القساوسة يشكرون المسئولين الحاضرين والغائبين.. وشعب الكنيسة يعترض: «محدش يستاهل الشكر»
ضحايا الإهمال يرقدون فى التوابيت قبل الصلاة عليهم فى الكنيسة
عرس تحول إلى مأتم.. فرحة انقلبت إلى فاجعة، وكأنها أصبحت عادة، أفراح الأقباط وأعيادهم تتحول إلى مأتم كبير، وأفراح المصريين عموماً تدهسها القطارات المتهالكة. بصوت وهن، وعينين فاضتا بالدموع، وعلامات انكسار تكسو الوجه المائل للسمرة، يهمس جرجس مينا، شاب فى العقد الثالث من العمر، مع صديق آخر يقف بجواره يدعى مينا حنا وسط الحشود المنتظرة أمام بوابة كنيسة مارجرجس بالفيوم، التى اختفت الأنوار من أسوارها ووجهتها التى تعلوها قباب مخروطية الشكل، يرقد فوقها الصلبان، يغمض «مينا» عينيه لبرهة ويقول بحسرة: «من انفجار كنيسة القديسين إلى الوراق ودلوقتى قطار دهشور، مش عارفين هتكون آخرتها إيه؟»، يدخل ثالث فى حديثهما: «بس هما فى عرس سماوى دلوقتى»، يقطع أحد أفراد لجنة النظام الكلام بصوت جهورى: «يا جماعة نركن على جنب علشان الجثث هتدخل دلوقتى»، تتشابك أيدى عشرات الشباب مكونين سلسلة بشرية على الجانبين لفتح ممر فى وسط الطريق استعدادا لاستقبال الجثامين العائدة من القاهرة.
ساعة مضت، الأعداد تتزايد، سيارتان بوكس تتوليان عملية التأمين على جانبى الكنيسة التى تعتبر مقر مطرانية الأقباط الأرثوذكس بمحافظة الفيوم، ومع ملامسة عقارب الساعة الثامنة والربع مساء، ترفع قوات الأمن حالة الاستعداد القصوى وينتشر أفرادها المسلحون بالبنادق الآلية فى أرجاء المكان، بينما يقول أحد أفراد لجنة النظام الشعبية «الجثث وصلت»، موجها كلمة إلى المتراصين فى السلاسل البشرية بهدف تأمين ممر لدخول الجثامين «محدش يا جماعة يتحرك من مكانه علشان نعرف ندخل».
يقف الطفل بولا جرجس، طفل فى العقد الثانى من العمر، وسط آلاف المحتشدين فى صمت، يصوب بصره فى اتجاه الطريق القادم من القاهرة، لا شىء يختلف، ينظر فى يأس إلى الأرض لهنيهة ثم يعاود النظر من جديد فى نفس الاتجاه، محاولا استطلاع قدوم جثامين الضحايا التى يرقد وسطها اثنان من أبناء أخواله هما مارينا نادى، طفلة بالصف الأول الإعدادى، وديفيد محروس، طفل دون الرابعة من عمره.
على مرمى البصر، تظهر سيارة نصف نقل بيضاء اللون، يعلوها ثلة من الشباب، تقترب أكثر، يعلو الصراخ والعويل الممزوج بالبكاء، تتقدم السيارة المتبوعة بـ6 سيارات أخرى أربع منها نصف نقل و2 ربع نقل، تستقر السيارة الأولى أمام بوابة الكنيسة الواقعة بشارع بطل السلام فى مواجهة نادى المحامى، شاب ثلاثينى يقبض بيده على جوانب السيارة محاولا نزع «مسمار حديدى»، يسقط الجانب الخشبى، تظهر صناديق الموتى، يزداد معها الصراخ والعويل، يعجز من يحمل النعش الأول عن التحرك به لبضع ثوانٍ، بسبب التدافع من أجل بلوغ الصناديق، بقوة الدفع تتقدم النعوش إلى داخل بوابة الكنيسة الواحد تلو الآخر.
من أمام الهيكل يقف القساوسة والشمامسة بزيهم الأسود المعتاد، تتراص النعوش أمامهم على الـ«خورس»، المكان الذى يقيم فيه القساوسة الصلاة والترانيم، قاعة الكنيسة الممتدة على بعد أمتار من الهيكل علقت الستائر السوداء، عشرات المئات من النسوة بثياب سوداء بلون الليل الأكثر سواداً على العائلة التى فقدت 27 من أبنائها، وإصابة 32 آخرين، السيدات المحتشدات داخل أروقة القاعة لا يتوقفن عن الصراخ، الذى تتزايد حدته مع دخول كل نعش.
تستقر النعوش الـ 26 مكانها التى تزين بعضها بالورود ويتطاير حولها دخان البخور المتصاعد من مباخر الشمامسة، إضاءة الشموع على أطرافها، كل صندوق دوّن عليه اسم من يرقد بداخله، حيث وضع طفلان معا فى صندوق واحد، بينما نال بقية الضحايا صندوقاً لكل جثمان، نداءات متكررة يوجهها قساوسة الكنيسة لأغلبية النسوة المتشحات بالسواد كى يكففن عن الصراخ والعويل المتصاعد من أجل الصلاة، لكن أيا من النداءات لم يلق تأثيره على السيدات.
وجه الأنبا إبرام، مطران الفيوم، ومع القساوسة بكنيسة مارجرجس بالفيوم، رسالتين؛ الأولى للحضور «نحن نزفهم للعرس السماوى ونعزى بعضنا بالصلاة وكل واحد فيكم يتفضل ياخد مكانه للصلاة». بينما الرسالة الثانية وجهها لفريق الكشافة التابعة للكنيسة للتأكيد على الحضور التزام الصمت، ويبدأ بعدها فى إقامة القداس على أرواح الضحايا، ليعود إلى القاعة الهدوء التام، يشرع الجميع فى الصلاة.
تنهمر دموع الأنباء «إبرام» يتوقف عن الصلاة لبرهة، سرعان ما يقطعها لاستكمال الصلاة، تنتهى الصلاة، يعود الصراخ والعويل، يبدأ القساوسة فى إلقاء كلماتهم، التى خاطبوا فيها الأهالى للصلاة من أجل الضحايا، بينما سادت حالة من الغضب بين الحضور عندما بدأ القمص مينا ميخائيل، وكيل مطرانية الفيوم، فى تقديم الشكر للمسئولين الغائب منهم والحاضر، من الجهات التنفيذية والسياسية والأمنية والقيادات الكنسية لتقديمهم العزاء للكنيسة ولأسر الضحايا. فأبدى عدد من الحضور اعتراضهم على شكر المسئولين: «إيه ده وهو إحنا فى فرح، ده لو فى قداس العيد مش هيوجه الشكر ده كله»، «هما ما يستهلوش حاجة، شكر على إيه بس».
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.