هو رجلاً ذو لحية يعلوها الشيب طويل القامة يرتدي قبعة سوداء وجاكيت قصير أسفله قميص يحتاج لتنظيف يخرج بين الحين والحين قطعة من القماش البالي يجفف بها وجهه.. يعود سعد لأيامه الأولي مع ماكينة التصوير الخشبية التي شهدت معه ذكريات الحروب التي تعرضت لها بورسعيد وتصوير عظماء مصر في السياسة عبد الناصر والسادات وفي الفن عبد الوهاب وعبد الحليم وأم كلثوم .
يري سعد أن قرارهً بتكهين ماكينة التصوير بعد رحلة من العطاء دامت 80 سنة جاء صعباً لعدم قدرته علي تكلفة الصورة في الوقت الحالي و لندرة الطلب عليها وغزو كاميرات الديجيتال والتصوير عبر الإنترنت والكمبيوتر هذا بعد أن كنت في الماضي محط أنظار الجميع الباحثين عن أفضل وسيلة للتصوير .
يقول " سعد " : بدأت معرفتي مع التصوير في عمر مبكر علي عكس والدي الذي عمل بالتصوير في سن كبير بعد فصله من عمله بشركة ) شل ( التي كانت تخضع وقتها للإشراف الأجنبي .. فقرر إحتراف مهنة التصوير التي كان يحتكرها ) الأرمن ( في ذلك الوقت وهم من إحدى الجاليات الأجنبية التي كانت تقيم في بورسعيد وقت الاحتلال الإنجليزي لمصر .. فكان يزج بوالدي في السجن لإجباره علي ترك التصوير كرامة للمصورين الأرمن .. فبدأ والدي يعلم أبناء بورسعيد فن التصوير حتي زاد عددهم فكان من الصعب وضعهم كلهم في السجون فهاجر الأرمن وتركوا مهنة التصوير للمصرين .
* وأستطرد سعد في حديثه : كنت أحد الذين علمهم والدي فن التصوير ولكنني تعملت فن التحميض من المصور اليهودي ( فيكتور باخوري ) وكان أكبر مستورد لآلات التصوير في البر واشتريت منه كاميرا بـ أربعة جنيهات كانت مصدر سعدي في الحياة .. كسبت من وراءها المال الوفير وسافرت بها الي المحافظات المجاورة فصورت معظم الفنانين الذين أتو للاستمتاع بمياه البحر في دمياط مثل عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وغيرهم كما قمت بتصوير الرئيس جمال عبد الناصر أثناء مؤتمراه الشعبية بالمحافظة والرئيس أنور السادات وكلها ذكريات طويلة من العمل الذي يمتد قرابة الـ 80 عاماً كما صورت بعض عمليات المقاومة الشعبية وشاركت في مساعدة أبطال المقاومة بإخفاء السلاح خلف ديكور التصوير وقمت بتصوير كثير من الفدائيين في معركة العدوان الثلاثي علي مصر وحرب النكسة وانتصار أكتوبر علي إسرائيل .
* وكان من أبرز مما صورته في بورسعيد وقت الحرب هو إسقاط تمثال ديليسبس من فوق قاعدته وهي الصورة التي تداولتها كل المواقع والصحف المصرية فيما بعد حيث قام أبطال المقاومة الشعبية بالصعود الي التمثال بواسطة سلم كبير ووضع المتفجرات حوله من كل مكان وربطوا في عنقه حبلاً مدللاً علي الأرض لشده وكان قريب الشبه بإسقاط تمثال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وكانت صورة معبرة عن مدي الفرحة التي عاشتها بورسعيد وقتها بجلاء القوات الأجنبية عن بورسعيد بعد عدة أسابيع قضتها في مقاومة العدوان الثلاثي إسرائيل وفرنسا وبريطانيا وتم إنزال التمثال بعد قطعه لنصفين تم وضعه الآن في ترسانة بور فؤاد البحرية التابعة لهيئة قناة السويس حيث علمت من الأخبار التي تتداولفي الصحف والإعلام أن الحكومة الفرنسية أعادت ترميم التمثال مرة أخري وطلبت من الخارجية المصرية إعادته لقاعدته مرة أخري مقابل أن تساعد فرنسا في إقامة بانوراما تحكي قصة قناة السويس إلا أن الفكرة لاقت معارضة كبيرة من التيار الشعبي البورسعيدي خاصة من عاشوا فترة حر بالعدوان الثلاثي وشعرت بمرارة الظلم والاستعمار ومازال التمثال قابع في مكانه داخل ورش هيئة قناة السويس ينتظر قرار القيادة السياسية قبل التنفيذية .
وهي التي أعلن بشأنها أحمد عبد الله محافظ بورسعيد خلال لقاءه مع المسئولين في جمعية الثقافة الفرنسية التي تتخذ لها مقراً ببورسعيد ان قرار عودة التمثال لقاعدته يرجع الي الإرادة الشعبية البورسعيدية والتي يجب أن يأتي بتراضي منها وهي صاحبة القرار النهائي بشأنه أما نحن فموافقتنا تأتي بعد الموافقة الشعبية .
* وينهي " سعد " كلامه : أن مهنة التصوير هي مهنة تحتاج الي فن ومهارة كبيرة لأنك تتعامل مع ورق وأحبار وأدوات تحميض وكهرباء وكلها كانت أعمال بدائية تحتاج لخبرة كبيرة فكان الفضل في ذلك يرجع لفيكتور باخوري اليهودي فعلمني أن أغسل الصور ثلاثة مرات قبل وبعد التحميض وبعد التجفيف حتي تكون الصورة بدون رتوش إلا أنها ستظل صوراً بلا روح مثل الجسد التي نزع منها الله الروح .
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.