كم كانت كبيرة تلك المكائد والمؤامرات التي حاكتها قطر ولا تزال بحق مصر، ولو أن لهذه الدولة بقية من حفظ المعروف لما أساءوا لدولة ساهمت في تحرير أرضهم في الماضي البعيد، حين انطلقت السفن العثمانية من ميناء "السويس" حاملة آلاف الجنود المصريين لتحرير"قطر" والخليج من الاستعمار البرتغالي في القرن السادس عشر.
لقد أدت الهزيمة المدوية للمماليك والعثمانيين مجتمعين أمام إمبراطورية البرتغال في معركة "ديو" البحرية قرب سواحل الهند عام 1509 م، إلى ضياع السيطرة الإسلامية على طرق التجارة البحرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وباتت السيطرة البرتغالية كاملة على المحيطين الهندي والأطلسي والخليج العربي والبحرين الأبيض والمتوسط.
كانت "قطر" و"عمان" و"البحرين" و"جزر أوال" بين أهم الموانئ التي احتلها البرتغاليون لفرض سيادتهم على سير التجارة وحركة البضائع عبر الخليج العربي والمحيط الهندي، وفقا لما ذكره المؤرخ محمد عيدروس فى كتابه "الصراع العثمانى البرتغالى فى الخليج فى القرن السادس عشر".
وبينما كانت إمبراطورية البرتغال، قد حسمت أمرها بحريا، كانت الدولة العثمانية تريد أن تحسم منطقة الشرق الأوسط تحت سلطانها بريا، وقد أدى انتصار السلطان سليم ياوز الأول في موقعة "جالديران" عام 1514م إلى كسر شوكة الدولة الصفوية في إيران
ومن ثم كان الصدام المحقق مع دولة المماليك، حلفاء الأمس ضد البرتغاليين، فكانت موقعة "مرج دابق" عام 1516م، التي حسمت انضمام مصر والشام والحجاز للخلافة العثمانية، وأصبح العالم الإسلامي يدار من خلال قطب واحد هم سلاطين "طآل عثمان".
بوفاة السلطان سليم الأول، تولى نجله سليمان القانوني الخلافة عام 1520م، لتشتعل حالة من الصراع المحموم على طرق التجارة البحرية بين العثمانيين والبرتغاليين، فمن أصبح له مقاليد البحر بات سيد العالم.
درس السلطان العثماني سواحله البحرية جيدا لبناء قاعدة بحرية جديدة، تكون نواة لانطلاق حملاته ضد البرتغاليين في الشرق، فوقعت عيناه على ميناء "السويس"، وأسند تلك المهمة إلى واليه في مصر، سليمان باشا الخادم، الذي حكم مصر بين عامي "1525- 1538"، وفقا لمحمد بك حليم فى كتابه "تاريخ الدولة العثمانية العلية".
أرسل السلطان خطابا إلى الصدر الأعظم، سليمان باشا، والي مصر، يأمره ببناء القاعدة البحرية بالسويس، مع الاستعانة ببقايا الأسطول المصرى المملوكى فى هذا الأمر، وبالفعل قام الوالي ببناء 700 سفينة حربية.
قاد سليمان باشا الحملة المصرية لتحرير اليمن ومنطقة الخليج العربي عام 1538م، فتمكنت الحملة التي خرجت من ميناء "السويس" من استرداد عدن، وبسط المصريون السيادة العثمانية على مضيق باب المندب، إلا أن الحملة لم تنجح في حسم الصراع مع البرتغاليين في "موقعة ديو الثانية" بالهند، فاكتفت بالسيطرة على الموانئ اليمنية.
أقبل عام 1546م، ليشتعل الصراع الصفوى العثماني من جديد، ولكن السلطان سليمان القانوني تمكن من السيطرة على البصرة، وبعد الاستيلاء العثماني على البصرة أقام العثمانيون قاعدة بحرية فيها للدفاع عن منطقة الخليج العربي ضد السيطرة البرتغالية التي سبقت الحكم العثماني.
وتمكن "أسطول السويس" الذي نزل بالبصرة من توطيد مركزه في مضيق "هرمز"، باعتباره المركز الرئيسي لحركة التجارة من الهند وإليها، والمحور الرئيسي للتجارة البحرية في الخليج العربي، ومن ثم تمكن من تحرير قطر وعمان والبحرين والإحساء في ذات العام من قبضة البرتغاليين.
أدت هذه السياسية، إلى الحد من نفوذ البرتغاليين في مياه الشرق الأوسط، كما أغاثت البحرية العثمانية الأقاليم المستغيثة في الهند، واستطاع سليمان باشا الخادم أن يسيطر على كافة الحصون التي بناها البرتغاليون في منطقة الخليج العربي.
بعد استدعاء سليمان باشا الخادم إلى القسطنطينية، وتوليه "الصدارة العظمى"، أسند الأسطول العثماني للقائد العثماني "بيرى رئيس"، ونال لقب "قبطان بحر القلزم" من الخليفة سليمان القانوني.
توجه بيرى على رأس 30 قطعة حربية من "ميناء السويس" عام 1552م، قاصدا سواحل الخليج العربي، ومضيقي باب المندب وهرمز، وكانت تعليمات السلطان سليمان القانوني، تقضي بأن يقوم بيري رئيس، بالطواف حول ساحل الجزيرة العربية لتنظيم إدارة موانئها، واستعادة الأماكن التي استولى عليها البرتغاليون، بعد أن تم تحريرها عام 1546م.
كما أرسل السلطان سليمان القانوني، تعليمات أخرى إلى باشا البصرة، لإبلاغها إلى بيري رئيس، تقضي باحتلال هرمز، والاستيلاء على جزر البحرين وقطر، وبعد أن وصل الأسطول العثماني ميناء جدة توجه إلى باب المندب، ومر في طريقه إلى البصرة بموانئ عدن وشحر وظفار.
وتمكن أسطول بيري رئيس، من الوصول إلى مسقط، ومعه خمس سفن كبيرة من تحرير قلعة "مسقط" بعمان، وأسر حاميتها التي ضمت ستين برتغالياً بعد مقاومة استمرت ثمانية عشر يوما، ورفع العلم العثماني على قلعتها، وشحن غنائمها والمدافع البرتغالية التي استولى عليها على ظهر سفنه.
اهتمت الدولة العثمانية بتأكيد سيطرتها على الخليج، حيث الساحل الشرقي للجزيرة العربية بخاصة البحرين، وتأمين مرور أسطولها في مضيق هرمز، واستندت لتحقيق هذا الهدف إلى القوات العثمانية في البصرة والإحساء، وعلى إمكانيات دار صناعة السفن العثمانية في البصرة والسويس، ليبقى لهذا الميناء فضله على تحرير منطقة الخليج.
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.