وسط نقاش مع مسلحين خارج السيارة حول مصير الصحفيين.
تمر الدقائق، يتلاعب بعض المختطفين بأسلحتهم، وآخرون مستمرون في نقاش تتطرو إلى مشادات، وبعد ما يقرب من نصف الساعة، قرر المختطفون الرحيل بالسيارات إلى مكان آخر، حتى وصولنا بالقرب من مدرسة "الوحدة" الخاصة.
اقترب السيارة من مدرس، وتوقفت، ليظهر شخص ثمين قصير القامة، كث اللحية، يتحدث لـ"الوطن"، قليلا حول ما ينتظرونه من حرب ضدهم، وأنهم لن يستسلموا، مبررا ذلك بأن الشرطة ستقوم بإهانتهم وتعذيبهم وهتك عرض نسائهم، حسب قوله، وإنها حرب على الإسلام، موجها السباب للرئيس المعزول مرسي، ومتبرئا من الصراعات السياسية، ومؤكدا انحيازه لدينه فقط -حسب قوله.
يتقدم آخر ويتحدث لطاقم الوطن، عن الإعلام وما يحدثه من فتنة، ونشره لأكاذيب -حسب قوله- عن القرية وأهلها، ويبرئهم من قتل ضباط قسم الشرطة، ويؤكد أن الإعلام أساء إليهم، ويطالب فريق "الوطن" بالاستقالة؛ لأن ما يتقادونه من مرتبات "فلوس حرام".
يقرر المختطفون إطلاق سراح طاقم "الوطن"، وطاقم "الحياة"، ويسلمونهم البطاقات وأدوات التصوير، الذين اصطفوا أمامهم في "طابور"، يتخبطون في بعضهم من فرط الخوف، ويصيح أحدهم في الصحفيين: "يا رب تتعلموا وتسيبوا قنواتكم وجرايدكم دية، اللي بتخلي الغلابة اللي زيّ وزيكوا يموّتوا بعضيهم".
"أحد المسلحين" يتهم الإعلام بعدم الحيادية ويحمله مسؤولية من سقطوا في فض اعتصام "رابعة"
يتجه صحفيو "الوطن" برفقة طاقم "الحياة"، للسيارة بصحبة أحد المختطفين، الذي أصر على اصطحابهم ليسهل عليهم المرور من الأكمنة المسلحة، التي تنتشر بالقرية، ليمروا على العديد منها، وسط السباب الموجه للجيش والإعلام، ويتحدث أحد المسلحين "مصاب"، على وجهه آثار جروح قديمة، بلسان لا يخلو من السباب والألفاظ النابية، ويصف نفسه بـ"المدافع عن الدين". ويسترسل في الحديث مع الصحفيين عن اعتصام التحرير وعن مشاركته فيه، ويفتخر بظهوره بأحد الأفلام التي توثق ثورة يناير، واعتصامه طيلة 18 يوما؛ لإسقاط "مبارك"، ليقاطعه آخر كان بجاوره، ويقول: "الإعلام اللي قال علينا ثوار في التحرير دلوقتي بيقول علينا إرهابيين"، ويعود ليتحدث عن اعتصام رابعة ونقاء المشاركين فيه، ويتبرأ من دماء ضباط قسم الشرطة.
فيما يصر آخر يدعى "رامي"، على أن الإعلام هو ما عرفهم عن "الثورة"، وعن الحرية التي تأتي بعدها، التي لم يشاهدوا شيئا منها، حتى تتوقف السيارة، يخرج المسلحون، ويطالبوا الصحفيين بالرحيل، ليحاولوا هم الهرب مع اقترب قوات الجيش من مداخل القرية، وتفر سيارتهم في اتجاه شارع المريوطية، لتبدأ معركة تطهير كرداسة.
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.