أحداث محمد محمود
سبعة أيام من الصمود والنضال والحرية، والدفاع عن الحق في التعبير. سبعة أيام يجسِّدها عن جدارة هتاف "اشهد يا محمد محمود، كانوا ديابة وكُنَّا أُسود". استطاع كل فرد من المتظاهرين الدفاع عن ميدان التحرير رمز الثورة والحرية بروحه. لم يعتبر أحدهم عينه أغلى من حريته، لم يعتبر حياته أغلى من حياة صديقه.
سبعة أيام قضاها أبطال استشهدوا، وآخرون أصيبوا، وغيرهم لم ينالوا ذلك الشرف، في قتال بين "ديابة" و"أسود".. بين الحق والباطل.
السبت 19 نوفمبر 2011. عقارب الساعة تشير إلى العاشرة صباحا. قوات الأمن تفض اعتصام العشرات من مصابي الثورة من وسط ميدان التحرير بالقوة، ثم تحاصر صينية الميدان والحديقة أمام مجمع التحرير لمنع وصول المتظاهرين إليها، وتغلق مداخل ومخارج الميدان، وتصيب اثنين من المعتصمين وتعتقل أربعة. اشتعلت حينها الأحداث، ما أدى إلى نزول المتظاهرين بالآلاف للدفاع عن أهالي المصابين والشهداء.
احتدمت المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن، التي استخدمت قنابل الغاز المسيِّل للدموع بغزارة، ما دفع المتظاهرين للرد بالحجارة. زاد عنف المواجهات بشدة وقت الظهيرة، وبعد أن كانت الشرطة سيطرت على الميدان بالمصفحات، انسحبت منه في منتصف اليوم.
الثانية ظهرا. المتظاهرون ينظمون صفوفهم لبدء الاعتصام من جديد. تعزيزات من قوات الأمن المركزي تصل إلى شارع قصر العيني لإخراج المتظاهرين من الميدان، وبدء استخدام الرصاص المطاطي والخرطوش مع قنابل الغاز، بينما يرد المعتصمون بالحجارة. تحول الميدان إلى ساحة شديدة السخونة، حيث شهدت شوارعه الجانبية حالة من الكر والفر بين الجانبين، وأصيب المئات من المتظاهرين بإصابات بالغة، كما أصيب عدد من النشطاء والصحفيين، أبرزهم أحمد حرارة ومالك مصطفى والصحفية رشا عزب، إضافة إلى أكثر من عشرة صحفيين آخرين. ومع حلول المساء، شهد الميدان سقوط أول شهيد يُدعى أحمد محمود أحمد (23 عاما)، بعد إصابته برصاصة قاتلة.
مع حلول أولى ساعات فجر الأحد، سيطر المعتصمون تماما على ميدان التحرير، عقب أكثر من 15 ساعة من الاشتباكات الدامية مع قوات الأمن. وفي الرابعة عصرا، تجددت عمليات الكر والفر بميدان التحرير وشارعي قصر العيني ومحمد محمود، إثر محاولة قوات الأمن اقتحام الميدان ومطاردة الثوار. تمكنت قوات الأمن المركزي من إخراج الثوار من التحرير بالفعل في دقائق، وأسفرت المواجهات عن إصابة المئات واستشهاد 10 أشخاص، إلى أن توافد آلاف المتظاهرين ونزل شباب "الأولتراس" إلى الميدان، فأعادوا اقتحامه وأجبروا الأمن على التراجع والتمركز داخل شارع محمد محمود.
ولدى قدوم مغرب الأحد 20 نوفمبر، أصدر مجلس الوزراء بيانا، أكد فيه حق المواطنين في التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي، وكذلك التزامه الكامل بإجراء الانتخابات في موعدها 28 نوفمبر 2011، وشدد على دعم وزارة الداخلية ومساندتها في مواجهة "أعمال العنف"، وتوجه بالشكر لضباط وجنود الشرطة على تحليهم بـ"أقصى درجات ضبط النفس".
في الواحدة من ظهر الاثنين، اشتدت المواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين في شارع محمد محمود لليوم الثالث على التوالي، واستطاع الثوار التقدم إلى منتصف الشارع مستخدمين حواجز متحركة، بينما كثفت قوات الأمن المركزي من إطلاق قنابل الغاز المسيِّل للدموع، ورد المتظاهرون بإطلاق الحجارة والمولوتوف.
مع اقتراب الليل، قطعت قوات الأمن المركزي التيار الكهربائي عن الشارع، لتبدأ حلقة جديدة من الاشتباكات مع المتظاهرين في الظلام، امتدت إلى شارعي الفلكي ومنصور، فيما قامت قوات الجيش بتأمين شارع الشيخ ريحان الذي يؤدي إلى مقر وزارة الداخلية. ومع استمرار الاشتباكات، دعت الأحزاب والقوى السياسية إلى تنظيم مظاهرة مليونية عصر الثلاثاء، للمطالبة بسرعة تسليم المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة.
صباح الثلاثاء 22 نوفمبر 2011، تزايدت أعداد المتظاهرين المطالبين بتنحي المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن إدارة شؤون البلاد، وتولي حكومة إنقاذ وطنية بصلاحيات كاملة، تقوم بإجراء انتخابات رئاسية عاجلة.
في السادسة من مساء الثلاثاء، ألقى المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بيانا، أعلن فيه أسفه لسقوط العديد من الضحايا والمصابين خلال الأحداث الدامية، وقبل استقالة حكومة الدكتور عصام شرف، وتعهد بتسليم السلطة في موعد أقصاه 30 يونيو 2012، وكلف وزارة العدل بتشكيل لجنة تقصي حقائق عاجلة، لكشف المتورطين في أحداث العنف الدائرة.
في الثامنة مساء وبعد كلمة طنطاوي، ألقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيِّل للدموع طويلة المدى بكثافة، حتى وصلت إلى قلب ميدان التحرير، ما أدى إلى حدوث حالة من الذعر بين المتظاهرين، وارتفاع عدد المصابين إلى ما يزيد عن 400، كما بلغ عدد الضحايا 31 شهيدا منذ بداية الأحداث.
مع بداية الأربعاء، استمرت الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن المركزي، وبدء بعض شيوخ الأزهر محاولات للتفاوض مع الأمن لعقد هدنة، إلا أن القوات قررت إعادة إطلاق قنابل الغاز بغزارة، ليغطي الدخان سماء شارع محمد محمود بالكامل.
شهد هذا اليوم سقوط مزيد من الشهداء، بعضهم قُتلوا بطلقات الرصاص الحي، بينهم شهيد اخترقت الرصاصة شريان فخذه ففقد حياته على الفور. ونشب حريق هائل في مبنى الجامعة الأمريكية بشارع محمد محمود نتيجة القنابل المسيلة للدموع، و استمرت الاشتباكات المتقطعة طوال اليوم بين المتظاهرين وقوات الشرطة في محيط شارع محمد محمود وشارع الفلكي ما أدى إلى تقدير عدد المصابين بالآلاف، ووصول عدد القتلى إلى 36 مع نهاية اليوم خامس من الاشتباكات المتتالية.
مع الساعات الأولى من الخميس 24 نوفمبر 2011، بدأت الأوضاع داخل شارع محمد محمود في الهدوء شيئا فشيئا، وبنت القوات المسلحة جدرانا خرسانية فاصلة بين المتظاهرين وقوات الأمن المركزي، ما أدى إلى توقف الاشتباكات تماما، وتزايدت أعداد المتظاهرين بميدان التحرير مع قدوم ساعات الليل الأولى.
في الثانية من ظهر الخميس، اعتذر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في بيان عما حدث خلال الأيام الخمس الماضية، وشكل مستشفى عسكريا متكاملا بالميدان، وقدم تعازيه لأسر الشهداء، وأسر أكثر من ثلاثة آلاف مصاب.
وخلال ذلك اليوم، استقبل طنطاوي الدكتور كمال الجنزوري، وكلفه بتولي رئاسة الوزراء خلفا لعصام شرف، ما أغضب المتظاهرين، الذين دعوا لمليونية تحت اسم "جمعة الفرصة الأخيرة"، للمطالبة بإسقاط المجلس العسكري وتولي مجلس رئاسي مدني شؤون البلاد.
وكان الجمعة 25 نوفمبر 2011 آخر أيام اشتباكات محمد محمود، وبداية الصراع في ملحمة مجلس الوزراء، حيث توافدت أعداد غفيرة من المتظاهرين إلى ميدان التحرير، حتى خلا من موطئ لقدم، وأدوا صلاة الغائب على نحو 50 شهيدا في الأحداث، ثم انتشرت الدعوة بين المتظاهرين للاعتصام أمام مقر مجلس الوزراء، للمطالبة بسقوط حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومنع الجنزوري من دخول المجلس، لتبدأ اشتباكات مجلس الوزراء، إحدى حلقات مسلسل بطولات الثورة المصرية.
و لـــــــــــم و لـــــــــــــــــن ننســـــــــــــى.............
كفــــــاح ونضـــــــــــــــال وصمـــــــــــــــــــــــود
أســــــــــــــــود....شــــــــــــــارع محمــــــــــد محمــــــــــود.......
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.