تمر منظمات الإغاثة في سوريا بوقت عصيب هو الأسوأ منذ بداية الأزمة: الضغوط الأمنية والمادية تحاصر منظمات الإغاثة وتحد من عملها، فيما يزداد بالمقابل حجم الحاجة والعوز للمتضررين مع تنامي العنف واتساع دوامة الصراع في سوريا.
قافلة مساعدات دولية في حلب: عائلات كثيرة فقدت مصدر رزقها وتعيش بدون ماء أو كهرباء
لم تكن الأوراق النقدية من فئة الألف ليرة التي دسها عمر، الطالب في كلية العلوم، في يد العجوز أم سعيد كافية لدفع أجرة منزلها بعد أن اضطرت للنزوح من بلدة حرستا الساخنة. أم سعيد رمقت عمر بنظرة استغراب، بيد أن حياءها وتعففها منعاها عن التساؤل عن سبب قلة المبلغ، فباغتها عمر بقوله: "آسفين يا خالة، الشهر القادم نعوض لك بقية المبلغ، حاولي تأجلي دفع أجار البيت للشهر القادم واشتري الأدوية بالمبلغ الموجود".
أغلقت أم سعيد باب بيتها ونظرات الأسف تخيم على وجهها ووجه عمر، إلا أن هذه الحالة ليست هي الوحيدة التي اعتذر فيها عمر عن قلة المبلغ الذي قدمه بل اضطر إلى تبرير ذلك لجميع الأسر التي اعتاد أن يقدم الدعم لها أثناء جولته الشهرية على بعض الأسر المتضررة.
عمر الذي قام بالاشتراك مع رفاقه بتأسيس جمعية إغاثة في دمشق لمساعدة النازحين من المناطق المتضررة والساخنة، فضل عدم الكشف عن اسمها لأسباب أمنية، بات مؤخرا يشكو من قلة الدعم الداخلي والخارجي على حد سواء. ويعبر عمر عن ذلك بقوله : "لم نشهد مثل هذه الأزمة في التمويل منذ بداية الأحداث في سوريا. فالصناديق شبه خاوية والمعنويات منخفضة جدا جراء ذلك، خصوصا وأننا على أبواب فصل الشتاء حيث نقوم عادة بحملات عدة لتقديم الألبسة والأغطية للأسر". ويضيف عمر وعلامات العجز تظهر على وجهه: "لسنا قادرين حاليا على دفع التكاليف الأساسية، الأمر الذي ينذر بكارثة كبيرة لا تحمد عقباها".
أم مع أطفالها هربت بهم من ويلات الحرب
منظمات الإغاثة تصارع من أجل البقاء
جمعية الإغاثة التي ينتمي إليها عمر لا تعاني وحدها من قلة الدعم والتمويل، فمعظم جهات الإغاثة تعاني من الخطر نفسه. فالعمل الإغاثي يفتقد إلى التعاون والتنسيق بين جهاته، الأمر الذي حدا ببعضها إلى إيقاف عملها في الوقت الحالي ريثما تتمكن من تأمين مصادر تمويل جديدة.
ماسة محمد، مؤسسة إحدى هذه المجموعات ذكرت لنا عدة أسباب تقف وراء نقص التبرعات: "في بداية الثورة اقتصر الموضوع الإغاثي على عدد بسيط من العائلات النازحة من حمص ومن الريف الدمشقي، وحينها كان حجم التبرعات يفوق الحاجة. ومع اتساع دائرة الصراع المسلح والهدم ازداد عدد العائلات المهجرة إلى أن فاق طاقة الاستيعاب في دمشق وبعض الريف الآمن نوعا ما، حيث ازداد الطلب وشحت الموارد، بالإضافة إلى ملل بعض المتبرعين الذين كانوا يظنون أن الأزمة مجرد أشهر وتنتهي، لكنها امتدت لسنة وتلتها سنين".
في المقابل تعزو ريم مهنا، التي تعمل مهندسة في إحدى شركات القطاع الخاص سبب توقفها عن تقديم الدعم لإحدى جهات الإغاثة "بأن أهلها وأقاربها أصبحوا أحق بهذه الأموال بعد أن طالهم التشرد والفقر. أما الوضع الاقتصادي المتردي وغلاء الأسعار فأصبح يحد من مساعدة الكثير من الأسر في مقابل تأمين الحاجات الشخصية الأساسية".
أما هاني طالب كلية الحقوق وهو عضو في نفس الجمعية التي ينتمي إليها عمر فيرى أن من أهم أسباب شح الموارد والدعم هو "قلة الثقة بين المتبرع وبعض جهات الإغاثة، فالأول يطالبها بطريقة توثيق معينة ومن يستلم قد لا يستطيع تنفيذ هذه الشروط أو قد لا يرغب ، مما أدى إلى فتور العلاقة بين الأطراف مع مرور الوقت، بالإضافة إلى خذلان بعض المجموعات للثورة بسبب السرقات التي قاموا بها فشوهوا بذلك صورة العمل الإغاثي بشكل عام".
طفلة بين الأنقاض: أكثر من ثلاثة ملايين طفل سوري تضرروا من الحرب
الوضع الأمني يهدد نشطاء الإغاثة
يتفق عمر مع الكثير من الأسباب التي تم ذكرها آنفا من حيث وقوفها وراء تراجع أعمال الإغاثة مؤخرا، إلا أنه يرى أن الضغوطات الأمنية التي يتعرض لها هذا العمل خاصة في دمشق تحد منه بشكل كبير. وبرز ذلك جليا على تصرفاته وحركاته وطريقة تخبئته للنقود والأدوية أثناء جولتنا معه على الأسر المحتاجة. عمر برر ذلك بالقول: "اتجه الأمن في الآونة الأخيرة إلى التركيز ومراقبة مجموعات الإغاثة بحجة دعمهم للإرهابيين وعائلاتهم. ولم يكتفوا بالتدقيق على الشبان فحسب بل على النساء أيضا، فيقف الشخص الذي يعمل بالإغاثة مكبل الأيدي لا يستطيع إيصال أدنى أسباب المعيشة من طعام وشراب أمام هذا الانتشار الأمني وهذه الحواجز. وتم اعتقال الكثير من أصدقائنا بالإغاثة على الحواجز لمجرد حملهم لكميات من الحليب أو الألبسة والأدوية".
وفي منطقة القابون تم مؤخرا اعتقال جميع أعضاء مكتب الإغاثة بتهمة دعم الجيش الحر والإرهابيين، الأمر الذي حدا بالكثير من الناشطين في مجال الإغاثة إلى إيقاف عملهم خشية الاعتقال. ومن بين هؤلاء الطالبة في كلية الآداب علا التي قالت: "كان العمل الإغاثي متنفسنا الوحيد بعد أن بدلت الثورة زيها السلمي بالمسلح، إلا أن التهديدات الأمنية أرغمتني على التوقف حاليا. ولا بد من إيجاد مشاريع صغيرة لمساعدة المتضررين، لأن العمل الإغاثي لن يستمر طويلا إذا بقي الأمر على هذه الحال".
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.