في مثل هذا اليوم ..
وفاة الفنان الكبير محمد توفيق 27 مارس 2003
«ابن صبيحة»: درس في بريطانيا ومنحه ناصر والسادات وسام الفنون
كان ضمير الفن الذي لم تلوثه المطامع، يؤمن برسالته ويسعى إلى توصيلها، فضرب مثالًا يحتذى في التفاني المطلق، وكان ولا يزال نموذجا للأصالة الفنية التي رسمت هوية مصر مع دخول عصر الإذاعة في ثلاثينيات القرن الماضي.
كان ضمير الفن الذي لم تلوثه المطامع، يؤمن برسالته ويسعى إلى توصيلها، فضرب مثالًا يحتذى في التفاني المطلق، وكان ولا يزال نموذجا للأصالة الفنية التي رسمت هوية مصر مع دخول عصر الإذاعة في ثلاثينيات القرن الماضي.
يجهله الجيل الحالي بالطبع، لكن الدارسين لعلم التمثيل والأداء الحركي يعلمون قيمته عن ظهر قلب، وينهلون من كتبه الأكاديمية المتخصصة، أما أجدادنا الذين كانوا مولعين بالمسلسلات الإذاعية فيدينون له بالعرفان على مجموعة من أرقى وأروع الأعمال الدرامية الإذاعية، التي تحولت معظمها إلى تليفزيونية مع ظهور الدراما المرئية، ومع ذلك لم تكن نهايته على نحو يقدر تلك المسيرة الزاخرة بالإنجازات.
على أريكة تبدو مُريحة، كان يجلس «عم عبده» طوال أحداث مُسلسل «عائلة ونيس»، وتحديدًا الجزء الأول منه، الذى تم إنتاجه سنة 1994، أي أنّه عاش مع أجيال التسعينيات والثمانينات كاملةً، يتذكرونه جيدًا، المُربي الفاضل لبطل العمل، «ونيس»، ولكنهُ رجل بلغ من العمر أرذله، يقضي أوقاته مستغرقًا في النوم على أريكته المُريحة، فمجرد أن يضع رأسه على الوسادة، يَغط في نومٍ عميق.
رُبما كان دور «عم عبده»، الدور الأشهر في ذاكرة الأجيال الحالية للممثل القدير، محمد توفيق، لكن «توفيق» الذي يُعرف بـ «شيخ الممثلين» يمتلك تاريخًا كبيرًا، يفوق مقدار حُب «عم عبده» لساعات نومه الطويلة، بدأ من دراسته في بريطانيا، ضمن البعثة التى أرسلها «معهد التمثيل»، وحتى وصول عدد أعماله الفنية إلى 150 عملا متنّوعا.
وفي ذكرى ميلاده، نرصد معلومات عن الفنان، محمد توفيق، وفقًا للقاء إذاعي نادر لهُ، وموقع «أخبار اليوم»، ومقال الكاتب، وجيه ندى، «محمد توفيق وشهرة مفيش».
ولد محمد حسن توفيق المنصوري العجيزي -وهو الاسم الكامل له- في يوم 24 أكتوبر من عام 1908، بمدينة طنطا في محافظة الغربية، لأسرة "العجيزي"، وهي إحدى الأسر العريقة التي عرفت بدعمها للحركة الوطنية، ومقاومة الاحتلال.
إنتقل مع أسرته للعيش في مدينة حلوان بالقاهرة، ودخل المدرسة الابتدائية، وهناك عشق التمثيل، وامتد حبه له مع دخول مدرسة "الثانوية الملكية" التي أصبح اسمها "الخديوية" فيما بعد، وتعلم قواعده وأصوله على يد الفنان أحمد علام.
رائد من رواد المسرح، ملك الأدوار المعقدة، لُقب بـ''شيخ الممثلين'' رغم أنه لم يحظ ولو لمرة واحدة بالبطولة المُطلقة، ولكنه اختار التفاني في عمله والتدقيق في اختيار أدواره حتى ولو قدم مشاهد قليلة في كل عمل، المهم ان يترك دوره بصمة يتذكرها الجمهور، فلا أحد ينسى ذلك الرجل الساذج طيب القلب ''ابن صبيحة'' في ''حسن ونعيمة''، أو الشرطي المتخفي بين أفراد العصابة منتظرا اللحظة المناسبة للقبض عليهم، والصحفي همزة الوصل بين ثلاث فتيات ووالدهم في ''عصافير الجنة''، هو عم حافظ والد فؤادة في ''شيء من الخوف''، وعم عبده في ''يوميات ونيس''، الفنان محمد توفيق.
الإذاعة البريطانية
بدأت علاقته بالتمثيل من خلال المدرسة، ولم يستطع استكمال دراسة التجارة، فتركها ليلتحق بمعهد التمثيل، كما درس فن التمثيل في انجلترا عام 1935، حيث تتلمذ على يد الممثل العالمي لورانس اوليفييه، وعمل مخرجا في القسم العربي للإذاعة البريطانية، بعد تعذر عودته إلى مصر بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية.
علاقته بالميكروفون بدأت حينما عمل بالإذاعة الأهلية، إلى أن تقدم بطلب الانضمام للإذاعة المصرية الحكومية فور افتتاحها في عام 1934، وقتما كان عضوًا بالفرقة القومية، واتفق معهم مدير الإذاعة آنذاك "قابل عزيز" على تقديم سهرة درامية إذاعية مقابل 150 قرشا للفرقة ككل، وفق ما ذكره الراحل في حوار إذاعي نادر مع الإعلامية عواطف البدري.
سافر مع بداية الحرب العالمية الثانية لدراسة التمثيل في إنجلترا، وھناك تتلمذ على ید الممثل العالمي "لورانس أولیفیه" و"مایكل ردجریف" والمخرج المسرحي "تیرون"، ثم عمل مخرجًا بالقسم العربي بالإذاعة البریطانیة BBC، فشارك في عدد من التمثيليات الإذاعية العالمية، حتى أصبح كبير المخرجين في القسم العربي عام 1947.
انضم توفيق لفرق مسرحية عديدة منها فرقة عزيز عيد وفرقة جورج أبيض، كما التحق بفرقة المسرح القومي، وشارك مع كل هذه الفرق في تقديم العديد من المسرحيات.
وأثناء عمله في الإذاعة المصرية، حرص توفيق على تسجيل مسرحيات رواد المسرح، فسجل للفنان علي الكسار مسرحية واحدة، وللفنان جورج أبيض عدد كبير من مسرحياته، وفقا لما قاله في حوار إذاعي له.
عاد إلى القاهرة للعمل في الإذاعة المصرية مرة أخرى بعد حصوله على جواب تعيين من مدير الإذاعة شخصيًا، الذي أُعجب به أثناء زيارته المملكة المتحدة، فقدم عددًا كبيرًا من الأعمال الفنية الإذاعية أهمها "سعد اليتيم" و"روايح" و"نعسة"، و"حسن ونعيمة" الذي حقق نجاحًا واسعًا، أشار إليه الراحل في حوار إذاعي سابق قائلًا: "حدث مرة وأن توقف سائق الأتوبيس للاستماع إلى مسلسل حسن ونعيمة في الراديو لدى أحد المحلات في الشارع".
عمل كمساعد مخرج لاستيفان روستي في فيلم "الورشة"، إلى أن رشحه المخرج نيازي مصطفى لأول أدواره السينمائية في فيلم "مصنع الزوجات" مع محمود ذو الفقار، وبعدها توالت أفلامه وبلغ عددها مائة فيلم، منها "ابن البلد" و"شهداء الغرام" و"السوق السوداء" و"معلهش يا زهر" و"لك يوم يا ظالم" مع فاتن حمامة ومحسن سرحان، و"شيء من الخوف"، كما كان من أوائل الفنانين الذين قدموا شخصية "المدمن" بإتقان شديد في فيلم "الأخ الكبير"، حتى إنه ذكر في حوار صحفي أنه ذهب إلى قسم شرطة لاستئذان المأمور بتعاطي مخدر "الأفيون" من أجل الإحساس بإتقان الدور، فنهره مأمور القسم وحذره من القبض عليه إذا ما فعل ذلك، ما اضطره للذهاب إلى مصحة علاج الإدمان لمعايشة الدور على أرض الواقع.
وشارك توفيق في بطولة عدد كبير من الأعمال الفنية السينمائية والتليفزيونية تجاوز عددها الـ150 عمل، كما أخرج للإذاعة عدد من المسلسلات الشعبية من بينها ''ناعسة''، ''روايح''، ''سعد اليتيم''، و''حسن ونعيمة''، وأحدثوا ضجة في الشارع المصري، ونجحوا نجاح شعبي كبير.
تمنّى «توفيق» قبل وفاته أن يحصل على شهادة تقدير عن دوره في فيلم «لك يوم يا ظالم»، كما صرح في لقاء صحفي سابق: «لو قدمت دورًا مثل دوري في هذا الفيلم في أمريكا، لحصلت من خلاله على الأوسكار».
إمتدت مسيرته الفنية لنحو 62 عامًا، وصل خلالها عدد الأعمال الفنية التي شارك بها لأكثر من 150 عملا بين سينما ومسرح وتليفزيون، حيث كان له نصيب من المسلسلات التليفزيونية، من أشهرها: "هند والدكتور نعمان"، و"أبو العلا البشري"، و"ما زال النيل يجري" و"يوميات ونيس".
أسهم في إنشاء جمعية ومجلة "أنصار التمثيل"، وعمل كأستاذ جامعي في تدريس نظريات التمثيل وفن التعبير الحركي، وتعلم على يديه العديد من الفنانين في مصر والعالم العربي، ومنهم الفنانة كاميليا التي تعلمت منه اللغة العربية.
ومن أشهر أعماله في السينما والتليفزيون ''أبو العلا البشري، عيون الصقر، غوايش، السفينة التائهة، شيء من الخوف، لوكاندة المفاجآت، خلخال حبيبي، لك يوم يا ظالم''.
الفاتنة
كان توفيق يُدرس لطلاب معهد التمثيل نظريات التمثيل، والتي تهدف لتوجيه الممثل لاستخدام مخيلته، وحواسه الخمسة، وإثارة ذاكرته الانفعالية.
وكعادة أبناء هذا الجيل من العمالقة، كان توفيق متقنا للغة العربية، وهو ما جعله يتولى تدريس اللغة العربية لعدد من المواهب الشابة آنذاك، ومن بينهم الفنانة الفاتنة كاميليا، حيث عهد مكتشفها المخرج أحمد سالم إليه ليعلمها اللغة العربية، ويضبط لديها مخارج الحروف، عن طريق دروس الإلقاء والآداء والحركة.
إنسحب من إحدى مسرحيات الفنان محمد نجم بعد خروج ممثلة عن النص المكتوب بطريقة مبتذلة لا تتوافق مع روح المسرح، الأمر الذي دفعه للانسحاب المفاجئ أمام الجمهور رغم توسلات أعضاء الفرقة.
وسام العلوم
حصل توفيق على وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى مرتين، الأولى عام 1967 من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وعام 1979 من الرئيس الراحل أنور السادات.
نال عدة جوائز وأوسمة وشهادات تقدير، فقد منحه الرئيس جمال عبد الناصر وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في عام 1967، وكذلك حصل على نفس الوسام في أكتوبر من عام 1979، بجانب شهادات تقدير من وزراء الإعلام، كما نال شهادة تقدير من إسبانيا عن فيلمه "الرجل والحصان"، بجانب تكريمه من ألمانيا على دوره "ابن صبيحة"، إلا أنه عاش حزينا من فقده التكريم الذي يستحقه في مصر عن هذا الدور، فقال في حوار صحفي سابق: "لو قدمت دورا مثل دوري في فيلم لك يوم يا ظالم في أمريكا لحصلت من خلاله على الأوسكار".
أوضحت الفنانة الراحلة كريمة مختار في حوار سابق مع الإعلامية صفاء أبو السعود على شاشة راديو وتليفزيون العرب "ART" أنه تردى به الحال ماديا قبل وفاته، وكان مستعدا لقبول دور مريض لإعانة نفسه، وذلك حينما سألتها الإعلامية عن خوفها من البطالة الفنية، وإسناد أدوار تليق بالفنانين.
يعتبر مسلسل "رجل الأقدار"، هو آخر الأعمال الفنية للنجم الراحل، حيث رحل عن عالمنا في 27 مارس 2003، عن عمر يناهز 94 عام
توفي الفنان محمد توفيق شيخ الممثلين في 27 مارس 2003 عن عمر ناهز 95 عامًا، بعد أن دخل في صراع مع المرض دام أكثر من عامين، وشارك في تشييع الجنازة التي خرجت من مسجد مصطفى محمود مجموعة كبيرة من الفنانين وأهل وأصدقاء الفنان الراحل.
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.