المدينة العربية الوحيدة التى تتبلور فيها المواجهة بين الثقافتين العربية والأجنبية .
.............................................................................
صدرت مؤخراً الطبعة الثانية من كتاب»المدينة الاستثناء« قراءة مورفلوجية لمدينة بورسعيد للكاتب قاسم مسعد عليوة ضمن إصدارات الهيئة لقصور الثقافة . وقد استقبله المجتمع استقبالا كبيراً وصدرت منه الطبعة الثانية.
الحديث عن التاريخ شيء ممتع وجذاب ولذلك فان الحديث عن مدينة بورسعيد المدينة الاستثناء شيء لايعرف الجمود ولايعترف بالحدود فلكل قاعدة استثناء وما من استثناء يماثل هذه المدينة. التي تخرج علي كل صور المحاصرة والاحتواء.
تاريخ هذه المدينة طويل فهي المدينة التي بنت نفسها بنفسها، وتملك من مقومات التمدن والتحضرمالاتقدرعليه مخيلات المخططين والبنائين فهي فعلا »المدينة الاستثناء« نظراً لموقعها العبقري الفريد الذي يربط قارات العالم القديم اسيا وافريقيا ،واروبا فاكتسبت مقومات القارات الثلاث خاصةً بعد شق قناة السويس في أشهر وأدق عملية جراحية تجري لسطح الأرض فأصبحت أول مدينة بل الوحيدة في العالم العربي التي تبلورت فيها المواجهة بين الثقافة العربية والثقافة الأجنبية في حيين متقابلين هما حي الافرنج وحي العرب وبعدما كانت السيطرة للثاني أضحت للأول بعد صراع كفاحي مرير.
وكذلك هي المدينة المصرية والعربية الوحيدة التي تقرن العروبة بالسيادة فهي تسمي اغلب آبائها »العربي«وتقرنه »بالسيد« فكانت هذه مقاومة استثناء بالاسم في وقت كان التواجد الأجنبي أكثرية كاثرة.
واستثناءات أخري
وبورسعيد استثناء لأنها أول مدينة مصرية تنشأ في العصر الحديث بعيدا عن نهر النيل وخارج نطاق القاهرة المركز وهي كذلك لأنها خاضت معظم حروب مصر ومعاركها وتأثرت بها بدءًا بالغزوة الاحتلالية سنة 1882 والحربين العالميتين الأولي والثانية ومعارك ثورة 1919 ومعارك الفدائيين للجلاء سنة 1952 ثم حروب العدوان الثلاثي ونكسة يونيو والإستنزاف والعبور.
واكتسبت صفة المدينة »الباسلة« بجدارة واستحقاق لأنها هي التي أسرت الجنود الإنجليز العشرة في غزوة الاحتلال سنة 1982 عند »طابية الديبة« وهزمت الأتراك عند هجومهم علي المدخل الشمالي لقناة السويس بهدف احتلالها سنة 1910 وقاومت جنود ثلاث دول ومنعت دخولهم مصر عام 1956 وطردتهم شر طردة مدحورين في 23 ديسمبر قبل إستكمال شهرين من بدء عدوانهم الثلاثي .
وحققت أول نصر علي الإسرائيليين بعد هزيمة 67 فردت جحافلهم تجر أذيال الخيبة في موقعة »رأس العش« وأوقعت بالبحرية ضربة موجعة وأكبر فضيحة في تاريخها في نوفمبر 1967 بإغراق المدمرة »إيلات« أمام شاطئها الشمالي وصمدت بجرأة وإصرار علي النصر أمام غارات الطيران الإسرائيلي من عام 67 وحتي نصر 73 ومن شرقها انطلقت من توءمها »بور فؤاد« طلائع الجيش الثاني الميداني ليحطم المواقع الحصينة في خط بارليف لتتهاوي بعدها قوات الجيش الإسرائيلي الذي زعم أنه لا يهزم .
مدينة بمائة مدينة
الباب الاول من الكتاب يتحدث فيه المؤلف عن الموقع الجغرافي لمدينة بورسعيد في العصورالقديمة عند التقاء خط طول 32،8 شرقاً وخط عرض 31،6 شمالا وعن المعالم التضاريسية والطبيعية التي كانت تتميز بها المدينة وما بهرت به كل من قدم إليها من العرب و الروم و الأغريق و نظراً لموقعها المتميز وما تملكه من ثروات بالإضافة إلي ثرواتها المتعددة من الأسماك والطيور وأشجار النخيل التي كانت تثمر حين ينقطع البسر في كل البلاد .
كما اشتهرت المدينة في الماضي بصناعة الأواني الفخارية وأدوات الزينة والاقمشة والمنسوجات الكتانية و قال عنها»المقريزي«في كتابه »المواعظ« إنها كانت تصنع كسوة الكعبة ،وكان لايصنع ثوب للخليفة إلا فيها وكان نساجو المدينة القديمة يصنعون القماش ويتغير لونة بتغير ساعات النهار ويقال إن امبراطور الروم عرض علي الخليفة الفاطمي سلطان مصر أن يضم هذه المدينة للإمبراطورية ويعوضه عنها بمائة مدينة من مدائن دولته فرفض لأنها كانت مفتاح بوابة مصر الشرقية، لقد مرت منها العائلة المقدسة في العام الأول الميلادي في رحلة القدوم إلي مصر ومرت منها ايضاَ في رحلة الخروج
نشأة بورسعيد
أما الباب الثاني في يتحدث فيه المؤلف عن فكرة إنشاء قناة السويس لربط البحرين الأحمروالأبيض المتوسط وقد نشأت مدينة بورسعيد مع ضربة أول معول علي الارض لشق مجري القناة .ويشبه الكاتب المدينة الجديدة بالطفلة حديثة الولادة التي يقام لها السبوع والاحتفال بعيد الميلاد،
فبداية المدينة كانت عبارة عن خيام تم انشاؤها لإقامة المهندسين الفرنسيين المشرفين علي عمليات الحفر، ثم تحولت إلي مجموعة من الأكشاك الخشبية ثم منازل مصنوعة من الأخشاب المستوردة ،ثم منازل من الطوب المحروق المصنوع من الطمي المستخرج من قاع بحيرة المنزلة و بعد ذلك أقيمت بعض الأعمال التنظيمية والمينائية والورش اللازمة لها والتي كانت تقدم من خلالها الخدمات للعاملين في القناة .
الأماكن الأثرية
في الباب الثالث يصف الكاتب من خلال مشهد بانورامي أشهر وأقدم الأماكن الأثرية في بورسعيد ومنها فناربورسعيد.. والذي أنشئ عام 1870 هذا الفنار الأثري عظيم الأهمية فقد ارتبط بتاريخ المدينة وشهد أمجادها وإنكساراتها ومن أعلاه تلاحظ الدقة الهندسية في تقسيم المدينة وكيف أن شوارعها تتصف بالتوازي والتقاطع والاتساع .
وهناك مبني تاج محل . والذي يعود بناؤه إلي تسعينيات القرن التاسع عشر يضم مكاتب الخزينة والإدارة بهيئة قناة السويس وكانت تحيط به المياه من ثلاثة جوانب أما دار بوليس الميناء فقد شيد في ثلاثينيات القرن العشرين علي أنقاض مبني الجمرك القديم ويضم متحف المدينة القومي مجموعة من الآثار التي تعود إلي الحضارة المصرية القديمة وبه عدد من الأواني الفخارية التي يرجع عمرها إلي 6 آلاف سنة قبل الميلاد .
كما يوضح الكاتب العلاقة بين الفن المعماري والحضارة باعتبارها ذات تأثير فعال ومستمر في صورة المجتمع عبر مراحله المختلفة فبورسعيد ليست قطعة من أوربا وهي ليست مدينة مصرية نقية وهذا هو حال العمارة في بورسعيد فهي مرآة صادقة لصور الحياة في المدينة منذ نشأتها ، فهناك طرزات مختلفة لعمائر المدينة فمنها ما هو طراز يوناني ،وطراز إيطالي ، ومصري قديم وإسلامي، ويمكن تلمس طراز البناء اليوناني في المبني الإداري التابع لهيئة قناة السويس والطراز الروماني في الوجهة الرائعة لمبني مسرح الليرة .
الاحتفالات والتنوير
في الباب الرابع يشرح لنا أساليب الاحتفال واللهو والترف التي كان يمارسها أهل المدينة فالأجانب من كل الجنسيات كانوا يحتفلون بجميع مناسباتهم وأعيادهم داخل المدينة فأنشأوا فرقة مسرحية موسيقية لهذا الغرض وكما كانت تقام سباقات القوارب ومسابقات الجري والعدو ومازالت الإحتفالات ومظاهرها مستمرة ومن أهمها الخماسين »شم النسيم«
كما انتشرت المقاهي في المدينة وكان روادها من الموظفيين والطلبة والمنتمين إلي الأحزاب السياسية السرية وكانت المقاهي مصايد للمرشدين والمخبرين وميادين للمعارك الانتخابية فكانت بمثابة منابر للسياسة وإلقاء الخطب وعقد المؤتمرات الشعبية.
كما تمت إقامة أكشاك لعزف الموسيقي، وكان هناك ثلاثة انواع من الموسيقي وهي موسيقي التخت، وموسيقي الآلات النحاسية ،والموسيقي الدينية ،بالإضافة الي موسيقي السمسمية والتي نشأ بظهورها فن جديد هو فن »السمسمية« .
ويوضح الباب الخامس مصادرالتنوير والإشعاع الثقافي في مدينة بورسعيد والتي تمثلت في السينما والمسرح ولعل أهم ما يميز السينما في بورسعيد هو فتواتها فكان لكل سينما فتوة خاص بها ومن أشهر دور السينما بالمدينة سينما ماجستك ،وأمبير، وإيسترن ، وريو ،وكلها في حي الأفرنج وفي حي المناخ توجد سينما مصر والأهلي.
أما بالنسبة للمسرح فقد عرفته المدينة منذ نشأتها الأولي حيث كانت تقام مجموعة من الحفلات والتمثيل والرقص وكان يحضرها الأجانب والوطنيون ويرجع الفضل في تأسيس أول دار عرض مسرحي أقيمت في مدينة بورسعيد إلي اليوناني »جريجو أرسولويدايس« الذي أسس تياترو الدرادو.
كما تعتبر المساجد والكنائس من أهم مصادر التنوير داخل المدينة ومن أول المساجد التي بنيت في المدينة المسجد التوفيقي الذي افتتح للصلاة في مايو 1885 وكان تحفة معمارية إسلامية تتسم بالأصالة والرشاقة والبساطة وظل هو الجامع الرسمي للمدينة إلي أن تم بناء المسجد العباسي عام 1905
وبجانب المساجد تم إقامة الكنائس للمسيحيين الأرثوذكس وأغلبهم من المسيحيين المصريين ومن أمثلة هذه الكنائس الكنيسة الفرنساوي وكنيسة النبي إلياس والكنيسة الإيطالية .
كما يشرح الكاتب نشأة مدينة بور فؤاد التوءم لبورسعيد والتي كان موقعها في الماضي مخصصا لعزل أصحاب الأمراض المعدية وإقامة الورش والمخازن والمستودعات ولكن مع زيادة حركة المرور في القناة وزيادة حمولات السفن وزيادة النشاط التجاري تعاظمت فكرة إنشاء هذه المدينة اللؤلوة التي خرجت من صدفة بورسعيد.وأصبحت الآن مدينة كبري تتلألأ علي الضفية الشرقية للقناة وتضم أكبر ميناء محوري في المنطقة .
وأخيراً يحتوي الكتاب علي مجموعة من الملاحق والصورالنادرة التي توضح تاريخ هذه المدينة الاستثناء
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.